7 مارس، 2024 5:37 ص
Search
Close this search box.

ألمانيا وفرنسا يقودان أوروبا بجيش موحد .. المُعلن دعم السلام والواقع قوى استعمارية بصيغة جديدة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص – كتابات :

تغييرات على الأرض في الأفكار والتحركات في أوروبا بين دول الاتحاد الأوروبي.. ثمة رغبة أو أمر بالاتحاد.. لكن هذه المرة فإن الاتحاد يبدو في الجيوش والعتاد بصيغة غير تلك المتعارف عليها في حلف “الناتو”.

جيش أوروبي موحد لم يتحقق لسنوات لرفض بريطانيا..

إذ يخرج علينا مصطلح “بيسكو” وهو اختصار لاتفاقية التعاون الهيكلي الدائم في الأمن والدفاع.. وهي كما يراها كثيرون خطوة أولى نحو تحقيق حلم قديم كان يراود الجنرال الفرنسي “شارل ديغول” بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو بناء جيش أوروبي موحد.

حلم لم يتحقق بسبب الفيتو البريطاني الذي ظل يلاحقه لسنوات، أما اليوم وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولد الاتفاق برعاية فرنسية ألمانية – الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” والمستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” دعما الفكرة.

50 مشروعاً عسكرياً من 23 دولة !

الأهداف المعلنة للاتفاق الأوروبي تتضمن تطوير المعدات عبر مشاريع عسكرية – 50 مشروعاً عسكرياً –، وضخ 2 % من ميزانيات 23 جيشاً أوروبياً في البحوث والتكنولوجيا، فضلاً عن الاستثمار في المشروعات المشتركة عبر صندوق أوروبي لتحفيز صناعات الدفاعات الأوروبية برأس مال يبلغ 5.5 مليارات يورو.

كما يشمل الاتفاق تعزيز جاهزية الجيوش الأوروبية عبر مهمات عسكرية مشتركة، وينص الاتفاق كذلك على إلتزام الدول بزيادة نفقاتها العسكرية بانتظام، وهو ما طالب به الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” الدول الأعضاء في “الناتو”، بعد أن بلغت الميزانية الدفاعية لبلاده العام الماضي 611 مليار دولار، فيما لم تتجاوز النفقات العسكرية الأوروبية النصف، أو نحو 334 مليار دولار.

لم يعد هناك حاجة للاعتماد على أميركا في مهام بعينها..

رغم تأكيدات وزيرة الدفاع الألمانية، “أورسولا فون دير لاين”، بأن “بيسكو” لن يعوض حلف “الناتو” بأي حال من الأحوال، إلا أن صدمة “البريكسيت” وخروج بريطانيا، ومواقف “ترامب” قد تؤكد مقولة “ميركل” الشهيرة، عندما قالت بعد قمة “الناتو” الأخيرة إن الأيام التي كنا نعتمد فيها على بعضنا البعض قد ولت.. وإنه على أوروبا أن تأخذ مصيرها بيدها.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى أيام “الحلف” بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت في العام 1945، وكيف كانت دائماً الولايات المتحدة تحرص على الزعامة وأكبر حصة من الميزانية، الآن ربما يتبدد ما يعتبر تناقض في المواقف الأوروبية.

لن نسير وراء واشنطن..

الأوروبيون الآن يشعرون أنه إذا كان عليهم أن يسددوا مبالغ جديدة بشأن “حلف شمال الأطلسي” فلماذا لا يكون هناك تنسيق عسكري بالنظام القائم، وبنظام المنظومة الدفاعية الموازية ؟.. المسألة لم تعد كما كانت بصورتها القديمة من أن حلف شمال الأطلسي – “الناتو” – يقود أوروبا خلف الولايات المتحدة.. أصبحت الآن بهذا الاتفاق في نظر الأوروبيين كبحث عن نوع من التوازي في الأدوار وأيضاً في اعتماد ميزانيات تخدم أوروبا أكثر مما تخدم المصالح الأميركية.

قدرة على التحرك وفتح جبهات جديدة !

لكن ثمة رأي يقول إنه بوضوح جيش أوروبي موحد للهجوم.. أما الحديث عن مسألة دفاع مشترك فإنها فكر خاطيء.. فأوروبا تريد قوة عسكرية تستخدمها كسلاح وأداة مثلها في ذلك مثل الدبلوماسية الدولية، إن مثل هكذا الاتفاق يمنح الاتحاد الأوروبي قدرة على التحرك.

لكن ما جرى في ذلك الاتفاق يبين أن هناك شيء أكبر من مهام الدفاع، إذ إن الدفاع عن أوروبا مهمته بالأساس تعود إلى حلف شمال الأطلسي، الذي مركزه “بولندا”، كنقطة دفاع حصينة في شرق أوروبا لمواجهة أي تهديدات روسية.

أما الأهداف غير المعلنة لهذا التحالف الأخير “بيسكو”، فإن أولى أهدافه هو ما يسمى “الدفع باستقرار بعض الدول”، وبالتأكيد فإن هذه الدول ستكون في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا – ما يعني أن المنطقة ستشهد احتلالاً من نوع آخر يعيد حقباً ماضية لكن بصيغ جديدة تقوم على التعاون والتنسيق مع حكومات تتبع وتنصاع إلى الغرب مباشرة !

تغيير في المعادلة ورفع الحرج عن أميركا !

إن الترويج لمثل هكذا جيش أوروبي موحد سيندرج تحت عناوين فضفاضة، كالمشاركة في “بعثات سلام” لمهام لا تستطيع الولايات المتحدة المشاركة فيها نتيجة مصالحها الخاصة لدى بعض الدول، أما هذا الجيش فسيتدخل ويحقق الأهداف، وبالتالي ستظهر أميركا بأنها لا تستطيع الوقوف في وجه أوروبا، لكن هناك من يتوقع من المحللين أن تخذل أميركا حلفاءها في المستقبل القريب !

إن أولى المهام المتوقعة ستكون في دعم الاتحاد الإفريقي في مساعيه لتحقيق السلام، وهنا يجب أن تكون هناك قدرة لأوروبا على التحرك نحو هذا الهدف، وعلينا أن نعلم أن عين الأوروبيين على الثروات والمعادن المتواجدة في باطن الأرض الإفريقية !

“ترامب” وجه “الناتو” لحرب الإرهاب.. والآن أوروبا تحتاج لموارد اقتصادية..

إن “التعاون البنيوي الدائم”، وهو المعنى الحقيقي للاتفاق الأوروبي الجديد، يأتي بعدما استشعر الأوروبيون أن الرئيس الأميركي “قزم” من دور حلف “الناتو”، ولم يكن يريده غير أداة لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أما أوروبا الآن تبحث عن مدخلات وموارد اقتصادية جديدة تحتاج هذا التحالف، وحتى اللحظة نجد “بريطانيا والدنمارك ومالطا والبرتغال وأيرلندا” غير راضين عن الاتفاق الأوروبي العسكري الجديد، الذي وقع في منتصف تشرين ثان/نوفمبر 2017، ورفضوا الانضمام إليه، لكن يمكنهم الانضمام فيما بعد.

التصدي للتمدد الروسي في حوض البحر المتوسط واستعادة نفوذ قرن من الزمان..

أحد الأسباب الأخرى التي دفعت إلى تشكيل هذه القوى الأوروبية المشتركة، المشكلة من 23 دولة، هو تنامي الدور الروسي في السياسة الدولية ( جزيرة القرم في أوكرانيا والأزمة السورية، والتواصل الروسي مع اللواء خليفة حفتر قائد الجيش في ليبيا)، ووجد الأوروبيون أن الدور الروسي أصبح يتعاظم في حوض البحر المتوسط، وهو ما أزعجهم بشكل كبير، خاصة إذا ما علمنا أن هذه مناطق ثروات طاقة من نفط وغاز  تطمح أوروبا في أن تضع يدها عليها لأنها من وجهة نظرهم كانت على مر التاريخ الحديث خلال نحو قرن من الزمان تحت نفوذهم وسيطرتهم !

ما بات في حكم اليقين أننا اليوم أمام مشهد تعود فيه أوروبا التقليدية – التاريخية – القديمة ذات الأحلام التوسعية التي طالما قادتها ألمانيا وفرنسا لسنوات !

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب