تدفع الاضطرابات السياسية وألامنية التي تشهدها المنطقة والمصالح الاقتصادية المشتركة بالعلاقات بين تركيا واكراد العراق نحو تعاون وتنسيق عاليين وحيث يؤكد مسؤول في حكومة أقليم كردستان ان “تركيا ميناؤنا لأوروبا والغرب فهي عضو في حلف شمال الاطلسي وقد تنضم في يوم ما إلى الاتحاد الاوروبي فهي خيار أفضل بكثير من بغداد أو طهران.
فقد قربت الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط والمصالح الاقتصادية بين شريكين غير محتملين هما تركيا القوة الصاعدة في المنطقة وكردستان العراق شبه المستقل في شمال العراق.
وطورت أنقرة علاقات تجارية وسياسية قوية مع اكراد العراق بعدما تضررت سياستها الخارجية القائمة على عدم الدخول في مشاكل مع الجيران عقب الانتفاضة في سوريا والتوتر مع بغداد والمنافسة الجارية مع إيران.
ويعترف زعماء الاكراد في العراق أيضا بأن منطقتهم المنتجة للنفط والتي لا تطل على مسطحات مائية بحاجة إلى حليف من بين جيرانها في وقت تمر فيه المنطقة بحالة من عدم الاستقرار ويهدد صراع طائفي بتقويض ميزان السياسة الحساس في بغداد.
وقد تكون تركيا بصفتها من أسرع الاقتصادات نموا في العالم حصانهم الرابح في هذا الصدد.
وقال فلاح مصطفى بكير رئيس قسم العلاقات الخارجية في حكومة كردستان العراق إن الاكراد يعتبرون علاقتهم بتركيا مهمة لما لها من وضع هام بسبب موقعها وبسبب الدور الذي تلعبه في المجتمع الدولي.
وقال لرويترز مؤخرا في مقابلة ان تركيا شريك رئيسي للعراق ككل لكن أيضا لكردستان فيما يتعلق بالتجارة. وأبدى ثقته بوجود فرصة حقيقية لتكون شريكا رئيسيا لحكومة كردستان العراق.
لكن قضايا مهمة مازالت تخيم على هذه العلاقة من أهمها وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. والحزب هو جماعة متشددة أدى صراعها المسلح الذي بدأته قبل 27 عاما من أجل حكم ذاتي للاكراد في تركيا إلى مقتل 40 ألفا من المتمردين والجنود والمدنيين.
ولا يحبذ الزعماء الأتراك إقامة دولة كردية في شمال العراق خوفا من أن يثير ذلك أكراد تركيا المستاءين على الجانب الاخر من الحدود.
وفي زيارة مهمة للمنطقة العام الماضي حرص رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على استخدام عبارة “الادارة الكردية” لكنه لم يستخدم كلمة كردستان قط.
وثار أكراد العراق -بعدما تعرضوا لمذابح وسقط الكثير منهم ضحايا لهجمات بأسلحة كيماوية- على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أثناء حرب الخليج عام 1991 وتحرروا من حكومة بغداد. وأطاح غزو قادته الولايات المتحدة عام 2003 بصدام وصدر دستور بعد ذلك اعترف بمنح الاكراد حكما ذاتيا بعد ان كافحوا كثيرا لنيله.
وكانت كردستان في يوم ما من أفقر مناطق العراق وهي الان أكثر مناطق العراق رخاء وبعيدة عن التمرد والعنف الطائفي في الجنوب بفضل جبالها وحكومتها المستقرة.
وتعتمد المنطقة إلى حد كبير في الوقت الحالي على حصولها على 17 في المئة من ميزانية العراق لكن حكومة كردستان تقدر أن هناك نحو 45 مليار برميل من مخزونات النفط في الشمال معظمها لم يتم استغلاله بعد.
ويقول محللون إنه يتوقع أن تحذو شركات كبيرة للنفط حذو شركة اكسون موبيل وتوقع عقودا للتنقيب والانتاج مع حكومة كردستان. وسيساعد هذا على زيادة الانتاج الذي يقدر أن يصل إلى 175 ألف برميل في اليوم هذا العام ليرتفع إلى مليون برميل يوميا بحلول عام 2015 .
ويتم ضخ صادرات النفط الكردي في الشبكة الوطنية العراقية لخطوط أنابيب النفط لكن الخلافات بدأت قبل سنوات وشابت العلاقات بين الاكراد وبغداد بسبب مدفوعات متأخرة مقابل خام النفط وبسبب مدى مشروعية صفقات النفط التي تبرمها حكومة كردستان والاراضي المتنازع عليها.
ويضاف إلى ذلك انعدام الثقة في حكومة بغداد بعد الفظائع التي ارتكبها نظام صدام والخلاف السياسي الحالي الحاد في العاصمة والخوف من تجدد العنف الطائفي وشعور الاكراد بأن لهم الحق في رعاية مصالحهم.
ويعني هذا أن تصبح حكومة كردستان أقل اعتمادا على بغداد.
ويغذي خط أنابيب يضخ نحو 60 ألف برميل يوميا بالفعل من حقل طوق النفطي بكردستان خط الانابيب الرئيسي الذي يوصل إلى ميناء جيهان التركي ومن المقرر أن تتبعه خطوط أنابيب أخرى.
وقال مسؤول في حكومة كردستان طلب عدم ذكر اسمه “تركيا ميناؤنا لأوروبا والغرب. إنها عضو في حلف شمال الاطلسي وقد تنضم في يوم ما إلى الاتحاد الاوروبي فهي خيار أفضل بكثير من بغداد أو إيران.”
ومع نمو اقتصاد تركيا ثمانية في المئة العام الماضي أصبحت أنقرة متعطشة للطاقة وأصبحت تقدر سوقا ناميا بشكل سريع على أعتابها تبيع فيه بضائعها.
وأكثر من نصف الشركات الاجنبية العاملة في كردستان العراق تركية ومنها شركات بناء تشيد فنادق خمس نجوم جديدة ليقيم فيها موظفو شركات النفط الغربية الذين يتدفقون على المنطقة ذلك الى جانب البنوك ومحلات التجزئة والمطاعم. وأكثر من 80 في المئة من البضائع التي تباع في المنطقة مصنعة في تركيا.
والعراق حاليا هو ثاني أكبر سوق تصدير بالنسبة لتركيا بعد ألمانيا وزادت فيه قيمة البضائع التركية المباعة العام الماضي على ثمانية مليارات دولار.
وذكر وزير الاقتصاد التركي ظافر جاغليان أن 70 في المئة من صادرات تركيا للعراق تذهب إلى شمال العراق اي الى المنطقة الكردية.
ولو كانت منطقة كردستان العراق دولة مستقلة لكانت ثامن أكبر سوق تصدير لتركيا.
وكانت حرب كلامية بين اردوغان ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد ادت إلى تقارب أكبر بين تركيا والاكراد. وحذر اردوغان من أن تركيا لن تقف ساكنة إذا اندلع صراع طائفي في العراق. واتهم المالكي اردوغان بالتدخل.
وقال محللون إن تركيا تقربت كثيرا للاكراد ولاحزاب سنية في العراق في السنوات القليلة الماضية لكن المالكي وأحزابا شيعية بالعراق مازالوا في تحالف مع إيران.
وربما لا تكون مساهمة تركيا في اقتصاد كردستان العراق كافية لضمان دعم أنقرة الدائم خاصة مع مقتل جنود أتراك برصاص متمردي حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز قادته في جبال شمال العراق.
وقال اردوغان لنواب من حزبه في البرلمان التركي يوم الثلاثاء “لمدة ثلاثين عاما دفعنا ثمنا غاليا للغاية نظير الارهاب الذي يوجه إلى هنا بسبب انعدام السلطة في العراق وخاصة في شمال العراق.” ويصف الاتحاد الاوروبي وتركيا والولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني بأنه منظمة “إرهابية.”
وقال مسؤولون أكراد إن تركيا شنت 28 عملية في شمال العراق لملاحقة حزب العمال الكردستاني في العشرين عاما الماضية لذا فهو من مصلحة حكومة كردستان العراق المساعدة على حل المشكلة إذا أرادت علاقات أقوى مع تركيا.
وبطبيعة الحال لا تتعاطف كثيرا حكومة كردستان التي تتشكل من أحزاب محافظة موالية للغرب يقودها أصحاب أراض مع حزب العمال الكردستاني ذي الاصول الماركسية.
ولن يلقى قيام قوات كردستان بعمل عسكري ضد المتمردين الاتراك الاكراد تأييدا بين العراقيين الاكراد. وكان التفوق حليفا لقوات حزب العمال الكردستاني في أي مواجهة سابقة بين الطرفين.
وعلى الرغم من أن اردوغان منح الاكراد في تركيا حقوقا تتعلق باللغة والثقافة في محاولة لفصل المشكلة الكردية عن مشكلة “الارهاب” فإن وسائل إعلام تركية قالت إن محادثات سلام سرية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تداعت العام الماضي.
وقال مسؤول ثان طلب عدم ذكر اسمه إن مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق يعمل مع الحكومة التركية من وراء الستار لتقريب الطرفين من طاولة المفاوضات.
وقال البرزاني في رد على سؤال بشأن جهود الوساطة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إن العنف لا يجلب سوى الكوارث.
وأضاف في مقابلة أجريت في الاونة الاخيرة أنه لا يمكنه وصف الدور الذي تقوم به حكومته بأنه وساطة لكن الجانبين يعلمان وجهة نظر حكومة كردستان بوضوح وانها لا ترى سوى الحل السياسي للمشكلة وانها على استعداد للقيام بكل ما يمكنها. وقال المسؤول الحكومي الثاني “تركيا هي التحالف المهم بالنسبة لنا سياسيا واقتصاديا.. إنه تحالف استراتيجي بالنسبة لنا وهو مفيد للجانبين.”