إضراب موظفوا الحكومة التونسية .. يضع “الشاهد” أمام تنفيذ المطالب أو الاستقالة !

إضراب موظفوا الحكومة التونسية .. يضع “الشاهد” أمام تنفيذ المطالب أو الاستقالة !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في رسالة تحدٍ قوية للحكومة، نفذ موظفو المؤسسات الحكومية في “تونس”، الذين يمثلون سُدس العاملين في البلاد، أمس إضرابًا عامًا بدعوة من “الاتحاد العام التونسي للشغل”، (المركزية النقابية)، للمطالبة بزيادة أجورهم.

ويعتبر هذا أول إضراب بهذا الحجم، منذ 2013، وهو أول إضراب عام في مؤسسات حكومية في تاريخ البلاد، بحسب “المركزية النقابية”.

آلاف المتظاهرين أمام مبنى البرلمان بضاحية “باردو”، بالعاصمة التونسية، رددوا في وجه الحكومة “ارحل”؛ ونعتوا الحكومة بأنها “متسولة” أمام المانحين الدوليين الداعين لخفض حجم الأجور في الوظيفة العامة.

ونظم العديد من التجمعات الاحتجاجية أيضًا في مقار الولايات والعديد من المدن الكبرى. ففي “صفاقس”، (ثاني أكبر مدن البلاد – وسط)، تظاهر المحتجون في هدوء إلى مقر الولاية. وفي “قفصة”، (جنوب غربي)، في قلب منطقة “الحوض المنجمي” تظاهر المئات بعد الاستماع لخطاب لمسؤول نقابي محلي.

ورغم استمرار العمل في وسائط النقل العام شلت الحركة تمامًا في الوزارات والمدارس والمستشفيات، (عدا أقسام الطواريء)، وباقي الإدارات الحكومية.

طبقة سياسية مراهقة..

وقال الأمين العام للمركزية النقابية، “نورالدين الطبوبي”، أمام حشود كبيرة تجمعت قبالة مقر البرلمان: “لقد دمرتم هذا الشعب وجوعتوه”، واصفًا الطبقة السياسية بـ”المراهقة” بعد صراعاتها على السلطة.

وهدد قائلاً: “لن نخضع لخياراتكم الليبرالية؛ وسنتخذ إجراءات نضالية ونعبيء مجمل القطاعات”، معلنًا عن اجتماع “الهيئة الإدارية للمركزية النقابية”، السبت، لإتخاذ إجراءات بشأن تحركات أخرى وسط مناخ اجتماعي متوتر.

وأكد “الطبوبي” أن الموظفين لا يطلبون “منة” بل الحفاظ على مقدرتهم الشرائية التي تأثرت بالتضخم الذي قارب 7,5 بالمئة.

وعلاوة على الطلبات المتعلقة بالأجور، أكد الأمين العام للمركزية النقابية التصميم على أن تكون للمنظمة كلمتها في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية 2019.

قائلاً: “أدعو كافة فئات الشعب إلى أن تكون حاضرة في الانتخابات القادمة”، مشددًا: “كل المراحل تعنينا، لن نفوت أية انتخابات”.

صعوبات في الإستجابة لمطالب الشعب..

وتجد السلطات التونسية صعوبات في الإستجابة للتطلعات الاجتماعية للشعب، رغم التقدم المسجل في الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بنظام “زين العابدين بن علي”، في 2011، والعودة إلى النمو بعد سنوات من الركود.

التضخم الذي يغذيه تراجع قيمة “الدينار التونسي” والبطالة التي لازالت فوق 15 بالمئة، يؤججا التململ الاجتماعي الذي أدى إلى أعمال شغب، في كانون ثان/يناير 2018، في العديد من المدن التونسية.

مطالب بزيادة تماثل الزيادة الشهرية..

وأكد “الاتحاد العام التونسي للشغل” أن نسبة نجاح الإضراب بلغت 90 بالمئة بين 673 ألف موظف في القطاعات الحكومية، الذين يطالبون بزيادة تماثل على الأقل الزيادة الشهرية، التي منحت لموظفي المؤسسات التابعة للدولة، (في ما يُسمى في “تونس” القطاع العام)، وتراوحت بين 45 دينارًا، (15 يورو)، و90 دينارًا، (30 يورو).

ويشمل قطاع “الوظيفة العمومية”، وهو الأضخم عددًا في “تونس”، جميع الموظفين والعاملين في رئاسة الحكومة والوزارات، (على غرار الصحة والزراعة والتربية …)، في حين يشمل “القطاع العام”، وهو أصغر حجمًا، مؤسسات وشركات تابعة للدولة، لكنها تدار بأنظمة خاصة، (شركتا الكهرباء والغاز على سبيل المثال).

لم تأخذ في الميزانية الجديدة..

من جانبه؛ أشار “بوعلي المباركي”، الأمين العام المساعد للمركزية النقابية، إلى أن: “هذه الزيادة لم تأخذ في الاعتبار؛ في ميزانية الدولة لسنة 2019”.

وجاء هذا التحرك متزامنًا مع بدء البرلمان، غدًا السبت، مناقشة “قانون المالية”.

وتدعو الصناديق الدولية، المانحة لـ”تونس”، إلى السيطرة على كتلة أجور الوظيفة العامة بهدف وقف تفاقم عجز البلاد. وهم يرغبون في أن تتقلص نسبة هذه الأجور إلى الناتج الإجمالي، والبالغة حاليًا 14 بالمئة، وهي إحدى أكبر النسب في المنطقة.

وفي شعاراتهم التي رفعت في التجمعات؛ هاجم المحتجون، المانحين الدوليين المتهمين بإملاء سياسة ليبرالية على الحكومة، وهتفوا خصوصًا مطالبين بـ”استقالة حكومة العمالة.. استقالة حكومة التجويع” و”لا لشروط صندوق النقد الدولي”.

وحصلت “تونس”، التي تعاني صعوبات مالية، في 2016، من “صندوق النقد الدولي” على قرض بقيمة 2,4 مليار يورو على أربع سنوات مع الوعد بتنفيذ إصلاحات واسعة.

وزار وفد عن أبرز المانحين الدوليين الثمانية، في تموز/يوليو 2018، “تونس” للدعوة إلى الاستمرار في هذه الإصلاحات لما فيه “مصلحة المواطن”، في وقت يجد فيه رئيس الحكومة، “يوسف الشاهد”، صعوبة في الحصول على إجماع حول برنامج يمس، خصوصًا “الصناديق الاجتماعية”، والعديد من المؤسسات العامة.

حجر عثرة أمام طموحات “الشاهد”..

وبهذا الصدد؛ كشف الكاتب الصحافي والإعلامي التونسي، “محمد اليوسفي”، تداعيات إضراب الوظيفة العمومية على الوضع السياسي والاجتماعي في “تونس”، قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

وقال “اليوسفي” إن النجاح اللافت لإضراب الوظيفة العمومية، الذي دعا له “اتحاد الشغل”، يجعل من الاتحاد، برئاسة “نورالدين الطبوبي”، حجر عثرة إزاء الطموحات الجامحة لرئيس الحكومة، “يوسف الشاهد”، والداعمين له، خاصة حزب “حركة النهضة”، ما قد يساهم في إعادة خلط الأوراق السياسية، ويجعل للاتحاد دورًا كبيرًا في المسار السياسي للبلاد، خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

سيعدل بوصلة الأولويات الوطنية..

موضحًا، الكاتب التونسي، أن نجاح الإضراب سيعدل بوصلة الأولويات الوطنية، خصوصًا بعد أن عرى أحد أبرز إخفاقات الطبقة السياسية في “تونس”، ما بعد الثورة، وهي المسألة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت من أهم محركات الحراك الاحتجاجي، الذي أدى إلى سقوط نظام الرئيس السابق، “زين العابدين بن علي”.

حشر “الشاهد” في الزاوية..

من جانبه؛ أشار مقدم برنامج (هنا تونس) على إذاعة (ديوان. إف. إم)، إلى أن “اتحاد الشغل”، استطاع من خلال الإضراب حشر “الشاهد” في الزاوية، ووضعه وحكومته في مأزق كبير، حيث يقبع “الشاهد” الآن بين مطرقة “اتحاد الشغل” والمطالب النقابية من جهة، وسندان “صندوق النقد الدولي” وإختلال التوازنات المالية للدولة، من جهة أخرى.

واعتبر الكاتب التونسي أنه لا حل أمام الحكومة التونسية الآن، سوى الجلوس مجددًا إلى طاولة الحوار، من أجل حسم المفاوضات الاجتماعية، وهو ما قد يفهم منه بحسب “اليوسفي”، تمرير رسالة لـ”صندوق النقد الدولي”، الذي أشترط التقليص في كتلة الأجور، وعدم الزيادة في أجور موظفي القطاع العمومي، من أجل مواصلة منح القروض، والتخفيف من وطأة ضغوطاته تجاه حكومة “الشاهد”.

لعب دور سياسي..

غير أن الرسالة السياسية الأبرز من نجاح الإضراب، وفقًا لـ”اليوسفي”، تتمثل في قدرة “اتحاد الشغل التونسي” على لعب دور سياسي، سيؤثر على مستقبل طموحات رئيس الحكومة، “يوسف الشاهد”، وصورة الائتلاف الحاكم لدى الرأي العام، مما يصب سياسيًا، في صالح خصوم “الشاهد” من “نداء تونس” ورئيس الجمهورية، وأيضًا قوى المعارضة الديمقراطية الاجتماعية.

سيدفع الحكومة للحوار مع “الاتحاد”..

ومن جانبه؛ قال المحلل السياسي التونسي، الدكتور “خالد عبيد”، إن الإضراب العام للموظفين الذي تشهده “تونس”، منذ عقود، يرجع إلى رغبة “الاتحاد العام التونسي للشغل” في رفع المقدرة الشرائية للموظفين التونسيين إثر تدهورها أمام التضخم المالي الكبير الذي تشهده البلاد وعجز الميزان التجاري وانخفاض قيمة “الدينار التونسي”، مشددًا إلى أن الإضراب هو رسالة مهمة بعث بها “الاتحاد العام للشغل”، وعلى الحكومة أن تلتفت جيدًا إلى مطالب الاتحاد المشروعة، وإلا فإن التصعيد سيكون قادمًا.

مضيفًا أن الحالة الاقتصادية في “تونس” باتت متدهورة للغاية، لذا دعا “الاتحاد العام التونسي للشغل”، إنطلاقًا من رغبته في الدفاع عن مصالح العمال والمأجورين والموظفين، خاصة أن الحكومة التونسية لم تشأ أن تدخل في مفاوضات جدية لهذا الجانب المتعلق بالوظيفة العمومية، وتابع: “المشكلة هي أنه في حالة رفع الأجور الآن فإن هذا سيعقبه رفع الأسعار مما سيزيد من التضخم ويُدخل البلاد في حلقة مفرغة”.

وأوضح المحلل التونسي؛ أنه ليس هناك حل سوى تحسين القدرة الشرائية للموظف والأجير التونسي وفي نفس الوقت على الحكومة التفكير في حلول للحد من تضخم الأسعار والتصرفات التي تضر بالاقتصاد الوطني، معربًا عن إعتقاده بأن إضراب، أمس، حقق نجاحًا كبيرًا للغاية، خاصة أنه لم يخرج ضده أي صوت، حتى من أعداء الاتحاد أقروا بمشروعية الإضراب وحق المضربين، مشيرًا إلى أن الحكومة تدرك جديًا أنه ليس في مقدورها زيادة الأجور في ظل رفض “صندوق النقد الدولي” لهذا الأمر، مما سيدفع الحكومة للحوار مع الاتحاد.

تصادم إرادات القوى السياسية..

وقال الخبير في شؤون بلدان شمال إفريقيا، “أبوبكر الأنصاري”، الذي قال أن “الأحداث في تونس، وسقوط نظام الرئيس، زين العابدين بن علي، أفرز قوى سياسية مختلفة، اصطدمت إرادتها، فيما تسابقت قوى إقليمية ودولية للتدخل في الشأن الداخلي التونسي، وأصبح كل منها يقدم مشروعًا لفئة معينة في البلاد”.

وأضاف أن: “تونس تبقى مجتمعًا مدنيًا، يضم مختلف الطبقات، وقد إعتادت على التعددية السياسية، ما يشكل صمام أمان في حالة وصلت الأزمة بين القوى السياسية إلى الصدام”.

وحول إضراب، الخميس، قال “الأنصاري” أن: “النقابات تريد أن تقول للسياسيين بوجود طبقة كادحة تشكل صمام الأمان للبلاد، وإذا تم المس بلقمة عيشها، فإن الطبقة السياسية لن تجد من يصوت لها”.

يجبر حكومة “الشاهد” على الإستجابة..

كما قال الخبير الاقتصادي، عضو التنسيقية الإفريقية لشبكة إلغاء الديون غير الشرعية، “مختار بن حفصة”، إن نجاح إضراب الوظيفة العمومية، سيجبر حكومة “يوسف الشاهد” على الإستجابة إلى مطالب العاملين في القطاع الحكومي التونسي بزيادة رواتبهم، ومواكبتها مع القيمة الشرائية للسلع والخدمات، حفاظًا منه على تواجده في الحكومة.

وشدد “بن حفصة” على أن حكومة “الشاهد” ستبذل جهودها للتهدئة مع “اتحاد الشغل”، ومحاولة المماطلة وكسب الوقت؛ سواء بالإلحاح على “صندوق النقد” للسماح لها بزيادة رواتب العاملين في القطاع الحكومي، أو بإقتراح زيادة في أجور الوظيفة العمومية، وتعويض ذلك بالإقتراض أو بإحداث تعديلاً أو أكثر في “قانون المالية الجديد”، لأنها تعرف أن تجاهل الاحتجاج السلمي، الذي شهدته “تونس” أمس، يعني سقوط الحكومة وذهاب “تونس” إلى المجهول.

قادر على إسقاط الحكومة..

وشدد الخبير الاقتصادي على أن “اتحاد الشغل” قادر على إسقاط حكومة “يوسف الشاهد”، ولهذا تشن الحكومة، في الوقت الحالي، حملات لتشويه القيادات النقابية، وتصوير الأزمة الحالية بأنها عداء من “اتحاد الشغل” لصندوق النقد الدولي” وللمؤسسات الليبرالية، لافتًا إلى أن حكومة “الشاهد” تتبنى، في الوقت الحالي، خطة لدفع الاتحاد إلى الانقسام حول نفسه، عبر تمكين القطاع العام من الزيادات ورفضها للوظيفة العمومية، فضلاً عن استغلال الخلاف بين “نقابة التعليم الثانوي” و”القيادة المركزية للاتحاد”، وهو ما تعتقد الحكومة أنه سيساعدها في كسب أكبر قدر من الوقت.

وأشار الخبير الاقتصادي التونسي إلى أن نجاح إضراب العاملين في القطاع الحكومي والوظيفة العمومية، عددًا وتنظيمًا، والحشد الهائل الذي شهدته “ساحة باردو”، يؤكد على أن حكومة “الشاهد” بين خيارين: الأول؛ تنفيذ مطالب “اتحاد الشغل” وإقرار زيادة الرواتب، والثاني؛ هو تقديم استقالتها.

تدهور قيمة الدينار وتنامي التضخم..

وكشف المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، “ناجي جلول”، عن تراجع مستوى عيش التونسي بنسبة 40 بالمئة بسبب تدهور قيمة “الدينار”، الذي فقد 60 بالمئة من قيمته في مواجهة العملات الأجنبية، منذ سنة 2014. ويفسر هذا التدهور، أيضًا، بتنامي التضخم إلى حدود 4.7 بالمئة في تشرين أول/أكتوبر 2018، جلّه مستورد، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة.

وتتراوح نفقات 73 بالمئة من التونسيين سنويًا ما بين 750 و4500 دينار، وفق مؤشرات تقدم بها المعهد. وفي حزيران/يونيو 2018؛ زاد قائم القروض المسندة إلى الأسر، لتلبية حاجيات مستجدة، بنسبة 117 بالمئة ما بين كانون أول/ديسمبر 2010؛ وحزيران/يونيو 2018، أي بقيمة 3.23 مليار دينار.

وأوضح “جلول”، لدى تدخله في ندوة حول “مؤشر الأسعار وتأثيرها على القدرة الشرائية” تم تنظيمها، أن كل هذه العوامل إنعكست على مستوى عيش المواطن، خاصة منهم المنتمين إلى الطبقة الوسطى والفقيرة.

تونس تُعد مليون و700 فقير..

“تعد تونس، اليوم، مليون و700 فقير مع تعمق الفوارق ما بين الفئات الاجتماعية”، وفق ما أكده المسؤول عن المعهد.

وفي ظل ذلك؛ فإن 60 بالمئة من الأسر تجد نفسها مثقلة بالديون، علمًا بأن 50 بالمئة من القروض موجهة إلى الاستهلاك، وذلك في غياب الإدخار العائلي.

ويعتبر مستوى التأجير في “تونس” من بين المستويات الأضعف في حوض المتوسط، فهو أقل بـ 8 مرات من مستوى التأجير المعمول به في جنوب أوروبا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة