“أميركا” إحدى الأسباب .. أسرار هبوط قيمة “اليورو” مقابل “الدولار” !

“أميركا” إحدى الأسباب .. أسرار هبوط قيمة “اليورو” مقابل “الدولار” !

وكالات – كتابات :

لأول مرة منذ 20 عامًا وصل “اليورو”؛ لأول مرة في تاريخه، إلى سعر مُقارب جدًا من سعر “دولار” واحد؛ إذ كان “اليورو” أعلى من “الدولار” لمدة زادت عن عقدين، بل حافظ خلال السنوات الخمسة الأخيرة على معدل أفضل من: 90 سنتًا للدولار الواحد، وحتى عندما انخفضت قيمته نسبيًّا؛ ظل تحت معدل أقل من: 94 سنتًا للدولار الواحد.

كل ذلك بدأ بالتغير مع بداية حرب “أوكرانيا”، فقد خسر اليورو: 12% من قيمته منذ بداية العام، لكن مسيرة الهبوط الكبيرة لم تبدأ حتى شهر آيار/مايو من العام الجاري، حين بدأت بملامسة حد: “التكافؤ”؛ (Parity)، مع الدولار في الشهر الجاري، ثم وصلته فعليًّا بتاريخ: 12 و13 تموز/يوليو 2022.

ورغم أن لحرب “أوكرانيا” نصيبًا مهمًا في وضع “اليورو” الحالي؛ فإنها ليست العامل الوحيد في الوصول إلى القيمة الحالية، وربما الانخفاض أكثر في المستقبل القريب؛ فقد تضافرت عوامل ذاتية أوروبية، مع استمرار جائحة (كورونا) التي بدأت منذ عامين، ثم فاقمتها الحرب الأوكرانية، علاوة إلى عوامل أخرى لا علاقة لـ”أوروبا” بها، تتعلق بقوة “الدولار” وارتفاع سعره أمام العُملات الأخرى بشكلٍ عام، وصعوده بوصفه عُملة مفضلة للمستثمرين؛ ما يعني انسحابهم من عُملات أخرى واتجاههم نحو “الدولار”.

ولأنه لا يمكننا عند محاولة فهم حركة عُملة ما عزلها عن العُملات الأخرى؛ بل يجب في سوق العُملات المقارنة بين زوج من العُملات؛ مثل “اليورو-دولار”، وتُجدر الإشارة إلى أن الصورة قد تختلف عند مقارنة زوج آخر من العُملات، فقد يكون “اليورو” ارتفع خلال الشهور الماضية أمام “اليوان” الصيني، لكن “الدولار” هو أهم العُملات في العالم وأكثرها استخدامًا، لذلك فإننا سنستخدم هذا الزوج حصرًا لهذا التقرير؛ بحسب تعبير صحيفة (الغارديان) البريطانية.

أولًا.. كيف يتحدد سعر الصرف ؟

طبقًا للنظرية الاقتصادية فإن العلاقة النسبية بين عُملتين تعتمد على علاقات الإنتاج والتجارة بينهما، والأصل أن قيمة مجموع نقود عُملة ما في دولة افتراضية، ليس لها علاقة خارجية بالعالم يساوي ما تُنتجه هذه الدولة بالضبط، والأمر نفسه ينطبق تمامًا على حالة العالم إذا ما كانت التجارة فيه دون أي عوائق بالمرة.

فقانون السعر الواحد يقضي بأن السلع المتطابقة في العالم لها سعر واحد، ما يعني أن سعر عُملة ما مقارنة بعُملة أخرى سيعتمد على ما تُنتجه الدولتان من السلع المتطابقة، بفرض إمكانية ذلك، وبفرض ارتفاع قيمة عُملة إحدى الدولتين مقارنة بالأخرى؛ فإن الطلب على سلعها سينخفض، وبالتالي سينخفض الطلب على عُملتها أيضًا؛ وانخفاض الطلب سيعني انخفاض قيمة العُملة حتى تعود إلى ما كانت عليه سابقًا من حالة إتزان مقارنة بالعُملة الأخرى.

ومن قانون السعر الواحد يمكن اشتقاق قانون آخر؛ هو: “القوة الشرائية المعادلة”؛ (Power Purchasing Parity)، والذي ينص على أن سعر صرف عُملتين مقارنة ببعضهما هو نفسه العلاقة النسبية بين أسعار السلع المُنّتجة في هاتين الدولتين؛ أيضًا على افتراض وجود تجارة حرة تمامًا بينهما.

ولكن هذين القانونين قاصران في تفسير حركة العُملات في العالم لعدة أسباب؛ أولها عدم وجود تطابق السلع، فالسلع المُنّتجة في العالم مختلفة؛ وإن كانت من نوع واحد؛ مثل السيارات والأجهزة الكهربائية، والثاني أنه لا وجود لتجارة حرة بالمُطلق، وأخيرًا ربما لأن العُملات أصبحت مشابهة للسلع من حيث إنها تُباع وتُشترى وبالتالي تتحدد قيمتها بناءً على العرض والطلب عليها، والعرض والطلب عليها لا يتعلق بالسلع المتاجر بها؛ (الاستيراد والتصدير)، فحسب.

ويتحدد الطلب والعرض على العُملات بناء على عوامل مختلفة على مديين طويل وقصير. أما في المدى الطويل فهذه العوامل هي العلاقة النسبية لأسعار السرع في بلد مقارنة ببلد آخر، فارتفاع أسعار السلع في بلد ما، يعني ارتفاع تكلفة تصديرها على الدول خارج هذا البلد، وبالتالي تبدأ قيمة العُملة في هذا البلد بالانخفاض.

والعامل الآخر هو اختلاف تفضيلات سكان العالم بالنسبة لشراء سلع دولة بعينها؛ فإذا أصبحوا يفضلون سلع دولة ما على غيرها فهذا يعني زيادة طلبهم لها، وهذا يعني أنهم أيضًا سيُزيدون من طلبهم على العُملة المحلية لهذا البلد، وبالتالي سترتفع قيمتها؛ والعكس صحيح لو أصبح سكان هذا البلد يُفضلون استيراد سلع من الخارج، بمعنى أنهم سيُزيدون من بيع عُملتهم المحلية مقابل شراء عُملة أخرى فستنخفض قيمة عُملتهم.

وباقي العوامل على المدى البعيد تعمل بالطريقة نفسها، فالضرائب تعمل بشكل مشابه لرفع أسعار السلع، والإنتاجية تعمل بالعكس بسبب تخفيضها لكُلف الإنتاج، أو بنفس طريقة تغيير تفضيلات سكان العالم لهذه السلع نتيجة لتحسين جودتها بسبب رفع الإنتاجية.

ومن المهم هنا أن نفهم أمرين؛ الأول أن هذا المدى الطويل ليس نفسه ما يهمنا في حالة هبوط “اليورو” وارتفاع “الدولار” الراهنة؛ وإن كان لها دور على المدى البعيد بالطبع، وهي بطبيعة الحال أكثر قربًا من قوانين السعر الواحد والقوة الشرائية المكافئة بعكس المدى القصير الأهم في حالتنا، والأمر الآخر هو أن الطلب على عُملة ما لا يكون بشكل مباشر؛ ولكن على شكل طلب على الأصول المقومة؛ (المُسعّرة)، بهذه العُملة؛ وتشمل هذه الأصول السلع والخدمات، والودائع البنكية، والأسهم، والسندات، وغيرها.

أما في المدى القصير؛ وهو الأهم شأنًا لدينا الآن، فإن النظرية الاقتصادية كانت تعتمد سابقًا على تحليل حركة المستوردات والصادرات فحسب؛ بحيث أنه لو كان لدولة ما مستوردات أعلى من صادراتها فإن قيمة العُملة ستميل للانخفاض نتيجة لارتفاع الطلب المحلي على العُملة الأجنبية.

ما سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار المستوردات على المستهلكين المحليين – لأنهم يحتاجون لحجم أكبر من نقود عُملتهم لشراء السلع نفسها، وانخفاض ثمن الصادرات بالنسبة للخارج، وهو سيؤدي نهاية لعكس التأثير؛ لأن سكان الدول الأخرى سيرفعون من طلبهم على صادرات هذه البلد نتيجة لانخفاض سعرها.

لكن الصادرات والمستوردات لا تُمثل إلا قدرًا يسيرًا – بالنسبة لكثير من الدول – من إجمالي تعاملاتها المالية مع الخارج، وهذه التعاملات تُجرى عن طريق أزواج العُملات أيضًا، وهي تؤثر فيها لأنها تعمل على تغيير العرض والطلب من هذه العُملات أيضًا، وهذه التعاملات بمجملها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأسعار الفائدة تحديدًا، وعلاقتها النسبية بين بلد وآخر.

بالمجمل؛ فإن التعاملات المالية بين الدول والأفراد في هذه الدول تتعلق بأصول مالية كثيرة؛ مثل الودائع البنكية والسندات وغيرها؛ وترتبط جاذبية هذه الأصول بسعر الفائدة بشكل مباشر؛ لأن سعر الفائدة يُمثل العائد على هذه الأصول.

ففي حالة السندات والودائع البنكية؛ وعند ارتفاع أسعار الفائدة عليها نتيجة لقرار “البنك المركزي” برفعها فإن هذا يعني أن العائد من الاستثمار فيها سيُصبح أعلى، وبالتالي سيرتفع الطلب على العُملة المحلية بالتناسب مع المقارنة بين ارتفاع أسعار الفائدة في هذا البلد مقارنة بغيره، وبالتالي سترتفع قيمة العُملة.

لكن هذه العوامل كلها تتعلق بالوضع الطبيعي للاقتصاد؛ فالأزمات الاقتصادية وتداعياتها قد تُغير العرض والطلب بشكلٍ كبير أيضًا، فإذا كان الوضع الاقتصادي في بلد ما سيئًا مقارنة بالآخر، حتى لو لم يعن ذلك تغيرًا في الفرق بين أسعار الفائدة بين هذين البلدين، أو تغيرًا في أسعار السلع المنتجة فيهما؛ وإن كان الأكثر احتمالًا أن تتغير هذه الأمور تبعًا للأزمة أيضًا.

ما هي عوامل ارتفاع “الدولار” ؟

رغم أن “الولايات المتحدة الأميركية” تشهد أزمة تضخم غير مسبوقة منذ أربعة عقود؛ وصل التضخم أخيرًا لأكثر من: 9% في حزيران/يونيو 2022، إلا أن هذه الأزمة لا تقتصر على “الولايات المتحدة” فقط؛ بل هي مشكلة أكبر تعم العالم بأسره؛ نتيجة لمشاكل سلاسل التوريد المتعلقة بأزمة جائحة (كورونا)، وبعدها ارتفاع أسعار “النفط” والغذاء بالتوازي مع الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ كما تدعي الآلة الدعائية الأميركية والتابعة لها في الدول الغربية والعربية؛ في تجاهل مضلل لمؤشرات التضخم الأميركية التي بدأت تتصاعد قبل بداية الجائحة الوبائية بعدة أشهر وبالتالي قبل بداية تلك العوامل التي يسردها التقرير البريطاني.

زاعمًا: فقد بلغ التضخم؛ في شهر حزيران/يونيو الماضي، في “الاتحاد الأوروبي”: 8.6%، وهي نسبة مقاربة أيضًا؛ ولكنها أقل من التضخم في “الولايات المتحدة الأميركية” بقليل، ما يعني أنه بناءً على ما تقدم من حديثنا عن المدى البعيد من المفترض أن ترتفع قيمة “اليورو” مقابل “الدولار” ولو بشكل قليل، أو على الأقل ألا تؤثر في سعر صرف “اليورو” مقارنة بـ”الدولار”.

لكن هذه ليست الصورة الكاملة؛ كما أن الأسعار متعلقة بالمدى البعيد فحسب، وحركة “الدولار” الحالية مقابل “اليورو”؛ متعلقة بالمدى القصير؛ وهي أكثر ارتباطًا بقرارات “الفيدرالي الأميركي” ورفع سعر الفائدة بشكل متكرر خلال العام الحالي، واحتمالية أن يرفعها أكثر وأكثر فيما تبقى من العام.

وهنا تُجدر الإشارة إلى أن “الفيدرالي الأميركي” قد سّعر فائدته بشكل متكرر خلال العالم الحالي، فبينما كانت تبلغ بداية العام قريبًا من الصفر؛ أصبحت اليوم بين: 1.5 و1.75%، ومن المُرجح أن يتم رفعها مرة أخرى خلال هذا الشهر بنسبة: 0.75%؛ وهي نسبة مرتفعة جدًا لا يستخدمها “الفيدرالي” عادة، واستخدمت لأول مرة منذ أكثر من عقدين الشهر الماضي، والمُرجح أن تليها رفعة أخرى في أيلول/سبتمبر القادم بنسبة: 0.5%، وهي أيضا مرتفعة، فـ”الفيدرالي” يستخدم بالعادة نسبة: 0.25%، لتجنب انزلاق الاقتصاد نحو الركود.

بالمختصر؛ فإنه من المتوقع أن ينتهي العام بنسبة فائدة تُقارب: 3%، وذلك في محاولة لمحاربة التضخم وإعادته لنسبة: 2%؛ وهي النسبة التي تُعتبر صحية في “الولايات المتحدة الأميركية”، ورغم أن مثل هذه الارتفاعات في سعر الفائدة قد تدفع الاقتصاد نحو الركود؛ فإن المؤشرات تقول إن “الفيدرالي” يثق في قدرة الاقتصاد الأميركي بوضعه الحالي على احتمال هذه الارتفاعات الكبيرة، مع ضرورة تنفيذها للتحكم بالتضخم المنفلت.

فرغم كل مخاوف الركود؛ إلا أن الاقتصاد الأميركي نجح في خلق أكثر من: 370 ألف وظيفة جديدة الشهر الماضي، وهو مؤشر جيد على قوة الاقتصاد وقدرته على الاستمرار في النشاط، وكل هذه الأمور تؤشر على ثقة “الفيدرالي الأميركي” في قدرة الاقتصاد على تحمل ارتفاعات كبيرة.

وطبعًا تُشكل هذه الارتفاعات الضخمة في أسعار الفائدة رصيدًا كبيرًا في جاذبية “الدولار” مقابل غيره من العُملات، والنتيجة الطبيعية هو زيادة الطلب على “الدولار” على حساب غيره من العُملات، ولكن ماذا عن عوامل انخفاض “اليورو” في المقابل ؟.. فالتطورات الأخيرة ليست متعلقة فقط بعوامل ارتفاع قيمة “الدولار”؛ بل أيضًا بعوامل تزيد من هشاشة وضع “اليورو” في المقابل.

عوامل انخفاض “اليورو”..

لنبدأ أولًا بمقارنة أسعار الفائدة؛ فبينما أسعار الفائدة الأميركية بين: 1.5 و1.75%، مع ارتفاعات متتالية خلال العام الحالي، بقيت أسعار الفائدة الأوروبية أقل من ذلك بكثير؛ فهي: -0.5 للإيداع إلى: 0.25% للإقراض، وهو فرق ضخم جًدا مقارنة بأسعار الفائدة الأميركية، ومن المنطقي أن تجذب الأصول الأميركية المستثمرين أكثر من الأصول الأوروبية.

ولكن هذا أحد العوامل فقط؛ فـ”البنك المركزي الأوروبي” أكثر خشية من “الفيدرالي الأميركي” من الركود، وبالتالي فهو أكثر خوفًا منه من رفع أسعار الفائدة؛ رغم أن التضخم في “الولايات المتحدة الأميركية” أكبر من التضخم في “أوروبا”، ولذلك فإن أول ارتفاع في سعر فائدة “المركزي الأوروبي”؛ كان الشهر الحالي وبنسبة: 0.25% فقط، وهو الارتفاع الأول منذ عام 2011.

وذلك لأن “أوروبا” تخشى من الركود أكثر من “الولايات المتحدة الأميركية” لانكشافها الأكبر على أزمة حرب “روسيا” و”أوكرانيا” وتداعياتها؛ خصوصًا ارتفاع أسعار الطاقة التي يستوردها الاتحاد من الخارج بشكل أساس، بعكس “الولايات المتحدة الأميركية” المُنّتجة للطاقة بنسب كبيرة من احتياجاتها، إذ عانت: 12 دولة أوروبية – حتى الآن – من إنقطاع جزئي أو كامل للطاقة الروسية، وبسبب الاعتماد الأوروبي الكبير على “الغاز الروسي” تحديدًا، إذ تستورد حوالي: 40% من حاجاتها من “الغاز” من “موسكو”، وتستخدم هذا “الغاز” لتشغيل كل شيء في الاقتصاد؛ وتُعاني بشكل أقل بسبب العقوبات على “النفط الروسي”، ومحاولة الإنفكاك من شرائه بشكل شبه كامل خلال العام الحالي؛ كجزء من عقوبات “أوروبا” على “روسيا”، مع أهمية أخذ ارتفاع أسعار الطاقة بشكل عام بعين الاعتبار.

فإن هذه الأمور قد تدفع “الاتحاد الأوروبي” نحو المصير الأسوأ؛ وهو مصير: “الركود التضخمي-Stagflation”؛ والذي يُعد ظاهرة اقتصادية مخيفة؛ لأن الركود والتضخم بالعادة يكونان ظاهرتين متناقضتين ولا يحصلان بالتزامن معًا، ولذلك فإن السياسة الاقتصادية لمواجهة كل منهما معاكسة للآخر، ولكن أحيانًا يحصل الأمران معًا، وأثرهما مدمر بالطبع، وسيكون صعبًا على “الاتحاد الأوروبي” وبنكه المركزي مواجهة مثل هذه الحالة.

ليس الركود فقط ما يخافه الأوروبيون؛ فبعض التوقعات تقول أنه قادم لا محالة؛ بينما تقول توقعات أخرى أنه بدأ مع النصف الثاني من العام الحالي، وسيستمر حتى صيف عام 2023، وسينخفض معه الناتج المحلي بنسبة: 1.7%؛ كل ذلك و”الغاز الروسي” لم ينقطع بشكل كامل عن الاتحاد، أما إذا انقطع فقد يُصبح الأمر أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم.

والتوقع الحالي أن أكبر اقتصاد في “أوروبا”؛ وهو الاقتصاد الألماني؛ قد ينكمش بنسبة: 3% في عام 2023، وذلك في حالة انقطاع “الغاز الروسي” بشكل كامل، وهو ما يعني فقدان مئات آلاف الوظائف، وقد يكون أثره في دول أوروبية أخرى أشد بكثير؛ خصوصًا الدول التي تعتمد بشكل كبير على “الغاز الروسي”، والتي تمتلك اقتصادات أضعف من الاقتصاد الألماني.

كما أن للحرب الأوكرانية تداعيات اقتصادية أخرى تجعل من شبح الركود أكثر احتمالًا في “الاتحاد الأوروبي”؛ والذي له الحصة الأكبر من التكامل مع الاقتصاد الروسي، وبطبيعة الحال سيكون عليه تحمل الحصة الأكبر من نتيجة قطع هذه العلاقات بسبب العقوبات، وبسبب هذه العوامل جميعها فإن المستثمرين لا يقتصرون على التوجه أكثر لـ”الدولار” على حساب “اليورو”؛ بل إنهم يُراهنون على انخفاضه عن طريق: “البيع على المكشوف-Short Selling”.

و”البيع على المكشوف”؛ هو بيع أصل مالي لا تمتلكه عن طريق استدانته ثم بيعه مباشرة في السوق؛ على أمل أن ينخفض سعره لاحقًا في المستقبل، ليشتريه المستثمر مرة أخرى على السعر المنخفض، ويُعيده لمن استدانه منه، وهذه العملية تضغط أكثر على جانب العرض من “اليورو”، وتزيد من اتجاهه الهابط.

هل يُكمل “اليورو” طريقه نحو الانخفاض ؟

تركزت أغلب حركة “اليورو” الهابطة في الأسابيع الماضية، والتي تنامت فيها مخاوف إنقطاع “الغاز الروسي”، وتوقف تدفقه بالفعل في خط (Nord Stream-1)، للصيانة بحسب السلطات الروسية، مع اتهام الأوروبيين لـ”روسيا” بإيقافه عمدًا في محاولة من “موسكو” استخدام غازها سلاحًا في وجه الأوروبيين، ومعاقبتهم على موقفهم من حربها في “أوكرانيا”.

لا يمكن معرفة ما ستُقرر “موسكو” فعله في قادم الأيام، لكن مع إيجاد “موسكو” بدائل لتصريف غازها في “آسيا” بدلًا من “أوروبا”، فقد تقرر بالفعل قطع الغاز عن الأوروبيين بشكل كامل، أو تخفيض تدفقه إليهم بشكل كبير، بحيث تتسارع وتتفاقم الأزمة الحالية، وتدفع بالأسعار نحو الارتفاع والاقتصادَ نحو الركود، وقد يُصبح خطر الركود التضخمي عندها حقيقة قائمة في “أوروبا”.

في ظل هذا الوضع سيكون خطرًا جدًا على “المركزي الأوروبي” المخاطرة برفع أسعار فائدته بشكل أكبر في الأشهر القادمة؛ ولو قرر بالفعل تنفيذ ذلك فمن المُرجح ألا يُخاطر بارتفاعات كبيرة، بل سيبقي عليها ضمن حدود أقل مقارنة بالارتفاعات في “الولايات المتحدة الأميركية”، وهو ما يعني بقاء الفجوة في أسعار الفائدة بين الطرفين، وبالتالي انخفاض جاذبية “اليورو” والأصول المقومة به أمام “الدولار”.

لكن أمور كثيرة قد تتغير في المشهد في أي وقت؛ وفي حال ظل الاتجاه على ما هو عليه الآن؛ فمن الممكن جدًا أن ينخفض “اليورو” أكثر وأكثر في الأسابيع والشهور القادمة. مع العلم بأن العامين الماضيين كانا مليئين بالأحداث بدءًا من الجائحة وإنتهاء بأحداث الحرب الأوكرانية المختلفة، والارتفاعات الكبرى في أسعار الفائدة الأميركية، ما يعني أنه لا يمكن الجزم بما سيكون عليه الحال وما قد يستجد في العالم في الفترة القادمة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة