القصف جاء بطلب عراقي.. هكذا بكل بساطة ترفع القوات الأميركية الحرج عن نفسها في استهداف المدنيين العراقيين بالموصل وقتل المئات بغارات جوية نتيجة إحداثيات تقول أميركا إن العراق هو من أبلغها بها في الفترة من 17 إلى 23 آذار/مارس 2017.
أميركا محقة في قولها فأهل مكة أدرى بشعابها.. لكن أن يصل إلى استهداف للمدنيين العزل بالمئات غرب الموصل الذين آثروا البقاء في بيوتهم وعائلاتهم لأنهم لا يملكون ملجأ أو يرفضون ترك أراضيهم ومساكنهم ولا يقتعنون بمخيمات ربما يقيم عليها أشخاص لهم ميول انتقامية طائفية.. يطرح عدة أسئلة.
من المسؤول عن المعلومات؟
السؤال الذي بات ملحاً ويحتاج تدخلاً عاجلاً من المسؤولين العراقيين، إذا كان حقاً بينهم من يهتم لأمر المدنيين القتلى، هو: كيف يطمئن الجيش العراقي والقائمون على غرفة العمليات إلى من يمدهم بالمعلومات والإحداثيات المطلوبة لاستهداف الإرهابيين وعناصر داعش، يقوم بعمله بحياد تام وموضوعية وأن هدفه بالأساس هو الإرهابيين؟.. وهل يتحقق من يرصد الأهداف ويبلغ بها غرفة العمليات من أهدافه أم يوجه المقاتلات بعشوائية؟
ونسأل أنفسنا: هل الأهداف على الأرض في العراق وغير العراق يتم رصدها تلقائياً من قبل “الطيارين” ومن ثم يتخذ الطيار قرار إطلاق النار؟.. أم أن هذه الأهداف يتم اختيارها قبل أن يُقلع الطيار من القاعدة الجوية، وعلى أي أساس يتم تحديد الأهداف ومن هو المخول بذلك؟
الطيار لا يستهدف بحسب أهوائه
فالمعلوم، وليس سراً عسكرياً، هو أن الطيار المقاتل لا يستهدف أي موقع بحسب أهوائه، بل يتم التنسيق بين الاستخبارات والقوات الارضية المتواجدة في الميدان وسلاح الجو ولا ينطلق الطيار إلا على خط محدد للطيران واماكن القصف، حتى أنه لا يعرف ماهية المنطقة التي يقصفها بل يرصدها كموقع مسبق في جهازه الخاص المتواجد في الطائرة نفسها ومن ثم يتأكد من أن هذه الإحداثيات المبلغ بها ثم يضغط على الزر الأحمر فتنطلق الصواريخ والقذائف إلى حيث الإحداثيات.
توجيه النازحين لمناطق القصف المتوقع
تقول آراء لخبراء عسكريين – غالباً ما يكونوا مؤيدين للقوات المتسببة في استهداف المدنيين – إن بعض المستهدفين من الإرهابيين أو في الحروب عامة يقومون بتوجيه المدنيين الذين يرغبون في النزوح هرباً من القصف المستمر والأوضاع المتوترة إلى مكان بعينه بعد أن يتأكدوا أن إحداثياته قد وصلت للقوات التي تحاربها حتى يتسببوا في مجزرة دموية ومذبحة للمدنيين كتلك التي وقعت في الموصل وراح ضحيتها أكثر من 600 مدني عراقي أغلبهم من النساء والأطفال والعزل، كي يتم إحراج الدول المشاركة في القصف فيهدأ الاستهداف وتتمكن عناصر داعش من إعادة الانتشار.
سلاح الجو لا يخطيء.. المعلومات مضللة
أما الأمر الأكثر دقة وانتشاراً هو تواجد عناصر الاستطلاع والعناصر المتعاونة من أبناء المنطقة المقرر استهدافها خلف خطوط الإرهابيين وبينهم لتحديد مواقعهم ومن ثم إلقاء شرائح كشرائح الهاتف المحمول أو “الكروت الذكية”، التي ترصدها غرفة العمليات وترسل إحداثياتها وبعدها يتم استهدافها مباشرة من قبل الطائرات المقاتلة، الخلاصة أنه لا يمكن أن يخطئ سلاح الجو أو الطيار المقاتل في الهدف المرسل إليه، لأنه لا يتصرف من نفسه، لكن هناك من يمكن أن يرسل معلومات مضللة لإحراج قوات التحالف وخاصة أميركا لإبعادها عما تسعى إليه من إقامة 3 أقاليم في العراق وإظهارها بأنها تستهدف الأبرياء من سنة الموصل وبالتالي إضعاف موقفها السياسي أمام العراقيين وترجيح الطرف الآخر المدعوم كلياً من إيران.
من يورط من؟
لذلك سارع الجيش الأميركي بإصدار بيان يشدد فيه على أنه قصف تلك الأهداف في الموصل ولكن بناءً على معلومات كاملة من الحكومة العراقية، فمن يورط من؟.. هل تورط أميركا الحكومة العراقية وتعريها أمام العراقيين والساسة والعشائر هناك وبالتالي توجه ضربة تحت الحزام لطهران المتحكمة في أغلب الشأن العراقي على الأرض، تمهيداً لمرحلة ما بعد داعش؟
مذابح متكررة بحق العراقيين
إن المذبحة التي وقعت في حق مدنيي الموصل والتي وصل ضحاياها، بحسب مصادر في الدفاع المدني العراقي، في أقل من شهرين إلى 3 آلاف قتيل، لم تكن الأولى في العراق التي يطلق عليها استهداف بالخطأ، ففي الثامن من كانون أول/ديسمبر 2016 سقط عشرات المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال، إثر قصف، بالخطأ، نفذه طيران عراقي، مستهدفاً منطقة تحت سيطرة تنظيم “داعش” في غرب العراق وتحديداً في سوق المدينة والجامع الكبير في القائم الحدودي بين الأنبار غرب العراق، والجارة سوريا، إذ استهدف القصف زحاماً لمدنيين قرب مكتب للبطاقة الذكية لاستلام رواتبهم التقاعدية التي أطلقتها الحكومة.
ويعتبر هذا القصف هو الرابع من نوعه الذي يسفر عن مجزرة بحق المدنيين العزل المحاصرين، بعد الضربات التي أخطأ الطيران العراقي فيها في منطقة النعيرية التابعة لمنطقة بغداد الجديدة شرقي العاصمة، في تموز/يوليو 2015 بسبب ما قيل وقتها من أنه “خلل فني”، وفيها قتل وجرح عدد من المدنيين، وقصف آخر استهدف حسينية في قضاء داقوق بمحافظة كركوك شمال البلاد، وأدى القصف إلى مقتل 25 امرأة من المكون التركماني، وإصابة 45 أخريات كن يقمن بأداء طقوس خاصة بشهر محرم في ذلك الوقت.
وبعدها بأيام ذكرت مصادر عراقية ان 35 عراقياً مدنياً سقطوا بين قتيل وجريح بقصف جوي في محافظة الانبار في اليوم الأخير من تموز/يوليو 2015، وقال النائب في مجلس النواب “فارس طه” وقتها إن طائرة حربية عراقية قصفت منزلين متجاورين بالخطأ في مدينة الرطبة 500 كلم غرب بغداد وتسبب في قتل 16 مدنياً واصابة 19 اخرين غالبيتهم اطفال ونساء.
لا مانع من سقوط الأبرياء!
ثم تكرر الأمر في آيار/مايو 2016 عندما قتل 17 مدنياً على الأقل بينهم 13 طفلاً و 3 نساء في قصف جوي أميركي استهدف مدينة تلعفر شمالي العراق، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير لم يتم كشف ملابسات أي قصف، أو إعلان نتائج تحقيق من قبل الجهات المعنية حول القصف الخاطئ الذي يسدده الطيران العراقي، أو التابع للتحالف الدولي ضد الإرهاب، فليس هناك من يتحمل توجيه الاتهام ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا مانع من سقوط أبرياء هنا أو هناك طالما ليس لهم من يحرك الدنيا والأمم المتحدة ومجلس الأمن لأجلهم.