20 يوليو، 2025 10:44 م

إستراتيجيات الصين .. لإقتحام “المستطيل الأخضر” بقوة

إستراتيجيات الصين .. لإقتحام “المستطيل الأخضر” بقوة

على مدار عامين.. وتحديداً منذ العام 2015 بدأ الحديث عن إتجاه “التنين الصيني” للإستثمار في كرة القدم بقوة، تحقيقاً لرغبة ما في لفت الأنظار واستغلال اللعبة الشعبية الأولى في العالم سعياً وراء مكاسب عدة.

ويكفي أن نرى تقاريراً صحفية تتحدث عن عرض خيالي لسلطان مانشستر يونايتيد الإنجليزي اللاعب السويدي “زلاتان إبراهيموفيتش” من أجل الإنتقال إلى الدوري الصيني مقابل 120 مليون جنيه إسترليني، فما الذي يدفع أندية الصين لإنفاق هذا المبلغ الضخم على لاعب تجاوز الـ35 من عمره مهما كانت مهاراته وقدراته في الساحرة المستديرة؟.. وهناك أرقام خيالية أكثر عرضت على لاعبين يملكون شهرة واسعة في عالم كرة القدم سيأتي ذكرهم.

ظاهرة تستحق الدراسة
اهتمام الصينيين المفاجيء بعالم كرة القدم دفع كلاً من هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي” والألمانية “دويتش فيله” إلى إلقاء الضوء على ما اعتبروه ظاهرة تستوجب الدراسة لمعرفة الدوافع منها، إذ شهد العقد الأخير تحول رجال الأعمال الصينيين إلى شراء حصص في أندية كرة قدم في إنجلترا وأسبانيا وفرنسا وهولندا وجمهورية التشيك، وكذلك كشف الرئيس الصيني “تشي جين بينج”، عن حبه للعبة كرة القدم.. فلماذا الآن يتصاعد كل هذا الإهتمام بكرة القدم؟

رفض الفشل
إن من أهم مميزات السيمات الشخصية للصينيين رفضهم لكافة أنواع الفشل، وكما نعلم فالصين ليست على خريطة اللعبة الشعبية الأشهر في العالم – كرة القدم -، بل هي بالإضافة لعزلتها عن العالم بحكم موقعها الجغرافي أقصى الشرق وإنغلاقها الدائم على نفسها، تأتي في مرتبة متواضعة بين منتخبات كرة القدم، وهو أحد أهم الأسباب التي دفعها للتمرد على ذاتها وعدم الإكتفاء بالتقدم في التكنولوجيا والسلاح والتجارة.. فقد حان الوقت ليظهر التنين ويعبر عن نفسه وكل ما يجري هو فقط التحضير لظهور يليق به وحضارته.

خطة عشرية
لقد كانت نقطة التحول في الصين وتحويل الدفة بعدها للإهتمام بكرة القدم بشكل كبير معلن أجبر كبريات المؤسسات الإعلامية للتعاطي مع تفاعلهم وتعاقداتهم في كرة القدم، في العام 2012 بعد هزيمتهم الثقيلة التي لم ينالوا مثلها من قبل أمام “السامبا” البرازيل بثمانية نظيفة دون أي هدف من جانبهم، وقتها سخرت أغلب وسائل الإعلام الرياضية من التنين الصيني، ورفض كثير من رجال الأعمال أن تصبح كرة القدم الصينية مادة للحديث الساخر على موائد الرياضيين في أنحاء العالم، فكان القرار – تدعمه أجهزة حكومية مهمة في الدولة – بوضع خطة عشرية تنهض بكرة القدم هناك وربما تنفيذها يمتد لعقدين، المهم إحراز تقدم في عالم الساحرة المستديرة.

وبدأت الخطة تؤتي ثمارها تدريجياً، إذ نجح فريق التنين في الوصول بترتيبه في “الفيفا” من رقم 109 في 2014 إلى 81 في 2016 ثم تراجع إلى 86 في تصنيف 2017، لكن رغم ذلك أخذت الأندية الصينية في تنفيذ خطة الدولة، فالتنين يملك نقاط قوة كثيرة لكن نقطة ضعفه الدائمة أنه لا يلامس الشعوب، لا يصل إلى الجماهير في أنحاء الكرة الأرضية.

شعبية خارج الحدود
الأمر بات واضحاً.. فالصين تبحث عن شعبية خارج حدودها وتوسيع قاعدتها البشرية في الفئة العمرية المؤثرة في دول العالم، وكلمة السر هي معشوقة الجماهير “كرة القدم”.. لكن لماذا؟

لقد استحوذت شركة “راستار” الصينية في العام 2015 على 56 % من أسهم نادي “إسبانيول” الإسباني بإستثمارات 45 مليون يورو، وقالت المجموعة في إشعار لبورصة شنتشن: “تأمل الشركة في أن تساعد الصفقة عملية توسعها في مجال أعمال الترفيه التفاعلية في قطاع الرياضة”، وقبلها وفي نفس العام اشترت مجموعة “داليان واندا” العقارية الصينية العملاقة نسبة 20 في المئة من نادي “اتليتيكو مدريد” الإسباني مقابل 45 مليون يورو أيضاً.. لقد درس الصينيون مسارات اللعبة وعشاقها وأهم الدوريات التي تلقى متابعة جماهيرية عريضة فبدأ التحرك نحوها ضمن مخطط أكبر للإستحواذ والمشاركة في أهم الأندية الرياضية وترديد اسم الصين خارج القطر الآسيوي المعزول إعلامياً وجماهيرياً!

حلم المونديال
وأعلنها صريحة الرئيس الصيني في بدايات عام 2016 من أن لديه ثلاثة أحلام كبرى في عالم كرة القدم يسعى إلى تحقيقها وفندها إلى: “التأهل للمونديال، وتنظيم كأس العالم، والفوز بها”، طموح لا ينتهي.. فالصين بأعلى سلطة فيها لا تعترف بأنصاف الحلول.. تخطيط مستمر ونتيجة ينتظرونها، وإن كانت بطيئة التحقيق لكنها نصب أعينهم.
فالزيارة التي قام بها الرئيس الصيني لبريطانيا في تشرين أول/أكتوبر 2015 تضمنت المرور على “مانشستر سيتي”، أحد أكثر الأندية الإنكليزية ثراء، لم تكن مجرد صدفة أو شيء عابر، إذ اتضحت أسباب هذه الزيارة في 2016، حينما أعلن السيتي عن إستحواذ مجموعة إستثمارية بقيادة “تشاينا ميديا كابيتال” وصندوق “سيتيك كابيتال” على 13 بالمئة من أسهم “سيتي فوتبول غروب” مقابل 400 مليون دولار، ولا يعد مانشستر سيتي الوحيد التابع فقط لمجموعة سيتي فوتبول غروب بل أيضاً أندية مثل “نيويورك سيتي” و”ميلبورن سيتي”، هذا إلى جانب نسبة في “يوكوهاما” الياباني، بينما في المقابل السوق الصينية أصبحت جزء من خطة شاملة لإستثمارات سيتي فوتبول غروب، فالإتفاقية تضمن في نفس الوقت فرصاً جديدة لتطوير الكرة الصينية، إذ أنها منفعة متبادلة للثروات والمصادر، والصينيون لا ينفقون يواناً واحداً دون حساب منافعه وتحقيق أهدافه!

التحكم بصناعة كرة القدم

وما يؤكد أن الإهتمام بكرة القدم في الصين ليس عبثياً ووراءه مخطط مدروس بعناية، هو إستحواذ رئيس أكبر موقع تجاري على الإنترنت في الصين والذي يصدر جميع المنتجات لدول العالم “علي بابا” على نصف نادي “جوانجزو إيفرجراند”، أقوى أندية الصين وبطل آسيا مقابل 170 مليون يورو، بينما أنفقت الصين على التعاقدات مع اللاعبين في عام 2015 وحده 4.18 مليار دولار وفقاً لما أعلنه الإتحاد الدولي لكرة القدم.

وتريد الصين بحلول عام 2025 أن تمتلك صناعة لكرة القدم بقيمة 840 مليار دولار (864 مليار جنيه إسترليني). وتشير تقديرات متفائلة إلى أن إقتصاد الرياضة العالمية بأكمله في الوقت الحالي يقدر بنحو 400 مليار دولار، أي أن الصين بالفعل تسعى للسيطرة على مجريات صناعة كرة القدم ومن ثم التحكم بها وتطويعها لصالحها.

لقد اشترت شركة الطاقة الصينية أحد أعرق الأندية التشيكية بعد أن أثقلته الديون واقترب من الإنهيار المالي في 2015، واستحوذت على 60 % من أسهمه في صفقة سرية، وقبلها بعدة أشهر استحوذت على عقارات وشركات تاريخية في براغ.. فالصين تسير بخطة مدروسة عبر وضع موطئ قدم لها في كل البقاع المؤثرة في العالم.

مدارس الكرة
إن الصين على خط موازي بدأت في إنشاء مدارس لتعليم كرة القدم حتى ترتقي بمستوى لاعبيها، كما أنها استحوذت بشكل كامل على نادي “سوشو” الفرنسي، وامتلكت شركة “يونايتد فانسين إنترناشونال سبورتس” غالبية الحصص في نادي “أدو دين هاج” الألماني.. إنتشار مستمر في جميع البلدان العاشقة لكرة القدم.

الإتحاد الأوروبي
إن الرياضيين والخبراء المتابعين لتحركات الصين نحو الإهتمام بكرة القدم يقولون إن إمتلاك الأندية الأوروبية يمنح بكين صوتاً داخل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، يمكن الإستفادة منه عندما تتخذ القرارات بشأن أماكن تنظيم البطولات المستقبلية لكأس العالم، كما أنهم سيحققون عائدات إقتصادية ضخمة من خلال أهم منصات للدعاية وهي ملاعب كرة القدم وجمهورها في أوروبا، فضلا عن أنه يتيح الفرصة أمام لاعبين صينيين للظهور بمستوى جيد في أندية أوروبية وبالتالي لفت الإنتباه لكرة القدم الصينية وتحقيق صفقات تجارية.

إنفاق بلا حدود
مفاجآت الصين توالت في عالم كرة القدم، بعرض مبالغ خرافية لشراء لاعبين كبار وضمهم للدوري الصيني، ويكفي أن نعرف أن فريق “شنغهاي شينهوا” اشترى المهاجم الأرجنتيني “كارلوس تيفيز” من نادي العاصمة الأرجنتينية بوينس أيريس نادي “بوكا جونيور” لعامين مقابل راتب 80 مليون يورو، مبلغ يفوق ما يحصل عليه “ميسي”، وكذلك “رونالدو” مع برشلونة وريال مدريد، وقبلها اشترى نادي “شنغهاي اس بي جي اي” خدمات اللاعب البرازيلي اوسكار من نادي “تشيلسي لندن” الإنكليزي مقابل 71 مليون يورو، كما يحصل اللاعب على 417 ألف يورو أسبوعياً، وهو مبلغ خيالي بالنسبة للاعب البرازيلي البالغ من العمر 25 عاماً فقط.

تقارير صحفية أخرى قالت إن رونالدو نجم الريال مدريد رفض عرضاً بمبلغ يفوق 300 مليون يورو للإنتقال إلى أحد الأندية الصينية.. وهو مبلغ خارق للتوقعات، وقال مدير أعمال رونالدو “خورخه منديس” لقناة “سكاي سبورت” الإيطالية، إن ريال مدريد تلقى عرضاً بمبلغ 300 مليون يورو لترك رونالدو يرحل عن النادي الملكي. هذه فقط حصة النادي. أما النجم البرتغالي فسيحصل على 100 مليون يورو سنوياً. لكن رونالدو رفض العرض.. فلماذا تنفق الصين كل هذه الأموال إلا لم تكن ضمن خطة محسوبة بعناية للسيطرة على قلوب وعقول مشجعي كرة القدم في العالم، معلنة عن ظهور ضخم وسيطرة للتنين الصيني على الشعوب وبالتالي نشر منتجاتها في أغلب بقاع الأرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة