20 نوفمبر، 2024 8:42 م
Search
Close this search box.

إنها تُشكل الوقائع على قياس الإيديولوجية الأميركية .. “نتفليكس” تزيف التاريخ !

إنها تُشكل الوقائع على قياس الإيديولوجية الأميركية .. “نتفليكس” تزيف التاريخ !

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (ذي سبيكتاتور) البريطانية؛ مقالةً للصحافية والمؤرخة الأكاديمية، “زوي ستريمبل”؛ تنتقد فيه الميل الرائج الآن لإتباع مبدأ: “التنقيح التاريخي”؛ في محتوى الأعمال الفنية التاريخية، وتخصّ بالنقد مسلسلات (نتفليكس) التاريخية الشهيرة؛ التي كثيرًا ما تشطّ بعيدًا في تحريف الوقائع التاريخية أو تعديلها لتتواءم مع الأذواق المعاصرة.

رداءة وكليشيهات تسويقية..

تبدأ الكاتبة بالتعبير عن مدى خيبة أملها بمسلسل (بريدجيرتون-Bridgerton)، وهو مسلسل رائج على (نتفليكس)؛ تدور أحداثه في “ريغنس إنكلترا”، وتقول الكاتبة إن المسلسل حملَ تشكيلةً منوعة من الكليشيهات، (الصور النمطية)؛ التي تُنمّ عن نظرة الأميركيين النمطية لماضي “بريطانيا الإرستقراطي”، وتصف مستوى الحوار بالمسلسل بالمؤسف لرداءته.

تتبع قصة (بريدجيرتون) الأبناء الأكبر سنًا لعائلة “بريدجيرتون”؛ وهم يبحثون عن الحبّ في مشاهدٍ شبه مثالية تعجّ بالمناظر الطبيعية الساحرة والبيئات الاجتماعية الحيّة. يستند المسلسل إلى رواية: (جوليا كوين) – وهي من الروايات الأكثر مبيعًا – التي جرى اقتباسها لمسلسل (نتفليكس) على يد الكاتبة والمخرجة؛ “شوندا رايمز”، وهي صاحبة المسلسل الطبي الشهير: (غريز أنتومي-Gray’s Anatomy)، وبالمختصر تعتبر الكاتبة أن المسلسل يدعو مشاهديه للإسترخاء والاستمتاع بالرحلة – حتى ولو كان الحوار رديئًا – ولقد قبلت – المقصود عدد المشاهدين – أكثر من: 80 مليون أسرة هذه الدعوة حتى الآن.

لا ينحصر انتقاد مسلسل (بريدجيرتون) بتمجيد الشهوة الجسدية، وإدراج الملابس التقليدية، والرقص الإرستقراطي، بل في كمية الزيف التاريخي الذي يُقدمه أيضًا، وفقًا لما تقوله “ستريمبل؛ التي تعتبر هذا المسلسل المثال الأفدح جرأة، حتى الآن؛ من الدراما التاريخية القائمة على فكرة تصوير الماضي من خلال اهتمامات الحاضر. وإذا كان الناس قلقين بشأن انتشار الأخبار الكاذبة في زمننا، فإن الكاتبة توجه قلقها نحو التاريخ الكاذب الذي يُروج أكثر فأكثر.

ليس من الغريب تمثيل التاريخ بطريقة تلائم الحاضر؛ إذ غالبًا ما تميل التمثيلات الرائجة للتاريخ إلى التحوّر قليلًا بطريقة تغدو بها ملائمة للأذواق المعاصرة والإيديولوجيات؛ حتى إلى حدّ ما، ولكن هنالك دائمًا طرقًا أفضل لفعل ذلك بموهبةٍ وحرفة عالية.

تصوير الشخصيات النسائية..

تعتبر “ستريمبل”؛ أن مسلسل (غنتلمان جاك-Gentleman Jack)، من إنتاج (بي. بي. سي)، مثال جيد في هذا المجال، ويستند المسلسل إلى الرسائل الخاصة لمالكة الأراضي المثليّة؛ “آن ليستر”، في القرن التاسع عشر. هنالك أيضًا مسلسل (كول ذا ميدوايف-Call the Midwife)، التي حاولت مواسمه الأولى التقاط الشعور العام لـ”بريطانيا” ما بعد الحرب بشكل واقعي، ثم عادت المواسم الأخيرة لتسير في نفس الطرق المعتادة للتمثيل التاريخي الشائع. وينطبق الأمر نفسه على مسلسل: (داونتون آبي-Downton Abbey)، الذي شوّه الواقع الاجتماعي فقط ليُظهر شخصية، “إيرل إدواردي”؛ الذي يبدي اهتمامً كبيرًا براحة ومشاعر خدمه.

كذلك الحال مع الطريقة التي أُدخلت بها النسويّة إلى كل مكان، فأصبحت المشاهد كلها تحتوي على نساء مهمات يُصوّرن على أنهن مُتعنتات مطالبات بالعدالة بصخب، بل حتى مثيرات. وربما أكثر ما يُلفت الانتباه مسلسل: (ديكنسون-Dickinson)، وهو مسلسل دراما يدور حول حياة شاعرة “نيو إنغلاند”؛ “إيميلي ديكنسون”، وقد أُزيحت الحقائق التاريخية جانبًا ليُفسح المكان بدلها لرسالة: “تمكين المرأة” وفقًا للكاتبة. وقُدّمت شخصية “ديكنسون”؛ على أنها صاخبة وغير موقرة وذات ميول جنسية إنسيابية، حتى أنها كادت تصير، “تايلور سويفت”؛ كما تصف “ستريمبل” ساخرةً.

ويسوء الأمر أكثر في المسلسل الذي قدمته شبكة (هولو) أيضًا؛ عن الإمبراطورة “كاثرين العظيمة”، (Catherine the Great)، الذي تمادى بالأمر لدرجة أن شخصية الملكة الروسية مُعبرة بشكل متكرر عن غضبها المتكرر حول التمييز الجنسي اليومي، وتقول الكاتبة إن هذا المسلسل لم يكن لديه أي حرص على تصوير الأمور بواقعية لا من قريب ولا من بعيد.

وعلى المنوال نفسه مسلسل: (غيمستاون-Jamestown) الدرامي؛ الذي يمتد على ثمانية أجزاء، ويتناول بها المستوطنين الإنكليز الأوائل في “أميركا”؛ إذ ظهرت به شخصيات لشابات منفعلات يتخذن مواقف صارمة ضد إجبارهن على ممارسة الجنس مع أزواجهن.

“نتفليكس” وتزييف التاريخ !

تعود “ستريمبل” إلى مسلسل (بريدغيرتون)؛ الذي تعتبره قد أخذ بطريقة التنقيح التاريخي إلى مكانٍ بعيد، وذلك عبر التركيز على تداخل السياسة بالأعراق، وهي نقطة جدلٍ متأججة للغاية في زمننا. أتبع المسلسل سياسة: “التعامي عن اللون والعرق”، أو على الأقل هذا ما بدا ظاهريًا وفقًا لتعبير الكاتبة، وقد كان هذا أمرًا منعشًا وممتعًا، لكن المشاهدين الذين وصلوا إلى الحلقة الرابعة يعلمون الآن أنه ليس فعل تحدٍ محض، فالرغبة التنقيحية التي يستند إليها المسلسل أوصلت كتّابه إلى درجة وضعوا فيها الأشخاص الملونين في المراتب العليا في المجتمع، وقد جرى ذلك ببساطة؛ لأن: “الملك جورج الثالث؛ وقع في حب أحدهم”.

كما جرى تصوير “الملكة شارلوت”؛ على أنها سوداء البشرة في عالم (بريدغيرتون) الخيالي، ولكن بطريقة توحي للمشاهد بأنها تتبع السير التاريخي للقصة الأصلية. وتعتقد “ستريمبل” أن هذا التصوير اعتمد على إدعاء قدّمه: “مؤرخ غامض”؛ يُدعى: “ماريو دي فالديس واي كوكوم”، ويقترح أن “شارلوت” انحدرت من محظية مغاربية في البيت الملكي البرتغالي. قد يكون هذا الأمر حقيقيًا في النهاية، ولكن تستشهد “ستريمبل” بمقولة: “ديفيد ويليامسون”، وهو محرر سابق في (Debrett’s) البريطانية: “تجري الكثير من الدماء المغاربية في العائلة المالكة البرتغالية، وقد انتشرت في بقية أنحاء أوروبا، لكن لا يعني هذا أن الملكة كانت سوداء”.

تعتبر الكاتبة أن التاريخ يجري تجسيده باستمرار ليتناسب مع التركيز الحالي على التعددية؛ (كواحدة من أهم أولويات اليسار الليبرالي). وبالنسبة لأولئك الملتزمين بفضح ماضي “بريطانيا” العنصري والاستعماري، ينصبّ التركيز على إجراء إصلاحٍ شامل لما يُعتبر مهمًا تاريخيًا هو الخطوة الأولى. وتشمل الأساليب المتبعة لذلك إسقاط التماثيل و”إنهاء الاستعمار” في المناهج أيضًا، كما تتعرض المتاحف لضغوط حاليًا لتتأكد من أن مجموعاتها تتناسب مع السرد المعاصر، إلا أن “ستريمبل” تُعبر عن قلقها تجاه الأعمال الفنية والدرامية التي يُجزى بها الوقت؛ لأن التاريخ يُلتقط دون وعي، وبمرر الوقت ستُصبح الافتراضات المفروضة أو المنقحة عن عمد أساسًا يُبنى عليه الفهم والإنطباع العام عن الطريقة التي تسير الأشياء بها. يُصبح الخيال حقيقة، ومع وجود مئات الملايين من المشاهدين لمثل هذه الأعمال، فإن ما تُقرره (نتفليكس) عن التاريخ يُعدّ جديرًا بالإلتفات إليه.

هل جيل “نتفليكس” مستعدّ لتقصي الحقائق ؟

تذكّر الكاتبة بضعف الإطّلاع التاريخي العام عند أغلب الأشخاص المعاصرين. وقد وجد استطلاع حديث أن واحدًا من كل: 10 من جيل الألفية؛ يعتقد أن “مارغريت تاتشر” تقلدت رئاسة الوزراء خلال الحرب العالمية الأولى، وأعتقد النصف تقريبًا أن رئاسة الوزراء كانت لـ”تشرشل”.

وتصف “ستريمبل”؛ مسلسل: (The Crown) تحديدًا: بـ”جوهرة (نتفليكس) للتاريخ المزيف”، فقد صوّر المسلسل بطريقة مقنعة للغاية. بُذلت الجهود لاستحضار الماضي في أشكالٍ موحية بالدقة قدر الإمكان، مُعطية العرض هالة التتبع التاريخي، لكن الكتابة كانت تبتعد عن الواقع كلما تطلب الأمر ذلك من كتّابه. وتتساءل الكاتبة: كم عدد المشاهدين الذين سيعرفون أن قرار “تاتشر”؛ بخوض الحرب من أجل الحق في امتلاك “جزر فوكلاند”، لم يأتِ من رد فعل عاطفي – كما أظهر المسلسل – جراء اختفاء ابنها “مارك” في “إفريقيا” ؟.. يسهل التأثير على ميزان المعرفة التاريخية ليجريَ تحريفها بعيدًا عن الواقع أكثر فأكثر.

عندما طالب وزير الثقافة البريطاني؛ “أوليفر دودن”، شبكة (نتفيلكس)؛ بوضع تحذير على حلقات: (ذي كراون)، بحيث تُضيف الشبكة إخلاء مسؤولية يوضح أن المسلسل مستند فقط للأحداث الحقيقية، (أي من نسج خيالي)، إلا أن (نتفليكس) رفضت، بل وضعت عوضًا عنها تحذيرًا للمشاهدين تنوّه فيه إلى وجود مشاهد صعبة لمرض “البوليميا”، (الشره المرضي)؛ الذي كانت تُعاني منه الأميرة “ديانا”.

ترجمة: عفاف الحاجي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة