إلى أين تؤدي بنا سياسات النقد لـ”الفيدرالي الأميركي” ؟ .. سعر الفائدة يرهق الدول العربية !

إلى أين تؤدي بنا سياسات النقد لـ”الفيدرالي الأميركي” ؟ .. سعر الفائدة يرهق الدول العربية !

وكالات – كتابات :

الارتباط بين العُملة المحلية و”الدولار” يُجبر أغلب البنوك المركزية العربية على السير على خطى السياسة النقدية التي يُقرها “الفيدرالي الأميركي”، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك.

صحيفة الـ (إيكونوميست) البريطانية نشرت تقريرًا عنوانه: “البنوك المركزية العربية تتبع سياسة رفع أسعار الفائدة الأميركية”، ألقى الضوء على تداعيات تلك السياسة على الاقتصاد المحلي لبعض الدول العربية، وما يعنيه ذلك للشركات والأفراد.

وفي هذا السياق؛ أصبحت متابعة السياسة النقدية في الشرق الأوسط؛ هذه الأيام، أشبه باصطحاب ابنك إلى لعبة القطار الأفعواني في مدينة الملاهي. إذ تُفضل المراقبة من الأرض، لكنك تجد نفسك مربوطًا هناك، وتتدحرج من قمة المنحدر وأنت تنتظر لحظة السقوط بكل خوف.

رفع أسعار الفائدة الأميركية..

حيث رفع “الاحتياطي الفيدرالي الأميركي” أسعار الفائدة أربع مرات في العام الجاري، كان آخرها؛ في 27 تموز/يوليو 2022، مما دفع العديد من البنوك المركزية العربية إلى فعل الشيء نفسه، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك.

وسعر الفائدة هو تكلفة القرض الذي تحصل عليه الشركات والأفراد من البنوك، فإذا كانت قيمة القرض: 100 دولار مثلاً فسعر الفائدة يُحدد قيمة ما يقوم المقترض بتسديده للبنك. وهناك أكثر من سعر للفائدة، فسعر الفائدة الرئيس الذي يُحدده “البنك المركزي” لكل دولة يختلف عن سعر الفائدة الذي تُفرضه البنوك على المقترضين.

وبالتالي فإن سعر الفائدة الرئيس ليس هو السعر الذي يُقّترض عليه الأفراد العاديون أو الشركات، فهو سعر فائدة “البنك المركزي” في كل بلد، ويُعتبر إحدى أهم أدوات الاقتصاد عمومًا، و”البنك المركزي” تحديدًا لإدارة الاقتصاد.

سعر الفائدة الرئيس الذي يُحدده “البنك المركزي” هو النقطة المرجعية التي تُحدد سعر الفائدة الذي ستُقّرض عليه البنوك الأموال للأفراد والشركات. وعلى الرغم من أن سعر الفائدة الرئيس، الذي يُحدده “البنك المركزي”، يكون في العادة أقل من سعر الفائدة لدى البنوك، فإن البنوك تستخدم سعر الفائدة الرئيس كنقطة أساس ثم تضيف عليه مصاريف أخرى تتناسب مع مخاطر الإقراض وغيرها من العوامل، لتُحدد سعر فائدة إقراضها للأفراد والشركات.

وتخشى بعض الدول أن تكون تكاليف الاقتراض المرتفعة بمثابة عائق غير ضروري للاقتصادات التي لا تُعاني من التدهور نفسه. بينما تخشى دول أخرى أن تضطر إلى رفع أسعار الفائدة بدرجةٍ مؤلمة للحفاظ على تدفقات رؤوس الأموال، مما سيُعيق اقتصاداتها ويخنق ميزانياتها العمومية.

السياسات النقدية في دول الخليج..

وتقف دول “مجلس التعاون الخليجي” الست على أحد الجانبين، حيث ترتبط عُملات خمس دول منها بـ”الدولار”، مما يُساعد في منحها الاستقرار؛ نظرًا إلى ارتباط غالبية الدخل والنشاط الاقتصادي الحكومي بأسعار “النفط”، الذي يجري تداوله بـ”الدولار” عادةً. لكن الحفاظ على ارتباط تلك العُملات بـ”الدولار” يُلزم هذه الدول بالسير على خُطا قرارات “الاحتياطي الفيدرالي” الخاصة برفع أسعار الفائدة، بغض النظر عن ظروف الاقتصادات المحلية.

إذ رفعت “السعودية” أسعار الفائدة من: 1% إلى 3% منذ بداية العام. بينما رفعت “الإمارات” أسعار الفائدة بأكثر من الضعف لتصل إلى: 3.75%. وإذا رفع “الاحتياطي الفيدرالي” الفائدة مرةً أخرى خلال العام الجاري – كما هو متوقع – فستسير غالبية الدول الخليجية على النهج الأميركي نفسه حتى ولو بصورةٍ جزئية.

وستفعل الدول ذلك على الرغم من تواضع معدلات تضخمها، التي توقع “صندوق النقد الدولي” أن تصل إلى: 2.5% في “السعودية”؛ و3.7% فقط في “الإمارات”، خلال العام الجاري. ويلعب دعم الطاقة مع العمالة المهاجرة الرخيصة دورهما في الحفاظ على انخفاض الأسعار بالنسبة للدول الغنية الأخرى. بينما يأتي النمو الاقتصادي السنوي بنسبةٍ صحية تتراوح بين: 3% و4%؛ (دون احتساب صناعة النفط المتقلبة).

وقد لا يكون تأثير رفع أسعار الفائدة محسوسًا، حيث لن تحتاج هذه الحكومات إلى الاقتراض كثيرًا خلال العام الجاري، بفضل السيولة النقدية الكبيرة التي حصلت عليها نتيجة ارتفاع أسعار “النفط”.

كانت أسعار “النفط” قد قفزت إلى نحو: 140 دولارًا للبرميل مع بدء الهجوم الروسي على “أوكرانيا”؛ يوم 24 شباط/فبراير الماضي، والحديث الغربي عن حظر “النفط الروسي”، لكون “موسكو” أحد المصدّرين الرئيسيين للنفط في العالم.

وعلى الرغم من أن أسعار الخام خالفت التوقعات ولم ترتفع أكثر رغم القرار الأميركي بحظر “النفط الروسي” وتحركات “الاتحاد الأوروبي” في الاتجاه نفسه، بل تراجعت إلى ما قرب: 100 دولار مع استمرار الحرب في “أوكرانيا”، بفعل عوامل متعددة تتعلق بالعرض والطلب وحالة الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، فإن التوقعات تُشير إلى أن أسعار “النفط” لن تنخفض على المديين القريب والمتوسط.

“مصر”.. موقف مالي أكثر صعوبة..

وربما يؤجل المستهلكون شراء السيارات الجديدة وغيرها من الأغراض باهظة الثمن، لكن سوق العقارات لن تتأثر بالقدر نفسه مثلاً. ولا تحظى القروض العقارية بشعبيةٍ كبيرة داخل دول الخليج، عكس أجزاء أخرى من العالم. لكن الوسطاء شهدوا سيلاً من طلبات القروض خلال النصف الأول من 2022، بالتزامن مع تهافت المقترضين على الشراء للاستفادة بأسعار الفائدة الحالية قبل أن ترتفع أكثر.

لكن الشركات هي التي ستتحمل العبء الأكبر. إذ قال “البنك المركزي الإماراتي” إن الطلب على الائتمان في الربع الأول من 2022؛ سجل أعلى مستوياته منذ 2014. لكن هذا الطلب بدأ يتراجع بالفعل. كما انخفض معدل نمو الائتمان في “السعودية” قليلاً أيضًا، ليبلغ أدنى مستوياته منذ نحو عامين وفقًا لـ”بنك الإمارات دبي الوطني”.

ومن ناحيةٍ أخرى، ستُعاني الدول المستوردة لـ”النفط” في المنطقة بصورةٍ أكبر، خاصةً “مصر”. إذ لم ترفع “مصر” أسعار الفائدة منذ عام 2017، لكنها فعلت ذلك مرتين؛ منذ شهر آذار/مارس الماضي، حيث اضطر “البنك المركزي” للتدخل بحزم بعد تجاوز معدل التضخم السنوي لنسبة: الـ 13%.

كان الدين المصري قد شهد تزايدًا حادًا خلال العقد الماضي، ويُنتظر أن يصل إلى مستويات قياسية مع نهاية العام الجاري 2022. وبينما لا تزال الأسواق تشعر بآثار جائحة (كوفيد-19) والتأثير المضاعف لحرب “روسيا” ضد “أوكرانيا”، فسوف تتفاقم المشكلة التي يواجهها الاقتصاد المصري.

ويُتوقع أن يستغرق التعافي سنوات، وسوف يتحمل عشرات الملايين من المصريين العبء الأكبر في ظل ارتفاع الأسعار بصورة شديدة. فبنهاية العام المالي: (2020/2021)، وصل إجمالي الدين المصري إلى: 392 مليار دولار. يتضمن ذلك: 137 مليار دولار؛ هي قيمة الدين الخارجي، وهي أكبر بأربعة أضعاف من الدين في عام 2010؛ (33.7 مليار دولار). ويتضمن كذلك: 255 مليار دولار هي قيمة الديون الداخلية، وذلك وفقًا لـ”البنك المركزي المصري”، وهو ما يُعادل تقريبًا ضعف الدين المحلي في 2010.

وليست مكافحة التضخم مصدر القلق الوحيد لـ”مصر”. إذ اعتمدت “مصر” على تدفقات رؤوس الأموال الخاصة لتمويل فاتورة وارداتها الضخمة والعجز الحكومي الكبير، منذ حصولها على قرض بقيمة: 12 مليار دولار من “صندوق النقد الدولي”؛ عام 2016. وشارك المستثمرون في ذلك بكل سعادة، لأن الديون المصرية كانت تُقدم واحدة من أفضل نسب العائد في العالم حاليًا، بينما تدفع دولٌ أخرى عائدات ضئيلة.

لكن ارتفاع نسب الفائدة في أماكن أخرى من العالم وضع “مصر” في منافسةٍ أكبر. إذ اعترفت في آيار/مايو؛ بخروج رؤوس أموال أجنبية قيمتها: 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي خلال العام الجاري، أي ما يُعادل: 5% من إجمالي الناتج المحلي. وتعتقد مؤسسة (فيتش-Fitch)؛ أن الحكومة: “ستشعر بضغطٍ للحفاظ على جاذبية أسعار الفائدة المصرية الحقيقية” عن طريق رفعها أكثر.

وستكون هذه الخطوة مؤلمةً للقطاع الخاص الهزيل بالفعل، حيث أظهر مؤشر مديري المشتريات انكماشًا طوال: الـ 72 شهرًا الماضية، باستثناء تسعة أشهرٍ فقط. إذ فضّل المستثمرون المحليون الاحتفاظ بأموالهم في البنوك بدلاً من استثمارها في الشركات.

وتضاعفت فاتورة أقساط الدين المصرية بأربعة أضعاف خلال العقد الماضي. ومن المفترض سداد: 36 مليار دولار للدائنين في موازنة العام المقبل؛ (أي 45% من إجمالي إيرادات البلاد)، مع تسجيل الموازنة لعجزٍ بقيمة: 30 مليار دولار.

ولهذا ستضطر “مصر” إلى الاقتراض بأسعار فائدة أعلى، مما سيُزيد تضخم فاتورة أقساط الدين أكثر. وعادت “مصر” لإجراء المحادثات مع “صندوق النقد الدولي” من أجل الحصول على قرضٍ آخر. وربما ستنزل الدول الخليجية من لعبة الأفعوانية الاقتصادية في العام المقبل، لكن رحلة “مصر” ستكون طويلةً وصعبة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة