خاص : كتبت – هانم التمساح :
في حال نجاح الثورات ينعم الجميع بثمارها ويشعر كل المقهورين بلذة النصر، أما في حالة الإخفاق نجد أكثر من يتجرع مرارة الذكرى المصابين وذوي الشهداء، ليس لفقدهم عزيز بقدر ما هو إحساس بأن ما قدموه فداءًا للوطن راح هباءًا منثورا.. ومنذ إنطلاق الثورات العربية خلفت التظاهرات آلاف الجرحى والقتلى والمشردين.. البعض حصد وطنه؛ ثمرة تضحيته، والبعض الآخر راح سُدى.. الجميع يعلق الآن آمالًا على ثورة أبناء الرافدين أن تصنع حياة أفضل لوطن طالما عانى الحروب، لا يخشى من نجاح مطالب المتظاهرين سوى الفسدة وأتباع الخارج، وفي خضم حديثنا عن تضحيات “شباب العراق” لا يجب أن نغفل تلك الفئة التي ضحت من أجل عراق أفضل، فهم في أشد الحاجة إلى الرعاية العلاجية والإنسانية.
آلاف الجرحى ومستقبل غامض..
وتكشف الإصابات التي يتعرض لها المتظاهرون في “العراق” على أيدي قوى الأمن خلال فضها الاعتصامات والمسيرات، عن وجه آخر من المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي قريب. وبات عدد كبير من المحتجين المصابين في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة لفقدانهم القدرة على الحركة، أو لتعرضهم إلى إعاقات مزمنة أخرى، وفقًا لأرقام رسمية وأخرى لمنظمات خاصة.
ووجهت منظمات حقوقية انتقادات للقوات الأمنية العراقية لإطلاقها قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل مباشر ما أدى إلى وفيات وإصابات “مروعة”، إذ تخترق تلك القنابل الجماجم والصدور.
وتشير الأرقام الرسمية إلى إحصاء أكثر من 16 ألف إصابة خلال فض الشرطة للمظاهرات، بينها 3 آلاف حالة لأشخاص باتوا مدرجين على قائمة ذوي الاحتياجات الخاصة لإصابتهم بإعاقات مختلفة بينها الحركية، وفقًا لآخر تحديثات المنظمات والمراصد المختصة، هؤلاء الذين طالما عانوا الفقر والبطالة والتهميش وهم أصحاء كيف تزداد معاناتهم الآن بعد أن أصبحو في حاجة لمن يعينهم في أبسط أمور حياتهم، خاصة مع تزايد أعداد المصابين بين فئة هي الأهم والأخطر في المجتمع، وهم مستقبل “العراق” وحاضره وأمنه القومي، لذا فإن الجرم الذي ترتكبه الحكومة والميليشيات التابعة لها جد كبير وخطير ليس في حق هؤلاء فقط ولا في حق الإنسانية بل هي جريمة أخرى في حق الوطن تضاف إلى كم الجرائم الهائل من النهب والسلب والتجريف والتبعية التي ألحقوها بـ”العراق”، وتستوجب المحاكمة القاسية.
دور مؤسسات المجتمع المدني لتأهيل ودعم الجرحى..
نشر “الهلال الأحمر” العراقي أكثر من 200 مسعف ومتطوع لمساعدة الجرحى خلال المظاهرات، في “بغداد”، وغيرها من المدن في جنوب “العراق”.
ويقوم المسعفون بتقديم الإسعافات الأولية ونقل المصابين إلى المستشفيات. كما أنهم يساعدون الفرق الطبية داخل المستشفيات في علاج المصابين من أجل سد الفجوة في الموارد البشرية. خاصة مع التزايد المرعب فى أعداد المصابين بشكل يومي وكأن “العراق” يخوض حرب عالمية، وليست مجرد تظاهرات لشباب أعزل وطلاب مدارس.. كم القمع غير المسبوق يخلف يوميًا ضحايا ينضموا لقوائم القتلى ومن فقدوا مستقبلهم، كل ذلك يتطلب جهودًا كبرى من منظمات المجتمع المدني والدولة العراقية ويحملها عبئًا كبيرصا لتوفير حياة آدمية لهؤلاء فوق تكلفة الإصلاح وإعادة الإعمار؛ كل ذلك والحكومة العراقية وزمرتها من الطبقة السياسية متمادون في صلفهم وغرورهم، وقمعهم معتمدون على دعم “إيران” لهم، والتي لا يفرق معها حياة “العراق” من موته؛ على أمل إفشال التظاهرات على غرار تظاهرات 2018 وما سبقها، لكن هيهات فهذه المرة الأمر جد خطير وكم الغضب يتزايد يومًا بعد يوم.
الترهيب واغتيال الناشطين..
لم تكتفي عناصر الأمن والميليشيات المسلحة بقتل المتظاهرين أثناء تفريقهم، بل قامت مجاميع مسلحة مجهولة تستقل سيارات مضلله، بدون أرقام، بعمليات اغتيال للناشطين والداعمين للمظاهرات. وقامت بعدة عمليات اغتيال، نرصد أبرزها :
- اغتيال الناشط، “حسين عادل”، بـ”البصرة”، وتم قتله مع زوجته، “سارة”، بعد اقتحام مسحلون شقته.
- “أمجد الدهامات”، 7 تشرين ثان/نوفمبر 2019، “ميسان”؛ تم اغتياله بعد خروجه من منزل مدير شرطة العمارة في منطقة “الشبانة”.
- “عدنان رستم”، 16 تشرين ثان/نوفمبر 2019، حي “الحرية”، “بغداد”، اغتيل برصاص مسلحين مجهولين.
- “أحمد جابر الياسري”، 22 تشرين ثان/نوفمبر 2019، “النجف”، اغتاله مسلحون يقودون سيارات نوع (تاهو)، عدد إثنان، بعد عودته من ساحة الاعتصام.
ونجاة عدد من الناشطين من محاولات الاغتيال بعد فشلها، كالناشط، “جواد الحريشاوي”، في “ميسان”، والناشط، “حسين المياحي”، في “البصرة”، والمتظاهر بطل كمال الأجسام، “مشتاق العزاوي”، في “بغداد”.
نفس سيناريو 2018 بشكل أعنف..
التظاهرات التي يشهدها الشارع العراقي الآن؛ ليست وليدة الصدفة بل هي نتيجة صبر وكبت سنوات عجاف وتحذيرات عديدة للطبقة السياسية الفاسدة ومحاولات احتجاجية كثيرة إنتهت بالفشل حتى وصل الغضب لذروته وتفاقمت الأزمة بعد تجاهل تحذيرات النشطاء ونصائح المرجعية، لكن صلف وغرور الحكومة والأوهام التي تمدهم بها “إيران” تجعلهم يعتقدون أنها ستمر كسابقاتها، ففي العام الماضي، 2018، بدأت الاحتجاجات في الثامن من تموز/يوليو؛ وكان على أثرها مقتل المتظاهر، “سعد المنصوري”، في قضاء “المدينة” قرب حقل “غرب القرنة” النفطي، في محافظة “البصرة”، برصاص قوات الأمن العراقية، وسقط عدد من الجرحى نتيجة الاشتباكات المسلحة بين المتظاهرين والقوات الحكومية وأحرق المتظاهرين مقرات تابعة لكتائب (حزب الله) في محافظة “النجف”، وكذلك أقتحم متظاهرون، مساء الجمعة، “مطار النجف الدولي”، بينما كانت نتيجة التظاهرات في محافظة “ميسان” مقتل إثنين من المتظاهرين وإصابة آخرين.
الحكومة العراقية كانت أيضًا تقطع خدمة شبكة “الإنترنت” عن عموم محافظات “العراق”، عدا “إقليم كُردستان”. مع إعلان فرض حظر التجوال في “البصرة” بعد إحراق مقرات تابعة لـ (منظمة بدر) في منطقة “الطويسة”، وسط “البصرة”. ومقتل إثنين من المتظاهرين في محافظة “النجف”. ولقد نشرت وسائل الإعلام العراقية أمرًا صادر من قيادة العمليات المشتركة، وضع الأجهزة الأمنية في حالة إنذار من المستوى (ج)، كما نشرت قوات لفرض النظام مكونة من قوات مكافحة الإرهاب والفرقة التاسعة من الجيش العراقي لأجل حماية الحقول والمنشآت النفطية، وفي 15 تموز/يوليو، عد مقتل إثنين من المتظاهرين في اشتباكات مع قوات الأمن العراقية، في “السماوة”؛ شرارة اندلاع مواجهات بين متظاهرين وقوات الشرطة أمام مقر محافظة “ذي قار”، ما أسفر عن سقوط 40 جريح.
وقد أقدم المتظاهرون في “البصرة”، خلال تلك الانتفاضة، بحرقون صورًا لـ”الخميني”، كما قام متظاهرون بحرق مكتب (منظمة بدر) في محافظة “المثنى”. ويقتحمون مبنى محافظة “المثنى”، وأحرق مجموعة من المتظاهرين في “البصرة” لوحة تحمل اسم “شارع الإمام الخميني” وصورته.
وشهدت التظاهرات في العاصمة العراقية، “بغداد”، إطلاق نار على متظاهرين في منطقة “الشعلة”. بينما أطلقت قوات الأمن العراقية النار على المتظاهرين في محاولة لتفريقهم أمام إحدى بوابات حقل “البرجسية”، (الزبير)، النفطي في محافظة “البصرة”. ثم متظاهرون يحرقون محتويات شركة استثمار الكهرباء في محافظة “المثنى”، بعدها شرطة “بابل” تفض اعتصامًا في ناحية “الحمزة” الغربي جنوبي “الحلة”. وتم الإفراج عن 336 معتقلاً على خلفية التظاهرات في محافظات البلاد، عام 2018.
وفي 20 تموز/يوليو 2018، تظاهر المئات من المحتجين، يوم الجمعة، أمام مجلس محافظة “البصرة” احتجاجًا على سوء الخدمات والبطالة مع انتشار عناصر من القوات الأمنية، ولقد وضعت القوات الأمنية الحواجز الكونكريتية والأسلاك الشائكة أمام مبنى مجلس المحافظة. وفي العاصمة، “بغداد”، حاول مجموعة من المتظاهرين عبور جسر “الجمهورية” بإتجاه “المنطقة الخضراء”؛ فواجهتهم قوات مكافحة الشغب بواسطة خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع، وأصيب أكثر من 30 شخصًا بالإختناق نتيجة ذلك. وإطلاق نار على المتظاهرين في “كرمة علي”، بمحافظة “البصرة”، أثناء محاولتهم نصب خيم للاعتصام.
المرجعية تدخلت أيضًا في تظاهرات، العام الماضي، و”السيستاني” جدد في خطبة الجمعة تأييده للمظاهرات ودعا لاستمرارها وتطورها في حالة عدم الاستجابة للمطالب، لكن القوات الأمنية كانت تفض اعتصام للمتظاهرين أمام مبنى مجلس محافظة “البصرة”، وتعتدي على عدد من الصحافيين بالضرب، ومصادرة هاتف مراسل قناة (الحرة)، “سعد قصي”، ومحاولة مصادرة معدات الصحافي، “عصام السوداني”، ومراسل إذاعة (المربد)، خلال تغطية فض اعتصام المتظاهرين أمام مبنى مجلس محافظة “البصرة”، وحرق مجموعة من المتظاهرين مبنى “القنصلية الإيرانية”، في “البصرة”، بعد حصار دام ساعات وأدانت “إيران” ذلك وأعلنت عن تكبدها خسائر مادية ومالية كبيرة، ولا توجد خسائر بشرية وجميع الموظفين سالمين، كما أعقب ذلك هجومًا على “المنطقة الخضراء”، في “بغداد”، ووقوع ثلاث قذائف (هاون)؛ والتي سقطت على أرض متروكة داخل “المنطقة الخضراء” من دون وقوع أي خسائر بشرية أو مادية، متشابهات كثيرة حدثت وأكثر من جرس إنذار دقته حشود الشارع للطبقة الحاكمة، ولكن يبدو أنها ترفض الإصلاح دون إراقة مزيد من الدماء !