وكالات – كتابات :
عندما ظهرت الهواتف المحمولة، في تسعينيات القرن الماضي، لم يتوقع أحدٌ أنها ستُصبح في يوم من الأيام أداة من أدوات التصوير السينمائي، كانت كبيرة الحجم وثقيلة الوزن، واقتصرت مهامها على إجراء الاتصالات، واحتوت شاشة الهاتف على ساعة يمكنك أن تنظر إليها بين الحين والآخر لمعرفة الوقت، ولكن مع التقدّم التقني وصلنا إلى الهواتف الذكية، لتُصبح المكالمات الهاتفية مجرد خاصية واحدة ضمن مئات الخصائص التي يقدمها لك الهاتف، الذي أصبح قليل الحجم وخفيف الوزن.
الكاميرا كانت ضمن الخصائص التي تطورت مع تطور الهاتف؛ فمنذ ظهور أولى أجهزة الاتصال المحمولة التي تحتوي على كاميرا، في نهاية التسعينيات ومطلع الألفينات إلى اليوم، أدخلت شركات التكنولوجيا العديد من التعديلات على كاميرات الهواتف، حتى أصبحت تلتقط صورًا ومقاطع ذات جودة عالية ومُدهشة.
فمثلًا كان (Kyocera VP-210)، الذي صُدر عام 1999، أول هاتف يحمل كاميرا، وكان مقياس حساس الكاميرا الخاص به: 0.11 ميغا بيكسل فقط، كلما زاد عددُ “الميغا بيكسل”؛ تزداد جودة الصورة، ويكفي أن تعرف أنه منذ عشرة أيام، أعلنت شركة “سامسونغ”؛ أنها ستنتجُ بحلول عام 2025، هاتفًا بكاميرا تلتقط تفاصيل أكثر من التي يمكن أن تراها العين البشرية، وستمتلك الكاميرا حساسًا قدره: 576 ميغا بيكسل، ولك أن تتخيل كيف ستكون جودة الصورة.
وبعد تصريح “سامسونغ”، بأيام قليلة؛ عقدت شركة “آبل” التقنية الشهيرة؛ مؤتمرها السنوي الذي كشفت فيه الستار عن منتجاتها الجديدة، وكذلك الإصدارات الجديدة من المنتجات المعروضة، وأهمُّ حدث في المؤتمر هو الإصدار الجديد من هاتفها (آي فون)، نسخة (آي فون 13)، الذي أعلنت الشركة أنه مزودٌ بكاميرات يمكن أن تلتقط صورًا ومقاطع مصورة تفوق جودتها بعض معدات التصوير السينمائي الاحترافية.
“هوليوود” في جيبك !
أدخلت “آبل” مجموعة من التحديثات على خصائص التصوير في جهاز (آي فون 13) لتحويل الجهاز إلى أداة تصوير سينمائي احترافية، وأهم تلك التحديثات قدرة الكاميرا على التصوير في الإضاءة الخافتة، واتساع دائرة المساحة التي يمكن أن تلتقطها الكاميرا، وخاصية تصوير الأجسام متناهية الصغر بشكل واضح، “ماكرو فوتوغرافي-Macro-Photography”، وأخيرًا الخاصية الأهم؛ وهي: “التصوير السينمائي-Cinematic Mode”.
ويحاكي “الوضع السينمائي”، في الجهاز الجديد؛ عنصرين أساسيين في الشكل الشائع للفيديوهات أو المقاطع المصورة بمعدات التصوير السينمائية: أولهما درجة الألوان التي تُميز الصورة السينمائية عن غيرها، والثانية، وهي الأكثر أهمية، خاصية التركيز على الأهداف الثابتة والمتحركة بشكل ذكي، وهي النقطة التي قدمتها “آبل” على أنها ميّزة: “ثورية” في المجال.
فإذا تخيلنا أحد المشاهد السينمائية التي تجمع ثلاثة أشخاص يقفون خلف بعض بشكل غير متوازي، عندما يتحدث أي من الأشخاص الثلاثة، ستُفعل الكاميرا وضع التركيز على الشخص المُتحدث فقط، أما الآخران فلا يظهران بوضوح، وهو ما يُعرف بتقنية: “التركيز والضباب-Focus and Blur”.
ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تتوفر فيها الخاصية في هاتف محمول، فالعديد من الهواتف الذكية تحتوي على: “مُنقيات-Filters”؛ لأوضاع التصوير السينمائية، ولكن لم تكن بجودة عالية، ولذا السابق استُخدم التصوير بالهاتف ثم أضيفت له خاصية: “الوضع السينمائي”، من خلال برامج “الغرافيكس”، ولكن هذه العملية في المجمل لم تُعط النتائج المرجوة دائمًا، على عكس الإصدار الجديد لـ”آبل”.
ودعمت “آبل” الكاميرا بنظام ذكاء اصطناعي لتفعيل الخاصية مع الأهداف المتحركة، وهذا النظام يعتمد على مجموعة من الخوارزميات التي يمكنها توقع حركة الهدف المُصور، ومن ثم تثبيت خاصية التركيز عليه، وتثبيت خاصية الضباب على الأهداف الأخرى، سواء كانت ثابتة أو متحركة.
ولا يجب أن تكون خاصية التركيز والضباب من ضمن الإعدادات التي يجري اختيارها قبل التصوير، بل يمكن إضافتها بعد الإنتهاء من التصوير؛ لأن الجهاز يحفظ كافة التفاصيل المعقدة المتداخلة في عملية التصوير، وهو ما يُعرف باسم خاصية: “خريطة العمق-In-Depth Map”.
التصوير السينمائي لم يُعد للمحترفين فقط !
أثار الإصدار الأخير لجهاز (آي فون 13)؛ جدلًا صاخبًا في عالم صناعة الأفلام والمحتوى المرئي، ولكن هذه المرة الأولى، لـ”آبل”، ففي 2017؛ قرر المخرج الأميركي الحائز على جائزة “أوسكار”، “ستيفن سوديربرغ”، التخلّي عن معدات التصوير الاحترافية، والاعتماد على جهاز (آي فون 7 بلس)؛ في تصوير فيلمه الشهير: (Unsane)، ما قصرَ ميزانية الفيلم الكلية إلى: 1.5 مليون دولار أميركي، بحسب بعض التقديرات. لم يكن الإخراج الكلي للفيلم على أحسن حال، واعتبره بعض النقاد مخيبًا للتوقعات، ودونَ ما بشّر به المخرج.
وعلى الرغم من أن “آبل” لم تُشر من قبل إلى أن هناك فيلمًا صّوِر بهاتفها، إلا أن بعض المحللين يعتبرون الفيلم نقطة الإنطلاق الحقيقية التي حفزت الشركة لتطوير الخصائص والإمكانيات المُتاحة لكاميرا أو كاميرات أجهزة (آي فون)؛ حتى تصبح معادلة، أو ربما أفضل من بعض كاميرات التصوير السينمائي.
ومنذ عام تقريبًا، عندما كُشف الستار عن (آي فون 12)، تعاقدت “آبل” مع المصور السينمائي، “إيمانويل لوبيزكي”، الحائز على جائزة “أوسكار”؛ عن فيلم (The Birdman)، في صُنع فيديو بطريقة سينمائية، يعتمد في تصويره فقط على: (آي فون 12).
ما حدث العام الماضي؛ يمكن تصنيفه على أنه كان تمهيدًا للإصدار الجديد، (آي فون 13)، وخصائصه المُعدَّلة التي قدمتها “آبل” للجمهور على أنه بديل للكاميرات التي يستخدمها محترفو السينما، ويظهر ذلك بوضوح في الإعلانات الترويجية للجهاز، التي كانت على شكل مشاهد سينمائية.
اللافت؛ أنّ العديد من خبراء التكنولوجيا والتصوير السينمائي يعتقدون أنّ ما تقدمه “آبل” في الإصدار الجديد، لن يؤثر فقط على دوائر صناعة السينما الاحترافية المغلقة، مثل “هووليود”، إذ سيؤدي استخدام الهواتف إلى خفض تكاليف الإنتاج، فبدلًا عن إنفاق المال على معدات التصوير، يمكن الإكتفاء بالهواتف الحديثة بدلًا عنها، وسيفتح الباب لكل من يُريد أن يجرّب التصوير السينمائي.
هذا التطور غير العادي سيُمكّن الكثيرين حول العالم ممن يحملون الهواتف المُجهزة بكاميرات عالية الدقة، من تصوير أفلام بميزانيات أقل كلفة من المعتاد، وخارج الاستديوهات المخصصة، مقارنةً بالمقابل الذي يجب أن تدفعه للحصول على معدات تصوير مرتفعة الثمن للشراء أو الاستئجار، والتي لطالما أوقفت إنتاج الأفلام في الماضي، وجعلته حكرًا على من يملك القدرة والمال اللازمين للشروع في العمل.