خاص – كتابات :
فجأة أصبح الجميع يحج إلى كعبة موسكو.. بات المزار المقرب من القادة العرب وتركيا كذلك مالت إلى حيث يريد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وتقربت من إيران، وحتى السعودية التي لم يُعرف أن ملكاً لها زار روسيا من قبل، وجهت قبلتها إليه !
زيارة هي الأولى تلبية لرغبة الأمير الطامح في العرش..
هي المرة الأولى إذاً في التاريخ التي يزور فيها ملك سعودي موسكو، في الرابع من تشرين أول/أكتوبر 2017، حاملاً معه أجندته الخاصة وإن كانت تلك رغبة ابنه الأمير الطامح في العرش “محمد بن سلمان”.
وكالعادة وقبل وصول الملك “سلمان” جرى حجز فنادق موسكو بالكامل – وفق تقارير غربية.
فنادق العاصمة كامل العدد وتغيير الأثاث وجلب السجاد المُفضل من المملكة !
إذ اصطحب “سلمان” معه وفداً ضخماً من المرافقين وصل إلى نحو 1000 شخص على رأسهم أمراء ووزراء، ممثلوا الفنادق بموسكو أكدوا على أن الوفد مكث في فنادق 5 نجوم قريبة من الكرملين والساحة الحمراء، وحتى أثاث العديد من الغرف جرى تغييره تماماً ليتناسب مع أذواق الضيوف العرب، بل وجرى جلب السجاد المفضل لكبار أعضاء الوفد المرافق لسلمان من المملكة خصيصاً !
مدير أحد الفنادق بموسكو صرح لوسائل إعلام غربية بأن استبدال الأثاث في الغرف أو الأدوات الصحية أمر معتاد للضيوف الأثرياء وخاصة من الشرق الأوسط، إذ ربما تخشى تلك الشخصيات النافذة وجود أي أنواع من الكاميرات أو مسجلات الصوت داخل الأثاث والغرف !
إجراءات أمنية غير مسبوقة لتأمين “سلمان” وحاشيته..
لم يفت السلطات الروسية أن تعزز من الإجراءات الأمنية بشكل غير مسبوق في محيط الفنادق التي يقيم بها وفد “سلمان” وحاشيته.
لقد حجز الضيوف كامل الطوابق في تلك الفنادق بجميع الغرف؛ إذ إنه غير مسموح بتواجد أناس مهما كان نفوذهم أو كانت ثرواتهم، طالما الأمراء وملكهم في هذه الفنادق.
وجرى حجز جميع الغرف بالفنادق للمرة الأولى في تاريخ موسكو، حتى الثامن من تشرين أول/أكتوبر !
كم كلفت تلك الرحلة الخزانة السعودية ؟
لمن لا يعلم، تتراوح تكلفة الغرفة المزدوجة في الفنادق الروسية ما بين 40 إلى 60 ألف روبل، ما يعادل 690 إلى 1040 دولاراً أميركياً في الليلة الواحدة، لكن السعر في أماكن أكثر قرباً من الكرملين والميدان الأحمر وحديقة ألكسندر الشهيرة قد يتضاعف، فكم حجز الملك وحاشيته من غرف وأجنحة بأكملها في الفنادق لمدة 5 أيام، وكم كلفتهم ؟
لقد ألغت بعض الفنادق فعاليات تعاقدت عليها بالفعل كالأفراح والمناسبات الخاصة، كما ألغيت عدة وجبات تتضمن الخمور ولحم الخنزير من قائمة الطعام، لتصبح زيارة حلال وفق شرع المسلمين !
اتفاقيات اقتصادية.. والاختلاف أصبح اتفاقاً بين عشية وضحاها..
تضمن جدول الزيارة توقيع اتفاقيات بين الجانبين السعودي والروسي تزيد قيمتها عن ثلاث مليارات دولار، إحداها صفقة بقيمة 1.1 مليار دولار، تقوم بموجبها شركة البتروكيماويات الروسية “سيبور” ببناء مصنع في السعودية.
نعم احتلت الملفات الاقتصادية حيزاً هاماً من زيارة “سلمان” إلى موسكو.. العديد من الاتفاقيات.. العديد من الشراكات.. فكيف تطورت العلاقات بهذا الشكل ؟.. وكيف أصبح الاختلاف بين عشية وضحاها اتفاقاً !
بدء تطور العلاقات بين روسيا والسعودية..
بدأت هذه العلاقات أصلاً في العام 1994، حيث وقعت في هذا العام العديد من الاتفاقيات، كان أبرزها مذكرات تفاهم في الاقتصاد والتجارة والاستثمار.
المرحلة الثانية من العلاقات جاءت في العام 2003، عندما بدأت العلاقات والاتفاقيات تتوسع لتشمل قطاعات أخرى كالغاز بالإضافة إلى العلوم التقنية.
وفي العام 2007، عقدت اتفاقيات جديدة بين الجانبين تتعلق بالاتصالات والتعاون في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى تجنب الإزدواج الضريبي.
آخر مراحل تطور العلاقات الاقتصادية بينهما كانت في العام 2015، بـ6 اتفاقيات في الطاقة النووية وعلوم الفضاء، اتفاقيات ما بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق الاستثمار المباشر الروسي.
أرقام ضعيفة في التبادل التجاري..
بالحديث عن التبادل التجاري بين مملكة “آل سلمان” وروسيا.. فإننا أمام أرقام ضعيفة نسبياً، إذ بلغت صادرات السعودية لروسيا ما قيمته 47 مليون ريال سعودي، وهي نسبة أقل من 1% من الصادرات السعودية.
أما إجمالي التبادل التجاري فبلغ 2.8 مليار ريال سعودي خلال عام 2016، ما يعني أن روسيا تحتل ترتيب متأخر في الشركاء، إذ إنها تأتي في المرتبة الـ49 كشريك تجاري للسعودية.
بينما بلغت واردات السعودية من روسيا في العام نفسه 2.71 مليار ريال سعودي، وهي أيضاً نسبة تعادل 1% من الواردات السعودية، وهي أرقام تبين أن العلاقات التجارية بين البلدين محدودة للغاية، فما الذي تغير ؟
تغيير كبير في العلاقات بعد زيارة “سلمان”..
بعد زيارة “سلمان”، التي وصفها الإعلام العربي بالتاريخية، هناك العديد من الاتفاقيات بين البلدين، إذ يدور الحديث عن صندوق للاستثمار بالطاقة بقيمة مليار دولار، وهو صندوق سيركز على الاستثمار في الطاقة ليس فقط في النفط بل في الغاز كذلك.
تعاون في العقارات والزراعة والسلع الاستهلاكية..
صندوق آخر للاستثمار في التكنولوجيا والتقنيات المتطورة بقيمة مليار دولار، فضلاً عن التعاون بين صندوقي الاستثمار في البلدين في 25 مشروعاً في مجالات الزراعة، العقارات وقطاعات السلع الاستهلاكية.
ما سبق يأتي استكمالاً لما جرى الاتفاق عليه في 2015 من استثمارات في حدود 10 مليارات دولار.
كما يوجد حديث عن استثمار في قطاع البنى التحتية وإمكانية استثمار مملكة “آل سلمان” في تطوير طرق في روسيا، وهي كلها تأتي في إطار خطة الاستثمار بين الحكومات.
استثمارات في مشروعات البحث عن النفط..
فضلاً عن استثمارات متوقعة في مشروعات الحفر النفطية والبحث عن النفط، وكذلك الغاز المسال لشركة “نوفاتيك” الروسية في القطب الشمالي، وهو مشروع قد تصل تكلفته نحو 27 مليار دولار، رغم نفي شركة “أرامكو” السعودية الدخول في هذا المشروع !
200 شركة لرجال الأعمال لعقد اتفاقات وبحث فرص الاستثمار..
حاشية الملك ضمت كذلك رجال أعمال لعقد منتدى الأعمال الروسي السعودي، وهو يجمع شركات البلدين لدراسة فرص الاستثمار، إذ تشارك 200 شركة في هذا المنتدى وتتوزع على 16 قطاعاً، ويركز المنتدى على 3 محاور هي الاستثمار الثنائي، الصناعة وتوطين الإنتاج وأخيراً ما يتعلق بالزراعة.
استثمارات لضمان الدعم الروسي لـ”محمد بن سلمان”..
لكن يبقى السؤال.. هل حقاً مملكة “آل سلمان” في حاجة لاستثمارات روسيا أو للاستثمار في روسيا ؟.. أم أنها مجرد صفقات لضمان الولاء الروسي والدعم لحكم الأمير الطموح “محمد بن سلمان”، بعد أن رأى حكام العرب والمنطقة كيف أن روسيا “بوتين” قد نجحت في الدفاع عن حليفها الرئيس السوري “بشار الأسد” بكل قوة ومنعت سقوطه المدوي أمام المعارضة المسلحة من جميع الاتجهات، بل أعادته بقوة إلى المشهد وأصبحت هي من يتحكم في الأمر.
لا أمان للسياسة الأميركية !
فضلاً عن يقين السعودية بأن السياسة الأميركية لا تؤتمن، خاصة بعد تخلي الإدارات الأميركية عن أصدقائها فيما اصطلح عليه ثورات الربيع العربي في المنطقة، وعلى رأسهم الرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك”، ومطالبة الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” برحيله على الفور بجملته شهيرة: (الآن يجب أن ترحل) !
كل هذه أمور أقنعت الرياض بأن عليها تغيير قبلتها إلى موسكو وفقاً لمصالحها كي لا تظل تحت إمرة واشنطن والرئيس “ترامب”، الذي خذلها في مواجهة قطر بعد كل المليارات التي دفعت من أجل كسب وده وولائه، لكن على الجانب هل ستظل أميركا مكتفية بموقف المتفرج مع تمدد النفوذ الروسي في مناطق سيطرتها بالشرق الأوسط ؟!