خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تزيد الأمور صعوبة تجاه “تركيا”، بدأ الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، يلعب على حبل الاتفاقيات الأخيرة التي وقعها مع رئيس حكومة الوفاق، “فايز السراج”، غير آبهًا لرفض المجتمع الدولي أو حتى الداخل الليبي، فما زاد من وتيرة القلق ما أعلن عنه “إردوغان”، أمس، من إنه من حق “تركيا” إرسال قوات عسكرية إلى “ليبيا” في حال طلبت منها الحكومة الليبية ذلك.
وأضاف “إردوغان”، خلال مقابلة مع قناة (تي. آر. تي) التركية: أنه “يخطط لعقد لقاء مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لبحث الأوضاع في ليبيا؛ لأنني لا أريد أن تصبح ليبيا سوريا ثانية”.
وأوضح الرئيس التركي أن، المشير “خليفة حفتر”، لا وجود له وغير معترف به دوليًا، مؤكدًا أن جهات إقليمية تقدم الدعم لـ”حفتر”؛ أما “تركيا” فعقدت اتفاقية مع الجهة المعترف بها دوليًا.
وأشار “إردوغان” إلى أن هناك منزعجون من مذكرة التفاهم مع “ليبيا” داخل “تركيا” و”خارجها”؛ وعلى رأسهم: “مصر و”اليونان” والشطر الجنوبي لـ”قبرص” و”إسرائيل”، موضحًا أن “تركيا” استخدمت حقها النابع من القانون الدولي فيما يتعلق بالمذكرة.
وأفاد الرئيس التركي أن “إسرائيل” لن تتمكن من نقل “الغاز” عبر “البحر المتوسط” دون موافقتنا، ولا تستطيع “اليونان” و”مصر” و”إسرائيل” و”قبرص” إتخاذ أي خطوة دون موافقتنا بعد توقيعنا على مذكرة التفاهم مع “ليبيا”.
ولفت “إردوغان” إلى أنهم حاولوا التفاهم مع “ليبيا” بشأن الحدود البحرية، منذ سنوات حكم “القذافي”، وقال: “الآن نحن قادرون معًا على البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي والبترول”.
ووصف الرئيس التركي، طرد “اليونان”؛ للسفير الليبي، بـ”الفضيحة الدولية”، وقال: إن “اليونان ستدفع ثمن ذلك دوليًا”.
غزو تركي لليبيا..
ولقيت هذه التصريحات انتقادات واسعة من قِبل الليبيون بشدّة؛ من خلال سعي “أنقرة” للتدخل عسكريًا في “ليبيا” والتوسع على حسابها في “المتوسط”، عبر اتفاق غامض لا تزال تفاصيله غير معلنة، حيث أصدرت منظمات وطنية بيانات، نددت فيها بتصريحات الرئيس التركي وتلويحه بإرسال جنوده إلى “ليبيا”.
في المقابل؛ اعتبرت كل من “مجموعة أبناء ليبيا” و”الحراك من أجل ليبيا”، أنّ ما قاله “إردوغان” مقدمّة لغزو “ليبيا” هدفه تكرار ما تقوم به عصاباته وعملائه في شمال “سوريا” من مجازر؛ هدفها تغيير التركيبة السكانية هناك، ودعت المنظمتان الليبيين إلى الخروج، يوم الجمعة القادم، في مظاهرات عارمة في كافة مدن البلاد، ضد هذا التمهيد السافر لغزو “ليبيا”، والدفاع عن الوطن وصد كل المؤامرت التي تحاك ضدّه.
شرعنة للتدخل..
وفي تعليق على تلك الصريحات؛ قال “كامل المرعاش”، الكاتب الصحافي الليبي؛ إن الدعم العسكري التركي لـ”حكومة الوفاق” موجود بالفعل في “ليبيا” في شكل طائرات مُسيرة وفي شكل مركبات وأسلحة وغيره، إلا أنها لم تغير من شكل المعادلة على الأرض في معركة “طرابلس”، مشيرًا إلى أن التوقيع على مذكرة التفاهم مع “إردوغان” جاء ربما ليشرعن هذا التدخل.
واستبعد “المرعاش” أن ينفذ “إردوغان” هذا الكلام عمليًا على الأرض، مشيرًا إلى أن كلام “إردوغان” عن تدخل عسكري في “ليبيا”؛ يجيء في إطار إنجاح “مؤتمر برلين” والضغط على “الجيش الوطني” لوقف عملياته في إتجاه “طرابلس”، والتمهيد لحل سياسي يضمن بقاء “الوفاق” و”السراج” في المشهد.
وأضاف “المرعاش” أنه؛ إذا حدث أي تدخل عسكري تركي فإن هذا معناه غزو عسكري لن يسكت عنه الشعب الليبي ولا الدول الفاعلة في الإقليم ولا المجتمع الدولي و”مجلس الأمن”.
بالونات اختبار..
وفي السياق ذاته؛ رأى المحلّل السياسي الليبي، “وائل البكري”، أن ما يفعله “إردوغان”، في “ليبيا”، هذه الأيام، هو توظيف حكومة “فايز السراج” في الصراع الإقليمي والدولي، كاستخدامه لـ (جبهة النصرة) وهيئة (تحرير الشام) في المفاوضات السورية في “سوتشي” و”آستانا”.
مضيفًا؛ أن “إردوغان” لم يتدخل في “ليبيا”، بعد بدء معركة تحرير “طرابلس” من طرف “الجيش الليبي”، شهر نيسان/أبريل الماضي، إلا من أجل ترسيم الحدود، لكنّه قلل من تصريحاته الأخيرة بشأن إمكانية إرسال قوات عسكرية إلى “ليبيا”، مشيرًا إلى أن: “كل ما يفعله الآن هو إطلاق بالونات في الهواء وتجربة صدى سياسة إعلان التأثير التي يمارسها، لأنّه يدرك تمامًا قواعد الاشتباك لحلف (الناتو)؛ ويعلم أن قدومه لليبيا يعني فتحه معركة كبرى بين الليبيين والأتراك”.
مغامرة لن يجرؤ عليها..
كما أوضح أن “إردوغان” تدّخل عمليًا في “ليبيا”، منذ عدة أشهر؛ تحت غطاء التعاون الأمني والعسكري وأرسل شحنات أسلحة وطائرات مُسيّرة إلى قوات “الوفاق”، لكنّه “لن يغامر بتدخل عسكري بريّ سيدفع الدول الكبرى لمعاقبته، خاصة دول الاتحاد الأوروبي”، مؤكدًّا أن احتمال تدخلّه “يعني اندلاع انفجار كبير في المنطقة، يجب أن تستعدّ وتتحدّ الأمة العربية والإسلامية لمواجهته؛ ووقف هذا العبث والجنون”.
ستغير المعادلة بشكل كبير..
وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه القوات التركية في الصراع الدائر في “ليبيا”، بين الحكومة المؤقتة وقوات المشير “خليفة حفتر”؛ من جهة وبين “حكومة الوفاق الوطني” بقيادة، “فائز السراج”، من جهة أخرى، يقول المحلل السياسي التركي، “فراس أوغلو”؛ أن الهدف واضح بالنسبة لـ”تركيا”، وهو منع سقوط “حكومة الوفاق”، لأن “حفتر” وقوات شرق البلاد ومن يدعمها بدأت القوى تتغير لصالحهم، و”حكومة الوفاق” بالنسبة لـ”تركيا” هي أمن إستراتيجي، إضافة إلى الجيوبولوتيك في تلك المنطقة.
وأضاف أن هناك مسألة مذكرتي التفاهم اللتين تم توقيعهما، وأيضًا حفظ حقوق “تركيا” في “المتوسط”، وحفظ الحقوق الليبية في هذا السياق، حيث إن هناك خلافًا كبيرًا بين عدد من الدول في تلك المنطقة المائية من “ليبيا”، بين “تركيا واليونان ومصر وقبرص” وحتى “إيطاليا”.
ويكمل “أوغلو”: لا أعلم كيف سيكون المستقبل، لكن وجود “تركيا” عسكريًا سوف يغير في المعادلة بشكل كبير، والأمور ستتعقد بشكل كبير، لأن “تركيا” عضو في حلف (الناتو)؛ فهل ستستخدم هذه القضية، في حال تعرضت لهجوم عسكري، في حال كانت القوات نظامية.
موضحًا أنه في حال كانت القوات غير نظامية حتى لا تدخل في اشتبكات مباشرة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسارة بعض الجنود، كما لا ننسى أن “حكومة الوفاق” لديها العدد الأكبر من المقاتلين الليبيين، وإذا نظرنا إلى النسبة السكانية فكلها في غرب “ليبيا” وليس في الشرق، وكل هذه الأمور ستُدرس، وطبعًا الجيش التركي جيش محترف جدًا.
ويضيف “أوغلو”: أعتقد أن ذلك قد يلعب دورًا كبيرًا في الانتخابات القادمة، وفي حال وجود خسارة كبيرة في الجنود؛ فذلك سيؤثر بشكل كبير على مسار الانتخابات.
وعن شكل القوات التي يمكن أن ترسلها “تركيا”؛ وعن تعداد الجنود الذين سيذهبون إلى “ليبيا”، يقول المحلل التركي، “أوغلو”: بشكل عام؛ “تركيا” ترسل قوات النخبة نوعًا ما إلى أي مناطق اشتباكات، ولكن هناك مسألة القوات الجوية، حيث أن التفوق الجوي لمصلحة “حفتر”، لذلك هذا سيزيد الدفاعات الجوية تمنع الطيران مثلًا، نعم “تركيا” باعت الكثير من الطائرات المُسيرة لـ”حكومة الوفاق”، وهذا من نقاط الضعف هناك، وفي هذا السياق سيكون هناك معدات ومدرعات.
رسالة تخص التنقيب بـ”شرق المتوسط”..
بدوره يرى المحلل السياسي التركي، “بركات قار”، بأن هذا التصريح في هذه الظروف؛ هو رسالة إلى الأطراف المعنية في مياه “شرق البحر المتوسط”، فيما يخص موضوع التنقيب على “الغاز” و”البترول”، ويتابع: هذا الأمر لا شك يريد إظهار السلطات التركية بأنها معنية وطرف في الصراع الدائر في “ليبيا”، وهذا يأتي استكمالًا لهذا الدور، وبتقديري هذا ليس بصالح “تركيا” الآن، بل سيؤجج الأطراف المعنية في “المتوسط”.
ويشير إلى أن “تركيا” ليست مستعدة لخسارة الجنود من أجل “حكومة الوفاق”، بل هي حددت لنفسها وأقتنعت بأنها لاعب إقليمي، كما هي في “سوريا” و”العراق” و”البحر المتوسط”، وأنها معنية بشؤون المنطقة ككل، وهي تحاول أن تفرض هذا الدور وتشرع ذلك أمام الغرب والدول المعنية.
تمثيلية ليس أكثر ليكون لها دور في المفاوضات..
فيما يرى الخبير السياسي، “بركات قار”، أن لا قوات يمكن أن تذهب إلى هناك، ويوضح: من المبكر الحديث عن هذا الأمر، لكنها تمثيلية ليس أكثر، ولا أعتقد أنها ستأخذ دورًا فاعلًا، كون الصراع محتد في “ليبيا” وهو بين أطراف دولية، وليس بين طرفين لحل قضية، ولو اقترحت “تركيا” لعب دور وسيط السلام لكان ذلك أفضل بكثير لها.
ويتابع: سلطات “طرابلس” الآن معروفة من تمثل ومن الأقرب لها فكريًا وسياسيًا، لذلك هي استعدت أن تعلن هذا الموقف تجاه “اليونان” و”قبرص” لكي يكون لها دور على طاولة المفاوضات القادمة.
ليجد موطيء قدم يزعج به أوروبا ويساوم به روسيا !
من جانبه؛ اعتبر الكاتب الصحافي المتخصص بالشأن التركي، “يوسف الشريف”، أن تصريحات الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، بشأن استعداد بلاده لإرسال عسكرييها إلى “ليبيا”، في حال حصولها على طلب، “ليست زلّة لسان”، قائلًا: “صحيح أنه لا توجد حكومة شرعية ليبية لها صلاحيات استدعاء جيوش أجنبية، لكن إردوغان يريد قاعدة وموطيء قدم في جنوب بحر المتوسط يزعج به أوروبا، ويفاوض روسيا ويساومها في ملف جديد بعد دعمها حفتر مقابل سوريا”.
“عملية انتحارية”..
وفي الإطار ذاته؛ وصف الناشط السياسي، “سراج التاوزرغي”، تصريحات “إردوغان” بشأن إرسال قوات إلى “ليبيا”، بـ”الانتحارية”، مضيفًا أنّ الواقع يفرض عليه عكس ذلك تمامًا، لأنّه يعرف أن المجتمع الدولي لن يسمح بدخول قوات أجنبية إلى “ليبيا” لمناصرة ومساندة الميليشيات المسلحة التابعة لـ”قوات الوفاق”، ويعلم أن قواته بدخولها إلى “ليبيا”، ستكون في مواجهة مباشرة مع قوات الجيش الليبي.
مشيرًا إلى أنّ الشعب الليبي متوّحد بالكامل لمواجهة هذه التهديدات الخارجية وإنهاك مشروع الأتراك وطموحاتهم في “ليبيا”، لافتًا إلى وجود موجة استنكار كبيرة من كل شرائح المجتمع بمختلف توجهاتها وإنتماءاتها ضدّ التحركات التركية الأخيرة؛ التي تستهدف نهب ثروات بلادهم واحتلالها، مؤكدًّا أن الليبيين مستعدون لحمل السلاح في مواجهة أيّ عدوّ أجنبي يتدخلّ في “ليبيا” وينتهك سيادتها.