خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يوماً بعد يوم تتطور قضية اللاجئين الأفارقة بإسرائيل وتزداد تعقيداً.. فقد رفضت السلطات الرواندية إستقبال وفد من نواب المعارضة الإسرائيلية؛ الذين كانوا يريدون مناقشة مسألة المهاجرين الأفارقة الذين تهددهم إسرائيل بالإبعاد.
“ميكال روزين”، عضو “حزب ميريتس” الإسرائيلي المعارض، قال: “نقوم بمهمة تحقيق في رواندا، لأننا نريد التوصل إلى الحقيقة، طلبنا لقاء مسؤولين روانديين لمناقشة الترحيل غير الشرعي الذي قررته إسرائيل لطالبي اللجوء الإريتريين إلى رواندا، لكن طلبنا قد رفض، ونسأل لماذا ؟”.
وتستعد إسرائيل لإبعاد آلاف الإريتريين والسودانيين، الذين دخلوا إسرائيل بطريقة غير شرعية، ولم يطلبوا اللجوء خلال التحقيق معهم.
المغادرة أو السجن..
تخيرهم بين مغادرة إسرائيل، في الأول من نيسان/إبريل المقبل، إما إلى بلدانهم وإما إلى بلد آخر، وبين الذهاب إلى السجن إلى أجل غير مسمى.
وتتكتم إسرائيل حول البلد، أو البلدان، التي اتفقت معها لإستقبال المهاجرين الذين سيطردون من إسرائيل. لكن منظمات مساعدة المهاجرين تتحدث عن “أوغندا ورواندا”.
لن تكون “رواندا” ملعب للسياسة الداخلية الإسرائيلية..
قد رفض هذان البلدان هذه الإتهامات، واوضح سكرتير الدولة الرواندي للشؤون الخارجية، “أوليفييه ندوهونغيريهي”، الجمعة 10 شباط/فبراير 2018، أن رواندا لم تستقبل هذا الوفد، لأنها لا تتدخل في شؤون إسرائيل.
قائلاً: أن “رواندا لا يمكن أن تكون ملعباً للسياسة الداخلية الإسرائيلية. نتعامل مع الحكومات ولا نستقبل إلا مسؤولين أجانب تعلن عنهم وزارة الخارجية وتأذن لهم” بالمجيء.
مضيفاً: أنه “إذا كان نائب إسرائيلي يواجه مشكلة مع حكومته في موضوع المهاجرين الأفارقة الموجودين في إسرائيل، يتعين عليه معالجة هذه المشكلة مع الحكومة الإسرائيلية وليس مع حكومتنا”.
4000 لاجيء غادروا طوعاً..
تؤكد أرقام الفرع الرواندي في “المفوضية العليا للاجئين” في الأمم المتحدة، أن إسرائيل أرسلت بين 2014 و2017، (4000) لاجيء إفريقي إلى “رواندا”؛ في إطار برنامج للمغادرة الطوعية هذه المرة.
ولا يزال سبعة فقط من هؤلاء الـ 4000 موجودين في “رواندا”، كما تقول المفوضية العليا للاجئين. أما الآخرون الذين أحبطتهم ظروفهم الحياتية، فغادروا رواندا إلى بلدان مجاورة أو حاولوا الوصول إلى أوروبا.
وقال “موسي راز”، العضو في “حزب ميريتس”، أيضاً؛ “عندما ترسل إسرائيل اللاجئين إلى رواندا، فهي تعرف أنهم لن يستفيدوا من الحد الأدنى من الشروط التي وعدوا بها، كالعمل أو المسكن”، مضيفاً: “لذلك نشدد على التخلي فوراً عن أي اتفاق يرغمهم على أن يتم ترحيلهم إلى رواندا”.
تظاهرات احتجاجية على الترحيل..
في الوقت ذاته، تظاهر أكثر من ألفى مهاجر من طالبى اللجوء الأفارقة أمام “سفارة رواندا” في إسرائيل، الأربعاء الماضي، احتجاجا على ما تردد عن توقيع اتفاقية بين رواندا وإسرائيل تتيح لإسرائيل ترحيل طالبي اللجوء بشكل قسري إلى رواندا.
وذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية – فى نبأ بثته على موقعها الإلكتروني – أن المهاجرين نظموا تظاهرة أمام السفارة الرواندية في مدينة، (هيرتسليا) الساحلية الإسرائيلية، بمشاركة إسرائيليين للاحتجاج على خطة إسرائيل لترحيل المهاجرين الأفارقة والاتفاقية التي نفت رواندا توقيعها.
ومن المتوقع أن تنطلق تظاهرات مماثلة أمام سفارات رواندا في عدد من الدول؛ منها “الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا والدنمارك وهولندا”.
وردد المتظاهرون شعارات مناوئة لإسرائيل ورواندا، ومنها: “الإعتراف باللاجئين واجب أخلاقي”، و”اللاجيء لا يطرد لاجئاً آخر”، ووصفوا خطط ترحيلهم بـ”العنصرية”، وأكدوا على أن ترحيلهم إلى رواندا يعرض حياتهم للخطر.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن هذه التظاهرات هي الثانية للمهاجرين الأفارقة بهذا الحجم، حيث تظاهر ما يقرب من 2000 لاجيء أمام السفارة، في 22 كانون ثان/يناير الماضي، مطالبين رواندا بعدم التعاون مع إسرائيل في طردهم.
تفتح أبوابها أمام اللاجئين..
من جانبها، أعلنت حكومة رواندا، قبل أيام، أنها تشرع أبوابها أمام إستقبال اللاجئين والمساهمة في حل أزمة الهجرة والمهاجرين. وكتبت الحكومة قبل أيام “في فترة أزمة الهجرة العالمية، نرغب بالتشديد إلتزامنا الحازم بالمساهمة قدر المستطاع لقضية الرجال والنساء والأطفال الذين يجدون أنفسهم على درب الإقصاء واللجوء الغادرة. موقف رواندا من المهاجرين، أياً كان أصلهم وجذورهم، يلتزم بمشاعر الرأفة تجاه إخوتنا وأخواتنا الأفارقة الذين يزهقون أرواحهم للأسف في البحار العاتية، ويُباعون في الأسواق كالماشية أو يُطردون من الدول التي يبحثون فيها عن ملجأ”.
وأعلنت الحكومة إستعدادها للمساعدة بقدر المستطاع، وأنها سترحب بكل من يطرق حدودها بحثاً عن بيت، طوعاً وبدون أي قيود.
في حديث مع صحيفة (هاأرتس) الإسرائيلية الليبرالية، أكد نائب وزيرة خارجية رواندا، “أوليفييه ندوهونغيرها”، على أن رواندا مستعدة لإستقبال طالبي لجوء أفارقة قدموا إلى إسرائيل، وترغب إسرائيل بترحيلهم، ولكن فقط في حال قدموا بإرادتهم الذاتية غير مرغمين.
لا يوجد اتفاق مع إسرائيل..
مشدداً نائب الوزيرة على أنه لا يوجد أي اتفاق مع إسرائيل بهذا الشأن، نافياً التقارير التي تحدثت عن وجود اتفاق بترحيل كافة طالبي اللجوء الأفارقة في إسرائيل إلى رواندا، ولكنه أوضح أنه جرت محادثات بهذا الشأن، ولكن “بكل بساطة لم يصادق على صفقة كهذه. لا أعرف لماذا الناس يتحدثون عن هذه الصفقة” !
وأكد على أن الحكومة الإسرائيلية لم تؤكد وجود صفقة كهذه، “لم نسمع يوماً تصريحاً من حكومة إسرائيل إزاء هذه الصفقة. لأنها غير قائمة”.
وكتب “ندوهونغيرها”، على حسابه في (تويتر): “أريد التوضيح، رواندا لن تستقبل أبداً أي مهاجر إفريقي يطرد خلافاً لرغبته”، مضيفاً أن سياسة “الأبواب المفتوحة لدينا، تسري فقط على الذين يأتون إلى رواندا طواعية بدون أي إكراه، أي تلاعب بالنساء والرجال والأطفال الذين يعيشون في محنة يبعث على الصدمة”.
وكان “نتنياهو” قد التقى، على هامش “مؤتمر دافوس”، برئيس رواندا، “بول كاغامي”، والذي سبق والتقاه خلال جولته الإفريقية.
أرغمت 7 آلاف مهاجر على الرحيل..
تؤكد “هيومن رايتس ووتش” على قيام إسرائيل في 2015 بإرغام نحو سبعة آلاف مهاجر إفريقي على العودة إلى بلدانهم، حيث يواجهون خطر التعرض لإنتهاكات، قد تصل إلى حد الموت وملاحقات سياسية وغير ذلك.
في حين أن إسرائيل تعترف بأنها رحّلت 3920 مهاجراً إفريقياً في العام ذاته.
يوضعون في مركز إحتجاز لمدة عام دون محاكمة..
وفتحت إسرائيل مراكز لإحتجاز المهاجرين الأفارقة في الجنوب.
وتؤكد الأرقام الرسمية وجود 48 ألف إفريقي في إسرائيل، غالبيتهم من الإريتريين، المتهمة حكومتهم بإنتهاك حقوق الإنسان، ومن جنوب السودان التي تمزقها الحرب الأهلية.
وبموجب قانون تم التصديق عليه، في 10 كانون أول/ديسمبر 2013، يمكن وضع المهاجرين غير الشرعيين في مركز إحتجاز لمدة سنة دون محاكمة.
و”مركز حولوت”، الذي فتح في كانون أول/ديسمبر 2014، في صحراء “النقب” جنوب إسرائيل، يبقى مفتوحاً طوال النهار، لكن على الاشخاص المسجلين فيه أن يمثلوا ثلاث مرات أمام المسؤولين عنه، وأن يقضوا ليلتهم فيه.
إنتقادات للخطة..
أثارت الخطة إنتقادات من “وكالة الأمم المتحدة للاجئين” ومن البعض في إسرائيل، بينهم ناجون من المحرقة النازية يقولون إن على إسرائيل واجب حماية المهاجرين.
يفضلون السجن على المغادرة..
يقول الإريتريون في، “حولوت”، إن رواندا وأوغندا لا تمثلان أي آفاق بالنسبة لهم، وبأنهم يفضلون السجن في إسرائيل على خوض غمار رحلة في المجهول.
ويروي “إيشمايل”، الذي وصل إسرائيل في 2011 بعد رحلة مروعة من إريتريا، ما سمعه عن مصير الذين أرسلوا إلى رواندا أو أوغندا.
ويضيف إنهم عانوا من صعوبات في مساكنهم الجديدة وسلكوا طرقاً محفوفة بالمخاطر في أوروبا أملاً في الحصول على وضع لاجيء. ويقسم على عدم العودة إلى المجهول طوعاً.
ويقول “إيشمايل”: “سمعنا عن أشخاص قُتلوا، (على يد تنظيم الدولة الإسلامية)، قضوا في طريقهم إلى ليبيا، عطشاً وجوعاً في الصحراء”، مضيفاً: “كانوا يسعون لطلب اللجوء فقط”.
وبالنسبة لـ”شيشاي تويلدي مديهين”، (24 عاماً)، فإن روندا وأوغندا “بلدا موت”، وإسرائيل “تعرض حياتي للخطر”.
وأنتقد مساعدات إغاثية ذكرت تقارير أن إسرائيل تخطط لتقديمها لدول إفريقية لقاء إستيعابها مهاجرين.
ويقول “تويلدي مديهين” إنه يخطط للبقاء “إلى أجل غير مسمى” في سجن “سهارونيم”، حيث يتوقع إرسال المهاجرين في حال رفضهم الرحيل.
تهدد الطابع اليهودي..
يعتبر بعض السياسيين المحافظين والمتدينين؛ وجود أفارقة مسلمين أو مسيحيين تهديداً للطابع اليهودي لإسرائيل.
فيما ناصرت مجموعات حقوقية قضيتهم، وقالت إنه يتعين اعتبارهم لاجئين، وقالت إنهم يواجهون مخاطر كبيرة في حال الترحيل.
فيما يقول آخرون إن الأوضاع في “رواندا وأوغندا” مقبولة، وليس من واجب إسرائيل الإعتناء بهم.
وقال وزير الداخلية، “إرييه درعي”: “سأضمن كافة الحقوق التي وعدناهم بها، وفي الوقت نفسه، سأعيد تأهيل جنوب تل ابيب”.
لا تتسق مع تعاليم اليهودية
كما أثارت موجة ترحيل الأفارقة في إسرائيل، نقاشات حادة في أوساط يهود يعتقدون أن تلك السياسات لا تتسق مع تعاليم ديانتهم.
ولطالما أشار “نتنياهو” إلى المهاجرين بوصفهم، “متسللين”، زاعماً أنهم يشكلون تهديداً للأمن في إسرائيل، وكتبت “إيما غرين”، محررة في (ذا أتلانتيك)، تغطي قضايا سياسية ودينية، أن نحو 40 ألف مهاجر إفريقي في إسرائيل متخوفون من ترحيلهم في أي لحظة.
وتشير الكاتبة إلى وصول معظم هؤلاء إلى إسرائيل عبر صحراء “سيناء” بين 2012 و2006.
وحسب “مركز تنمية اللاجئين الأفارقة في إسرائيل”، وصل المهاجرون هاربين من أوضاع سياسية سيئة في إريتريا أو من حملة إبادة وحرب أهلية في السودان.
مجرد عمال..
رأت الحكومة السودانية أن أولئك المهاجرين مجرد عمال يبحثون عن عمل. ولكن منظمات حقوق إنسان تدعي بأن معظمهم أو جميعهم موجودون هناك لخشيتهم من اضطهاد في أوطانهم.
وتقدم، في الصيف الماضي، أكثر من 13 ألف مهاجر بطلبات للحصول على وضعية لاجئين. ولم تقبل طلبات سوى 10 مهاجرين، حسب الخط الساخن للاجئين والمهاجرين، منظمة حقوق إنسان إسرائيلية.
حالة خاصة..
تقارن “غرين” بين حالات لاجئين وصلوا إلى أوروبا، وطلبوا حق اللجوء، وبين من لجؤوا إلى إسرائيل، وتقول إن هؤلاء يشكلون حالة خاصة.
وتشير الكاتبة إلى اشتراك إسرائيل، وخلافاً لدول أوروبية، في حدود برية مع إفريقيا. وقد عانى عدد كبير من مهاجرين حاولوا الوصول إلى إسرائيل، من معاملة وحشية على أيدي مهربين، ومن قيود مشددة فرضتها قوات “حرس الحدود المصرية”.
وفيما تستعد إسرائيل لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى إفريقيا، تواجه الدولة أسئلة ملحة حول معنى وهدف إنشاء الدولة اليهودية، التي تأسست ملاذاً ليهود هاربين من حملة قمع مناهضة للسامية في أوروبا والشرق الأوسط.
وأثارت القضية جدلاً كبيراً، خاصة لجهة واجب حماية اليهود، ولإعتقاد بعضهم أنهم مسؤولون عن تجسيد القيم اليهودية أمام العالم.
وتلفت “غرين” إلى تعهد أطلقته الحكومة الإسرائيلية، منذ سنوات، بترحيل مهاجرين أفارقة. ولكن في بداية كانون ثان/يناير الماضي، حددت موعداً نهائياً.
مقاطعة رحلات الترحيل..
حسب صحيفة (هاأرتس) الإسرائيلية، دعا طيارو “العال”، شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية، لمقاطعة رحلات الترحيل، رغم تأكيد إدارة الشركة أنها لم تتلق طلبات لنقل لاجئين.
ووقع أكثر من 850 من الحاخامات، معظمهم يقيمون خارج إسرائيل، عريضة لوقف عملية طرد مهاجرين.
إزدواجية الهوية الإسرائيلية..
تلفت “غرين” إلى أنه منذ تأسيس إسرئيل، كان على الدولة العبرية مناقشة قضية هويتها المزدوجة دولة ديمقراطية وبوصفها الدولة اليهودية الوحيدة في العالم.
ناشطين حقوقيين يقولون إن الدولة اليهودية يجب أن تبنى على القيم والأخلاقيات، لا على أساس العضوية أو الإنتماء إلى طائفة ما. ويسألون: “هل من شيء يمكن أن يكون أكثر تعبيراً عن العقيدة اليهودية والإخلاص لتاريخ إسرائيل، من الترحيب بغرباء لجأوا إلينا ؟”.