خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
من المقرر، بعد غد، أن تتوجه المستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل” – التي كانت توصف حتى وقت قريب بأنها “المرأة الحديدية” – لزيارة “إسرائيل”. ويرى بعض المحللين أنها الآن في أضعف حالاتها السياسية، وأن علاقات رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، الجيدة مع خصوم “ميركل” – سواء “ترامب” أو الزعماء اليمينيين المتطرفين في أوروبا – ستؤثر سلبًا على العلاقات الثنائية للبلدين.
“ميركل” تحرص على زيارة إسرائيل..
تقول صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية؛ إنه منذ انتخابها في منصب المستشارة الألمانية عام 2005، كانت “أنغيلا ميركل” تقوم بزيارة “إسرائيل”، على الأقل، مرة واحدة خلال كل حقبة لها، وذلك بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وهناك سبب آخر؛ لا يقل أهميه كان يدفعها لزيارة “إسرائيل”، ألا وهو تطلع “ألمانيا”، بصفتها زعيمة “الاتحاد الأوروبي”، لأن تلعب دور الوسيط من أجل دفع عملية السلام بين “إسرائيل” و”الفلسطينيين”.
علاقات متوازنة مع إسرائيل والفلسطينيين..
وفي واقع الأمر، بحسب الصحيفة العبرية، فقد اعتبر الفلسطينيون والإسرائيليون أن “ألمانيا” تُعد شريكًا مهمًا لتحقيق هدفيهما. فهي من ناحية، وعدت الرئيس، “أبومازن”، بتقديم الدعم المالي لـ”السلطة الفلسطينية” والعمل على وقف بناء المستوطنات، ومن ناحية أخرى أخذت تواصل تعزيز التعاون مع “إسرائيل” في مجالات متنوعة، مثل العلوم الطبيعية والتكنولوجيا الحيوية والعلوم البحرية والبيئية وتكنولوجيا “النانو” والبصريات، وهي بطبيعة الحال مجالات تخدم الصناعة المدنية والصناعة العسكرية على حد سواء.
ولكون “ألمانيا” شريكًا لـ”إسرائيل” وداعمًة لها، فقد امتنعت، تحت قيادة “ميركل”، عن انتقاد الدولة العبرية بشكل مباشر، بل إنها في معظم الحالات تصرفت بما يتناقض مع مطلب بعض مسؤولي “الاتحاد الأوروبي”، الذين دعوا لفرض عقوبات على “إسرائيل” ومقاطعتها، لأنها هي المسؤولة باستمرار عن تصعيد النزاع.
تراجع قوة “ميركل”..
غير أن ميول “ميركل” لإسترضاء مختلف الأطراف، سواء فيما يتعلق بسياستها الخارجية أو الداخلية، جعلتها تواجه كثيرًا من المشاكل على مر السنين. وشيئًا فشيئًا تراجعت القوة السياسية للمستشارة “ميركل”، سواء داخل “الاتحاد الأوروبي” أو في داخل “ألمانيا”.
فيما أشارت الاستطلاعات، التي نشرتها الصحافة الألمانية الشهر الماضي، إلى أنه لو جرت الانتخابات في “ألمانيا” اليوم، لحصل الائتلاف الحالي على 45% فقط من الأصوات – مقارنة بـ 53% في الانتخابات الأخيرة، التي واجهت بعدها “ميركل” صعوبة في تشكيل الحكومة. وقُبيل المؤتمر السنوي للحزب الحاكم، الذي يُعقد في كانون أول/ ديسمبر من كل عام، يدور التساؤل عما إذا كانت “ميركل” لا تزال هي الشخصية المناسبة لقيادة الحزب، فضلاً عن قيادة “ألمانيا”.
غضب المواطنين البُسطاء..
في حقيقة الأمر؛ أن “ألمانيا”، من الناحية الاقتصادية، أصبحت أقوى خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة هناك لم تجني ثمار التحسن الاقتصادي.
ولقد أدت سياسة “ميركل” – التي تخصص الموارد الاقتصادية لدعم اللاجئين رغم ارتفاع معدل غلاء المعيشة – إلى إثارة غضب المواطنين البُسطاء ودافعي الضرائب، حيث شعروا بالظلم وبدأوا يخشون من حدوث إنهيار اقتصادي محتمل.
تنامي قوة الأحزاب اليمينية..
تشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أنه، كما هو الحال في دول أخرى ضمن “الاتحاد الأوروبي”، مثل “بولندا والمجر وإيطاليا”، فلا تزال أحزاب الوسط في “ألمانيا” تفقد أصوات الناخبين لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الشعبوية.
وفي بلد “ميركل”؛ فإن الحزب الذي أصبح يتمتع بزيادة هائلة في نسبة التأييد هو حزب “البديل من أجل ألمانيا”، (AfD)، الذي يعبر عن أصوات المتطرفين المناهضين لسياسة الهجرة التي تتبعها المستشارة، “ميركل”. ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجريت في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، فإن حزب “البديل من أجل ألمانيا” قد تفوق على الديمقراطيين الاشتراكيين، وهو الآن ثاني أكبر حزب في البلاد.
عودة النازيون الجدد..
إذا كانت مظاهرات “النازيين الجدد” في “ألمانيا” يتم التنسيق لها دائمًا مع الشرطة وكانت تمر بهدوء نسبي، فإن المسيرات الجماهيرية والعنيفة التي جرت في آب/أغسطس الفائت، بشوارع مدينتي “كيمنتس” و”برلين”، وخلفت العديد من الإصابات، قد أشعلت الأوساط الشعبية والسياسية بشكل لم تعهده البلاد منذ زمن بعيد.
فبعد عدة عقود من التعامل مع اليمين المتطرف في “ألمانيا” باعتباره تيار مستأنس، إذا به يمزق كل القيود وينتفض بشكل يذكرنا بما كان يحدث في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو الآن يفعل ما يفعل أمام كاميرات الصحافة العالمية، بكل فخر ودون أي خوف.
احتمال توتر العلاقات الإسرائيلية الألمانية..
ختامًا توضح الصحيفة العبرية؛ أن تقارب “نتانياهو” مع قادة اليمين المتطرف في “أوروبا”، مثل “فيكتور أوربان”؛ من “المجر”، و”سيباستيان كورتس”؛ من “النمسا”، و”أندري دودا”؛ من “بولندا”، وبالطبع علاقاته الوثيقة مع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب” – في ظل الحرب التجارية والصدامات المستمرة بين “الاتحاد الأوروبي” والإدارة الأميركية – ربما حتى الآن لم يؤثر سلبًا على العلاقات بين “إسرائيل” و”ألمانيا”، أو بين “ميركل” و”نتانياهو”، ولكن تقارب “إسرائيل” تحديدًا مع دول وقيادات تُكن العداء المباشر للمستشارة الألمانية وتحاول تشويه سياستها، من شأنه أن يزيد من توتر العلاقات بين الدولتين.