خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة توضح نوايا الإدارة الأميركية الجديدة، تجاه العالم والشرق الأوسط، كشف “البيت الأبيض” ملامح وثيقة “إستراتيجية الأمن القومي الأميركية المؤقتة”، والتي تتركز على مكافحة الإرهاب، ومواجهة التنظيمات الإرهابية، مثل: (القاعدة)، ومنع عودة تنظيم (داعش) إلى “سوريا” و”العراق”، وشددت الوثيقة على العمل مع الشركاء الإقليميين لردع “إيران” وسياستها العدوانية لسيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى، والتركيز على الدبلوماسية بدلًا من الحرب لإنهاء صراعات المنطقة.
إدارة “بايدن”، قالت مساء الأربعاء الماضي، إن الهدف من الإستراتيجية الجديدة هو تهدئة التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، ودعت الإستراتيجية الأمنية إلى حل النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط التي تهدد الاستقرار الإقليمي، مشيرة إلى حل الدولتين للصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي”، وأكدت الإلتزام بأمن “إسرائيل” وتشجيع السلام بينها وبين دول المنطقة، واعتبرت أن القوة العسكرية ليست الرد المناسب على تحديات المنطقة، وبموجب السياسة الجديدة؛ فإن الجيش والاستخبارات الأميركية ملزمان بالحصول على موافقة من “البيت الأبيض” قبل شن أي هجمات، بحسب صحيفة (نيويورك تايمز).
وأضافت: “لن نعطي شيكًا على بياض لشركائنا الذين يتبعون سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب سحبنا دعم الولايات المتحدة للهجمات باليمن”، وأشارت الوثيقة إلى أن “الولايات المتحدة” لن تُنفق، بعد الآن، تريليونات الدولارات على حروب بلا نهاية، وسننهي بشكل مسؤول أطول حرب أميركية في “أفغانستان”، مع ضمان أن “أفغانستان” ليست ملاذًا آمنًا للهجمات الإرهابية ضد “الولايات المتحدة”، وفي أماكن أخرى، وقالت الوثيقة إن: “الدبلوماسية ستكون مفضلة على استخدام القوة العسكرية”، وأضافت: “بينما نحمي مصالح أميركا على الصعيد العالمي، سنتخذ خيارات حكيمة ومنضبطة في دفاعنا الوطني والاستخدام المسؤول لجيشنا”.
وجود عسكري أقوى في المحيط الهاديء وأوروبا..
وكشفت الإستراتيجية؛ أن الوجود العسكري الأقوى لـ”أميركا” سيكون في منطقة “المحيط الهاديء” و”أوروبا”، بينما سيكون في “الشرق الأوسط” بما يكفي لتلبية احتياجات معينة والدفاع عن مصالح “واشنطن”، وقالت إن: “مصير أميركا أصبح أكثر إرتباطًا بالأحداث خارج شواطئنا، وهناك العديد من القضايا التي تُشكل تهديدًا للولايات المتحدة، مثل (كورونا)، وتغير المناخ العالمي، وصعود الاتجاهات القومية العالمية، والتغيرات التكنولوجية، والقوى المنافسة مثل الصين وروسيا”، ولفتت إلى أن العديد من المشاكل التي تواجهها الولايات مادية، مثل الحدود والجدران، مشيرة إلى أن النظام الديمقراطي في العالم، خاصة في “الولايات المتحدة”، تحت الحصار، وأشارت الوثيقة إلى أن “الولايات المتحدة” يجب أن تشكل مستقبل النظام الدولي، وأكدت أن: “هذه المهمة مُلحة”.
الاقتصاد هدف أميركا في “إفريقيا”..
وذكرت الوثيقة؛ أنه سيتم التركيز، في “إفريقيا”، على إقامة شراكات جديدة لتنمية المجتمع المدني والاقتصاد والمؤسسات الصحية، وأضافت أن “الولايات المتحدة” ستولي أهمية للتعاون الدولي وإقامة التحالفات والشراكات، مشيرة إلى وجود اتجاه لإعادة تأسيس قيادة “واشنطن” في المنظمات الدولية، من أجل إيجاد حلول للمشاكل العالمية، خاصة تغير المناخ.
تغيير مسارات الماضي..
على صعيد متصل، وفى تعليقه على ملامح تلك الإستراتيجية، تعهد وزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”، بألا تستخدم “واشنطن” القوة لإسقاط الأنظمة، معتبرًا أن التدخلات السابقة شوهت سمعة الديمقراطية الأميركية، وقال “بلينكن”؛ إن: “إدارة بايدن ستسعى إلى تغيير المسارات التي أتبعت في الماضي لتغيير الأنظمة في البلدان الأخرى من التدخلات العسكرية المكلفة، إلى إجراء حوارات دبلوماسية”، ورأى في أول خطاب عام له منذ توليه منصبه في إدارة “بايدن”؛ أن: “التدخلات الأميركية السابقة؛ شوهت سمعة الديمقراطية وفقدت ثقة الشعب الأميركي”، وأكد “بلينكن”: “سنقوم بالأمور بطريقة مختلفة، لن نشجع على الديمقراطية عبر التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة، لقد جربنا هذه التكتيكات في الماضي، ورغم حُسن النية، إلا أنها لم تنجح”.
وأضاف: “جهود إدارة بايدن ستسعى إلى تشكيل سياسة خارجية جديدة؛ تتعارض مع الإنعزالية التي سادت خلال حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، وشعار (أميركا أولًا)، كما ستسعى إلى تجنب الانتقادات التي تعتبر أن الولايات المتحدة تتدخل في كل بلدان العالم من أنحاء آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية”، معتبرًا أن: “العالم لا ينظم نفسه”، وقال إن غياب “الولايات المتحدة”، عن المسرح العالمي، أدى إلى: “فوضى أو قيادة بديلة قوضت المصالح والقيم الأميركية”، مشيرًا إلى أن “الصين” كانت الدولة الوحيدة، التي يمكن أن: “تتحدى النظام الدولي المستقر والمفتوح”، وأوضح: “عندما انسحبنا ملأت الصين مكانتنا”.
استعادة الأحادية القطبية الأميركية..
تعليقًا على تلك الإستراتيجية، قال الباحث في القضايا الجيوسياسية، الدكتور “سومر صالح”؛ إن: “اللافت في هذه الوثيقة جملةٌ من المتغيرات ينبغي التوقف عندها لصلتها الوثيقة بمستقبل العلاقات الدولية وشكل النظام الدولي، فالواضح تمامًا من ثنايا هذه الوثيقة، والتي وقعت في 24 صفحة، أنّها تركز على استعادة الأحادية القطبية الأميركية، والتخلي تمامًا عن مفردات: (أميركا أولاً)، التي حملتها وثيقة الأمن القومي السابقة، العودة إلى الأحادية القطبية، (القيادة والحفاظ على نظامٍ دولي مستقر ومنفتح، تدعمه تحالفات ديمقراطية قوية وشراكات ومؤسسات وقواعد متعددة الأطراف)، ومسألة استعادة الأحادية القطبية وقيادة النظام الدولي، هي مسألة حساسة ومهمة، فهي تعني إعلان المواجهة الإستراتيجية مع خصوم واشنطن الإستراتيجيين الدوليين والإقليميين”.
تصحيح حجم الوجود العسكري..
وتابع “صالح”: “حددت الوثيقة إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ بأربع نقاط أساسية، هي: الإلتزام الصارم بأمن إسرائيل، وتعزيز تكامل إسرائيل مع الدول التي عقدت معها اتفاقيات إبراهيمية، وعدم إعطاء شركاء واشنطن في الشرق الأوسط شيكًا على بياض لمتابعة سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية، إضافة إلى مواجهة إيران، لذلك ستقوم واشنطن، وفق الوثيقة، بتصحيح حجم الوجود العسكري الأميركي إلى المستوى المطلوب لتنفيذ هذه النقاط الأربع فقط”.
لا تتواكب مع قدر التوقعات السابقة..
إلى ذلك، اعتبر خبير أميركي أن المؤشرات الأولى لسياسة الرئيس، “جو بايدن”، الخارجية، لا تتواكب مع قدر التوقعات السابقة لوصوله إلى “البيت الأبيض”.
وقال الخبير، “تيد غالين كاربنتر”، الباحث في شؤون الدراسات الأمنية بمعهد “كاتو” وخبير الشؤون الدولية، إن الرواية السائدة في وسائل الإعلام؛ هي أن انتخاب “بايدن” يعني عودة الراشدين والمحترفين للأخذ بزمام أمور سياسة “الولايات المتحدة” الخارجية، بعد 4 أعوام، مما يراه البعض سلوكًا خطيرًا لهواة، من جانب الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، ومن قام بتعيينهم.
ويقول “كاربنتر”، في تقرير نشرته مجلة (ناشونال إنتريست) الأميركية؛ إن: “الأحداث التي تكشفت لاحقًا تثبت عكس ذلك”، مشيرًا إلى أنه يجب أن تدق العديد من الإجراءات المبكرة لإدارة “بايدن”، أجراس الخطر، لدى “الكونغرس” والشعب الأميركي، وأوضح: “السؤال الوحيد هو؛ ما إذا كانت هذه الزلات تعكس عدم كفاءة أم غطرسة”.
وبحسب التقرير، ظهر أحد المؤشرات المثيرة للقلق، حتى قبل أن يؤدي “بايدن” اليمين الدستورية، حيث دعا سفير “تايوان” الفعلي لدى “الولايات المتحدة”، لحضور حفل تنصيبه، وهي المرة الأولى التي يُمنح فيها هذا التكريم، منذ حولت “الولايات المتحدة” العلاقات الدبلوماسية إلى “جمهورية الصين الشعبية”، في 1979.
وقال الكاتب؛ إنه حتى “ترامب”، أو الرئيس الأسبق، “جورج دبليو بوش”، وقد كان الإثنان من أشد المؤيدين لـ”تايوان”، لم يقدما على شيء جريء لإظهار الإزدراء لموقف “بكين”، وأدت هذه البادرة من “بايدن”؛ إلى بداية فاترة لعلاقات الإدارة الجديدة مع “الصين”.
ويبدو أنه من غير المحتمل ألا يكون “بايدن” ومستشاريه؛ على دراية بكيفية رد حكومة الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”، ومع ذلك، إذا كان هذا هو الحال فإن التفسير الآخر الوحيد هو؛ أنهم كانوا يعرفون أن ذلك كان استفزازًا، ولكنهم لم يهتموا، والتفسيران مثيران للقلق، على حد تعبير الكاتب.
وذكر التقرير؛ أنه تم اتخاذ بعض التحركات الأخرى المشكوك فيها، من جانب “بايدن” وفريق السياسة الخارجية التابع له، والتي تؤثر على العلاقات “الأميركية-الصينية”.
تحول كبير في السياسة الأميركية..
وفي أول محادثة هاتفية للرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الياباني الجديد، “يوشيهيدي سوغا”، كرر “بايدن”؛ أن معاهدة الدفاع المشترك بين البلدين تغطي سلسلة “جزر سينكاكو”، غير المأهولة، والتي تتدعي “الصين” أيضًا سيادتها عليها، وفي أواخر شهر شباط/فبراير الماضي، صعّد المتحدث باسم “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، “جون كيربي”، الأمور عندما صرح بأن “واشنطن” تدعم: “سيادة” اليابان على هذه الجزر.
وأشار هذا التعليق إلى تحول كبير في السياسة الأميركية، وكان الموقف الرسمي لـ”واشنطن” هو أنه في حين أن “الولايات المتحدة” ستقاوم أي استخدام للقوة لإنهاء إدارة “طوكيو”، للجزر الصغيرة، فإنها لم تقدم موقفًا فيما يتعلق بوقائع النزاع الإقليمي، وسجل بيان “كيربي” تأييد “الولايات المتحدة” لسيادة “طوكيو” على الجزر، وكان عليه أن يتراجع في اليوم التالي: بـ”توضيح”، يُعيد التأكيد على السياسة القائمة سلفًا، ويرى الكاتب؛ أن: “مثل هذا الأداء الفوضوي لا يوحي بالثقة”.
ضربات جوية على سوريا أظهر تشويش الإدارة الجديدة..
ولم تكن منطقة شرق آسيا الساحة الوحيدة التي ظهر فيها سلوك الإدارة الجديدة مشوشًا، ففي أواخر شباط/فبراير الماضي، أمر “البيت الأبيض” بشن ضربات جوية على “سوريا”؛ لأن الميليشيات الموالية لـ”إيران” هاجمت منشآت عسكرية أميركية في “العراق” المجاور.
وأثار جانبان من جوانب هذا القرار، انتقادات على الفور: فقد وافق الرئيس على القصف دون استشارة “الكونغرس”، واستند في صلاحيته المزعومة على تفسير موسع للغاية: لـ”التصريح باستخدام القوة العسكرية”؛ ضد تنظيم (القاعدة) والجماعات الإرهابية الأخرى، والذي يعود، لعام 2001، في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
وأثار تحرك “بايدن” انتقادات فورية، بما في ذلك من الأعضاء الديمقراطيين في “الكونغرس”، الذين رفضوا فكرة أن التصريح باستخدام القوة العسكرية يشمل ضربات جوية، بعد مرور عقدين، على بلد ليس له صلة على الإطلاق، بأحداث 11 أيلول/سبتمبر.
وأوضح التقرير؛ أن قرار الإدارة باستخدام القوة العسكرية، دون أي تنسيق مع حزب الرئيس في “الكونغرس”، يُشير إلى تبنٍ متغطرس للرئاسة الإمبراطورية، أو هو مجرد حماقة.
وهناك جانب آخر من القرار؛ كان أكثر سوءًا، فعلى الرغم من أن “روسيا” لديها وجود عسكري كبير في “سوريا”، لدعم حكومة الرئيس، “بشار الأسد”، المحاصر في الحرب الأهلية هناك، يبدو أن “الولايات المتحدة” أعطت “موسكو” إخطارًا مسبقًا، قبل أربع أو خمس دقائق فقط، من القصف.
ويقول الكاتب؛ إنه كان من الممكن أن تؤدي هذه المدة القصيرة للغاية إلى وقوع حادث خطير، ويساعد الأفراد الروس في تشغيل نظام الدفاع الجوي السوري، ويمكن للمرء أن يتخيل بسهولة رد الفعل إذا تم إسقاط طائرة أميركية أثناء الغارة.
وهناك خطر آخر أكبر؛ وهو أن الهجوم كان من الممكن أن يؤدي إلى مقتل عسكريين روس، لم يكن لديهم الوقت للإحتماء، واعتبر الكاتب أن ذلك الخطر لا داعي له، وكان من الممكن، بل كان يجب، تجنبه.
واشتكى وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، بشدة من سلوك “واشنطن”، ومن المؤكد أن هذه الواقعة لم تقدم شيئًا لتهدئة العلاقات “الأميركية-الروسية”، المتوترة بالفعل.
وأختتم الكاتب بالقول؛ إنه: “إذا كانت سياسات الهواة الفظة تلك؛ هي ما يمكن أن تتوقعه أميركا من محترفين يفترض أنهم يتمتعون بالخبرة، فإن الولايات المتحدة ستسير في طريق صعب خلال السنوات الأربع المقبلة”.