ألاب قاشا عن حضارة العراق السومرية : أخرجت الانسان من عصور ما قبل التاريخ
يؤكد رجل دين لبناني مهتم بالحضارات ان السومريين هم اول شعب تاريخي قدم للانسانية اكبر الانجازات الحضارية فهو مبدع اولى الكتابات قبل خمسة الاف عام التي ساعدت الانسان على الخروج من عتمة عصور ما قبل التاريخ والانتقال الى فجر التاريخ” والتي عرفت لاحقا بالمسمارية.
وتتعدد كتابات الاب سهيل قاشا عن حضارة العراق القديم من زواياها المختلفة ومن جملتها عمل اخير له عن الحكمة السومرية في بلاد ما بين النهرين.
عنوان كتاب رجل الدين المسيحي الاب سهيل قاشا الاخير “الحكمة السومرية في العراق القديم” يذكر بكتاب سالف له هو “الحكمة وانسان العراق القديم” الا انه على رغم بعض التداخل في الموضوعات يختلف عنه في مجالات عديدة خاصة في كون الكتاب الاخير محددا ركز فيه الكاتب على السومريين وحضارتهم وحكمتهم تحديدا.
الكتاب الذي صدر عن دار بيسان للنشر والتوزيع والاعلام في بيروت جاء في 148 صفحة متوسطة القطع. وشدد المؤلف على ما اسماه الفلسفة السومرية وهو هنا لا يقصد مذهبا فلسفيا مبرمجا بل يعني الحكمة التي تميز بها السومريون كما يقول وهي تصل في النتيجة الى الفلسفة وغاياتها.
قبل الحديث عن الفلسفة السومرية تكلم قاشا عن السومريين في التاريخ فقال “لم يكن احد يعرف شيئا عن السومريين قبل مئتي عام وقلة قليلة كانت تملك معلومات بسيطة عنهم قبل مئة عام.”
اضاف مبديا رأيا تاريخيا في الامر “اما اليوم وبعد اطلاعنا على المكتشفات الاثرية الهائلة في منطقة الشرق العربي (العراق) عرفنا ان السومريين هم اول شعب تاريخي قدم للانسانية اكبر الانجازات الحضارية. فهو مبدع اولى الكتابات قبل خمسة الاف عام التي ساعدت الانسان على الخروج من عتمة عصور ما قبل التاريخ والانتقال الى فجر التاريخ” والتي عرفت لاحقا بالمسمارية.
وقال “والسومريون هم الذين ساهموا في تأسيس المدن الاولى وأول من اكتشف العجلة (الدولاب في بعض الاقطار العربية) التي تعتبر مع اكتشاف النار من اهم المنجزات التقنية في عالم التطور الحضاري الصناعي. ولهم باع طويل في فن النحت والرسم والموسيقى وكانت تماثيلهم تصنع من الحجارة والطين والمعادن وروائعهم الادبية في الشعر والملاحم لا تقل شأنا عن انجازهم الفني الجميل الذي يعتبر رائدا ونبراسا في التاريخ الادبي العالمي والشمولي.”
وخلص الى القول “وبهذا قد يكون العراقيون القدماء “السومريون” ومن بعدهم “الاكديون” و”البابليون” و”الاشوريون” قد قدموا للعالم عصارة الفكر الفلسفي الاول الذي انشأوه بالخبرة والتفاعل وبالتجربة والتعامل اليومي مع الحياة والمجتمع وخلدوا بذلك الانسان العراقي فأصبح والحالة هذه نورا لا ينطفيء.”
وفي باب الحديث عن “فلسفة السومريين” قال قاشا “الحكمة السومرية… حكمة عملية تصلح لتكوين مجتمع هادىء رزين يدين بالإنسانية السلمية تسوده المثل العليا وتسيره وهو بحق مثال حي للمجتمع الانساني الراقي.”
اضاف اننا لو استعرضنا جميع الامثال السومرية التي اوردها في الكتاب “لاستطعنا الوقوف على نمط الحياة الكاملة التي عاشها الانسان في تلك العصور. و(إذا) نحن فكرنا بالسبب الاساس الذي من اجله اعطى الله الحكمة للانسان لوجدنا انه فقط ليعيش كانسان حقيقي كامل.
“فيكون الفيلسوف السومري والحالة هذه قد ادى رسالته وقام بواجبه الحقيقي تجاه اجياله المتعاقبة قبل ظهور اي فيلسوف في العالم.” وقال ان “الامانة” في الفلسفة السومرية هي عنوان العمران والبناء كما جاء في هذا القول عندهم “البيت يبنى بيد رجل امين ويهدم بيد رجل خائن.”
اضاف “لو مررت -عزيزي القارىء- بدقة على الامثال السومرية الواردة في بحثنا هذا لوجدت ان الفلسفة السومرية حرية بان تكون اساسا للحياة المثلى الراقية.. والفلسفة الحقة ليست الا الاساس الراسخ للحياة الصحيحة.”
وفي رأيه ان الفيلسوف اليوناني عامة “يفكر في حياة مادية صرف لا تمت بصلة الى الروحانية التي يجد فيها الانسان سعادته الكبرى… وما “الفردوس السومري” الا نظرة فلسفية جديدة تصور حالة سامية من حالات الانسانية التي لا ينعب فيها الغراب ولا تنقل اخبار الموت.. الاسد لا يفترس والذئب الى جانب الحمل والكلب الوحشي الى جانب الجداء.. لا ارملة هناك ولا مريض ولا مصدوع ولا شيخوخة.”
اضاف قاشا يقول “وانها لعمري حياة لا تتحقق الا في عالم الارواح.. انها مثال الحياة الجديدة التي يتخيلها الفيلسوف السومري ويتمناها للانسانية وان كانت بعيدة عن واقع الانسانية في هذا العالم.” واتبع ذلك بقوله “اما اذا عدنا الى الحياة الواقعية وسرنا قليلا مع المعلم السومري نجده يصدر تعليما ساميا لابنه ولكل انسان يرغب ان يكون ابنا للحكمة في هذا العالم.”
وقال ان ما سمي “مشورات الحكمة” ليست سوى “نموذج سام للفلسفة الواقعية وهو التعلق بالحياة الفردية لكل انسان وينبهه الى امور تحدث له كل يوم او كل ساعة من حياته وخلاصة القول ان هذا التعليم لا يختلف عن التعاليم الحكمية الواردة في الكتب المقدسة.”
اضاف “ان هذه “المشورات” تبشر بالتسامح وضبط النفس والابتعاد عما يسبب الشر ويوقع في التهلكة… فقد ورد في هذه المشورات “لا تقف حيث توجد مشاجرة … وإذا كانت المشاجرة تخصك فأسرع بإطفاء الشرارة”.
“اما المسامحة التي يعلنها هذا التعليم فلا تقل قيمة عما اعلنته كتب الوحي (مثلا).. “لا تجاز الشر لمن يخاصمك” وكأني به يقول “لا تجاز الشر بالشر” (ومن ذلك) “قابل بالعطف من يقابلك بالشر” و”تمسك بالعدالة تجاه عدوك” و”ابتسم في وجه خصمك” و”الذي يرغب لك بالشر فأطعمه” وكأني به يقول “اذا جاع عدوك فأطعمه وإذا عطش فاسقه” وهذه لعمر الحق ابلغ حكمة وأسمى فلسفة خلفتها الاجيال السومرية.”
عن رويترز