17 أبريل، 2024 9:19 م
Search
Close this search box.

ابتزاز سياسي .. “ماكرون” يُحاول الخروج من مأزقه بالتسوية بين القوى السياسية .. فهل ينجح ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد ثلاثة أيام من تعرضه لضربة سياسية موجعة تسببت في فقدان حزبه الأغلبية البرلمانية، بدأ الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، في لململة أوراقه ليخرج من ذلك المأزق، ليقترح “التشريع بطريقة مختلفة” على أساس التسويات بين القوى السياسية المتنوعة.
وبعد يومين من الاجتماعات المتتالية مع قادة الأحزاب المتنافسة، في محاولة لإظهار استعداده للحوار، خرج “ماكرون” بخطابًا عامًا متلفزًا، قال فيه: “يجب أن نتعلم بشكل جماعي كيف نحكم ونشرع بطريقة مختلفة”، وعرض: “بناء بعض التنازلات الجديدة مع الحركات السياسية التي تتألف منها الجمعية الجديدة”.
وأردف قائلا: “يجب ألا يعني ذلك الجمود (السياسي). يجب أن تعني صفقات”.
جاء ذلك؛ بعد ساعات من دخول الزعيمة اليمينية المتطرفة؛ “مارين لوبان”، دخولًا كبيرًا إلى “الجمعية الوطنية” مع عشرات المشرعين من حزب (التجمع الوطني) الذي تنتمي إليه، والذي حصل على: 89 مقعدًا في انتخابات الأحد الماضي.
وفاز تحالف (معًا)؛ التابع لـ”ماكرون”، بأكبر عدد من المقاعد – 245 – ولكن هذا أقل: بـ 44 مقعدًا من الأغلبية في أقوى مجلس برلمان في “فرنسا”.
وظهرت قوة المعارضة الرئيسة؛ وهي تحالف (نوبيس) اليساري؛ الذي أنشأه المتشدد اليساري المُثير للجدل؛ “جان لوك ميلينشون”، بحصوله على: 131 مقعدًا.
تصعب تنفيذ وعوده الانتخابية..
وبسبب تلك النتيجة يصعب على “ماكرون” الوفاء بوعوده الانتخابية؛ مثل تدابير تعزيز القوة الشرائية والتخفيضات الضريبية ورفع الحد الأدنى لسن التقاعد من: 62 إلى 65.
ولا تزال حكومته قادرة على الحكم، ولكن فقط من خلال المساومة مع المشرعين.
وما زال “ماكرون” يحتفظ بالسيطرة على السياسة الخارجية، حيث يتجه اليوم الخميس إلى سلسلة من القمم العالمية من المتوقع أن تُركز على الحرب في “أوكرانيا”.
في السياق ذاته؛ قال “ماكرون” إن تشكيل “الجمعية الوطنية” يُردد أصداء: “تصدعات وانقسامات عميقة في جميع أنحاء بلادنا”.
وأضاف: “أعتقد أنه من الممكن … إيجاد أغلبية أوسع وأكثر وضوحًا لاتخاذ إجراء”.
ثم سرد سلسلة من الإجراءات المدرجة في برنامجه السياسي، ما يُشير إلى أنه لا ينوي تغيير سياساته بشكل جذري.
استبعاد المعارضة لإنشاء تحالف حكومي..
وحث “ماكرون”؛ الأحزاب السياسية، على الإعلان في غضون اليومين المقبلين عما إذا كانت مستعدة لتشكيل ائتلاف حكومي أو الإلتزام بالتصويت على بعض مشاريع القوانين على أساس كل حالة على حدى.
غير أنه يبدو أن هؤلاء الخصوم مصممون على البقاء في معارضة “ماكرون”؛ وليسوا حريصين على التعاون أو التسوية معه، حيث أشار قادة من الأحزاب الرئيسة، بما في ذلك الائتلاف اليساري والمحافظين واليمين المتطرف، إلى أن التحالف الحكومي ليس خيارًا.
واستبعد “ماكرون” فكرة: “الاتحاد الوطني”؛ الذي يشمل جميع القوى السياسية في الحكومة باعتباره: “غير مبرر حتى يومنا هذا”.
ولم تمنح نتائج الانتخابات البرلمانية؛ التي أعلن عنها الأحد، الأغلبية لأي حزب، فضلاً عن تحقيق اليمين المتطرف بزعامة؛ “ماريان لوبان”، تقدمًا كبيرًا، ما قرأه مراقبون بأنه سيؤدي إلى: “انقسام المشهد السياسي إلى 03 كتل، هي الوسط بقيادة ماكرون، واليمين المتطرف بقيادة لوبان، وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي وصولاً إلى الاشتراكيين، بقيادة جان لوك ميلينشون؛ (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد)”.
احتمالان لا ثالث لهما أمام “ماكرون” !
ويقول تقرير بصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية؛ أن “ماكرون” أمامه احتمالان لا ثالث لهما: إما أن ينجح في إقناع المجموعة الأخيرة بالدخول مع تكتله في ائتلاف حكومي يتم التفاوض على شروطه بين الطرفين؛ على غرار ما هو حاصل في “ألمانيا” مثلاً، بحيث يكون الرابط بين المجموعتين الإلتزام بمضمون الاتفاق، أي السياسات التي ستنُفّذها الحكومة للسنوات الخمس القادمة – والتوصل إلى اتفاق كهذا له ثمن يتعين على “ماكرون” دفعه عن طريق توزير شخصيات من “الجمهورويون” – أو عن طريق قبول التعديلات التي يطرحها شريكه على السياسات الحكومية. أما الحل الآخر فيقوم على السعي لإيجاد أكثرية متحركة أو متغيرة، إن لدى اليمين أو اليسار وحسب مشاريع القوانين المعروضة.
وتُجدر الإشارة إلى أن “ماكرون”؛ الذي جاء إلى السلطة في عام 2017، رافعًا راية تجاوز الأحزاب والإيديولوجيات، استعار لرئاسة حكومات عهده الأول شخصيتين يمينيتين هما: “إدوار فيليب” و”جان كاستيكس”. كذلك، فإن أبرز وزيرين في حكومته الراهنة يأتيان من صفوف اليمين؛ وهما: “برونو لومير”، وزير الاقتصاد، و”غيرالد درامانان”، وزير الداخلية. يُضاف إليهما: “داميان أباد”، وزير المعاقين ورئيس مجموعة نواب “الجمهوريون” في البرلمان السابق.
وإذا نجح رئيس الجمهورية في اجتذاب “الجمهوريون” ككل، يكون قد وجد حلاً لمعضلته لأن عددهم يفوق الستين.
إلا أن مشكلته تكمن في وجود انقسامات عميقة داخل صفوف الحزب لجهة كيفية التعاطي مع عهده.
لن يكون سترة نجاة..
وأمس، قال رئيسه “كريستيان غاكوب”؛ الذي كان أول من التقاهم “ماكرون”، إن حزبه: “يرفض الدخول في منطق (السير) بائتلاف”، وإنه لن يلعب دور سترة النجاة لـ”ماكرون”. إلا أنه، في المقابل أردف مؤكدًا أنه: “لن يكون أبدًا سببًا في شلل المؤسسات”، داعيًا رئيس الجمهورية إلى: “كشف مقترحاته”. لكنّ موقف “غاكوب” لا يُلاقي إجماعًا داخل الحزب. والدليل على ذلك أن شخصية بارزة فيه هو النائب والوزير السابق؛ “جان فرنسوا كوبيه”، دعا إلى الإنخراط في ائتلاف حكومي مع “ماكرون”.
ويدفع الرئيس اليميني الأسبق؛ “نيكولا ساركوزي”، في هذا الاتجاه أيضًا، وسبق له أن دعا مرشحين للانتخابات للإنضواء تحت راية الحزب الرئاسي (النهضة)؛ أو تحت راية تكتله (معًا).
وما يُشجع “ماكرون” على العمل في هذا الاتجاه؛ وجود تقارب سياسي وإيديولوجي وبرنامجي بين الطرفين؛ بعكس ما هي الحال مع المجموعات السياسية الأخرى.
عقاب لـ”ماكرون” وحزبه..
تعليقًا على ما حدث؛ يرى السياسي الفرنسي؛ “مراد الحطاب”، أن: “الفرنسيين عاقبوا ماكرون وحزبه بهذه النتائج في الانتخابات، ردًا على الإدارة السيئة لعدد من الملفات خلال فترة ولايته الأولى؛ منذ عام 2017، وعدم قدرته على احتواء الأزمات المتعاقبة على الفرنسيين، في مقدمتها الأزمة الاقتصادية”، متوقعًا أن: “يجد ماكرون صعوبة في عقد تحالفات مستقبلية مع القوى السياسية التي تُشارك حزبه في الأغلبية البرلمانية”.
وأرجع السبب في ذلك؛ إلى أن “ماكرون”: “لا يملك برنامجًا إصلاحيًا قويًا، ومعظم الإجراءات التي أعلن عنها مسبقًا بخصوص قوانين الرعاية الاجتماعية أو قانون المعاشات والتقاعد، تصطدم مع ما يُريده الشارع، لذلك سيتوجب عليه تعديل أجندته مسبقًا”.
وأكد “الحطاب” على: “أهمية أن تضع الحكومة المقبلة الاقتصاد في مقدمة أولوياتها، لأن الضغط الاقتصادي لا يمكن تحمله، وهذه ليست سوى البداية”.
وأشار إلى أن التضخم وصل في “فرنسا” إلى: 07 بالمئة، إلى جانب: “النقص غير الطبيعي في الغذاء في فرنسا، بينما كانت الزراعة الفرنسية قوية قبل بضع سنوات، وهو أمر يُسأل عنه الرئيس وحكومته، ويحتاج إلى حلول عاجلة ومنجزة لا تزال غائبة”.
سيتعرض للابتزاز السياسي..
وتقول (دوتشيه فيلة) الألمانية؛ أن “فرنسا” قد تتحول إلى بلد يصعب حكمه بجعل الرئيس خاضعًا للابتزاز السياسي، حيث ذهب “جان فرانسوا كوبي”، أحد وجوه المحافظين، إلى حد مقارنة الوضع الحالي بـ”جمهورية فايمار” الألمانية: “كان هناك يمين متطرف ويسار متطرف في ألمانيا، معسكران واجها بعضهما البعض بعنف شديد لمدة عشر سنوات؛ انتهت بوصول الديكتاتورية للحكم. يمكن أن يحدث هذا بالتأكيد في فرنسا اليوم. علينا أن نضع ذلك في الحسبان عندما نتخذ قرارات بعيدة المدى في الأيام القليلة المقبلة”.
كما ذهبت صحيفة (يولاندس بوستن) الدنماركية؛ في نفس الاتجاه، وكتبت: “ستكون الخمس سنوات المقبلة طويلة على؛ إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه. إنه لأمر سيء بما فيه الكفاية أن يتم انتخابه لولاية ثانية قبل أن يبدأ الناخبون في التخلص من أسس سلطته. تُثير هذه الانتخابات البرلمانية أسئلة حول كيف وإلى أي مدى يمكن أن تُحكم فرنسا في المستقبل القريب تزامنًا مع الحروب والأزمات المرتسمة في الأفق”.
أما المعارضة الفرنسية فتستعد: لـ”الانتقام” من الرئيس؛ “ماكرون”، الذي لطالما وصفته: بـ”المتغطرس”، نسبة إلى طريقته في الحكم. وأعطتها نتائج الانتخابات الأخيرة فرصة للضغط عليه بالعمل على جعله يدفع الثمن من أجل الحصول على أي دعم منها. “كريستيان غاكوب”، رئيس حزب (الجمهوريين)، قال حرفيًا: “إنه كان متغطرسًا؛ والآن يطلب المساعدة (..) قمنا بحملتنا في المعارضة… وسنظل في المعارضة”.
وأضاف أنه أبلغ الرئيس؛ “ماكرون”، بأن إبرام أي اتفاق لتشكيل ائتلاف سيعتبره الناخبون المؤيدون للحزب: “خيانة”. ولربما فضلت المعارضة عدم الدخول مع الرئيس في أي تحالف، ما سيفتح الباب للمزايدات بمناسبة تقديم كل مشروع قانون على حدى.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب