كتب كرم نعمة : ثمة من يقرأ الصحف الورقية الجديدة، لكن لا أحد كسب الرهان بعد! ذلك باختصار ما يمكن أن يقال إثر إعلان صحيفة “آي” البريطانية اليومية ارتفاع توزيعها الى 300 ألف نسخة يوميا.
هذه الصحيفة التي صدر عددها “صفر” صباح الثلاثاء السادس والعشرين من اكتوبر/ تشرين الاول 2010، كانت توزع 200 ألف نسخة وتباع بعشرين بنسا، وبعد أكثر من عامين تبدو أنها تنظر إلى مستقبلها بتفاؤل وهي تعيد ابتكار محتوى الصحافة الورقية برؤيا رقمية.
فلسفة هذه الصحيفة التي اتخذت من حرف التملك باللغة الانكليزية “آي” اسما لها، وأعادت ابتكار ”اللوغو” عندما وضعت اسمها بشكل عمودي جذب الأنظار إليها، توفير المعلومة السريعة للقراء الذين يعانون من ضيق الوقت لقراءة الصحف الرصينة.
كذلك وصفت هيئة تحرير الصحيفة التي ولدت من رحم صحيفة “اندبندنت”، بأنها موجزة وذكية وتحيط بأخبار اليوم الأساسية مع تقارير وآراء في الأعمال والترفيه والرياضة.
وتتكون الصحيفة التي ارتفع سعرها إلى 30 بنساً من 56 صفحة ملونة، مقارنة مع 70 صفحة لصحيفة “اندبندنت” التي أطلقتها. وتستهدف إعادة القراء إلى الصحف بعد أن استحوذت الصحافة الالكترونية على اهتمامهم.
نحن نتحدث عن زيادة توزيع مقدارها مئة ألف نسخة لصحيفة تقدم مختصرات سياسية وحياتية وخدمات لقارئ مستعجل يطالعها في المقهى أو القطار في طريق توجهه للعمل، فهل تخلى مئة ألف مستخدم عن هواتفهم المحمولة أو أجهزتهم اللوحية لمطالعة “الفلاشات” السريعة وفضلوا اقتناء الصحيفة بمبلغ زهيد لا يمكن أن تُشترى به أصغر قطعة حلوى؟
يبدو الأمر أكبر من تداعيات ثمن الصحيفة “30 بنسا” أو توفر مادة مشابهة تقريبا على الانترنت، أو حتى بوجود الهاتف المحمول والجهاز اللوحي، انه الحس التاريخي بملمس الورق وراحة القراءة التي يوفرها، ثم ابتكار المحتوى وفق حاجة القارئ التي تختلف عن حاجة المستخدم المتصفح للانترنت.
عندما أطلقت صحيفة “آي” قبل أكثر من عامين فاجأت العين باللوغو العمودي لإسمها، بينما كانت العين تنظر بشكل أفقي، كان ثمة من يسأل “من سيقرأها” واتهمت “الاندبندنت” بأنها لا تتعلم من أخطائها وتراهن مجددا على سوق الورق المريضة في عصر يتحول فيه كل شيء الى الرقمية.
إلا أن أندرو مولينز من هيئة تحرير صحيفة “اندبندنت” قال حينها “أن الوقت لم يعد يسمح للقراء بقراءة الصحف عالية الجودة، فيما تغمرهم وسائل الإعلام الالكترونية بسيل من المعلومات، وتصدر صحيفة (آي) لتكون نوعا من الحل وخــاصة للمسافرين في قطـــارات الأنفاق”.
وهذا الحل – حسب تعبير مولينز- يتلخص بتصميم الصحيفة الذي ابتكر الحس الرقمي على الورق عبر المختصرات والقطع الصغيرة والعناوين الالكترونية والخدمات الصحفية الذكية الدالة، وعدم إرهاق القارئ بتقارير طويلة غير مصورة.
ومهما يكن من أمر، فإن سوق الورق كسبت مئة ألف متصفح في مدينة رقمية بامتياز مثل لندن، لكن لا يمكن لهيئة تحرير “آي” أن تزعم أنها كسبت الرهان، فالأشواط لا زالت متصاعدة بين الرقمي والورقي.