كتب – سعد عبد العزيز :
لا شك أن “الشرق الأوسط” كان منذ فجر التاريخ مسرحاً للصراع بين الإمبراطوريات الكبرى، ولا يزال محتفظاً حتى الآن بأهميته الجيوستراتيجية التي تؤهله ليكون مسرحاً لصراعات النفوذ المستقبلية بين القوى العالمية. وفي هذا السياق نشر موقع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مقالاً للكاتب والباحث السياسي الدكتور “عوفر يسرئيلي”، يتناول فيه خريطة الصراع الحالية على منطقة الشرق الأوسط، ثم يتعرض لانعكاسات هذا الصراع على إسرائيل.
سياسة أميركية متذبذبة تجاه الشرق الأوسط..
يبدأ الباحث الإسرائيلي تحليله قائلاً: “إن الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد اليوم من المملكة المغربية غرباً إلى أفغانستان شرقاً ومن تركيا شمالاً إلى اليمن جنوباً.. كان على مر القرون ساحة للصراع بين القوى والإمبراطوريات العظمى. وفي العصر الحديث، تعتبر منطقة بلاد الشام وما جاورها ذات أهمية جيوستراتيجية للقوى العالمية، أو حتى القوى التي تتطلع لتبوُّء مكانة عالمية. وقد اتسم عهد الرئيس الأميركي الأسبق “جورج دبليو بوش” بنوع من التدخل المفرِط في المنطقة، فقد شنَّ حربين إحداهما على أفغانستان عام 2001 والأخرى على العراق عام 2003. ثم لما جاء خليفته “أوباما” أهمل المنطقة بشكل كبير في الوقت الذي كانت فيه روسيا والصين تعملان على توسيع تغلغلهما في دول المنطقة. ولما تولى الرئيس “ترامب” عرش القطب الأعظم، إذا به يقود حملة جديدة من التدخل الأميركي في المنطقة، بما يعني أن الشرق الأوسط سيكون ساحة للصراع بين مثلث الجبابرة، بحيث يكون رأسه الولايات المتحدة ويكون ضلعاه كل من روسيا والصين، ومن المتوقع أن يتنافس هؤلاء الجبابرة الثلاثة على مناطق النفوذ، وعلى الموارد الطبيعية والمكاسب الاقتصادية، وعلى رفع القوة العسكرية وشراء الحلفاء”.
روسيا: قليل من المال وكثير من السلاح..
يرى “يسرئيلي” أنه بالرغم من أن روسيا بزعامة “بوتين” تعتبر دولة عظمى فقيرة، إلا أنها مسلحة تسليحاً جيداً، وهي تسعى لشق طريق عودتها إلى الساحة العالمية. ويبدو أن موسكو تبني استراتيجيتها على نظرية “القوة البرية” التي طورها العالم البريطاني “هالفورد ماكيندر” في مطلع القرن الـ20. وبحسب هذه النظرية فإن “الدولة التي تريد أن تكون قوة عالمية، عليها أن تبسط سيطرتها على المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية بحسب موازين كل عصر”، وفي هذا العصر تعتبر أوروبا والشرق الأوسط هي أهم المناطق الجيوستراتيجية.
ويضيف: “نظراً لظروفها الاقتصادية غير الجيدة، تعمل موسكو على ثلاثة محاور: الأول هو التوسع في دول الاتحاد السوفياتي السابق كما حدث في أوكرانيا، والمحور الثاني هو تكثيف وجودها في الدول التي كانت تابعة لها في الشرق الأوسط مثلما حدث في سوريا وقد يحدث في ليبيا، أما المحور الثالث والأخير فهو القيام بهجمات إلكترونية غير مكلفة لتحقيق مصالحها في العالم كما يُشاع أنها فعلت في الانتخابات الأميركية والفرنسية الأخيرة”.
الصين: كثير من المال وقليل من السلاح..
يقول الكاتب الإسرائيلي: “على الجهة الأخرى تعتبر الصين دولة عظمى فاحشة الثراء، ولكنها تفتقر إلى قوة عسكرية كبيرة. ومن أجل الوصول إلى السيادة العالمية، تعمل بكين وفقاً لاستراتيجية هادئة ومتأنية وطويلة المدى، فيبدو أن المفكرين السياسيين للدولة الصينية فضلوا تبني نظرية “القوة البحرية” التي وضعها الباحث الأميركي “ألفريد ماهان” في نهاية القرن الـ19، ولكن بتعديلات ضرورية. فبينما تقول النظرية “إن الدولة التي تطمح أن تكون قوة عالمية، عليها أن تسيطر على الطرق العالمية للتجارة البحرية وأن تحميها”، نجد أن الصين تعمل بشكل مختلف. فقبل أن تتحول إلى قوة بحرية عملاقة، تستثمر بكين مئات المليارات من الدولارات في إنشاء بنية تحتية في عشرات الدول، مع اهتمامها بشراء وإنشاء موانئ تجارية على طول خطوط التجارة البحرية الدولية، ومن أمثلة ذلك أنها قامت بشراء ميناء تجاري في اليونان”.
ترامب وسياسة الجبهات المتعددة..
يؤكد “يسرئيلي” على أن الولايات المتحدة الأميركية بزعامة “ترامب” لم تبلور بعد سياسة عالمية شاملة، إلا أنها تتجه بشكل تدريجي نحو تبني سياسة متكاملة, فهي تسمح بالنشاط العسكري الروسي وبالنشاط الاقتصادي الصيني في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه تكثف الولايات المتحدة من جهودها على جبهات متعددة, حيث تقوم بتعزيز علاقاتها مع حلفائها التقليديين كمصر والمملكة العربية السعودية واليابان وكوريا الجنوبية، كما تبذل جهوداً في حل الصراع العربي الإسرائيلي، وتعمل على إزالة التهديد الاستراتيجي الذي تشكله كوريا الشمالية. هذا بالإضافة إلى قيام واشنطن بحملة لاستعراض القوة على مستوى العالم، سواء في المحيط الهادئ ضد كوريا الشمالية، أو في الشرق الأوسط مثل قصف “قاعدة الشعيرات” السورية التي انطلق منها الهجوم الكيماوي ضد المدنيين في خان شيخون، وإلقاء “أم القنابل” على معقل تنظيم “داعش” في أفغانستان.
إسرائيل: تهديد لا يخلو من فائدة..
ختاماً يرى الكاتب والباحث الإسرائيلي أن مثلث القوى العظمى الذي يتكون تدريجياً في الشرق الأوسط يعتبر تحدياً حقيقياً للسياسة الخارجية الإسرائيلية، فحتى وقت قريب كان على إسرائيل أن تنسق مع الولايات المتحدة وحدها في إدارة سياستها الخارجية، ولكن التغير الذي بدأ يلوح في الأفق سيفرض على إسرائيل أن تأخذ في حسبانها الاعتبارات الأمنية الروسية والمصالح الاقتصادية الصينية. ولكن إذا كان صراع الجبابرة الثلاثة يمثل تحدياً كبيراً لإسرائيل، إلا أنه في الوقت نفسه يوفر لها فرصاً عديدة لتحسين موقفها الإقليمي.