18 يوليو، 2025 12:50 ص

أي تأثیر للمیلیشیات الشیعیة على السیاسة الأمریكیة ؟

أي تأثیر للمیلیشیات الشیعیة على السیاسة الأمریكیة ؟

واشنطن – خاص
وفقا للمسؤولین الأمریكیین، تبنّت إدارة ترامب موقفا أكثر صلابة ضد إیران مقارنة بالإدارة السابقة، ويعُتبر احتواء نفوذ ایران ومقاومة طموحاتھا الإقلیمیة إحدى أھم المصالح الأمریكیة في الشرق الأوسط.
وفي عدة مناسبات في عامي 2016 و 2017 ، استھدفت الولایات المتحدة القوات الموالیة لإیران في سوریا، مما زاد من حدةّ التوتر بین واشنطن وطھران. غیر أنّ الجیش الأمریكي أوضح أن ھذه الضربات مسترشدة بترتیبات حمایة القوة ولیس توجها إلى فتح جبھةٍ أوسع.
ومن العوامل الرئیسیة الكامنة وراء الفجوة الواضحة القائمة في الولایات المتحدة بین الكلمات الصارمة والحد الأدنى من الاجراءات ھو غیاب سیاسة شاملة تجاه إیران.

النووي وليس الدور الإقليمي
تلك أبرز النقاط التي تضمنها تقرير نشره مؤخرا “معهد واشنطن” المؤثر في أوساط الإدارة الأمريكية الحالية، والذي يؤكد على أن الأولویة الرئیسیة في واشنطن ھي منع إیران من امتلاك أسلحة نوویة، وأن المناقشات تركّز بشكلٍ أكبر على “خطة العمل الشاملة المشتركة”، كما یعُرف الاتفاق النووي لعام 2015 ، ولیس على دور إیران في المنطقة.
وبحسب تقرير “معهد واشنطن” الذي كتبته حنین غدار، وهي صحافیة وباحثة لبنانیة، یدرك صناع السیاسة في الولایات المتحدة أنّ” إیران تدعم المیلیشیات الشیعیة العراقیة مثل “عصائب أھل الحق” التي تبنتّ أكثر من ستة آلاف ھجومٍ ضد القوات الأمریكیة منذ أواخر عام 2012 ولكن یسلمّ صناع السیاسة ھؤلاء أیضا أنّ لیس كل جماعات “قوات الحشد الشعبي” متحالفة مع إیران، فعلى سبیل المثال، تتبع “فرقة العباس القتالیة” آیة لله العظمى علي السیستاني الذي مقره في النجف.
ومن ھذا المنطلق، سیعود انسحاب الولایات المتحدة من العراق بالفائدة على إیران أكثر من أي جھةٍ فاعلة أخرى.

ضد الإرهاب الإيراني وليس ضد الشيعة
بالإضافة إلى ذلك، وبالصورة الأوسع، یدرك المسؤولون الأمریكیون الحاجة إلى إیصال الرسالة بأن واشنطن تقف ضد للإرھاب(الإيراني) ولیست مناھضة للشیعة.
وإذا كانت جمیع عناصر”قوات الحشد الشعبي” لا ترتبط بإیران، فإن العناصر الأكثر إثارة للقلق لدى القوات قد وسّعت قدراتھا، ومن المحتمل أن لا تكون الحكومة العراقیة قادرة على السیطرة علیھا، مما یشكّل تھدیدا للمصالح الأمریكیة على الأرض.
وفي الوقت الذي تم فیه تخفیض حدة الحملة ضد داعش بعد أن تم استعادة الأراضي العراقیة المأھولة بالكامل، یصبح مصیر “قوات الحشد الشعبي” أمرا حیویا.
وفي ضوء وجھة نظر بعض المسؤولین العراقیین فإنّ تفكیك “قوات الحشد الشعبي جملة وتفصیلا أمر غیر واقعي، والسبیل الوحید للمضي قدما ھو محاولة دمجھا. وفي سیاق ھذه الجھود، تكمن الصعوبة في التفاصیل. فإذا حاولت “قوات الحشد الشعبي” الحفاظ على استقلالیتھا وتنظیم نفسھا بصورة مستقلة عن الھیاكل الأمنیة الأخرى في الحكومة العراقیة، أو كقوة موازیة، فسیترتب عن ذلك مشاكل بالنسبة للدولة العراقیة وللدول الأخرى التي تتعامل مع الحكومة العراقیة. لذلك، فإن التحدي الماثل ھو التفاوض على استیعاب “قوات الحشد الشعبي” في الدولة العراقیة بطریقة لا تغیرّ كثیرا الھیاكل الرسمیة.

مليار دولار : تمويل الحشد
ویتم تمویل مختلف فروع “قوات الحشد الشعبي” تمویلا جیدا، إذ تتلقى أكثر من ملیار دولار من المیزانیة العراقیة، استنادا إلى تقریر من عام 2015 وإذا واصلت “قوات الحشد الشعبي” تلقي ھذا المبلغ، سیكون من الصعب تصوّر اندماجھا الكامل في ھیاكل الأمن الرسمیة العراقیة.
وھناك عامل آخر مجھول یتضمن الانتخابات البرلمانیة المقبلة في 2018 ، حیث تنُاور مختلف فصائل “الحشد” قبل موعد إجرائھا لتصبح أحزابا سیاسية، وفي أسوأ الإحتمالات، إذا حصلت فصائل الحشد المعارضة لنفوذ الولایات المتحدة على مناصب في السلطة السیاسیة، فإن التعامل مع كل شيء، بدءا من المصالحة الوطنية وإلى بناء المؤسسات الوطنية العراقية لوقف النفوذ الإیراني، سیصبح أكثر صعوبة. وأخیرا،ً إنّ اكتساب الحشد مكانة سیاسیة، وامتلاكھا كتلا برلمانية ومجالس المحافظات، سیشكلان تحدیا مضاعفا للولایات المتحدة، مقارنة بوضعھا الحالي خارج الحكومة. فعلى سبیل المثال، إذا نجح بعض قادة “قوات الحشد الشعبي” الذین كانوا معروفین جیدا لدى الولایات المتحدة في الفترة بین الأعوام 2006-2011 في الانتخابات وحصلوا على مناصب كأعضاء في كتلة سیاسیة بمیزانیة مخصصة، فقد یقوّض ذلك إلى حدٍ كبیر المصالح الأمریكیة في العراق ویثیر في الوقت نفسھ المزید من الطائفیة.

توصیات للسیاسة الأمریكیة
ويشير التقرير إلى ما يعتبرها مفارقة بين سياستي واشنطن وطهران “بینما سعت السیاسة الأمریكیة إلى دعم نظام دولي على مستوى الدولة یقوم على مؤسسات قویة، ركّزت السیاسة الإیرانیة على تقویض استقرار وشرعیة الدول الإقلیمیة ومؤسساتھا بصورة مباشرة، وقد فعلت ذلك عن طریق إثارة التوترات الطائفیة من
خلال استخدام الجھات الفاعلة غیر الحكومیة والمیلیشیات، وھكذا اكتسبت إیران سمعة في جمیع أنحاء المنطقة كقوة طائفیة تھدد الاستقرار وتزعزعها، علاوة على ذلك، أصبح الحلفاء التقلیدیون للولایات المتحدة قلقین حیال
عدم كفایة الدعم الأمریكي لمواجھة إیران، ففي العراق، على سبیل المثال، ترید الجھات الفاعلة غیر الشیعیة أن تشارك الولایات المتحدة وتدُلي برأیھا حتى لا تغُرق الأغلبیة الشیعیة أصوات ھذه الجھات، وتساعد بالتالي على التوفیق بین الدور الذي ستضطلع به المیلیشیات الشیعیة على الساحة بعد داعش.
بإمكان المرء أن یتوقع استمرار استخدام إیران للمیلیشیات الشیعیة، مما یؤجج المزید من الطائفیة ویعید تشكیل المشھد السیاسي الاستراتیجي للمنطقة. ونظرا إلى التكلفة المنخفضة نسبیا التي تتكبدھا إیران للانخراط في ھذه الصراعات، فإن أي استراتیجیة لمواجھة الجمھوریة الإسلامیة على الصعید الإقلیمي ینبغي أن تتجاوز العقوبات وتطلب من الحلفاء تخصیص المزید من الأموال لمكافحة الإرھاب.

من يقوف المغامرات الإيرانية ؟
وقد تطورت استراتیجیات التعامل مع التدخل الإیراني على مدى السنوات القلیلة الماضیة، إلا أن أنشطة إیران، بما فیھا دعمھا للإرھاب، لم تتضاءل، كما أن “خطة العمل الشاملة المشتركة” لم توقف المغامرات الإیرانیة في المنطقة. واعتقدت إدارة أوباما أنّ التعامل مع برنامج إیران النووي من شأنه أن یشجع على الانفتاح الذي سیعزز بدوره المعتدلین ویولدّ حوافز جدیدة تحثّ إیران على الاعتدال، غیر أنّ ھذا النھج لم ینجح، لأن فوائد التوسع العسكري في المنطقة تلوح على ما یبدو بصورة أكبر، بالنسبة لإیران، من فوائد التراجع.
وفي الواقع أن الاتفاق النووي لم یعوق ھذا التوسع، بل على العكس من ذلك، فقد كشفت المظاھرات الأخیرة في شوارع إیران عن المزید من فساد النظام، الذي أدىّ إنفاقه على الأنشطة العسكریة في المنطقة إلى جعل السكان یعانون من اقتصادٍ سیئ للغایة، وھي الشكوى الجوھریة للمظاھرات.
وتحقیقا لھذه الغایة، فإن رفع العقوبات المتعلقّة بالأسلحة النوویة قد مكّن الجھات الفاعلة العالمیة من استعادة العلاقات التجاریة مع إیران، مما شجّع بسرعة الموقف الأوروبي الضعیف فیما یتعلق بسلوك إیران الإقلیمي. وفي سعیھا إلى الإیقاع بین الولایات المتحدة وأوروبا، ھدفتَ إیران إلى إقامة علاقات إیجابیة مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، ارتفع معدل النشاط التجاري بین إیران والاتحاد الأوروبي بنسبة 65 ٪ في عام 2017.

وفي حین أن انقاذ جمیع أنحاء المنطقة من النفوذ الإیراني أمر غیر واقعي، إلّا أنه قد یظل في الإمكان احتواء ھذا النفوذ، ولكن أي مناقشة لاحتواء النفوذ الإیراني من قبل الولایات المتحدة یجب أن تكون مصحوبة بإجراءاتٍ ملموسة، وإلّا فقد یؤدي ذلك إلى زیادة جرأة إیران ومیلیشیاتھا الشیعیة.
والیوم، تنظر إیران إلى المنطقة، وبالتحدید العراق وسوریا ولبنان، على أنھّا جبھة كبیرة واحدة، ولا تكاد تفرّق من حیث الأولویات الاستراتیجیة بین البلدان والدول، وبسبب ذلك، فإن الاستراتیجیة لاحتواء إیران في العراق ولیس في سوریا لن تكون كافیة.
ولاحتواء إیران، یتعینّ على المخططین (الأمريكيين) أن ینظروا إلى میلیشیاتھا على أنھا جیش واحد كبیر، یعمل تحت قیادة ” فیلق القدس”، یجب احتواءه بناءً على ذلك، مع ضمان ألا تترك ھزیمة تنظیم “الدولة الإسلامیة” فراغا تملأه إیران وإلّا، فستخترق إیران تدریجیا مؤسسات الدولة في بلدان المنطقة، مما یعرّض وصول الولایات المتحدة إلى حلفائھا الحالیین وعلاقاتھا معھم للخطر.
وتماشیا مع ھذه الحقائق، یتعینّ على الولایات المتحدة رفع تكالیف العقوبات على سوء السلوك الإیراني.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة