29 سبتمبر، 2024 10:30 ص
Search
Close this search box.

أوكرانيا تحقق انتصارًا مباغتًا باختراقها أراضي روسيا .. فكيف تستخدمه مستقبلاً وما سيكون رد موسكو ؟

أوكرانيا تحقق انتصارًا مباغتًا باختراقها أراضي روسيا .. فكيف تستخدمه مستقبلاً وما سيكون رد موسكو ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

في أكبر توغل داخل الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية؛ تستهدف منه “كييف” إقامة: “منطقة عازلة” لحماية أراضيها، تمكنت القوات الأوكرانية للمرة الأولى منذ بداية الحرب مع “روسيا”؛ في شباط/فبراير 2022، من السيّطرة على نحو ألف كيلومتر مربعة داخل الأراضي الروسية، حيث أربكت هذه العملية العسكرية؛ “موسكو”، التي لم تكن تتوقع مثل هذا الهجوم.

وبعد (10) أيام على التوغل الأوكراني البري في منطقة “كورسك” الحدودية الروسية، أعلن قائد الجيش الأوكراني؛ “أولكسندر سيرسكي”، الجمعة، أن الهجوم في منطقة “كورسك” الروسية أحرز مزيدًا من التقدم.

وأبلغ “سيرسكي”، الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: “تواصل القوات المهاجمة (في منطقة كورسك)؛ القتال وتقدّمت في بعض المناطق من كيلومتر إلى ثلاثة كيلومترات باتجاه العدو”.

كما أشار “سيرسكي”؛ إلى أن القتال مستمر على طول الجبهة، مضيفًا أنه يأمل في أخذ: “العديد من الأسرى” خلال المعارك الجارية في قرية “مالا لوكنيا”؛ الواقعة على بُعد حوالي: (13) كيلومترًا من الحدود.

وشنّت “أوكرانيا” هجومًا مضادًا عبر الحدود قبل عشرة أيام، وتؤكّد “كييف” أنها سيّطرت على أكثر من: (80) قرية.

“روسيا” تُعلن إخلاء خمس قرى..

في المقابل؛ أعلنت السلطات الروسية، الجمعة، أنها ستعمل على إخلاء خمس قرى تقع قرب الحدود الأوكرانية في منطقة “بيلغورود”، علمًا أن المنطقة المذكورة مجاورة لـ”كورسك”؛ التي يستهدفها هجوم أوكراني واسع.

وكتب حاكم بيلغورود؛ “فياتشيسلاف غلادكوف”، على (تليغرام): “اعتبارًا من 19 آب/أغسطس، سنُغلق الطرق المؤدية إلى خمس قرى ونُجلي السكان ونُساعد في نقل الممتلكات”، موضحًا أنه سيتم أيضًا: “في شكل مؤقت” منع الوصول إلى قرية سادسة.

لأول مرة منذ الهجوم الأوكراني..

وأعلنت “موسكو”، الخميس، تحرير بلدة “كروبيتس” في مقاطعة “كورسك”، كانت القوات الأوكرانية قد سيّطرت عليها في وقتٍ سابق.

وأفادت “وزارة الدفاع” الروسية في بيان، الخميس، أن القوات الروسية تمكنّت من تحرير بلدة “كروبيتس”، والقضاء على القوات الأوكرانية المتواجدة في المنطقة.

وهي أول مرة منذ بدء الهجوم يستّعيد فيها الجيش الروسي بلدة من السيّطرة الأوكرانية في هذه المنطقة.

يُذكر أن الهجوم الذي تُشنّه القوات الأوكرانية منذ نحو عشرة أيام، هو أكبر توغل داخل الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية. وتقول “كييف” إن العملية تهدف إلى إقامة: “منطقة عازلة” لحماية أراضيها.

توغل مباغت في منطقة قليلة الحماية..

وبدأ التوغل الأوكراني في منطقة “كورسك”؛ إثر شروق شمس 06 آب/أغسطس 2024، في حدود الساعة 5:30 صباحًا، وفق رئاسة الأركان الروسية. في المُجمل وفق “موسكو”، توغل ألف جندي أوكراني -وآلاف وفق “كييف” – في هذه المنطقة الحدودية مع: (11) دبابة وأكثر من: (20) عربة مدرعة، إضافة إلى طائرات مُسّيرة.

للوهلة الأولى؛ يبدو أن هذا الهجوم لم يواجه مشاكل كبيرة. ويعود ذلك إلى أن الانتباه منصب منذ عدة أشهر على منطقة “الدونباس”، حيث تتركز المعارك، ويُفيد خبراء عسكريون بأن منطقة “كورسك” لم تكن تتمتع بحماية كبيرة.

“روسيا لم تكن مستعدة لحدث مماثل”؛ وفق قراءة الجنرال “جان بول بالوميروس”، القائد السابق للقوات الجوية الفرنسية، الذي وصف “كورسك” بأنها: “منطقة رخوة” لا تتمتع بالحماية إلا من: “عساكر التجنيد الإلزامي”.

“لم يكن الأمر شديد الصعوبة”؛ وفق توضيح “ستيفان أودرون”، المختص في المخاطر الدولية في تصريح لجريدة (لو موند). “منذ خريف 2022، كانت الجبهة التي تقع شمال الدونباس هادئة، باستثناء بعض الغارات. لم يكن هناك سوى خطان دفاعيان بسيطان، بعض حقول الألغام وعدد قليل من الرجال – مئات من أعضاء جهاز (إف. إس. بي) والدرك الوطني الروسي”.

“الحدود لم تكن محمية. لم يكن هناك سوى ألغام مضادة للأفراد موزعة بالقرب من الأشجار على قارعة الطريق وألغام أخرى نجحوا في زرعها على طول الطريق السريع”؛ وفق تأكيد جندي أوكراني لوكالة الأنباء الفرنسية. وبما أنها بعيدة عن مركز المعارك، كانت منطقة “كورسك” إذاً هدفًا أسهل من أي مكان آخر على الجبهة الممتدة على: (960) كلم في شرق وجنوب “أوكرانيا”.

إضافة إلى هذه الجبهة غير المتوقعة، فإن عامل المفاجأة كان كبيرًا جدًا على “موسكو”؛ في ظل تكرار السلطات الأوكرانية منذ أشهر بأنها تُعاني من نقص في الجنود والذخائر. وبالتالي كيف يمكن – في هذا السياق – تخيل أنها قادرة على إطلاق هجوم بهذا الحجم ؟.. “هذه العملية كانت مفاجئة أيضًا للأوكرانيين. لم يكن أحد يتوقع رؤية ذلك”؛ وفق تأكيد “تاتيان أوغاركوفا”، الصحافية ومسؤولة القسم الدولي في مجموعة (أوكرانيا كريزيس ميديا).

إلا أن تقرير سُلم إلى السلطات الروسية قبل شهر من الهجوم؛ أشار إلى: “رصد قوات (بالقرب من كورسك)، وأكدت المخابرات أن هناك استعدادات لشن هجوم”، وفق تأكيد “أندرري غوريلوف”؛ النائب في “البرلمان الروسي” والعسكري السابق الرفيع في الجيش، في تصريح لـ (نيويورك تايمز). إلا أن رئاسة الأركان لم تُصدق ذلك أو لم ترد تصديقه.

زعزع الجيش الروسي..

وأمام التقدم السريع للجيش الأوكراني؛ تأخر الرد الروسي في القدوم. فبينما تركز قواته منذ عدة أشهر على جبهة شرق “أوكرانيا”، فإن فتح هذه الجبهة أجبر “موسكو” على تحريك قوات بشكلٍ عاجل لحماية المنطقة.

“من المؤكد أن ذلك يُمثل جزءًا من الاستراتيجية الأوكرانية”؛ وفق (بالوميروس). “من خلال هذه العملية، أجبر الأوكرانيون الروس على كشف قدراتهم العسكرية؛ وإعادة تنظيم صفوفهم من خلال تحريك جنود إلى كورسك لم يكن مخططًا لهم أن يكونوا هناك”.

“لا أحد يعرف الأهداف الدقيقة للجيش الأوكراني، لكن هذا التوغل يبدو مثل عملية إنقاذ”؛ وفق “تاتيانا أوغاركوفا”، التي تُضيف: “الخطوط الأوكرانية لم تتحرك منذ عدة أشهر. وبالهجوم على روسيا، أجبر الجيش الأوكراني؛ روسيا، على تسّليط الانتباه على مناطق أخرى وتغييّر ديناميكيته”.

استخدام الأراضي كورقة مسُّاومة..

وتقول صحيفة (نيويورك تايمز)؛ أنه قد يكون للضربة الأوكرانية، ونجاحها المستمر، أهمية استراتيجية في النهاية، على الرُغم من أن المسؤولين الأميركيين يُحذرون من أنهم سيحتاجون إلى رؤية مسّار الأمور لاستخلاص استنتاجات أكثر ثباتًا.

ويرى مسؤولون أن ذلك قد يُساعد أيضًا في إعادة بناء الروح المعنوية المتدهورة بين قوات “أوكرانيا” والسكان المنهكين من الحرب.

ويتناقض التوغل في منطقة “كورسك” في “روسيا”؛ بشكلٍ صارخ مع الهجوم المضاد الفاشل الذي شنّته “أوكرانيا” في جنوب “أوكرانيا”؛ في الصيف الماضي. وقد تم التخطيط لهذا الهجوم بسرية، بهدف تحويل القوات الروسية بعيدًا عن خطوط المواجهة في “أوكرانيا” والاستيلاء على الأراضي لاستخدامها كورقة مسُّاومة.

ولعبت “أوكرانيا”؛ على مدى أشهر، دورًا علنيًا استعدادًا للهجوم المضاد. وكان الأوكرانيون يسعون إلى استعادة الأراضي لكنهم تعثروا عندما فشلوا في اختراق الدفاعات الروسية المُّحصنة، التي عززتها “موسكو”؛ بينما كانت “أوكرانيا” تتدرب على الهجوم. كما قامت “أوكرانيا” بتقسيم قواتها خلال ذلك الهجوم، على عكس النصيحة الأميركية، بدلاً من تركيزها على مكان واحد كما فعلت هذا الشهر.

تحسّين مهارات الحرب الآلية..

ولكن التوغل في “روسيا” يُظهر كيف نجح الجيش الأوكراني في تحسّين مهاراته في الحرب الآلية، وهي التقنيات التي فشل في إتقانها قبل عام.

ويُشكل تحرك “أوكرانيا” نحو “كورسك” مثالاً واحدًا على كيفية اتخاذها للمبادرة، وكشفها عن ضعف “روسيا” وإحراج “بوتين”.

تحتاج لعمليات جريئة أخرى..

ويقول المسؤولون الأميركيون إن “أوكرانيا” سوف تضطر إلى البناء على العملية، بعمليات جريئة أخرى يمكن أن تدفع “روسيا” إلى الوراء، وما زال من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيشمل المزيد من التوغلات عبر الحدود، أو مهام التخريب السرية أو غيرها من العمليات التي لم يتم التخطيط لها بعد.

ولفت القائد العسكري الأعلى لـ”حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، الجنرال “كريستوفر ج. كافولي”، الخميس، إلى أن التوغل نجح حتى الآن. وقال خلال محاضرة في “مجلس العلاقات الخارجية” في “نيويورك”: “يكفي أن نقول إنه يبدو أنه يسّير على ما يرام”.

استغلال نقطة الضعف..

وقال الجنرال “كافولي”؛ وهو جنرال في الجيش الأميركي من ذوي الأربع نجوم ومتخصص في الشؤون الروسية: “لقد وجدوا نقطة ضعف في موقف الروس، واستغلوها بسرعة واستغلوها بمهارة كبيرة”.

وكانت تعليقاته هي الأكثر تفصيلاً لمسؤول أميركي منذ شنّت “أوكرانيا” الهجوم؛ الأسبوع الماضي.

وأرجأ مسؤولو إدارة “بايدن” معظم الأسئلة المتعلقة بالعملية إلى المسؤولين الأوكرانيين.

أهداف ورسائل..

بالنسبة للمحلل السياسي والأستاذ في الأكاديمية الروسية؛ “محمود الأفندي”، الرسالة المهمة التي تود “أوكرانيا” توجيهها مفادها أنها لا تزال تُحافظ على قوتها الهجومية؛ وذلك رُغم مرور أكثر من عامين على الحرب.

وقال في مكالمة هاتفية مع (فرانس24): “من الواضح أن التوغل الأوكراني في منطقة كورسك؛ وما جاورها ليس له أهداف استراتيجية أو عسكرية بحته، لأنه (التوغل) لا يؤثر على مجريات الحرب كثيرًا. بل الدخول إلى هذه المنطقة كان له هدف إعلامي واقتصادي وسياسي”.

الهدف الإعلامي؛ هو صرف النظر عن الانهيارات التي يُعاني منها الجيش الأوكراني في الجبهات الشرقية. أما الهدف الاقتصادي فهو يتمثل في السيّطرة على محطة الغاز (سودغا) للضغط على “روسيا” اقتصاديًا كون أن هذه المحطة هي الوحيدة التي تزود دولاً أوروبية بالغاز.

أما الهدف السياسي؛ وفق نفس المحلل دائمًا، فهو يتمثل في تقوية موقف “أوكرانيا” قبل المفاوضات التي قد تُنظم بينها وبين “روسيا” تحت إشراف دولي ربما في “السعودية”.

وأضاف “محمود الأفندي”؛ أن عبر هذا التوغل، أرادت “أوكرانيا” أن تبعث رسالة لداعميها الغربيين تقول لهم فيها بأنها لا تزال تُحافظ على قوتها الهجومية، وبالتالي تحتاج إلى مساعدات عسكرية ومالية أكثر لمواصلة الحرب والفوز بها.

توسيّع الجبهة القالية يستنزف القدرات العسكرية..

وفي سؤال هل عرفت الحرب تحولاً جديدًا على ضوء الاختراق الذي حققه الجيش الأوكراني، أجاب بلا. وشرح أن: “الحرب لم تدخل مرحلة جديدة. لكن الأكيد أن هذا الاختراق ساهم بتوسيع الجبهة القتالية، الأمر الذي سيؤدي إلى استنزاف أكثر للقدرات العسكرية للطرفين”.

وفيما يتعلق بالرد الروسي؛ أشار “محمود الأفندي”، أنه بعدما كانت “موسكو” جاهزة لخوض مفاوضات مع الجانب الأوكراني، أصبحت الآن ترفض تلك الخطوة ولن تُشارك في المؤتمر الدولي الذي قد يُنظم في “السعودية”.

وبخصوص الرد العسكري المحتمل؛ فقد أكد أن في حال استطاعت “موسكو” أن تطرد في وقتٍ وجيز القوات الأوكرانية من منطقة “كورسك”، فستفتح بعد ذلك جبهة قتالية جديدة لإنشاء منطقة عازلة في المدن المقابلة لـ”كورسك”، على غرار “سومي”.

وتُجدر الإشارة إلى أن مدينة “كورسك”؛ التي تقع على بُعد حوالي: (500) كيلومتر من العاصمة “موسكو”، معروفة بأراضيها الزراعية الخصبة. وهي من بين المناطق التي تزود “موسكو” والمدن المجاورة لها بالمنتجات الغذائية. كما أنها غنية بمادة الحديد التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والعسكرية.

ويتساءل مراقبون؛ هل أرادت “أوكرانيا” أيضًا من خلال هذا الهجوم أن تخلق تذبذبًا في عملية نقل مادة الحديد إلى المصانع العسكرية المتواجدة في مناطق أخرى من البلاد؛ وبالتالي توقيف ولو لزمن قصير صناعة الأسلحة التي تستخدمها “موسكو” في حربها ضد “أوكرانيا” ؟.

إزالة شبح الخوف..

من جهته؛ أكد “عماد أبو الرب”، رئيس المركز (الأوكراني) للتواصل والحوار، في مقابلة على (فرانس24)، أن عبر تغلغلها في عمق الأراضي الروسية: “أوكرانيا تسّعى إلى حماية وحدة وسيّادة أراضيها. كما تُطالب بالالتزام بالمواثيق الدولية من أجل استرجاع الأراضي التي احتلتها روسيا”.

وبشأن الهجوم على منطقة “كورسك”، كشف نفس المتحدث أن: “القوات العسكرية الاستخباراتية الأوكرانية رصدت قلة تواجد وتموضع القوات الروسية في هذه المنطقة، فلهذا السبب قامت بمباغتتها ولا تزال تتقدم إلى درجة أنها سيّطرت على مساحات كبيرة”.

وأضاف أن: “كييف ترُيد أن تضغط على روسيا في ملف المفاوضات؛ لأنها تعلم بأن موسكو لن تقبل أن تكون هناك أراضي محتلة تتبع لدولة أخرى. وبهذه الطريقة ستفهم إذا اللغة التي تتحدث بها أوكرانيا عندما تطالب باستعادة أراضيها والجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب”.

ولا يخش “عماد أبو الرب” أن ينعكس الوضع سلبًا على “أوكرانيا” بعد تغلغل قواتها في العُمق الروسي، بل بالعكس يقول: “إن هذه العملية كانت ناجحة لأن القوات الأوكرانية تمكنت من الدخول إلى الأراضي الروسية، وبالتالي أزالت شبح الخوف من القوة الروسية”. وأنهى بالتأكيد أنه: “إذا زودت أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة النوعية فهي تستطيع لوحدها بدون جنود الـ (ناتو) أن تُحقق نتائج أكثر”. بحسب مزاعمه.

أول اختراق حقيقي.. 

وإلى ذلك؛ أكد “محمد فرج الله”، رئيس تحرير وكالة الأنباء الأوكرانية باللغة العربية؛ لقناة تلفزيونية غربية، أن عملية التوغل التي قامت بها القوات الأوكرانية في التراب الروسي مختلفة تمامًا عن العمليات السابقة.

ففي السابق؛ كانت وحدات قتالية تُنفذ عمليات عسكرية مؤقتة ثم تنسّحب، لكن هذه المرة هي أول عملية اختراق كبيرة وحقيقية للأراضي الروسية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة