توتاكال .. قرية نائية تقع في جبال اقليم كردستان الجافة ولا سبيل للوصول لها الا عبر الممرات الترابية وسط الجبال. وفي تلك القرية تمارس ظاهرة ختان الاناث على نطاق واسع. وجميع نساء وفتيات القرية التي تقطنها 17 أسرة خضعن للختان باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة..ومن أجريت لهن عمليات الختان أجريت في سن مبكرة في الغالب. وتجري عمليات الختان هذه في تلك القرية النائية عجوز تركت سنوات عمرها الطوال آثارها على ملامح وجهها وتدعى أمينة.
ولأن عدد الفتيات اللائي أجرت لهن عمليات الختان في أنحاء متفرقة من كردستان العراق كثير فان القابلة أمينة لا تستطيع ان تتذكر أو تذكر رقما تقريبا لمن ختنتهن. وقالت أمينة لرويترز “لا يمكنني احصاءهن. لا يمكنني مجرد معرفة عددهن . ختنت الكثير من الفتيات هنا وفي منطقة سرجنار وفي منطقة تكايا وفي كركوك وفي رانيا حيث أقمت لأربع سنين قبل أن أفر الى ايران. وفي ايران أيضا ختنت الكثير من البنات لعائلات كردية فرت من العراق. طلبوا مني القيام بذلك وفعلت لكني لم أقم بتختين فتيات ايرانيات.. فقط فتيات عائلات كردية فرت الى ايران. حين كنت في ايران جاءت كل العائلات التي فرت من هذه المنطقة ومن كركوك للاقامة بجواري لتختين بناتهم وفعلت ذلك. لا يمكنني احصاء عددهن. عشرة فتيات..مئة..ألف فقط لا يمكنني أن أحصيهن عددا.”
وبعد ما يزيد قليلا على عام من سن برلمان اقليم كردستان العراقي شبه المستقل لقانون يحظر ختان الاناث يقول نشطاء ان تلك العادة لا تزال تمارس في العديد من القرى على الرغم من محاولات الحكومة حظرها.
وبالنسبة للقابلة أمينة – شبه المتعطلة حاليا- فان هذا يعني نهاية مهنة توارثتها وتوفر لها دخلا يكفيها ذل السؤال من اجرائها ختان الاناث في قريتها والقرى المحيطة وحتى من الجاليات الكردية في ايران المجاورة. وقالت أمينة “الجميع يعرفون انني لم أنجب ذكورا. انجبت أربع فتيات تزوجن جميعا وتعيش واحدة فقط منهن بجواري مع حفيدي. ليس لدي ابن ولا زوج ولا اب ولا أخ ولا إبن ليكفلني. واتصلت بالمنظمة التي طلبت مني منع ختان الاناث لتجد لي عملا بديلا.”
وعلى الرغم من معارضة البعض في قرى أخرى لحظر تلك العادة فان أهل قرية توتاكال التي تقيم فيها أمينة قبلوا حظر ختان الاناث في مقابل مساعدتهم ببعض الخدمات الأساسية وتوفير مدرسة للقرية قالوا انها في حاجة ماسة لها.
وقالت سعاد شريف العضوة في منظمة دبليو.ايه.دي.آي الناشطة في الدعوة لحظر ختان الاناث “يستطيع الناس الآن ان يفهموا بشكل جيد للغاية ان هذه (عملية ختان الاناث) جريمة وليس بوسعهم الاستمرار في ممارستها. لكن يحدث في بعض الأحيان ان تبقى منطقة مثل رانيا نجم التي نصفها بأنها منطقة سيئة جدا للنساء ليس فقط بسبب تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى (الختان) بها لكن لحدوث جرائم قتل من أجل الشرف والزواج المبكر وزواج المبادلة. تحدث كثير من الأشياء هنا لكننا لا نزال في حاجة لتنفيذ القانون كاملا في كردستان ونشر المزيد من الوعي بشأن القانون.”
وتقول منظمة الصحة العالمية ان ختان الاناث ما زال يمارس في دول بافريقيا وآسيا والشرق الأوسط لأسباب ثقافية ودينية واجتماعية. وتفيد تقارير حكومية ونشطاء نقلتها جماعة هيومان رايتس ووتش المهتمة بحقوق الانسان ان ما يصل الى 40 في المئة من النساء والفتيات في اقليم كردستان خضعن للختان. وانتقد بيان الجماعة الحقوقية ومقرها نيويورك حكومة كردستان لعدم اتخاذها اجراءات كافية لفرض القانون بما في ذلك ابلاغ الشرطة ومسؤولي الحكومة لنشر الوعي.
وترى كثير من العائلات الكردية التي تناقلت ضرورة ختان الاناث من الجدة الى الأم ثم الى الابنة ان الفتاة ستكون غير عفيفة ما لم تختن. وترى امرأة كردية من القرية تدعى جولشين عبيد (50 عاما) ان الضغط الاجتماعي يلعب دورا في استمرار تلك العادة.
وتقول وهي جالسة على سجادة في منزلها والى جوارها صغرى بناتها “في ثقافتنا حين لا تفعل ذلك الجميع يسألك. لماذا أختلف عن الآخرين؟. أعلم أنه سيء وأعرف انه يؤلم الطفلة وعلى الرغم م ذلك أفعله. أعرف كيف أجري العملية بنفسي لكني لم أقم بذلك لأني أعلم انها تؤلم الطفلة. لكني ماذا بوسعي أن أفعل. التزمت باجرائها (عملية الختان) لأن الجميع يجرونها.” الا ان ابنها رفض اجراء تلك العادة لابنته الأمر الذي جعلها واحدة من فتاتين من القرية لم تختنا. وقالت جولشين عبيد “ابني لقمان الذي تجلس ابنته الى جانبي يقول الان انه اذا اكتشف ان أحدا يفعل ذلك سيتوجه للشرطة ويبلغ عنه. لم يجره لابنته وابني الثاني لديه ابنتان لم تختنا.”
ويرى زعماء قرية توتاكال ان حظر ختان الاناث أمر واقعي. فقد بحث نشطاء تنفيذ مشروعات تحتاجها القرية مقابل اتفاق بحظر ممارسة ختان الاناث بالقرية. فقد شيد النشطاء مدرسة ابتدائية بسيطة في القرية بدلا من أخرى كانت مبنية بالطوب اللبن ووفروا للأطفال الأكبر سنا مواصلات تقلهم لأقرب بلدة بها تعليم متوسط (اعدادي). وقال زعيم القرية سرهاد عجيب لتلفزيون رويترز “نشعر بألم المرأة الآن. مشاعر المرأة لا تكتمل لأنهم يفعلون ذلك.. يقطعون جزءا من لحم المرأة. لم يرد ذكر لهذه الممارسة في القرآن.”