20 أبريل، 2024 5:20 ص
Search
Close this search box.

“إيكونوميست”: أوروبا هي الخاسر الأكبر في صراع “بوتين-بايدن” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

فجأة وجدت “أوروبا” نفسها الخاسر الأكبر في الحرب الأوكرانية، التي تُعتبر صراعًا جيوسياسيًا بين “روسيا” و”أميركا”.. فكيف تواجه القارة العجوز أزمة طاقة خطيرة تُهّدد اقتصّادياتها وتماسكها كذلك ؟

تناولت مجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية؛ المعضلة التي تواجهّها “أوروبا”، بسبب الصراعات الجيّوسياسية بين القوى الكبرى، “الولايات المتحدة والصين وروسيا”، وذلك في تقرير بعنوان: “أوروبا تواجه أزمة مستمرة في الطاقة والجغرافيا السياسية”.

فإذا سألت أصدقاء “أوروبا” على مستوى العالم؛ عن رأيهم فيما ينتظر القارة العجوز مستقبلاً، فغالبًا ما سيُعّربون عن شعورين، الإعجاب أولهما. ففي مساعيها الحثيثة لمساعدة “أوكرانيا” والتصدي للعدوان الروسي، أظهرت “أوروبا” الوحدة والإصرار والاستعداد من حيث المبدأ لتحمل ثمنه الباهظ؛ بحسب تعبيرات المجلة البريطانية.

أما الشعور الثاني فهو الانزعاج. إذ ستُشّكل الضغوط الاقتصادية القاسية اختبارًا لصمود “أوروبا”؛ عام 2023 وما بعده. وتتنامى المخاوف من أن تُهدد إعادة تشّكيل نظام الطاقة العالمي والشعبوية الاقتصادية الأميركية والخلافات الجيوسياسية القدرة التنافسية طويلة المدى لـ”الاتحاد الأوروبي” وغير الأعضاء فيه، مثل: “بريطانيا”. والخطر لا يُحيّق بازدهار القارة فحسب، بل بسلامة التحالف عبر الأطلسي أيضًا.

أوروبا تعيش “أحلام اليقظة” في أزمة الغاز !

لا ينخدع أحد بسيل الأخبار السارة القادم من “أوروبا”؛ خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث انخفضت أسعار الطاقة منذ فصل الصيف، واستقرار الطقس يعني أن مخزون “الغاز” شبه ممتليء.

لكن أزمة الطاقة ما زالت تُشّكل مخاطر جمة بالنسبة للقارة العجوز، إذ ارتفعت أسعار الغاز: 06 مرات عن متوسطها على المدى الطويل. وفي 22 تشرين ثان/نوفمبر، هددت “روسيا” بإغلاق آخر خط أنابيب ينقل الغاز إلى “أوروبا”، في الوقت الذي تسببت الهجمات الصاروخية في انقطاع طاريء للتيار الكهربائي في “أوكرانيا”. وستحتاج “أوروبا” لتخزين الغاز من جديد؛ عام 2023، وهذه المرة دون أي أنابيب روسية.

وعلى الأرجح ستمتد تداعيات سلاح الطاقة الذي يستعمله الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، إلى خارج حدود “أوكرانيا”، إذ تُشير الإحصائيات إلى أنه في فصل الشتاء العادي، يرتبط ارتفاع أسعار الطاقة الحقيقية بنسبة: 10% بزيادة عدد الوفيات بنسبة: 0.6%.

وبالتالي، فأزمة الطاقة هذا العام قد تُسبب أكثر من: 100 ألف حالة وفاة جديدة بين كبار السن على مستوى “أوروبا”. ولو حدث ذلك، فسلاح الطاقة الذي يمتلكه “بوتين” يمكن أن يؤدي بحياة عدد أكبر من الأرواح خارج “أوكرانيا”، أكثر مما تفعله مدفعيته وصواريخه ومُسيّراته داخلها، وهذا سبب آخر يجعل معركة “أوكرانيا” مع “روسيا” معركة “أوروبا” أيضًا، بحسب مزاعم تقرير الصحيفة البريطانية المضلل عن الحقائق.

كما تتسبب الحرب في “أوكرانيا” في مشكلات مالية، فأثر تضخم أسعار الطاقة يطال بقية الاقتصاد الأوروبي، مسببًا أزمة كبيرة لـ”البنك المركزي الأوروبي”. إذ إنه سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة للسيطرة على الأسعار. ولكنه إذا رفعها بدرجة مبالغٍ بها فقد يتزعزع استقرار الدول الضعيفة في “منطقة اليورو”، وليس أقلها: “إيطاليا” المُثّقلة بالديون.

وفي الوقت الذي تحتدم فيه أزمة الطاقة، كشفت الحرب عن ثغرات في نموذج الأعمال الأوروبي، إذ يعتمد عدد كبير جدًا من الشركات الصناعية في “أوروبا”، خصوصًا الشركات الألمانية، على التدفق الوفير للطاقة من “روسيا”. وأصبحت شركات كثيرة أيضًا أكثر اعتمادًا على “الصين”، لتكون سّوقها النهائية. وأثار احتمال قطع العلاقات مع “روسيا”، وارتفاع التكاليف الهيكلية، وانفصال الغرب و”الصين”، مخاوف العديد من الشركات.

وتُعتّبر شركة الكيماويات الألمانية؛ (BASF)، وهي أكبر مصنع في العالم، وعمّرها أكثر من قرن ونصف القرن، ومنتجاتها أساسية لعدد ضخم من السلع، من الحفاضات ومعجون الأسنان والمسّكنات إلى السيارات، مثالاً بارزًا في هذا السياق، إذ تُمثل أزمة “الغاز الروسي” تهديدًا وجوديًا لتلك الشركة العملاقة.

إذ نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ تقريرًا عنوانه: “كيف يمكن لترشيد الغاز في مصنع (BASF) للكيماويات إغراق أوروبا في أزمة ؟”، رصد مدى أهمية الشركة الألمانية العملاقة للاقتصاد الألماني خاصة، والأوروبي بشكلٍ عام، وما يُمثله “الغاز الروسي” من أهمية وجودية لتلك الشركة.

فكل شيء متصل ببعضه في موقع “لدفيغ شايفين”، التابع لـ”شركة الكيماويات الألمانية”؛ (BASF)، وهو مُجمّع صناعي مساحته: 10 كيلومترات مربعة مترامي الأطراف، لدرجة أنَّ الشركة تُدير شبكة حافلاتها لتوجيه الموظفين من بواباتها إلى أماكن عملهم، كما تُضَخ المنتجات الثانوية من صناعة “الأمونيا” في الشركة عبر شبكة خطوط أنابيب يبلغ طولها: 2850 كيلومترًا من أحد طرفي الموقع إلى الآخر، حيث يُعّاد تدويرها لإنتاج الأسمدة أو المطهرات أو سائل عادم الديزل أو “ثاني أكسيد الكربون” للمشروبات الغازية.

كان ما يُسمَى بمبدأ الإنتاج المُركّب عاملاً رئيسًا في صعود شركة (BASF) لمدة: 157 عامًا من مصنع (Baden Aniline and Soda)؛ إلى أكبر مصنع للمواد الكيميائية في العالم، لكن الآن، بعد أن فرضت “روسيا” قيودًا شديدة على صادرات الطاقة إلى “أوروبا”، قد يكون هذا الترابط العبقري بين عمليات الإنتاج هو السبب في تراجعها.

حتى “أميركا” لا تُساعد حلفاءها الأوروبيين !

وما زاد هذه المخاوف؛ سياسة القومية الاقتصادية الأميركية، التي تُهدد بسحب النشاط عبر الأطلسي إلى زوبعة من معونات الدعم وسياسة الحماية الصناعية. إذ يتضمن “قانون الحد من التضخم”؛ الذي أصدره الرئيس؛ “جو بايدن”، 400 مليار دولار من أموال الدعم للطاقة والتصنيع والنقل شريطة أن يكون التصنيع في “أميركا”.

وهذا المشروع من نواحٍ كثيرة يُشبه السياسات الصناعية التي تتبعها “الصين” منذ عقود. وفيما تتبع هاتين الركيزتين التي يقوم عليهما الاقتصاد العالمي؛ سياسة أكثر تدخلية وقومية، فـ”أوروبا”، بإصرارها الغريب على التمسك بقواعد “منظمة التجارة العالمية” في التجارة الحرة، تبدو حمقاء، تقول الـ (إيكونوميست) في تقريرها.

والشركات بالفعل تتجاوب مع الإعانات المالية. إذ قالت شركة (Northvolt)، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال البطاريات السويدية، إنها ترغب في توسيع إنتاجها في “أميركا”. وتستثمر شركة (Iberdrola) الإسبانية للطاقة في “أميركا” ضعف ما تستثمره في “الاتحاد الأوروبي”.

ويُحذر عديد من رؤساء الشركات من أن الجمع بين الطاقة الباهظة الثمن والإعانات المالية الأميركية يُعرّض “أوروبا” لخطر تراجع التصنيع الشامل. وكشفت (باسف)، شركة الكيماويات الألمانية، مؤخرًا عن خطط لتقليص نشاطها في “أوروبا”: “بشكلٍ دائم”. ولا يُساعد “أوروبا” أيضًا أنها تتقدم في السن أسرع من “أميركا”.

خسارة الاستثمار تجعل “أوروبا” أكثر فقرًا، وتُغّذي الإحساس بتراجع النشاط الاقتصادي. ومقارنة بمسار الناتج المحلي الإجمالي الذي كانت عليه قبل انتشار فيروس (كورونا)، كان أداء “أوروبا” أسوأ من أي اتحاد اقتصادي آخر. فمن بين أكثر: 100 شركة ذات قيمة كبيرة في العالم، لا تضم “أوروبا” إلا: 14 منها فقط. وربما ينزع الساسة إلى تجاهل القواعد التقليدية والرد بتقديم معونات من جانبهم أيضًا. إذ اتهم وزير الاقتصاد الألماني؛ “أميركا”: بـ”ابتلاع الاستثمارات”. ودعا الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، إلى: “صحوة أوروبية”.

ما تأثير الحرب في “أوكرانيا” على “أوروبا” العام المقبل ؟

وبالتالي؛ فخلاف المعونات يُغّذي أيضًا التوترات بين “أميركا” و”أوروبا”. والدعم المالي والعسكري الأميركي لـ”أوكرانيا” يتجاوز إلى حدٍّ كبير الدعم الأوروبي، ومع تحويل “أميركا” تركيزها نحو “آسيا” لمواجهة التحدي الصيني، تبدو مستاءة من فشل “الاتحاد الأوروبي” في دفع ثمن أمنه.

إذ فشل معظم أعضاء الـ (ناتو) في تحقيق هدف إنفاق: 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وتعامل “الاتحاد الأوروبي” بسذاجة صادمة مع الهجوم الروسي على “أوكرانيا”. ورغم أن الحرب وحدّت “أميركا” و”أوروبا” بعد التمزقات التي شهدتها العلاقات بين الجانبين في سنوات الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، فهي عُرّضة لخطر أن تمزقها هذه الحرب الطويلة والتوترات الاقتصادية تدريجيًا مرة أخرى. وهذا سيروق كثيرًا للرئيس؛ “بوتين”، والرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”.

وتحاشيًا لوقوع خلاف خطير، فعلى “أميركا” أن ترى الصورة الأكبر، فنهج الحماية الذي ينتهجه “بايدن” يُهدد باستنزاف حيوية “أوروبا”؛ حتى في الوقت الذي تدعم فيه “أميركا”، الجيش الأوكراني، وتعبر أساطيل الناقلات “المحيط الأطلسي” لتزويد “أوروبا” بالطاقة.

الهدف الرئيس لسياسة؛ “بايدن”، يتمثل في منع “الصين” من الهيمنة على الصناعات الرئيسة: فليس لـ”أميركا” مصلحة إستراتيجية في اختلاس الاستثمار الأوروبي. ويُفترض أن تجعل الشركات الأوروبية مؤهلة للحصول على الدعم الذي تُقدمه للطاقة، وأن تُزيد من اندماج أسواق الطاقة عبر الأطلسي.

وفي الوقت نفسه، تحتاج “أوروبا” إلى حماية اقتصادها من شُح الطاقة. وعلى المشروعات التي تهدف إلى دعم المستهلكين والشركات لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الطاقة أن تكبح الطلب من خلال فرض أسعار أعلى على الهامش، مثلما تفعل “ألمانيا”. ولخفض أسعار الطاقة على المدى الطويل، على “أوروبا” تسّريع ثورة مصادر الطاقة المتجددة، وإبقاء أسواق الطاقة مفتوحة للمنافسة. وعليها أيضًا أن تتكيف مع الواقع الأمني الجديد. وهذا يعني زيادة الإنفاق على الدفاع حتى تتمكن من تحمل العبء في وقت تحول فيه “أميركا” تركيزها نحو “آسيا”.

وفضلاً عن الإعجاب والانزعاج، فالشعور الآخر الذي يحكم العلاقات عبر “الأطلسي”؛ هو الإحباط. فـ”أميركا” غاضبة من سُبات “أوروبا” الاقتصادي وفشلها في الدفاع عن نفسها. “أوروبا” غاضبة من الشعبوية الاقتصادية لـ”أميركا”. ولكن مثلما هو من الضروري ألا تنقسم “أوروبا” بسبب الحرب، فمن الأهمية بمكان أيضًا أن يتكيف أقوى تحالف ديمقراطي في التاريخ مع الوضع، وأن يصمد.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب