خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة أولية يمكن من خلالها المُضّي قُدمًا في التأكيد على أحقية الفلسطينيين بأراضيهم، صرح الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، بأن: “بلاده ستعترف رسميًا بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ في أيلول/سبتمبر القادم”، وكتب في تغريدة على منصة (إكس): “وفاءً لالتزام فرنسا التاريخي بتحقيق سلامٍ عادل ومستَّدام في الشرق الأوسط، قررت أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين؛ في أيلول/سبتمبر القادم”، مضيفًا أن الضرورة المَّلحة اليوم هي وقف الحرب في “غزة” وحصول السكان المدنيين على المساعدة، وأن السلام ممَّكن.
وصرح بعد ذلك وزير الخارجية الفرنسي؛ “جان نويل بارو”، بأن القنصل الفرنسي في “القدس”: “سلم رسالة من؛ إيمانويل ماكرون، إلى السلطة الفلسطينية: ستعترف فرنسا بشكلٍ كامل بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر”، مضيفًا: “لقد التزم رئيس الجمهورية بهذا، وسأؤكد هذا الالتزام في الأمم المتحدة يوم الإثنين المقبل”.
هذا الإعلان ما لبث أن أثار العديد من ردود الأفعال العربية والدولية وداخل “فرنسا”.
نقطة تحول ضد اللامبالاة..
فقد رحبت “هالة أبو حصيرة”؛ سفيرة “فلسطين” لدى فرنسا، بإعلان الرئيس الفرنسي، قائلة في تصريحات صحافية: “نُرحب بقرار الرئيس؛ إيمانويل ماكرون، الاعتراف بدولة فلسطين.. نعيش الليلة لحظة حاسمة، نقطة تحول ضد اللامبالاة، نقطة تحول ضد إبادة شعب، شعبنا، الشعب الفلسطيني”.
وأضافت أن هذا الاعتراف كان مستَّحقًا منذ عدة عقود: “ولكن لم يفت الأوان بعد لاتخاذ الخطوة الصحيحة للامتثال للقانون الدولي”.
نصر معنوي..
كما أقر “جان لوك ميلونشون”؛ زعيم حزب (فرنسا الآبية)، اليساري الراديكالي: بـ”النصر المعنوي” الذي تحقق بهذا الإعلان باعتراف “فرنسا” بدولة “فلسطين”، لكنه دعا مع ذلك إلى: “وقف فوري للإبادة الجماعية”.. وقال: “نُريد وقفًا فوريًا للإبادة الجماعية. نُريد التزامًا واضحًا وفوريًا ضد هذه الجريمة”.
وأشاد “مانويل بومبار”؛ منسَّق حزب (فرنسا الآبية): بـ”انتصار الحراك الشعبي” الذي تشهده “فرنسا” منذ أشهر تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، مطالبًا: بـ”التحرك الآن”.
وتسائل على منصة (إكس)؛ عن سبب انتظار “إيمانويل ماكرون”: “حتى أيلول/سبتمبر” للإعلان عن هذا الاعتراف: “في حين أن الوقت المناسب للتحرك في مواجهة الرعب اليومي في غزة هو الآن”، داعيًا أيضًا إلى فرض عقوبات على حكومة؛ “بنيامين نتانياهو”.
معاقبة “نتانياهو”..
من جانبها؛ أعربت الأمينة العامة لحزب (الخُضر)؛ “مارين تونديلييه”، عن أملها أن يُساعد: “اعتراف فرنسا بفلسطين الآن شعب غزة، ضحايا الإبادة الجماعية المستمرة”.
وأكد بدوره؛ “فابيان روسيل”، أمين عام الحزب (الشيوعي الفرنسي)، أنه: “حان الوقت للتحرك”، داعيًا إلى: “معاقبة نتانياهو”.. وقال على منصة (إكس): “هذه هي المرة الثانية التي يُعلن فيها الرئيس الفرنسي عن نيته الاعتراف بدولة فلسطين. حان الوقت للتحرك لإنقاذ الشعب الفلسطيني”.
كذلك؛ رحب السكرتير الأول للحزب (الاشتراكي)؛ “أوليفييه فور”، بقرار “إيمانويل ماكرون”، لكنه قال إنه: “يجب أن يكون مصحوبًا بعقوبات؛ طالما استمرت الإبادة الجماعية الجارية”.
وقال زعيم الحزب (الاشتراكي): “يجب أن نضع حدًا لهذه المأساة في غزة ونسمح بعودة الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا على قيّد الحياة إلى عائلاتهم. كفى دماء.. كفى دموعًا”.
اعتراف متأخر..
وأشارت النائبة الفرنسية من أصل فلسطيني في البرلمان الأوروبي؛ “ريما حسن”، إلى أن: “الاعتراف بفلسطين (واجب)”.
وأعربت عن أسفها لأن “فرنسا” متأخرة في هذا الشأن، مذكرة بأن نحو: (148) دولة قد اتخذت هذه الخطوة بالفعل.
وداخل الحكومة الفرنسية؛ رحبت وزيرة التعليم؛ “إليزابيث بورن”، بإعلان “إيمانويل ماكرون”، مؤكدةً أن: “حل الدولتين.. هو السبيل الوحيد للسلام الدائم”.
رفض اليمين المتطرف..
في المقابل؛ قوبل إعلان “ماكرون” بتندّيد، خاصة من قبل اليمين المتطرف في “فرنسا”، فقد أعرب رئيس حزب (التجمع الوطني) اليميني المتطرف؛ “جوردان بارديلا”، عن أسفه لأن إعلان “إيمانويل ماكرون”: “سيمنح (حماس)، شرعية مؤسسية ودولية غير متوقّعة”.
كما استنكر “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا”؛ (CRIF)، إعلانًا: “غير مشروط” بشأن اعتراف “فرنسا”؛ بدولة “فلسطين”. ويرى المجلس أن هذا خطأ دبلوماسيًا، وخطرًا سياسيًا.
التزام بالقانون الدولي..
ورحبت “السلطة الفلسطينية” بالإعلان الفرنسي، واعتبر نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة (التحرير) الفلسطينية ونائب رئيس دولة فلسطين؛ “حسين الشيخ”، أن هذا الموقف: “يُمثل التزام فرنسا بالقانون الدولي، ودعمها لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيّره وإقامة دولته المستقلة”.
غضب “نتانياهو”..
ذكر موقع (واللا) الإسرائيلي؛ أنه بعد إعلان الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، مساء الخميس، أن “فرنسا” ستعترف رسميًا بـ”دولة فلسطينية”، يسّود غليان في النظام السياسي الإسرائيلي، وهاجم عددٍ كبير من السياسيين والمسؤولين القرار، فيما دعا أحدهم إلى الرد بضم “الضفة الغربية” المُحتلة.
ونقل (واللا) أن رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، ندّد بقرار الرئيس الفرنسي، قائلًا: “نُدّين بشدة قرار الرئيس؛ ماكرون، الاعتراف بدولة فلسطينية”، مضيفًا أن هذه خطوة: “تُمثل خطرًا لخلق بؤرة إيرانية أخرى؛ تمامًا كما أصبحت غزة، لنكنَّ واضحين: الفلسطينيون لا يطلبون دولة إلى جانب إسرائيل، بل يطلبون دولة بدلًا من إسرائيل”.
تهكم سفير “واشنطن”..
وتهكم سفير “الولايات المتحدة” لدى إسرائيل؛ “مايك هاكابي”، على إعلان “ماكرون” عن إقامة “دولة فلسطينية”، وكتب على منصة (إكس): “الآن يُمكنني أن أكشف حصريًا أن فرنسا ستُعرّض الريفييرا الفرنسية، والدولة الجديدة ستُسمى (فرانس-إن-ستين)”.
إضافة لإرث “ماكرون”..
ويُفسّر الخبراء؛ أن قرار “ماكرون” هو محاولة جادة لإثبات أن السلام يُحقق ما لا تحقُقه الحرب، في عالم عادت فيه الدول لاستخدام القوة العسكرية لفرض إرادتها على الآخرين، لا سيّما “روسيا” في “أوكرانيا”، و”الولايات المتحدة” و”إسرائيل” بهجماتهما الأخيرة على “إيران” ومنشآتها النووية، والحرب الإسرائيلية المستَّمرة في “غزة”.
ويقول الخبراء في تقريرٍ لوكالة (آسوشيتيد برس)، إنه مع بقاء أقل من عامين على ولايته الثانية والأخيرة كرئيس، فلدى “ماكرون” إرثٌ يُفكّر فيه، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة حيال كارثة إنسانية تتكشف في “غزة” قد يُصبح وصمة عارٍ في تاريخ رئاسته.
وبنى “ماكرون” قراره على ما يمتلكه من أدوات للتأثير في الشؤون العالمية بصفته زعيمًا لدولة نووية قوية اقتصاديًا ودبلوماسيًا، وعضوًا فاعلًا في “الأمم المتحدة”، بصفته أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس أمنها.
تأثيرات على المستوى المحلي..
ومن وجهة نظر الخبراء؛ فقد يُخلف قرار “ماكرون” تأثيرات سلبية وإيجابية على المستوى المحلي بالدرجة الأولى، بكونه أول عضو في “مجموعة الدول الصناعية السبع”.
ويقول المحللون؛ إن “فرنسا” التي تضم أكبر عددٍ من “اليهود” وأكبر عددٍ من المسلمين في “أوروبا”، يجد “ماكرون” نفسه في موقف محرج للرأي العام فقد تُرضي كلماته بعض الناخبين، لكنها ستُغضب آخرين – وهي حقيقةٌ تعكسها ردود الفعل السياسية المنقسَّمة بشدة في “فرنسا” تجاه قراره الاعتراف بـ”دولة فلسطينية”.
لن يُغيّر الواقع..
وتُشيّر التقارير إلى أن طرح “ماكرون” القوي لن يُغيّر واقع الفلسطينيين والإسرائيليين الحالي وآمال عيشهم جنبًا إلى جنب بسلام في دولتيهم، خاصة مع الدمار الكبير في “غزة” وتزايد الاستيطان الإسرائيلي في “الضفة الغربية” المحتلة، ومع ذلك فإن رسالة الرئيس الفرنسي هي أن أمل: “حل الدولتين” الذي يتحقق من خلال الدبلوماسية يجب ألا يُترك ليتلاشى، مهما بدا بعيد المنال.
ويقول المحللون؛ إنه من المُرجّح ألا تكون التأثيرات الأولى في “غزة”، بل في عواصم العالم، حيث قد يواجه القادة ضغوطًا أو يتشجعون على اتباع نهج “فرنسا”. وينصب الاهتمام في البداية على دول “مجموعة السبع” الأخرى، نظرًا لنفوذها الاقتصادي والدبلوماسي.
أول دولة داخل “مجموعة السبع”..
وقال “ديفيد ريغوليه روز”؛ الباحث في المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي: “قد يُشكّل إعلان ماكرون سابقةً، إذ ستكون أول دولة غربية في مجموعة الدول السبع تُقدم على ذلك، مما قد يُؤدي إلى قيادة دول أخرى”.
وعلى الرُغم من اعتراف أكثر من: (140) دولة بـ”فلسطين” كدولة، ستكون “فرنسا” الأكبر والأكثر سكانًا والأقوى بين الدول الأوروبية التي اتخذت هذه الخطوة.
وأكد “يوسي ميكلبيرغ”؛ الزميل الاستشاري البارز في مركز (تشاتام هاوس) للأبحاث في لندن: “إنها تُحدث زخمًا طفيفًا”، مُضيفًا أن: “هذا ليس كافيًا”.
وقال: “يجب تهنئة فرنسا، ويجب تهنئة ماكرون على ذلك وعلى إظهاره الشجاعة”.