ابن الـ”ناتو” الضال .. لماذا أصبح إردوغان “صداعًا” لواشنطن الآن ؟

ابن الـ”ناتو” الضال .. لماذا أصبح إردوغان “صداعًا” لواشنطن الآن ؟

وكالات – كتابات :

نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تقريرًا للصحافي؛ “مايكل كرولي”، يتحدث عن أنَّ الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، لا يزال يُثير قلق “واشنطن” في جبهاتٍ مختلفةٍ، رغم جهوده في اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.

ويُشير الكاتب في مطلع تقريره إلى أنَّ “إردوغان” لعب دور رجل الدولة الخيِّر، عندما توصلت “روسيا” و”أوكرانيا” إلى اتفاق؛ يوم الجمعة الماضي، لرفع الحظر عن تصدير الحبوب الأوكرانية.

وقال “إردوغان”، الذي كان جالسًا بجانب الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” في قصر عثماني بـ”إسطنبول”، إن الاتفاقية التي توسطت “تركيا” في إبرامها ستُفيد: “البشرية جمعاء”.

ترحيب حذر وإزعاج كبير..

ويُلفت الكاتب إلى أن إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، رحَّبت بالاتفاق، الذي يُمكنه تخفيف أزمة الغذاء العالمية المتفاقمة بسبب الغزو الروسي لـ”أوكرانيا” وحصار موانئها، وأعرب المسؤولون عن شكوكهم بشأن مدى حُسْن نية “روسيا”، ذلك أن الصواريخ الروسية قصفت مدينة “أوديسا” الساحلية الأوكرانية؛ بعد أقل من يوم من توقيع الاتفاقية؛ (بحسب الإدعاءات الأميركية/الأوكرانية التي فشلوا في إثباتها حتى الآن)، ومع ذلك، أشاد متحدث باسم “البيت الأبيض” بجهود “إردوغان” في هذا الصدد.

لكن وراء الأبواب المغلقة، يظل “إردوغان” مصدرَ إزعاجٍ كبيرًا في عيون مسؤولي إدارة “بايدن”.

فقبل أيام من ترؤسه اتفاقية تصدير الحبوب، جدَّد “المستبد التركي”؛ بحسب وصف الكاتب، تحذيره من أنه قد يستخدم حق النقض ضد خطط “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، لقبول عضوية “السويد وفنلندا” الأشهر المقبلة، وهو تصرف يضع الحلف وإدارة “بايدن” في موقفٍ مُحرجٍ للغاية في وقتٍ يعكفون فيه على مواجهة “روسيا”.

وعبَّر “الكونغرس”؛ هذا الشهر، عن مخاوفه بشأن تعهد “بايدن” في قمة حلف الـ (ناتو)؛ في “إسبانيا”، الشهر الماضي، ببيع عشرات الطائرات المقاتلة من طراز (إف-16) إلى “تركيا”.

تحركاتٌ مُقلقة..

ونوَّه الكاتب إلى أن “إردوغان” سافر إلى “طهران”؛ الثلاثاء الماضي، لعقد اجتماعات مع الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، والرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، وقال محللون إن صور خصمين رئيسين لـ”واشنطن” مع “إردوغان”، زعيم دولة في الـ (ناتو)، تتناقض مع الرواية الغربية بشأن عزلة “إيران” و”روسيا”.

ثم كرَّرت المتحدثة باسم “البيت الأبيض”؛ يوم الجمعة، مخاوف “واشنطن” بشأن تهديدات “إردوغان”؛ شن: “غزو” جديدٍ على شمال “سوريا”، يستهدف المقاتلين الأكراد المدعومين من “الولايات المتحدة”؛ والذين يَعُدُّهم “إردوغان” إرهابيين.

ويرى الكاتب أن تصرفات “إردوغان” تلك عند ربطها معًا، وقدرة “بايدن” المحدودة على كبح جماحها، تُبرز الوضع الفريد للزعيم التركي بوصفه حليفًا عسكريًّا على خلاف في كثير من الأحيان مع أجندة حلفائه الغربيين، وفي نظر المسؤولين الأميركيين، غالبًا ما يُثير هذا الدور غضبًا شديدًا.

لا يلتزم بخط الفريق..

وينقل الكاتب عن “إليزابيث شاكلفورد”، موظفة سابقة في “وزارة الخارجية”، قولها أنَّ: “إردوغان يتصرف في الـ (ناتو) بالطريقة ذاتها التي يتصرف بها؛ جو مانشين، في الكونغرس”، في إشارة إلى السيناتور الديمقراطي المحافظ من ولاية “فرغينيا” الغربية؛ الذي أعاق أجندة “بايدن” المحلية، وأوضحت قائلة: “إنه في فريقنا، لكنه يفعل أشياء من الواضح أنها لا تخدم الفريق، وأنا لا أرى أن هذا الأمر سيتغير”.

لكن مسؤولي إدارة “بايدن” يقولون إن استبعاد “إردوغان” كليةً سيكون هزيمة ذاتية، ذلك أن موقع بلاده عند مفترق طرق بين الشرق والغرب، أكسبها أهمية إستراتيجية، ويسمح ذلك لـ”إردوغان” بأن يكون محاورًا مع جيران أكثر إزعاجًا، كما يتضح من صفقة تصدير الحبوب التي خلقت ممرًا منزوع السلاح عبر “البحر الأسود” للصادرات الزراعية الأوكرانية.

وقال مسؤول أميركي كبير؛ إن كثيرًا من سلوك “إردوغان” الإشكالي ينبع من ضعفه السياسي في “تركيا”، مع ارتفاع معدل التضخم إلى ما يقرب من: 80% الشهر الماضي، وعلى أمل تشتيت الانتباه عن إدارته السيئة للاقتصاد، تحوَّل “إردوغان” إلى الاستعراضات المتغطرسة، التي تُداعب المشاعر القومية الغوغائية بسبب تهديد حزب (العمال الكُردستاني)؛ (وهي حركة انفصالية كُردية في تركيا)، والجماعات الكُردية في “سوريا”.

بين الرفض والقبول..

ويُشير الكاتب إلى أن مبادرات الـ (ناتو) الرئيسة، مثل التوسيع المقترح للحلف المكون من: 30 عضوًا ليشمل “السويد وفنلندا”، تستلزم موافقة الأعضاء بالإجماع، وقال “بايدن”؛ في آيار/مايو، إنه يأمل أن ينضم البلَدَان “سريعًا” إلى ما سيكون ضربة إستراتيجية كبيرة لـ”بوتين”.

لكن “إردوغان” أثار اعتراضات على طلبات البلدين، واشتكى من أن كلا العضوين الجديدين المحتملين قدما دعمًا سياسيًّا وماليًّا لحزب (العمال الكُردستاني)، الذي وصفته “الولايات المتحدة” بأنه منظمة إرهابية بسبب تاريخها في الهجمات العنيفة، وكان مسؤولو “الولايات المتحدة” وحلف الـ (ناتو) قلقين من احتمالية إنهيار التوسُّع المُخّطط له، وهو ما قد يوفر نصرًا دعائيًّا كبيرًا لـ”بوتين”، الذي عمل منذ مدةٍ طويلةٍ على تقسيم الحلف.

وتنفس قادة الـ (ناتو) الصعداء في قمتهم الشهر الماضي؛ عندما توصَّل السيد “إردوغان” إلى اتفاق مع قادة “السويد وفنلندا”، اللذين تعهدا بالعمل ضد المنظمات الإرهابية، والانضمام إلى اتفاقيات تسليم المجرمين مع “تركيا”، التي تُريد محاكمة أعضاء حزب (العمال الكُردستاني)؛ الذين يعيشون في تلك البلدان.

بدا “بايدن” ممتنًا للغاية بتحقيق هذا الاختراق، وقال لـ”إردوغان” في حضور الصحافيين: “أود أن أشكركم على ما فعلتموه حيال تسوية الوضع فيما يتعلق بفنلندا والسويد”.

وقالت الاتفاقية المكونة من صفحتين؛ والتي صيغت بلغة عامة، إن “السويد وفنلندا” ستُعالجان: “طلبات الترحيل أو التسليم المُعلَّقة للمُشتبه فيهم بارتكاب أعمال إرهابية على وجه السرعة وعلى نحوٍ شاملٍ”، لكن مسؤولين أتراك قالوا إنهم يتوقَّعون تسليم أكثر من: 70 فردًا، ولم يتضح بعد هل ستقبل “السويد وفنلندا” ذلك أم لا، وكيف يمكن أن يكون رد فعل “إردوغان” إذا رفضتا.

وحذَّر “إردوغان”؛ يوم الإثنين الماضي، من أنه لا يزال بإمكانه: “تجميد” توسُّع الـ (ناتو) إذا لم تُلبَّ مطالبه.

السعي وراء الـ”إف-16″..

وأضاف الكاتب أن “بايدن” أخبر “إردوغان”؛ في “إسبانيا”، دعمه بيع: 40 طائرة مقاتلة أميركية من طراز (إف-16) طلبتها “تركيا”؛ الخريف الماضي، إلى جانب ترقيات تقنية لعشرات المقاتلات التي تمتلكها “أنقرة” بالفعل، وتُريد “تركيا” هذه الطائرات جزئيًّا لأن إدارة “ترامب” ألغت خططًا لبيع طائرات مقاتلة متطورة من طراز (إف-35) لـ”تركيا”؛ في عام 2019، بعد أن اشترى “إردوغان”، في واحدة من أكثر تحركاته الأخيرة إرباكًا، نظام الصواريخ الروسية المضادة للطائرات (إس-400) متحديًا التحذيرات الأميركية.

ونفى “بايدن” أنه عرض الطائرات من أجل شراء دعم “إردوغان” لتوسيع الـ (ناتو)، وقال: “لم يكن هناك مُقّايضة في هذا الموقف، والأمر يتلخص فقط في رؤيتنا أن هناك ضرورة للبيع، ولذلك بِعنا”، وأضاف مستدركًا: “لكنني بحاجةٍ إلى موافقة الكونغرس لأتمكن من القيام بذلك، وأعتقد أنه يُمكننا تأمين تلك الموافقة”.

موافقة صعبة..

وألمح الكاتب إلى أن موافقة “الكونغرس” قد لا تكون أمرًا مفروغًا منه، ولم يتضح بعد هل يمكن أن يمنع “إردوغان” التوسُّع الذي اقترحه الـ (ناتو)؛ حتى يتوصَّل إلى اتفاق بشأن طائرات (إف-16) أم لا.

ووافق “مجلس النواب”؛ هذا الشهر، على تعديل لمشروع قانون السياسة العسكرية السنوي، الذي يُطالب “بايدن” بالتصديق على أن أي بيع للطائرات المقاتلة يخدم المصالح الوطنية الحيوية لـ”أميركا”، وأن “تركيا” لن تستخدم الطائرات لانتهاك المجال الجوي لـ”اليونان”، جارتها في “بحر إيجة”، وحليفتها في الـ (ناتو)؛ التي تخوض “أنقرة” معها نزاعًا مريرًا بشأن عدد من القضايا.

كذلك استشهد النائب الديمقراطي؛ “كريس باباس”، عن ولاية “نيو هامبشاير”، وراعي التعديل، بشراء “إردوغان” نظام الصواريخ الروسي، والموقف الملتبس تجاه الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”، ووصف “إردوغان” الغزو بأنه: “غير مقبول”، لكنه لم ينضم إلى العقوبات التي فرضتها “الولايات المتحدة” وحلفاؤها على “روسيا”.

وقال “باباس”: “هذا يكفي، لقد دعمت تركيا الجانبين في أزمة أوكرانيا، ولم يكونوا الحليف الموثوق به الذي يجب أن نكون قادرين على الاعتماد عليه”، وأضاف: “أعتقد أنه من الضروري أن تتخذ إدارة بايدن موقفًا أقوى”.

وبمجرد أن يطلب “البيت الأبيض” رسميًّا من “الكونغرس” الموافقة على بيع الطائرات، سيحتاج “بايدن” إلى دعم الأعضاء المؤثرين الآخرين الذين انتقدوا “إردوغان” بشدةٍ، بما في ذلك السيناتور الديمقراطي؛ “بوب مينينديز”، من ولاية “نيوغيرسي”، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بـ”مجلس الشيوخ”.

وقد تشكك “مينينديز” سابقًا في ولاء “تركيا”؛ لـ (الناتو)، بالأساس، وفي جلسة استماع الشهر الماضي؛ بشأن التوسُّع المقترح لحلف الـ (ناتو)، قال إنه: “مع مرور الوقت، سنجد أن مخاوف اللحظة الأخيرة لدى تركيا، التي تقف في طريق هذه العملية، لا تخدم سوى مصالح بوتين”.

تحذيرات أميركية..

وأضاف الكاتب أن “مينينديز” أصدر بيانًا الشهر الماضي؛ مع نظيره السيناتور الجمهوري؛ “جيم ريش”، من ولاية “أيداهو”، في لجنة العلاقات الخارجية، حذَّرا فيه؛ “إردوغان”، من تهديده بغزو شمال “سوريا”، وانضم إليهما النائب الديمقراطي؛ “غريغوري دبليو ميكس”، من ولاية “نيويورك”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بـ”مجلس النواب”، ونظيره الجمهوري النائب؛ “مايكل ماكول”، من ولاية “تكساس”.

وقال المشرِّعون في البيان إن الغزو المحتمل ستكون له: “نتائج كارثية”، مما يُهدد العمليات المحلية ضد فلول تنظيم (داعش)، ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في “سوريا”، وأضاف مسؤول في (البنتاغون) مؤخرًا إلى التحذيرات الأميركية.

وتنقل الصحيفة عن “دانا سترول”، نائبة مساعد وزير الدفاع، قولها هذا الشهر في معهد (واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، إننا: “نُعارض بشدةٍ أي عملية تركية في شمال سوريا، وقد أوضحنا اعتراضاتنا لتركيا”، مشدِّدة على أن: “(داعش) ستستغل تلك الحملة”.

ويُحذِّر بعض أشد منتقدي “إردوغان” من حلقة لا نهاية لها، يفوز فيها الزعيم التركي بتنازلاتٍ من “الولايات المتحدة” وحلفاء آخرين في الـ (ناتو)، مثل الحصول على الطائرات المقاتلة الجديدة، وتأمين اتجاه أكثر صرامة ضد مقاتلي الميليشيات الكُردية، فقط لتصعيد مطالبه في المستقبل.

ويختم الكاتب تقريره مستشهدًا بمقولة لـ”مارك والاس”، مؤسس “مشروع الديمقراطية التركية”، وهي مجموعة تنتقد “إردوغان” ونزعته الاستبدادية؛ بحسب وصف الكاتب: “تلك الرقصة حول طائرات (إف-16) تعكس دبلوماسية الطائرات المقاتلة، والتي تُخفي ما يحدث بالفعل هنا”، موضحًا أن: “الحليف الجيد، ناهيك عن كونه حليفًا جيدًا في الـ (ناتو)، لا يستخدم الابتزاز للحصول على ما يُريد في اللحظات الحاسمة في تاريخ الحلف”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة