خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة أثارت العديد من التساؤلات حول أهدافها ودلالاتها في هذا التوقيت، خاصة وأن “العراق” يعاني ظروفًا اقتصادية صعبة، وتتخله العديد من المصالح الإقليمية التي تُعيق أي تقدم جديد به، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني، غير أن الإعلان عن مشروع مثل ذلك قبل إعداده قد يجلب عليهم نتائج كارثية، حيث أعلن رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المواد المشعة، “كمال حسين لطيف”، يوم الخميس، أن اللجنة الوطنية للمفاعلات النووية بصدد دراسة 20 موقعًا مرشحًا لإقامة المفاعلات النووية فى العراق، بحسب (روسيا اليوم).
ونقلت صحيفة (الصباح) الإلكترونية، عن “لطيف” قوله: “تم تحديد 20 موقعًا أوليًا حتى الآن، ومن ثم سيتم استخدام طرق الإسقاطات العلمية المعتمدة عالميًا لاختزالها إلى 5 مواقع، بعد ذلك، يتم تحديد إثنين منهما فقط، واحد أصيل والآخر بديل”.
وأشار “لطيف” إلى أن: “عملية الاختيار تمت بطريقتين علميتين دقيقتين، من خلال معادلات تفاضلية وترجيحية، الأولى طريقة: (كيني)، والثانية طريقة: (سايت) أو القيمة المفردة، وباستخدام نظام: (آرك غيس)”.
وأكد رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المواد المشعة؛ على: “قرب الإنتهاء من التقرير الخاص باختيار الموقع وإرساله إلى مكتب رئيس الوزراء”.
وأضاف أن الاختيار يعتمد على مرحلتين بالأهداف نفسها، ولكن لكل مرحلة تكون الدقة أعلى، لتقليص أعداد الأراضي المنتخبة، وصولاً لتحديد الموقع بشـكل أدق، ثم هناك مرحلة أخيرة، وهي التقييم الأمني.
وأوضح أن: “المرحلة الأولى تشـمل الأهداف الفنية ومتطلبات الاختيار والتقييم والنظر في موضوعات التوزيع السكاني، الذي يفضل أن يكون أقرب تجمع سكاني يبعد 2.5 كيلومتر من الموقع، وألا يزيد عدد السكان في تلك المنطقة على 500 شخص في الكيلومتر المربع الواحد، وألا يزيد التجمع السكاني على 65 ألف نسمة، وعلى بُعد 30 كيلومترًا من الموقع”.
يُذكر أن “بغداد” كانت قد كشفت مؤخرًا عن تفاهمات مع ثلاث دول لبناء مفاعلات نووية في “العراق”، هي: “روسيا وفرنسا والولايات المتحدة”، وذلك وفقًا لإرشادات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
توازنات سياسية..
تعليقًا على تلك التصريحات، قال المحلل السياسي العراقي، “إياد العناز”: يأتي الكلام على استعادة “العراق” للعمل ضمن البرنامج النووي، وتنشيط فعالية المحطات النووية في سياق التوازنات السياسية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الوطن العربي، والإمكانيات القائمة والتي بدأت بعض الأقطار العربية والإقليمية التحدث عنها أو الشروع ببناء بعض من هذه المشاريع الحيوية، لكنها قوة ذاتية متطلعة لدور ريادي مهم في الأحداث التي تعيشها المنطقة أو التي ستأتي في المستقبل.
مضيفًا أن: “العراق لديه خبرة واسعة وإمكانيات كبيرة وبرامج علمية في موضوع الطاقة النووية واستخدامها للأغراض الإنسانية، وهذا ما حدث في منتصف السبعينيات في مفاعل تموز/يوليو، بالتعاون مع الحكومة الفرنسية، آنذاك، ولكن توقف العمل به بسبب الاعتداء الجوي بالطائرات الصهيونية، في حزيران/يونيو 1981، مستغلين إنشغال العراق لمواجهة إيران في الحرب التي دامت ثماني سنوات”.
واستطرد “العناز” قائلاً: بعد الاحتلال الأميركي؛ غادرت العديد من هذه العقول البلاد، أو تم اعتقالها من قبل الجيش الأميركي المحتل، وبعضها تم تصفيتها على يد أجهزة المخابرات الصهيونية والإيرانية.
معوقات إقامة مفاعلات نووية..
حول المعوقات، أشار المحلل السياسي، إلى أن “العراق” لا يمتلك الآن هذه المقومات الأساسية لقيام منظومة علمية للطاقة النووية، بسبب الأوضاع السائدة في البلاد، وصعوبة العمل لوجود عجز مالي كبير وفساد إداري واقتصادي وديون مستحقة، وافتقار “العراق” للعقول العلمية القادرة على إنجاز هذا الطموح، الذي وإن بدأ فسيلاقي ممانعة ورفض كبير من القوى الدولية والإقليمية؛ المتمثلة بالوجود الأميركي، والهيمنة والنفوذ الإيراني، اللذان يعملان على إبقاء “العراق” بلدًا ضعيفًا في الموارد والإمكانيات، والتقدم والإزدهار تحقيقًا لمصالحهما المشتركة.
لافتًا إلى أن: “الحديث الآن يأتي في سياق العمل على تنويع مصادر الحصول على الطاقة الكهربائية لأغراض إنسانية، وهي نوع من الإشارات السياسية التي سبقها سعي العراق للحصول على منظومة الدفاع الجوي الروسي (إس-400)”.
رسالة إيرانية للمجتمع الدولي..
فيما انتقد “عبدالقادر النايل”، المحلل السياسي العراقي، إعلان “العراق” عن تحديد عشرين موقعًا نوويًا لاختيار خمسة مواقع لغرض بناء مفاعلات نووية سلمية، في ظل ظروف البلاد المعقدة والتدخل الدولي والإقليمي الذي حول البلاد إلى ساحة للصراعات السياسية على حساب مصالح “العراق” وسيادته ومستقبل شعبه والأجيال القادمة، مشددًا على أن: “الأحزاب السياسية العراقية، أرتضت أن تكون ذات تبعية خارجية لدول إقليمية ودولية، لحماية مصالحها الخاصة، الأمر الذي جعل العراق فاقدًا للسيادة والإرادة، فضلاً عن أن قراره الوطني لا يمتلكه بالمطلق، ومعلوم تمامًا أن هناك هيمنة إيرانية على جميع قراراته”.
واعتبر أن هذا الوضع يكشف أن إعلان “العراق” لإنشاء محطات نووية؛ عبارة عن رسالة إيرانية للمجتمع الدولي، تقول إننا قادرون على إنشاء مفاعلات خارج “إيران”، ولعل “العراق” أفضل مكان يُحرج “الولايات المتحدة الأميركية”، مما سيجعل هذا الإعلان أحد أوراق التفاوض التي تطرحها “إيران” داخل اجتماعاتهم في وقت حساس.
فكاهة سياسية..
وأضاف “النايل”: “لو كانت السلطات العراقية جادة في مثل هذا القرار؛ لما عملت على تهجير العلماء العراقيين المختصين بالتكنولوجيا النووية، ولا سهلت اغتيالات عدد منهم”.
واعتبر أن: “هذا يؤكد أن إعلان العراق، بناء محطات نووية، وهو غير قادر على حمايتها إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار كيف تم قصف المفاعل النووي العراقي، إبان الحرب (العراقية-الإيرانية) من قبل إسرائيل، التي تريد أن تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك المفاعلات النووية، مع أن العراق كان يملك جيشًا قويًا ومنظومة دفاعات جوية روسية متطورة، يضع هذا الإعلان على سبيل الفكاهة السياسية، لأن البدء بهذا المشروع سيجعل المنطقة كلها تتجه نحو بناء مفاعلات نووية، وبالأخص: تركيا ومصر والسعودية، التي تراقب نتائج مفاوضات الملف الإيراني النووي”.
إعلانات دعائية للانتخابات لها تداعيات كارثية مستقبلاً..
وأوضح أن: “إيران أيضًا لن تسمح بهذه الخطوة عمليًا، لأنه سيجعل العراق مستقل عن حاجته إلى إيران، التي تسعى إلى ربط احتياجات العراق بها من كل الجوانب، للاستفادة الاقتصادية حتى محطة الكهرباء التي تريد إنشاءها في العراق جعلتها غازية، حتى لا يستطيع العراق تشغيلها إلا بالاعتماد على استيراد الغاز الإيراني، وأن تلك الخطوة التي تم الإعلان عنها تحتاج إلى بيئة سياسية واقتصادية آمنة لتنفيذها، وهذا غير متوفر داخل العراق حاليًا، إنما الفوضى وزيادة التوتر والإنفلات الأمني هو سيد الموقف في البلاد، لذلك هذه إعلانات دعائية للانتخابات المقبلة سيكون لها تداعياتها الكارثية على العراق”.
ولفت “النايل” إلى أن ما تم الإعلان عنه هو خطوة غير محسوبة واعتمدت على المراهقة السياسية غير الناضجة، لأن الأنظمة السياسية لا تُعلن على عن مشاريع مثل هذه دون أن تستكمل لوازم نجاحها، من وجود العلماء والمواد الأولية، واختيار المكان والقدرة الاقتصادية وحماية المشروع داخليًا وخارجيًا، وهذا لم توفره السلطات الحكومية التي أعلنت عن هذه الخطوة المستعجلة.