خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أعطت “إيران” إشارات خضراء مفادها الانفتاح على اتفاق نووي جديد مقابل تخفيف العقوبات، إلا أنها تنتظر قبولاً أميركيًا أو أوروبيًا.
ظهرت تلك الإشارات في المؤتمر الصحافي الأول للرئيس الإيراني الذي أكد انفتاح بلاده على اتفاق نووي جديد، لكنه قال إن “أميركا” ستضطر إلى الالتزام به هذه المرة.
وأظهر “بزشكيان”؛ في تصريحاته التي بثُت قبل أيام، أحدث إشارة على نيته الوفاء بتعهده تحسّين العلاقات مع الغرب، إلا أنه ما يبقى الآن هو وجود شخص في “الولايات المتحدة” أو “أوروبا” على استعداد لقبول عرضه، وفقًا لما ذكره موقع (ريسبونسيل ستايت كرافت).
ردود “إيران” على العقوبات..
وخلال المؤتمر؛ دافع “بزشكيان” عن ردود “إيران” على العقوبات الأميركية، قائلاً إن البرنامج النووي الإيراني توسع طوال السنوات الخمس الماضية بسبب الضغوط التي بدأت منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، من “الاتفاق النووي”.
وأضاف: “التزمنا بالإطار المكتوب في الاتفاق النووي، وما زلنا نتطلع إلى الحفاظ على تلك الأطر. لقد مزقوها وأجبرونا على القيام بشيءٍ ما”.
وانسحبت “الولايات المتحدة” من “الاتفاق النووي” وأعادت فرض عقوبات واسعة النطاق على “إيران”، كما رفضت إحياء الاتفاق مرة أخرى عندما أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك قبل (03) سنوات.
إحياء المفاوضات..
وأصبح الاتفاق المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”؛ عديم الجدوى، كما أن العديد من بنوده انتهت صلاحيتها أو ستنتهي قريبًا، لذا فإنه ينبغي التفاوض على اتفاق جديد، بحسّب الموقع الأميركي.
وأعربت الحكومة الإيرانية من جانبها عن اهتمامها بأن تكون “خطة العمل الشاملة المشتركة” إطارًا للمفاوضات، فـ”بزشكيان”، قال: “نحن نسّعى إلى العودة إلى إطار الاتفاق النووي. إذا توقفوا، سنتوقف، وإذا التزموا بالاتفاق، فسنلتزم به أيضًا”.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة؛ كان هناك العديد من العلامات المشجعة بشأن جدية الحكومة الإيرانية في إحياء المفاوضات، حيث اختار “بزشكيان” لمنصب وزير الخارجية؛ “عباس عراقجي”، الذي كان جزءًا من الفريق الدبلوماسي المفاوض على “الاتفاق النووي”، ومن المُرجّح أن تكون تجربته مفيدة في صياغة اتفاق جديد.
في السيّاق ذاته؛ فتح المرشد الإيراني؛ “علي خامنئي”، الباب علنًا الشهر الماضي أمام محادثات جديدة، حين أظهر استعداده للسماح لـ”بزشكيان” بالمضي قدمًا في أجندته.
وأكد “بزشكيان” على حاجة بلاده للمعاملة بالمثل والاحترام المتبادل إذا كانت هناك أية فرصة لإحراز تقدم. وأوضح لـ”واشنطن” أن الاستمرار في الضغط لن ينجح؛ قائلاً: “نحن لا نسعى إلى الأسلحة النووية، لكننا لن ننحني للضغوط”.
وأقر “بزشكيان” بأنه لن يكون هناك أي تقدم دبلوماسي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ المقررة في تشرين ثان/نوفمبر المقبل، مشيرًا إلى أن الحكومة الإيرانية تنتظر لترى ما إذا كان هناك أي شخص في “واشنطن” مهتم بالتوصل إلى حل دبلوماسي.
عقبات في طريق المفاوضات..
إلا أنه حتى الآن لم يتحدث أي من المرشحين الرئيسيين؛ “دونالد ترامب”، أو نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية؛ “كامالا هاريس”، عن الدبلوماسية مع “إيران” باعتبارها أولوية.
وتواجه المفاوضات النووية عقبات كبيرة؛ حيث تُهدد “حرب غزة” والهجوم الإسرائيلي الأخير ضد (حزب الله) السلام في المنطقة، وإذا شنت “إسرائيل” حربًا داخل “لبنان” مرة أخرى قد تضيع الفرضة الدبلوماسية النووية.
ومن بين العقبات – أيضًا – استمرار المعارضة الكبيرة في “واشنطن” لأي تعامل مع “إيران”، حيث عملت الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة؛ “بنيامين نتانياهو”، لسنوات على إفشال أي حل دبلوماسي للقضية النووية.
ومع ذلك؛ فيمكن التغلب على هذه العقبات إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة مستعدة للتوصل إلى اتفاق جديد.
استخدام الردع أم التفاوض ؟
ويستعرض تقرير (واشنطن)؛ وهو ثمرة تعاون بين صحيفة (الشرق الأوسط) وقناة (الشرق)، الفروقات في سياسيات “ترامب” و”هاريس” تجاه “طهران”، وما إذا كانت المساعي الدبلوماسية مطروحة على الطاولة أم أن الوقت حان لسياسة الضغط القصوى.
رجّح “مايك سينغ”؛ المدير السابق لمكتب الشرق الأوسط وإيران في “البيت الأبيض” في عهد “بوش الابن”، أن سياسة “هاريس” ستتشابه إلى حدٍ كبير مع الإدارات الديمقراطية السابقة، مشيرًا إلى أن “بايدن” بذل في بداية عهده جهودًا لاعتماد الدبلوماسية، لكنها: “لم تسفر عن أي اتفاق”.
وأضاف “سينغ”؛ أن “بايدن”: “لم يكن يسعى إلى زيادة الضغط على إيران. لكن واشنطن ردت عندما ضربت طهران قواتها، وأيضًا حين هددت إسرائيل”، وعلى هذا الأساس توقع “سينغ”: “موقفًا مماثلاً من إدارة ديمقراطية أخرى في المستقبل”.
وبخصوص العودة لـ”الاتفاق النووي”، قال “سينغ”: “إذا أظهرت إيران رغبة قوية في التفاوض مع الولايات المتحدة أو التواصل معها، فسوف ترغب هاريس في اختبار الاقتراح”.
من ناحيته؛ أشار “ستيفن كوك”، كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية والكاتب في صحيفة (فورين بوليسي)، إلى أن: “التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وإيران جزءٍ منها، قد تغير المعادلة”، ولهذا فإن “هاريس”: “ليست مستعدة بعدُ للانخراط في أي نوع من المفاوضات الدبلوماسية النووية مع الإيرانيين”، ومع ذلك: “ففي حال انتهى الصراع بين إسرائيل و(حماس)، فسوف تنتهز هاريس الفرصة”.
ووافق السفير الأميركي السابق لدى سلطنة عُمان؛ “ريتشارد شميرير”، على هذه المقاربة، وذكّر بدوره التفاوضي خلال عهد “أوباما” للتوصل إلى “الاتفاق النووي”.
وقال “شميرير”: “عندما كنت في عُمان، وبدأنا المناقشات حول الاتفاق النووي الإيراني، كان الشاغل الأساس هو التهديد الوجودي الذي يُشكله البرنامج النووي الإيراني. وإن توفرت الظروف السياسية المناسبة بعد الانتخابات، وفي حال فاز الديمقراطيون بالرئاسة في البيت الأبيض، أعتقد أن هناك احتمالاً أن تسعى الرئيسة؛ هاريس، إلى محاولة تجديد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني”.
“ترامب” وسياسة الضغط القصوى..
يستغل المرشح الجمهوري؛ “دونالد ترامب”، النقاش حول “الاتفاق النووي” الإيراني، ليُشن هجومًا على منافسته، ويتغنى بسياسة الضغط القصوى التي اعتمدتها إدارته. ويرى “سينغ” أن العقوبات التي فرضها “ترامب” على “طهران”: “كان لها تأثير هائل”.
وقال “سينغ”: “لقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى ما يُقارب الصفر. وفي الوقت نفسه لم نر إيران تتقدم في برنامجها النووي كما فعلت عندما انتُخب بايدن. لذلك، بينما كنا نضغط، لم تتقدم إيران في برنامجها النووي. ومن الواضح الآن أن المنطقة غرقت في الاضطرابات عندما تم تخفيف الضغوط”.
لكن “كوك” رأى أن الردع قضية مشتركة بين الحزبين، وقال إن: “الإيرانيين عندما انخرطوا في أنشطة خبيثة في أثناء إدارة أوباما، تم التغاضي عن بعض الأمور لحماية المفاوضات النووية. من جهة أخرى، كانت هناك ضغوطات قصوى خلال عهد ترمب، ولكن حين ضربت إيران منشآت (خريص) النفطية في السعودية، قال إننا لن نرد، ما أدى إلى تبديد (40) عامًا من السياسة الأميركية المعلنة في المنطقة. لذا فإن مواقف الحزبين على مدار السنوات العشر شجعت الأنشطة الخبيثة لإيران، وساعدت على تقدم برنامجها النووي”.
ضمانات المعالجة الدبلوماسية..
ويُعارض “شميرير” الانتقادات المحيطة بـ”الاتفاق النووي”، لافتًا إلى أن: “المشاركة الدبلوماسية ستوفر ضمانات للمجتمع الدولي بأن البرنامج النووي الإيراني لن يؤدي إلى سلاح نووي”. لكنه يعترف بأن الاتفاق لم يتطرق إلى أنشطة إيران الخبيثة”، مشددًا على المقاربة القائلة بأنه: “من المهم معالجة القضية النووية بمفردها بهدف إزالة التهديد الوجودي”.
واعترض “كوك” على هذه المقاربة، وقال: “لو كنا عالجنا الأنشطة الخبيثة، لكنا في وضع أفضل للتفاوض مع الإيرانيين”. وتابع: “نحن مضطرون الآن للتعامل مع المشكلة في البحر الأحمر؛ لأننا في وضع أسوأ مما كنا عليه في السابق”.
“غياب” القيادة الأميركية..
غياب القيادة الأميركية في المنطقة، كما يصفه البعض، يطرح مشكلة أخرى بين الفريقين، لكن التحدي الحقيقي: “لا يتعلق بالشخص الذي يشغل المكتب البيضاوي، بل بصورة القيادة الأميركية في العالم”، على ما يقول “سينغ”، الذي رأى أن: “أميركا باتت منعزلة، وفقدت الثقة بقدرتها على القيادة في مختلف أنحاء العالم”.
مع ذلك؛ شدّد “سينغ” على الرئيس القادم، أنه: “لا يمكن التصدي للتحديات التي تفرضها روسيا والصين وإيران بمعزل عن بعضها، بل ينبغي أن يقدم استراتيجية لقيادة للعالم، يستطيع شركاؤنا دعمها، وتخولهم لمعالجة هذه التهديدات مجتمعة”.
وقد واجهت إدارة “بايدن” انتقادات شديدة في بداية عهده عندما اتهمه كثيرون بتجاهل الشرق الأوسط، والتركيز على المنافسة مع “الصين”، ويقول “شميرير” إن التركيز على “آسيا” لا يعني تخفيف التركيز على الشرق الأوسط، مشددًا على أن إدارة “بايدن” لم تتجاهل المنطقة.
وقال “شميرير”: “الشرق الأوسط يظل جزءًا بالغ الأهمية من العالم بالنسبة لنا؛ لأسباب مختلفة منها الطاقة والتحالفات المختلفة”.
قرصنة إيرانية..
ودائمًا ما يسعى النظام الإيراني إلى تحدي النفوذ الأميركي. وفي آخر تحركاته، عمد إلى خرق الحملات الانتخابية عبر قرصنتها، بحسّب تقارير استخباراتية أميركية أفادت بأن المساعي نجحت في خرق حملة “ترمب”.
رأى “كوك” أن مساعي القرصنة: “محاولة إضافية من جانب الإيرانيين لنشر المزيد من الفوضى، تتطلب الرد”، وخلافًا لمخاوف كثيرين، فإن “كوك” لا يتفق مع القول بأن الرد على “طهران” سيفتح حربًا شاملة.
كما أن “سينغ” أشار إلى أن: “إيران تسعى إلى إظهار قوتها بشتى الطرق، وتحاول دفع الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط عبر محاولة إقناعها بأن التعامل مع طهران يُمثل مشكلة كبيرة”.
لكن “سينغ” صنف الهجمات السيبرانية الأخيرة على أنها تحوّل معاصر في السياسة الإيرانية، مستبعدًا فرضية كانت تقول بأنها تخدم مرشحًا بعينه على حساب الآخر. وقال: “أعتقد أنهم يحاولون ببساطة فرض التكاليف علينا، وإحداث الفوضى حيثما أمكنهم”، وشدد على الرد على هذه الأنشطة: “بنفس العزم الذي قد نرد به على أي هجوم على القوات الأميركية”.
لكن “شميرير” يُحذر من هذه المقاربة، مشيرًا إلى أهمية: “إظهار القوة والقيام بمبادرات دبلوماسية تقوض أو تضعف النفوذ الإيراني في المنطقة”.