إيجابياته أفادت الحكومة وسلبياته يكتوي بها العراقي .. قرار خفض قيمة “الدينار” في الميزان بعد عام من تطبيقه !

إيجابياته أفادت الحكومة وسلبياته يكتوي بها العراقي .. قرار خفض قيمة “الدينار” في الميزان بعد عام من تطبيقه !

وكالات – كتابات :

في مثل هذه الأيام وقبل عام، أقر “البنك المركزي العراقي”، يوم 19 كانون أول/ديسمبر 2020؛ تخفيض قيمة “الدينار العراقي” من: 1200 دينار لكل دولار؛ إلى: 1460 دينارًا للدولار الواحد، بما يُعادل: 22%.

وعزا “البنك المركزي العراقي” أسباب تخفيض الدينار، آنذاك؛ إلى ما وصفه بالتشوهات الهيكلية في الاقتصاد العراقي التي أفقرت المالية العامة وقيدّت قدرة الإصلاح التي تسعى إليها الحكومة و”وزارة المالية”.

تسبب تخفيض الدينار في صدمة كبيرة للشارع العراقي؛ الذي لم يكن يتوقع خطوة كهذه، لا سيما أنها أتت في ذروة انتشار جائحة (كورونا)؛ التي تسببت في توقف الأعمال وتعطيل الدراسة وغلق الأسواق وحظر التجوال الصحي، فضلاً عما تسببت به من إنهيار في أسعار “النفط”، الذي يعتمد “العراق” على مبيعاته؛ لرفد الموازنة العامة بما نسبته: 95%.

وبعد عام كامل على تخفيض سعر صرف “الدينار”، يتساءل العراقيون وخبراء الاقتصاد عن أهم الإيجابيات والسلبيات التي تحققت.

ما الإيجابيات ؟

جاء قرار “العراق”، بتحفيض قيمة العُملة الوطنية؛ متزامنًا مع طرح الحكومة العراقية مشروع الإصلاح الاقتصادي؛ الذي أطلقت عليه: “الورقة البيضاء”، في وقت أكدت فيه الحكومة أنه كان ضروريًا لإصلاح النظام الهيكلي لاقتصاد البلاد.

وعن إيجابيات تخفيض قيمة العُملة، يؤكد المستشار المالي والاقتصادي للحكومة العراقية، “مظهر محمد صالح”؛ أن الفوائد المتحققة من تخفيض قيمة العُملة العراقية كبيرة؛ ولا يمكن التفريط بها، وأن الحديث عن العودة لسعر الصرف القديم بات من الماضي.

ويُضيف – في تصريح صحافي – أن تغيير سعر الصرف أعطى قوة لكثير من المفاصل الاقتصادية للبلاد، وهو ما يتسق مع تصريحات “البنك المركزي”؛ التي أكدت أن رفع سعر الصرف أدى إلى زيادة تنافسية المنتج المحلي، فضلاً عن تخفيض ضغط النفقات على “وزارة المالية” بنسبة: 23%، وهو ما مكّن “وزارة المالية” من تجاوز الأزمة الناتجة عن انخفاض أسعار “النفط” عالميًا، خلال 2020 والأشهر الأولى من 2021.

ما الذي جنته الحكومة ؟

وفي هذا الصدد؛ أوضح الخبير الاقتصادي، “همام الشماع” – خلال حديثه لـ (الجزيرة نت) – أن تغيير سعر الصرف فيه إيجابيات للحكومة وسلبيات أكبر على الشعب العراقي، مبينًا أن الحكومة استفادت من تخفيض العُملة في تعزيز ميزانيتها المالية من خلال توفير ما قيمته: 23% من رواتب الموظفين الذين يتقاضون رواتب من الحكومة مثل المتقاعدين والأجراء اليوميين.

وعن كيفية ذلك، أوضح أن رواتب الموظفين العراقيين تُصرف بـ”الدينار”، في حين أن واردات الدولة من “النفط”، بـ”الدولار”، وبالتالي، وبدل أن تخفض الدولة رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين واحتمال مواجهتها ردة شعبية، أرتأت تخفيض قيمة العُملة، بما مكنها من تجنب ردة الفعل التي كانت ستحصل رغم أن النتيجة واحدة في كلتا الحالين.

في السياق؛ فإن الحكومة العراقية تُعد الرابح الأكبر من تخفيض “الدينار” بما نسبته: 90%، وذلك بحسب عضو اللجنة المالية في البرلمان السابق والنائب الفائز بالانتخابات الأخيرة، “جمال كوجر”؛ الذي أشار إلى أن الحكومة وفرت ما بين: 20 إلى 23 تريليون دينار؛ نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية لرواتب الموظفين، مما أرتد بالنفع على الموازنة التشغيلية والاستثمارية في البلاد.

وفي حديثه لـ (الجزيرة نت)، يرى “كوجر” أن تغيير سعر الصرف كان إنقاذًا للعراقيين رغم تضررهم آنيًا، لا سيما أن اقتصاد “العراق”؛ يعتمد على الدولة بصورة شبه كلية مع عدم وجود قطاع خاص نشط، وأن الاستفادة الشعبية قد تكون على المدى الطويل.

أما عن ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي في “البنك المركزي”، فأوضح أن تغيير سعر الصرف أدى إلى زيادة حجم الاحتياطي بما يُقدر: بـ 15 مليار دولار؛ ليصل إلى قرابة: 65 مليار دولار.

ما السلبيات ؟

وبين من أمتدح تغيير سعر الصرف ومن انتقد الخطوة الحكومية، فإن “الشماع” يرى أن السلبيات كانت كبيرة وأدت بعد أيام من خفض قيمة “الدينار” إلى ارتفاع مجمل الأسعار في البلاد، مبينًا أن أسعار العقارات ارتفعت بنحو: 50%، فضلاً عن أن بعض المواد الغذائية ارتفعت أسعارها بأكثر من: 23%.

وأرجع ذلك إلى ردة الفعل وتراجع الثقة بالحكومة اقتصاديًا والخوف من تغيير جديد لسعر صرف العُملة، مما أدى خلال عام من الخطوة الحكومية إلى ارتفاع نسبة البطالة ومستوى التضخم لأرقام كبيرة لم يشهد “العراق” لها مثيلاً، منذ عام 2003، وفق “الشماع”.

ويتسق حديث “الشماع”؛ مع تصريحات “وزارة التخطيط” العراقية، التي جاءت على لسان المتحدث باسمها، “عبدالزهرة الونداوي”؛ الذي أشار – في بيان صحافي – قبل أيام إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة: 6.8%، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي؛ مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي 2020.

أما “جمال كوجر”، فحدد تضرر العراقيين في 03 نقاط، أولها تراجع قيمة إيرادات الشعب العراقي في القطاعين العام والخاص بنسبة: 23%، إضافة إلى فقدان العراقيين الثقة بالحكومة؛ بما انعكس على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة أكبر بكثير من تغيير سعر الصرف.

وفيما يتعلق بالنقطة الثالثة، فتتمثل في المطالبات البرلمانية، خلال الأشهر الماضية، بإعادة سعر الصرف إلى وضعه السابق، بما أدى إلى سحب العُملة الصعبة من السوق السوداء وعدم استقرار أسعار السلع حتى الآن، وفق ما أكده “كوجر”.

ما الأهداف الاقتصادية ؟

يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، “عبدالرحمن المشهداني”؛ أن الحكومة خططت لهدفين إثنين لدعم التنمية الاقتصادية؛ من خلال تخفيضها لقيمة العُملة الوطنية؛ يتمثل الأول في دعم الصناعة والزراعة، والآخر في المحافظة على احتياطيات “البنك المركزي”.

إن تغيير سعر الصرف وحده ليس كافيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية، بحسب “المشهداني”؛ الذي أوضح أن “العراق” يفتقر إلى الزراعة والصناعة، فضلاً عن فتح الحدود العراقية على مصراعيها لبضائع دول الجوار، لا سيما من “إيران” و”تركيا” اللتين تشهد عُملتهما تراجعًا كبيرًا يُعزز من قدرتهما التصديرية، معتبرًا أن تخفيض “الدينار العراقي” كان خاطئًا في ظل المعطيات العراقية التي تُشير إلى أن: 90% من احتياجات “العراق” الاستهلاكية مستوردة، وأنه كان على الحكومة إعفاء المواد الخام، (غير المتوفرة محليًا)؛ الداخلة في الصناعة المحلية من الضرائب والجمارك.

وفيما يتعلق باحتياطات “البنك المركزي”، أشار “المشهداني”؛ إلى أن زيادة الاحتياطيات بما يُقدر: بـ 15 مليار دولار خلال العام الحالي؛ لم تأتِ نتيجة تغيير سعر الصرف، وإنما بسبب انتعاش أسعار “النفط” عالميًا، لافتًا إلى أن أي إنهيار لأسعار “النفط”ـ ولأشهر عديدة؛ سيؤدي بالمحصلة إلى تراجع الاحتياطي النقدي مرة أخرى، لا سيما أن حجم الاحتياطي النقدي الكبير للدولة لا يعني بالضرورة قوة اقتصادها في ظل غياب الصناعة والزراعة.

الجزيرة

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة