كتب – سعد عبد العزيز :
نشر موقع صحيفة “هاأرتس” الإسرائيلية مقالاً للكاتب والمحلل السياسي البارز “تسفي برئيل” يتناول فيه سير الأوضاع الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والتأثير الإيجابي للسياسات الأميركية والروسية في المنطقة على المصالح الإسرائيلية.
إيران لا تزال عدواً للولايات المتحدة..
يستهل “برئيل” تحليله بالإشارة إلى: “إن إيران التي كان يفترض أن تكون حليفاً طبيعياً للولايات المتحدة في محاربة “داعش” في سوريا والعراق, لا سيما بعد أن وقعت الاتفاق النووي مع القوى الكبرى وفي ضوء خصوماتها الأيديولوجية مع أصحاب المذهب السني، إذا بنا نفاجأ أن العكس هو ما حصل, حيث ظلت الولايات المتحدة تعتبر إيران دولة عدوة، وظلت تعمل على إنهاء نفوذها في المنطقة، بل وتسعى لتغيير النظام فيها عبر دعم أطراف داخلية وخارجية, كما قال ذلك صراحة وزير الخارجية الأميركي “ريكس تيلرسون” في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، الأمر الذي يعيد للأذهان انقلاب عام 1953 أو ما يُعرف بعملية “أجاكس”، حيث قامت المخابرات البريطانية والأميركية بإسقاط حكومة رئيس الوزراء الإيراني “محمد مصدق” المنتخب ديمقراطياً وأعادت مقاليد الحكم إلى الشاه “محمد رضا بهلوي”، وهو الحدث الذي حُفر في عمق الذاكرة الجمعية الإيرانية على أنه تدخل استعماري مباشر”.
وينقل الكاتب الإسرائيلي عن صحيفة “كيهان”, الناطقة باسم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامنئي”، قولها: “ألم يظهر تنظيم “داعش” للمرة الأولى في عام 2013 وظل يكبر وتتعاظم قوته إلى أن وصلت إلى أوجها في عام 2015 ؟.. أليست هذه هي نفسها الفترة التي جرت فيها المفاوضات بين العواصم الغربية وبين طهران بشأن ملفها النووي ؟”.. ويرى “برئيل” أن هذا الاتهام المبطن الذي تنطوي عليه تساؤلات هذه الصحيفة ليس جديداً على الساحة الإيرانية, إذ يزعم ساسة ومحللون في طهران أن تنظيم الدولة هو صنيعة أميركية وإسرائيلية, يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وعرقلة المشروع التوسعي الإيراني، كما يزعمون أن الولايات المتحدة بينما كانت تتفاوض مع إيران وتبدي بعض المرونة في المواقف بشأن الملف النووي، كانت في الوقت نفسه تدعم “داعش” وتقويها في الخفاء لتكون خنجراً في خاصرة إيران”.
روسيا تقطع الطريق على التواجد الإيراني على حدود إسرائيل..
يعتقد “برئيل” أن السياسة الروسية في سوريا تخدم المصالح الإسرائيلية، فالرئيس “بوتين”, بحسب كثير من المراقبين, قد أبرم اتفاقاً غير مكتوب مع “نتنياهو” يقضي بعدم السماح لأية قوات موالية لإيران بالتواجد على الحدود السورية مع إسرائيل. كما تعهدت روسيا بنشر قوات لها في المنطقة الآمنة التي ستقام في محافظة درعا المحاذية للأردن وهضبة الجولان, حتى تقطع الطريق على أي تدخل إيراني أو تركي في هذه المنطقة. أضف إلى ذلك أن القواعد العسكرية الأميركية في المثلث الحدودي الأردني السوري العراقي قرب معبر التنف شرقي سوريا تعيق إيران عن التدخل من هذه الناحية، بما يعني أن انتشار القوات الروسية والأميركية يرسم لإيران الحدود التي لا يمكن أن تتخطاها في سوريا.
رغم الخلافات: أميركا وروسيا تشتركان في تقليص النفوذ الإيراني..
يقول “برئيل”: “في الوقت الذي تستطيع فيه إسرائيل أن تشعر بالأمان النسبي تحت المظلة الأميركية – الروسية التي تعارض انتشار القوات الإيرانية أو أي من المليشيات التابعة لها في جنوب سوريا وهضبة الجولان، فإن إيران لديها ألف سبب للخوف، ليس فقط لأنها ستُمنع من التدخل في المناطق الآمنة، بل أيضاً لأن الولايات المتحدة وروسيا ستعرقلان مساعيها إلى خلق جسر بري بينها وبين سوريا عن طريق العراق. فبالرغم من أن القوتين العظميين تتناوشان أحياناً في الأجواء السورية، فإن لهما مصلحة كبيرة في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا خصوصاً وفي الشرق الأوسط عموماً, وبالتالي فإن الولايات المتحدة سوف تتدخل بقوة في المنطقة الحدودية الجنوبية بين العراق وسوريا، أما في شمال سوريا فإنها ستعتمد على الميليشيات الكردية والقوات التركية الموجودة داخل الأراضي السورية”.
احتمالات وتخوفات..
يطرح الكاتب الإسرائيلي أسئلة ملحة فيقول: “ماذا ستفعل الولايات المتحدة في حال قامت المليشيات الشيعية الموالية لإيران، والتي أوشكت على إنهاء وجود تنظيم الدولة في مدينة الموصل العراقية، بالتوجه نحو سوريا ؟.. وهل نتوقع حدوث تصادم بين القوات الأميركية وبين هذه القوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها ؟”.
ويجيب الكاتب قائلاً: “رغم كل ما سبق فإن الإدارة الأميركية لم تقرر بعد طريقة إدارتها للحرب في سوريا, وذلك في ظل اختلاف الآراء بين مسؤولي مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذين يؤيدون التدخل العسكري الفوري، وبين وزير الدفاع “جيمس ماتيس” الذي يتخوف من انزلاق الوضع إلى حرب واسعة بين الولايات المتحدة وبين روسيا وإيران في سوريا”.
تطورات تخدم المصالح الإسرائيلية..
ختاماً يؤكد “تسفي برئيل” على أن هذه المستجدات المهمة تكشف عن تطورات استراتيجية تصب بامتياز في الصالح الإسرائيلي، حيث تحظى إسرائيل للمرة الأولى برعاية القوتين العظميين لمصالحها، فالولايات المتحدة التي أعلن رئيسها قبل دخوله البيت الأبيض عن نيته تقليص التدخل الأميركي في العالم إذا بها تتدخل بكثافة في صراعات المنطقة، أما روسيا فقد بسطت سيطرتها السياسية والعسكرية على سوريا بما يلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية.