إنهيار الليرة التركية يقابله “إردوغان” بزيادة الحد الأدنى للأجور .. إلى أين يمكن أن يصل الاقتصاد التركي ؟

إنهيار الليرة التركية يقابله “إردوغان” بزيادة الحد الأدنى للأجور .. إلى أين يمكن أن يصل الاقتصاد التركي ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في محاولة منه لمواجهة الإنهيار الحاد لـ”ليرة التركية”، أعلن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، عن رفع الحد الأدنى للأجور في “تركيا”؛ بنحو: 50 بالمئة، ليبلغ: 4250 ليرة، (275.44 دولار)، شهريًا، العام المقبل، في إطار إجراءات تهدف إلى تخفيف وطأة إنهيار العُملة وارتفاع التضخم.

وكان الحد الأدنى للأجور لعام 2021؛ يتراوح حول ما يقرب من: 2825 ليرة شهريًا، وتراجعت قيمته مقابل الدولار إلى: 185 دولارًا مقارنة بما يصل إلى: 380 دولارًا في بداية العام بسبب أزمة العُملة، وهي الثانية من نوعها في “تركيا”، في غضون 04 سنوات.

وقال “إردوغان”: “بهذه الزيادة في الأجور، أعتقد أننا أظهرنا تصميمنا على حماية موظفينا من الإنهيار في مواجهة ارتفاع الأسعار”، مضيفًا أن الأجور ستكون الأعلى على الإطلاق.

كما ذكر أن الحكومة سترفع الضرائب على الحد الأدنى للأجور لتخفيف الأعباء عن أصحاب الأعمال.

وقفز التضخم فوق: 21 بالمئة الشهر الماضي؛ ومن المتوقع أن يصل إلى: 30 بالمئة العام المقبل، والسبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى تراجع العُملة، مما يُعزز أسعار الواردات.

وكان “إردوغان” يتحدث بعد أن خفض “البنك المركزي” مرة أخرى سعر الفائدة؛ بمقدار: 100 نقطة أساس إلى: 14 بالمئة؛ في إطار برنامجه الاقتصادي الجديد، الذي يُركز على الصادرات والائتمان والنمو قبل انتخابات عام 2023.

وقال “إردوغان”: “عُملتنا معروفة وهي الليرة ولن ندعها تنهار. نحن عازمون على وضع حد في أقرب وقت للغموض السائد من جراء التقلبات في أسعار الصرف وغلاء الأسعار في أقرب وقت ممكن”.

ردود فعل غاضبة من إنهيار “الليرة”..

وأدى إنهيار “الليرة” إلى قلب ميزانيات الأسر التركية وخططها رأسًا على عقب، في حين أدى ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات إلى ردود فعل غاضبة.

وقال “إردوغان” إنه سيتم تأمين الاستقرار باتخاذ إجراءات جديدة في الأيام المقبلة، لكنه لم يُحدد طبيعة هذه الإجراءات.

خفض سعر الفائدة من جديد..

وكانت “الليرة” قد سجلت هبوطًا قياسيًا مقابل “الدولار”، يوم الجمعة؛ بعد يوم من إعلان “البنك المركزي” خفض سعر الفائدة مجددًا.

وتراجعت “الليرة”: 3.1%؛ لتهوي دون الـ 15 ليرة لكل دولار للمرة الأولى على الإطلاق، وفق وكالة (بلومبرغ) للأنباء، وخسرت “الليرة” أكثر من: 40% منذ بدء العام، وهو أكبر معدل بين عُملات الأسواق الناشئة، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

وجاء خفض سعر الفائدة والذي تبعه إنهيار جديد لليرة التركية في إطار البرنامج الاقتصادي للرئيس، “رجب طيب إردوغان”.

وألمح البنك إلى أنه سيوقف خفض الفائدة لمراقبة تداعياته في الشهور الثلاثة المقبلة.

ويواجه “البنك المركزي” ضغوطًا من “إردوغان” لخفض الفائدة بهدف تعزيز النمو الاقتصادي.

وتدخل البنك أربع مرات في سوق العُملة، الأسبوعين الماضيين؛ وباع دولارات لإبطاء تراجع “الليرة” وتآكل احتياطياته الأجنبية المستنزفة بالفعل.

قلق بسبب تآكل القوة الشرائية..

وبحسب (وول ستريت جورنال)، أدت سياسة خفض أسعار الفائدة إلى إنهيار قيمة “الليرة”، والتي أصبحت إلى حدٍّ كبيرٍ واحدةً من أسوأ الاستثمارات في العالم لهذا العام.

وعندما تكون أسعار الفائدة أقل من معدل التضخم، يشعر رجال الأعمال والمستهلكون والمستثمرون الأجانب بالقلق، لأن هذا يعني تآكل القوة الشرائية.

الأسوأ من ذلك، أن العُملة التي تضعف بسرعة يمكن أن تخلق دوامةً تضخّميةً مهلكةً، لأنها ترفع تكلفة الواردات الرئيسة مثل الغذاء والطاقة.

بالنظر إلى الوضع الراهن، نما التضخم في “تركيا” بنسبة: 21.3% بالضبط في الشهر الماضي، مقارنةً بما كان عليه قبل عامٍ، وهذا المستوى أكثر بمقدار: 7.3 نقطة مئوية عن معدل الفائدة المعلن، يوم الخميس.

أي أنَّ معدل الفائدة الحقيقية، (الفارق بين معدلي التضخم والفائدة)؛ يبلغ (-7.3%)، ما يعني أنَّ الأموال المستثمرة في البنوك تتآكل بفعل الفائدة المنخفضة، التي لا تستطيع تعويض ارتفاع الأسعار.

دعوات للعودة إلى قواعد علم الاقتصاد..

ولمواجهة ذلك، طالبت (توسياد)، وهي أكبر جمعية لرجال الصناعة والأعمال في “تركيا”، حكومة الرئيس، “رجب طيب إردوغان”؛ أمس السبت؛ بالتخلي عن سياستها النقدية والتي تسببت في إنهيار قيمة “الليرة”. ودعت الجمعية إلى العودة إلى: “قواعد علم الاقتصاد”.

وقالت (توسياد)، في بيان؛ إنها حذرت الحكومة من الآثار السلبية لسياسة أسعار الفائدة المنخفضة، مضيفة أن المشكلات الاقتصادية تُلحق الضرر بالشركات والمواطنين على السواء.

تماسك الدخل التركي وثبات معدلات النمو..

وفي محاول لتدارك ما حدث لليرة التركية، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة إسطنبول، “سمير صالحة”؛ إن: “التراجع موجود على مستوي سعر الصرف، لكن الاقتصاد التركي ككل مازال لم يتغير سواء في معدلات النمو والتصدير ومواصلة البرامج والمشاريع الإستراتيجية”.

وأشار إلى أن الحكومة أقرت رفع الحد الأدني للأجور، ما يعني أن لديها القدرة على هذا النوع من الإجراءات، والأهم أنها مازالت متمسكة بخططها التجارية والاستثمارية وأيضًا خططها الخارجية لتقديم الدعم للدول التي تُنسق معها والإلتزام بكل ملفاتها الخارجية، ما يعكس أن الداخل التركي متماسك في التعامل مع هذه المسائل.

تأثر العلاقات التجارية بالميول التوسعية..

من جهته؛ أوضح الخبير الاقتصادي، “مصطفي أكرم حنتوش”؛ أن: “الميول التوسعية لتركيا أثرت على علاقاتها التجارية في الإقليم، كما أنها لا تناسب القوى الكبرى التي تُنفق مليارات للهيمنة على المنطقة”، مشيرًا إلى أن: “إنهيار الليرة سيستمر ما لم تصل أنقرة إلى اتفاق مع القوى الكبرى بشأن مشاريعها الإقليمية”.

نظام المبادلة خالف المخططات الإقليمية..

إلى ذلك، أكد الكاتب والمحلل السياسي، “د. يوسف كاتب أوغلو”، أن: “الاقتصاد التركي لم يشهد أزمات على مدار عقدين، لكن تركيا تتعرض الآن لضغوط بسبب عدم تماشيها مع مخططات إقليمية وعالمية، ومن أهم هذه الضغوط تخفيض التصنيفات الائتمانية والحرمان من القروض أو منحها بأسعار فائدة مرتفعة، ما أثر على الاستثمار الأجنبي المباشر”.

وأشار إلى أن: “تركيا لجأت إلى نظام المبادلة مع بعض الدول؛ من بينها الصين وروسيا وأذربيجان وقطر، وهذا ما أزعج أميركا”.

بسبب تدخل “إردوغان” في السياسة النقدية..

من جهته؛ يرى “حسين سليمان”؛ الباحث الاقتصادي في مركز “الأهرام” للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ أن هناك العديد من العوامل الاقتصادية تسببت في الأزمة، لكن المشكلة الرئيسة ترجع إلى تدخل “إردوغان” في السياسة النقدية.

وقال “سليمان”؛ في تصريحات لـ (المصري اليوم) المصرية: “إن أزمة الليرة التركية لديها جذور اقتصادية؛ و(كورونا) فاقمت الأزمة”، لافتًا إلى أن: “تفشي فيروس (كورونا)، في عام 2020؛ تسبب في تراجع عائدات السياحة التركية مع قيود السفر التي فرضها فيروس (كورونا)، وانخفاض الصادرات التركية”.

إلا أنه أشار إلى أن: “المشكلة الرئيسة ترجع إلى تدخل، إردوغان؛ في السياسة النقدية، ومعارضته للفكرة التي تقوم عليها السياسة النقدية والنظريات الاقتصادية، وهي أنه عند التضخم يجب رفع الفائدة”، مؤكدًا أن استمرار رفض “إردوغان” لهذه الفكرة سيؤدي لاستمرار الأزمة.

وحول دوافع الرئيس التركي؛ ذكر الباحث الاقتصادي: “أن إردوغان يلعب على الوتر الديني بدعوى أن الفائدة تُعد ربا، ليُحافظ على شعبيته أمام جمهوره”، مضيفًا أن: “إردوغان؛ يرى في تخفيض سعر الفائدة محفز للنمو الاقتصادي”.

وحول مستقبل العُملة التركية، لفت “سليمان” إلى أن: “الأمر متوقف على قرار إردوغان؛ إذا ما كان سيخفض سعر الفائدة أم يصطدم مرة أخرى مع البنك المركزي”.

حصاد سياسات أعادت “تركيا” 20 عامًا للوراء !

واتفق معه “محمد حامد”، مدير “منتدى شرق المتوسط” للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ بقوله أن: “إنهيار الليرة هي نتائج سياسة إردوغان الخاطئة؛ التي تقوم على تعيين أصحاب الولاء وليس أصحاب الكفاءة في مناصب اقتصادية حساسة بالبلاد”.

مضيفًا أن: المعارضة التركية تتهم، “إردوغان”؛ أنه يُدير البلاد كأنها شركة خاصة عملاقة، عبر السيطرة على المناصب الاقتصادية الحساسة من قبل المقربين، وأبرزهم صهره في منصب وزير المالية ونجله، “بلال”؛ رجل الأعمال.

لافتًا إلى أن تلك السياسات تأتي امتدادًا لرغبة “إردوغان” بجعل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية في سلطته، الأمر الذي بدأ بالتعديلات الدستورية، عام 2017؛ التي حولت “تركيا” من دولة برلمانية إلى رئاسية.

وأشار “حامد” إلى أن تراجع “الليرة” يُعد حصاد السياسيات، التي وصفها بأنها أعادت “تركيا” 20 سنة إلى الوراء، حين كان الاقتصاد التركي منهارًا، قبل مجيء “إردوغان”.

يؤثر على مستقبل شعبية “إردوغان”..

ويرى “حامد” أن “إردوغان” عاجز عن رفع قيمة “الليرة”، مشيرًا إلى أن ذلك سيكون له تأثير على شعبية “إردوغان”، قائلاً: “يبدو سيكون المواطن التركي خيارات أخرى في انتخابات 2023”.

ويأتي هذا التراجع مع اقتراب موعد الانتخابات العامة التركية، المزمع عقدها في منتصف 2023، الأمر الذي من شأنه التأثير على الرئيس التركي وحزبه الحاكم، وفي آخر انتخابات برلمانية، عام 2018، خسر “حزب العدالة والتنمية”، الذي يقود “إردوغان”؛ ويحكم البلاد منذ عام 2003، الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية الكبرى؛ مما اضطره إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع “حزب الحركة القومية”.

تصاعد حظوظ المعارضة..

الأمر نفسه؛ يراه الدكتور “بشير عبدالفتاح”، الخبير في مركز “الأهرام” للدراسات السياسية والإستراتيجية، مؤكدًا أن الوضع الاقتصادي سيكون له تأثير على شعبيه الرئيس التركي في الانتخابات المقبلة، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي يُصر على خفض سعر الفائدة لمعالجة التضخم عكس كل النظريات الاقتصادية المتعارف عليها.

وأضاف أن: “جميع استطلاعات الرأي تُشير إلى أن فرص، إردوغان؛ ضئيلة في الانتخابات المقبلة، وأن حظوظ المعارضة تتصاعد”، معللاً بذلك رفض “إردوغان” كل دعوات المعارضة التركية لإجراء انتخابات مبكرة؛ لأنه يُدرك أنها لن تكون في صالحه.

لافتًا “عبدالفتاح” إلى أن “إردوغان” يُصر على إجراء الانتخابات في موعدها، معول على إمكانية تحسين صورته وزيادة شعبيته مجددًا.

وأوضح أن تدهور علاقات “تركيا” بمحيطها الخارجي ساهم في تعزيز الأزمة، مشيرًا إلى أن ذلك ساهم في إيقاف تدفق التكنولوجيا ورؤوس الأموال لـ”تركيا”، إلى جانب التدخلات العسكرية في الخارج، وإقامة القواعد العسكرية التي تكلف “تركيا” الكثير.

تأثر “الليرة” بالسياسات النقدية الأميركية..

ويُعاني الاقتصاد التركي بعد سلسلة من التخفيضات الشديدة في أسعار الفائدة، التي سعى إليها الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، والتي أدت إلى انخفاض “الليرة” بنحو: 30% الشهر الماضي، وإلى مستويات قياسية منخفضة وساعدت على رفع التضخم فوق: 21%.

وقال “البنك المركزي” التركي، الذي يستهدف معدل تضخم: 5%، إن ضغط التضخم مؤقت، وضروري، لزيادة النمو الاقتصادي وتحقيق التوازن في ميزان المعاملات الجارية.

وتأثرت “الليرة” التركية، كذلك بقرار “مجلس الاحتياطي الاتحادي”، (البنك المركزي الأميركي)؛ الأربعاء الماضي، بإنهاء برنامج شراء السندات التحفيزي، في آذار/مارس المقبل، وتوقعه رفع الفائدة الأميركية ثلاث مرات في العام المقبل.

ويُشكل احتمال تشديد السياسة النقدية الأميركية ضغوطًا على عُملات الأسواق الناشئة مثل “الليرة” التركية.

ونما الاقتصاد التركي، في الربع الثالث من العام الجاري؛ بنسبة: 7.4% على أساس سنوي، في قفزة جيدة للمؤشر الذي يدل على تعافي “تركيا” من تداعيات جائحة (كورونا)، وذلك حسب “معهد الإحصاء” التركي.

وخسرت “الليرة” التركية نحو: 46% من قيمتها مقابل “الدولار” هذا العام، لتُصبح الأسوأ أداء بين العُملات الرئيسة التي تتابعها وكالة (بلومبيرغ) للأنباء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة