خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بلغت الجرأة على “القرآن الكريم” حدًا غير مسّبوق في بعض الدول الأوروبية؛ خلال الأشهر الأخيرة. ورغم ردود الفعل العربية الباردة تجاه إهانة “القرآن الكريم”، كان رد فعل المرشد الإيراني، وزعيم (حزب الله) اللبناني على الحادث مختلفًا؛ بحسب تقرير أعده “محمد رضا هدایتي”، ونشر بموقع مؤسسة (إشراق) للعلوم والسياسية الإيرانية.
أمام البرود العربي !
ووصف آية الله “علي خامنئي”؛ الجرأة على قدسّية القرآن: بـ”الترتيبات الحربية” ضد العالم الإسلامي. بدوره دعا السيد “حسن نصرالله”؛ الشباب المسلم، إلى: “الانتقام من المتطاولين على القرآن”، في مقابل صمت “الجامعة العربية” و”منظمة التعاون الإسلامي”.
ورغم تكرار هذه الجريمة في الماضي؛ إلا أنها اكتسّبت خلال الأشهر الماضية شكلًا مختلفًا. أولًا: بدأ لاجيء عراقي موجة التطاول والاعتداء على “القرآن” هذه المرة. ثانيًا: تكرر الموضوع بشكلٍ أكثر جرأة. ثالثًا: رغم الانتقادات وردود الفعل الأوروبية وإدانة الدولة التي شهدت هذه الواقعة، فالواقع أن إمكانية القيام بهذا الأمر كانت موجودة سلفًا في الهيكل القانوني لتلك الدول؛ ولذلك تقع هذه الجرائم تحت دعم قوات الشرطة. رابعًا: مع تكرار الواقعة في فترة زمنية قصيرة، لما يجاوز رد فعل الدول الإسلامية الموقف الدبلوماسي.
إضعاف الهوية القومية..
والسؤال: ماذا يعني كل ذلك ؟.. نحن نعيش حاليًا في عالم تميل فيه القوة للتخلص من كل الانشقاقات الجيوسياسية، نرى جزء منه في تطبيع علاقات العرب مع “الكيان الصهيوني”، لدرجة أن الحديث يدور حاليًا حول إنشاء خط سّكك حديد يربط “إسرائيل” بـ”السعودية”؛ دون أن يُصاب أحد بالدهشة.
هذا الميل هو عبارة عن رغبة في تفريغ الجغرافيا من السياسي؛ بحيث لا يعود للقومية حدود للهوية. وما يجعل من هذه الفكرة خطاب قوي؛ هو السلام والذي يبدو أنه سوف يشمل العالم أجمع بعد ضعف حدود الهوية القومية.
واستمرار هذا المسّار لن يؤدي إلا إلى تفكك العلاقات والتفرق واندلاع الحرب الأهلية. لن تكون الحدود فقط محل الحروب، وإنما نقطة قد تُصبح منطقة صراعات وحروب. وهي حرب لن تكون على المعتقدات المقدسة ولا على شيء آخر، ولذلك قد تأخذ أشكالًا أكثر وحشية؛ فقد شاهدنا مثل هذه الصراعات بعد الحرب العالمية الثانية في مختلف بقاع العالم.
صعوبة رد فعل قوي..
وقد تكررت مأساة حرق “القرآن” الأخيرة، على نحو زاد من صعوبة المقاومة والاصطفاف إزاء هذه الاعتداءات.
في البداية؛ أشعل لاجيء عراقي تحت حماية الشرطة السويدية النيران في “القرآن الكريم”. وقد أدانت الحكومة السويدية نفسها هذا الحادث. لكن الموضوع تكرر مرة أخرى تحت حماية الشرطة؛ وتكررت الإدانة.
ثم تكرر الحادث… والإشكالية في هذا الحادث أن التطاول والاعتداء على كتاب المسلمين المقدس يتكرر على نحو يجعل من الصعوبة القيام برد فعل قوي.
وتكرار الحادث، بالتوازي مع رد الفعل الأوروبي المشّوه، يسّلب القدرة والحافز للمقاومة أو إمكانية تشكيل جبهة موحدة ضد هذه الاعتداءات؛ ففي الظاهر لا يوجد طرف محدد يمكن مكافحته.
من ثم يمكن فقط إدانة هذه التصرفات مع رغبة في توسّيع نطاق الإجراءات الثقافية في إطار نشر الإسلام. والحقيقة هم يفتعلون هذه الأزمات ويستطيعون في النهاية القضاء عليها بسّهولة، بغرض القضاء على تلك الغيرة التي يمكن أن تكون القوة السياسية لجغرافيا ما، لأن القضاء عليها إنما يعني الاتفاق على احترام بعض المسّائل التي لا تخرج فقط عن الدين، وإنما تكون بمثابة أسلوب حياة وتفتقر في ذاتها للقدسّية.
وعليه تتكرر حوادث الاعتداء على “القرآن الكريم” على نحو يسّلب المقاومة والانتفاضة ضدها. والواقع أن هذه الحوادث هي بمثابة مسّعى لجعل أمر استثنائي يبدو عاديًا وتهيئة العالم لقبول السلوك الذي لا ينطوي على أي استثناءات.
إن الجرأة خلال الفترة الأخيرة على “القرآن” ليست في الواقع حرب على الإسلام، وإنما تحويل الإسلام إلى شيء عادي بالنسبة للمسلمين، وتفريغه من القوة ومسّعى للتخلص من أي شيء قد يحول الإسلام إلى قوة سياسية.
في المقابل فإن مكافحة حرق “القرآن” هو صمود على مبدأ أساس واتباع الحقيقة في المشهد السياسي.