كتبت دعاء عبدالنبي : رغم ما يعانيه العراق من أزمات أمنية وسياسية وحروب يخوضها ضد الإرهاب وبتحالفات دولية ، يُطل علينا القضاء العراقي بمشهد يبدو مستغربًا في توقيت يفترض أن تتوحد فيه القوى العراقية بمختلف طوائفها لمواجهة الإرهاب ، وتصدر أحكامًا ضد قيادات عراقية لتثير النعرات الطائفية ، وهو ما يستدعي إلقاء النظر حول أحكام القضاء العراقي ودوافعها ودوره في زيادة التوتر والانفلات الأمني ، وتاثير مثل هذه القرارات على مواجهة«داعش» وعلى إمكانية أن ينقلب السحر على الساحر فبدلًا من مكافحة الإرهاب ، تزداد الوتيرة بزيادة التضامن والتعاطف مع جماعة مثل «داعش» ليدخل العراق في نفق مظلم لا يعرف أين مصيره ؟
حكم الإعدام
ففي الوقت الذي تدعو فيه القوى والتحالفات الدولية بتسليح العشائر السنية لمواجهة «داعش» ، يصدر القضاء العراقي حكمه بالإعدام شنقًا بحق النائب السابق عن القائمة العراقية، أحمد العلواني، بتهمة القيام بأعمال تتعلق بالإرهاب ، وهو ما اثار غضب واستياء القوى السياسية ولاسيما عشيرة البوعلوان التي ينتمي إليها أحمد العلواني ، التي هددت بالانسحاب من قتال المتطرفين في الرمادي.
ولايزال قرار محكمة الجنايات المركزية ببغداد بإعدام العلواني قرارا غير قطعي قابل للتمييز، بحسب المتحدث باسم السلطة القضائية عبدالستار البيرقدار، الذي أضاف أن الحكم صدر على أساس اتهامه بالقتل العمد لجنديين بحسب المادة 466 بعد توجيه الاتهام له في 19 من يناير العام الحالي، بعد تأجيل صدور الحكم أكثر من مرة.
وكانت قوة مشتركة من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، اعتقلت العلواني بعد اشتباك مع حرسه الخاص وقتلت شقيقه علي، إضافة إلى 15 آخرين من حرسه وأفراد أسرته فجر الثامن والعشرين من ديسمبر 2013، وهو المعروف بدعمه لساحات الاعتصام في الأنبار.
وقامت وقتها عشائر الرمادي بإعطاء مهلة للحكومة المركزية 12 ساعة لإطلاق سراح النائب أحمد العلواني، الذي اعتقل خلال عملية عسكرية أثناء توترات أمنية تعيشها المحافظة، وتوعدت بعد انتهاء المهلة المحددة برد قاس بحسب بيان صدر عن مجلس العشائر.
ودفعت المخاوف من انزلاق العراق إلى حرب أهلية وقتها ، الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، إلى المطالبة بإبعاد الجيش “عن خصومات المالكي السياسية”، وحث القوات المسلحة على محاربة الإرهاب في الأنبار وليس محاربة المواطنين..
ويرى مراقبون أن توقيت قرار الإعدام يأتي فيما تشهد الرمادي هجوما واسع النطاق من قبل المتطرفين، فيما تقف البوعلوان في صف العشائر المقاتلة إلى جانب الجيش لدحر قوى التطرف.
لتثار تساؤلات عدة عن توقيت صدور الحكم ودوافعه، فرغم تورط رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في قضايا فساد وسرقته لأموال العراقيين لم تلاحقه الجهات القضائية ، هناك من يرى بأن الحكم الصادر بحق ” العلواني” قانوني وهناك من يرى بأن الحكم مُسيس ويستهدف في الأساس المصالحة الوطنية وتصعيد التوترات السياسية والأمنية.
ولفهم ما يعانيه العراق وما قد ينتج من أثار تعقيبًا على حكم الإعدام الصادر بحق ” احمد العلواني” ، سنتطرق لمعرفة ملف العلواني ودور القضاء العراقي متابعة ملف الإرهاب ، وردود القوى السياسية بشأن القرار .
نبذة عن العلواني
أحمد سليمان العلواني شغل منصب نائبًا في البرلمان العراقي ورئيس اللجنة الإقتصادية فيه، من مواليد 27 أبريل، 1969 م ، ويسكن في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار في العراق.
عرف العلواني بموقفه المعارض وبشدة ، لإيران والسياسيون العراقيون الموالون لها ، ففي كل لقاءاته التلفزيونية ومؤتمراته الصحفية كان ينتقدهم وبشكل لاذع ، إلى درجة أن بعض السياسيين طالبوا برفع الحصانة عنه ، وقدموا ضده دعوى قضائية أبطلتها المحكمة .
منذ أن انطلق الحراك الشعبي في المحافظات الست المنتفضة قبل نحو عام ، كان أحمد العلواني في طليعة الداعمين له ، والمدافعين عنه في نفس الوقت ، فحضر جميع النشاطات التي أقيمت في الساحة ، وكانت له دائماً كلمة في المناسبة .
كانت تشغله طيلة السنوات الماضية ، فكرة الإقليم السني، بسبب ما يتعرض له أهل السنة من قبل الحكومة العراقية التي أوغلت في قتل أبنائه وتهجير عوائله ،وزج شبابه في السجون منذ إحتلال العراق ، وكان يعتقد أن الإقليم هو الخيار الوحيد لأهل السنة في العراق.
وكان العلواني من أبرز النواب الداعمين للاعتصامات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في الأنبار، واعتقلته قوات الأمن نهاية 2013 في عملية أمنية اودت بحياة خمسة من حراسه وشقيقه.
واعتقل العلواني بعد اشتباكات مع القوة الأمنية التي داهمت مقر اقامته، وقالت وزارة الدفاع العراقية حينها، إن القوة كانت مكلفة تنفيذ امر قضائي بحق “المتهم المطلوب بقضايا وجرائم ارهابية المدعو علي سليمان جميل مهنا العلواني”، شقيق أحمد العلواني.
ولدى وصول القوة “فوجئت بفتح نيران كثيفة من مختلف الأسلحة من قبل أحمد العلواني وشقيقه المتهم المطلوب قضائيا وحماياتهم الشخصية”، حسب وزارة الدفاع.
وأسفرت العملية عن مقتل أحد عناصر الجيش ومقتل علي العلواني وخمسة من حراسه، كما تم اعتقال النائب العلواني.
وادى اعتقال العلواني الى موجة من السخط بحق حكومة المالكي، المتهم من خصومه باتباع سياسة تهميش واقصاء بحق السنة.
وبعد أيام قليلة من العملية الأمنية، فضت قوات الأمن بالقوة الاعتصام المناهض للحكومة الذي كان مقاما قرب مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار، تزامنا مع اشتباكات في المدينة.
وتصاعد التوتر في الانبار جراء هذه الاحداث، ما اتاح لتنظيم «داعش» السيطرة على أحياء في الرمادي، وكامل مدينة الفلوجة إلى الشرق منها.
ردود الأفعال
أثار حكم الإعدام الصادر بحق ” أحمد العلواني” سخط وغضب قوى وتحالفات سياسية ، من بينها عشيرة ” البوعلوان” التي ينتمي اليها ” احمد العلواني ” وتصاعدت رودو الأفعال ما بين مؤيد ومعارض لهذا القرار .
من جانبه دعا أسامة النجيفي، نائب الرئيس العراقي فؤاد المعصوم، إلى ضرورة معالجة حكم الإعدام الصادر بحق النائب السابق أحمد العلواني، بما يتفق مع الأعراف والقانون، مع الأخذ بعين الاعتبار دور عشيرته البوعلوان في المعركة ضد الإرهاب.
وفي سياق متصل، ذكر بيان آخر صادر عن مكتب النجيفي، الثلاثاء أيضاً، أن نائب رئيس الجمهورية استقبل سفير الولايات المتحدة في العراق، ستيوارت جونز، بحضور عدد من النواب، وتناول الطرفان خلال الاجتماع الحكم الصادر بحق النائب العلواني.
ورأى المجتمعون، بحسب البيان نفسه، أن التوقيت السيئ الذي صدر فيه الحكم على العلواني لا يدعم ظروف المواجهة مع الاٍرهاب.
فيما وصف رئيس الكتلة النيابية لتحالف القوى العراقية احمد المساري حكم الإعدام الصادر بحق النائب السابق عن الانبار احمدالعلواني بالخاطئ والمتسرع ، داعيا الى ” اعادة النظر بهذا القرار “.
واضاف ” ان هذا الموقف سيؤثر على موقف عشيرة احمد العلواني في حماية الانبار والتي لديها موقف ضد تنظيم داعش ، كما سيؤثر على موقف أهالي محافظة الانبار بشكل عام” .
من جهته أكد النائب ظافر العاني أن قضية إعدام العلواني أثارت الشكوك بالنوايا الصادقة لحكومة العبادي بعد إعطائه الكثير من الوعود للشخصيات السياسية ، العاني أشار أيضآ الى أن الوقت غير مناسب لإصدار حكم الإعدام
الشيخ رعد ال سليمان أكد ان قرار حكم الإعدام الذي صدر بحق العلواني سيشعل نار الازمة، مشيرا الى انه تم التجاوز من قبل الاجهزة الأمنية خلال عملية اعتقاله نظرا للحصانة التي كان يتمتع بها آنذاك بصفته عضو في البرلمان العراقي.
على الجانب الأخر ، أكّد النائب عن إئتلاف دولة القانون، هشام السهيل، إنّ ” قضية النائب السابق، احمد العلواني غير سياسية، والإعلان عن الحكم، تمّ وفق توقيتات محددة بالقضاء”.
وأكد السهيل أن “القضاء لاعلاقة له بالمواقف السياسية، لأن لديه توقيتات زمنية، ومواعيد محددة للنطق بالحكم، بأي قضية “،وعبّر السهيل عن استغرابه من ربط القضايا الجنائية بالقضايا السياسية : ” إنّهُ من غير المعقول أن يتم تأجيل النطق بأي حكم الى أن تنتهي قضيةٌ سياسيةٌ ما “، ورأى السهيل إنّهُ قد باتت هنالك حاجة ملحة، لفكّ هذا الارتباط : ” ضرورة الفصل مابين السياسة والقضاء “.
أمّا الناطق الرسمي باسم السلطة القضائية، عبد الستار البيرقدار، والذي كان قد أعلن صدور حكم بإعدام النائب السابق احمد العلواني، إن ” محكمة الجنايات المركزية، اصدرت حكماً بإعدام النائب السابق، احمد العلواني،وفق المادة 406 من قانون العقوبات “، ولفت البيرقدار الى :” إنّ القرار قابل للتمييز ، وبعد ان يكتسب الحكم الدرجة القطعية، يرسل الى رئاسة الجمهورية، لاصدار مرسومٍ جمهوري لتنفيذه.
بينما أشار عضو البرلمان العراقي عالية نصيف إلى أن المادة التي حوكم عليها تتعلق بالقتل العمد، وهذا يعني أن المحاكمة تمت على أساس جريمة قتل العسكريين من قبل العلواني عندما أرادوا القبض على أخيه، وتمت الجريمة بوجود شهادة عيانية ودعوى من ذوي المقتول ، وأضافت بأن العلواني متهم بقضايا إرهاب عندما كان يشارك الاعتصامات، ويهدد بالزحف نحو بغداد، ويقف مع “داعش” أو “القاعدة”، ويدعو إلى قطع الرؤوس، إضافة إلى إيواء من كانوا يقومون بهذه الأعمال، لذا فإن هنالك قضايا أخرى بانتظاره.
فيما أعلن وزير العدل أن تنفيذ هذا الحكم يحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية، لكن هناك الكثير من المسؤولين يعتقدون أن الرئيس لن يوقع على هذا القرار قط، بسبب ظروف الحرب على داعش، وأجواء المصالحة، فضلاً عن التدخل لبعض الشخصيات السياسية والدينية (والمقبولية) الذي سيكون لصالح الغاء الحكم، أو التخفيف منه.
عشيرة البوعلون
من جانبها ، أصدرت عشيرة ” البوعلوان” ، بياناً ، تدعو فيه إلى بذل المزيد من الجهود لمواجهة قرار إعدام ابنهم أحمد العلواني، من أجل ترسيخ مباديء المصالحة الوطنية.
واستنكرت العشيرة في بيانها، القرار القضائي بحق النائب أحمد العلواني، مشيرة الى أن ” عشيرة البوعلوان تشكل حزام أمني لمدينة الرمادي ضد تنظيم الدولة الاسلامية داعش”.
وجاء في البيان، أن “عشيرة البوعلوان تطالب العراقيين الشرفاء بإحباط القرار الجائر بحق ابنهم”، موضحاً بأن التهم التي الصقت اليه كانت سياسية، مطالبا بالغاء القرار واظهار حسن النوايا لا سيما في هذا الوقت، حيث يمر العراق بأزمات طائفية، تحتاج الى ترسيخ مباديء المصالحة الوطنية.
وقال عمر العلواني أحد شيوخ العشيرة، خلال حديثه لعدد من وسائل الاعلام، إن «عشيرة البو علوان كلها تقف ضد داعش إلى جانب الحكومة»، محذرا من أن «نصف مقاتلي البو علوان سينسحبون فيما لو تم بالفعل إعدام العلواني في هذه الظروف».
وأضاف العلواني، «نحن الآن في وقت القتال وكل شيء متوقف، فلينته القتال ولننتصر، ولاحقا ندع القضاء والحكومة تتخذ أي قرار تراه مناسبا».
القضاء العراقي
يوم بعد اخر تترسخ القناعة القانونية والاجتماعية لدى شرائح واسعة من الرأي العام العراقي ان القضاء العراقي بدا بفقد مصداقيته ، فأصبحت النزعة السياسية المقنعة احدى اهم نوازع ومتطلبات الاحكام القضائية لصالح مراكز القوى الطائفية .
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة قالت فيه” إن العراق يجب أن يوقف استخدامه الواسع لعقوبة الاعدام وهي جائرة ومعيبة ولا تؤدي سوى لإشعال العنف الذي يقصد بها منعه، وشنق 60 شخصا في العراق بحلول نهاية أغسطس آب هذا العام ورغم أن هذا اقل ممن أعدموا في عام 2013 وبلغ عددهم 177 شخصا إلا أن 1724 شخصا ما زالوا يواجهون حكم الاعدام.
وقال التقرير الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة في العراق بالاشتراك مع مكتب حقوق الانسان بالمنظمة الدولية إن العراق يميل الى تنفيذ العقوبة على دفعات لأن الرئيس السابق جلال الطالباني كان يعارض عقوبة الاعدام ولذلك كان نائب للرئيس يأمر بتنفيذ عملية الاعدام حين كان طالباني يسافر الى خارج البلاد.
وتابع التقرير إن القضاة غالبا ما يصدرون احكام الاعدام اعتمادا على ادلة من اعترافات موضع شك او مخبرين سريين تدين المشتبه بهم غير العارفين بحقوقهم وربما يعذبون ولا يكون لديهم دفاع حتى وصولهم الى المحكمة.
وقال المفوض السامي لحقوق الانسان الأمير زيد بن رعد الحسين ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للعراق نيكولاي ملادينوف إن العراق يجب ان يعلق العمل بعقوبة الاعدام.
وقال التقرير إن رأي الحكومة العراقية بأن عقوبة الاعدام تعتبر رادعا للعنف “يبدو انه ليس صحيحا بالنظر للوضع الأمني المتدهور على مدى الاعوام الماضية” وقال ان عمليات الاعدام تبدو مجرد رد فعل على العنف.
تُتّهَم السلطة القضائيّة من قبل معارضي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بأنها أصبحت خاضعة بشدّة لنفوذ الحكومة، ويُتّهَم المالكي بأنه يستخدَم القضاء للتخلّص من خصومه.
وقد بدأت هذه الاتهامات منذ الانتخابات الماضية في العام 2010، حينما تبنّت المحكمة الاتحاديّة تفسيراً للدستور سمح للمالكي بتشكيل الحكومة الحاليّة على الرغم من أنه لم يكن الفائز الأول في الانتخابات.
ثم تكرّرت مع قيام المحكمة الاتحاديّة بالحكم لصالح الحكومة في خلافاتها مع البرلمان، بشكل أضعف البرلمان كثيراً خصوصاً بعد تجريده من سلطة تشريع القوانين بمعزل عن الحكومة. ومؤخراً وعلى خلفيّة الصراع بين المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي بشأن الميزانيّة وتهديد المالكي باللجوء الى القضاء، ثمّة مخاوف من تجريد البرلمان من سلطته الوحيدة المتبقية وهي إجراء التعديلات على مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة.
وفي هذا الاطار دعا النائب عن التحالف المدني الديمقراطي، مثال الآلوسي، إلى التغيير والحرفية والاستقلالية في القضاء العراقي.
وقال الآلوسي إن “القضاء العراقي عقب فترة حكم (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي، عليه اشارة استفهام كبيرة”، مطالبا باجراء “التغيير واتباع الحرفية في ادارته”.
وبين تحقيق العدالة وتسييسها يتأرجح قرار الحكم بإعدام ” العلواني ” ما بين مؤيد للقرار باعتباره أخطا في مواجهة قوات الامن وتسبب في مقتل جنديين ، إلى جانب دعواته التحريضية ضد الحكومة وحلفائها ، وما بين معارض يرى بأن القرار مُسيس لصالح التخلص من الخصوم في وقت يتازم فيه المشهد السياسي في إطار حملاته لمكافحة الإرهاب.