خاص : كتبت – ابتهال علي :
في حلقة جديدة من العلاقة الوثيقة التي تجمع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعالم تجارة العقاقير المخدرة، ضبطت السلطات الإيطالية، يوم الجمعة الماضي، شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة “الترامادول” يعتقد أنها كانت في طريقها إلى خزائن وأجساد وعقول عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شمال إفريقيا.
وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الشرطة الإيطالية صادرت شحنة من عقار “الترامادول” في ميناء “غويا تورو” على البحر التيراني جنوب غرب إيطاليا؛ كانت في طريقها إلى ليبيا.
قاتل الألم.. والذئاب المنفردة..
أضافت الصحيفة البريطانية أن الشحنة، التي يشتبه أنها كانت لصالح تنظيم “داعش”، عبارة عن 24 مليون قرص من “الترامادول” الذي يستخدم طبيًا كقاتل للألم الشديد.
ويعتقد أن التنظيم يبيعها في منطقة الشرق الأوسط، كما يمد بها مقاتليه ومنفذي عملياته الإرهابية في أنحاء العالم، الذين يطلق عليهم خبراء مكافحة الإرهاب “الذئاب المنفردة”.
وأعلنت السلطات الإيطالية أن حبوب “الترامادول”، التي وصلت للميناء الإيطالي، الواقع في مقاطعة “كالابريا”، تم تصنيعه في الهند. وتشتبه الشرطة أن عملية التهريب تلك جزء من شبكة أوسع لتهريب المخدرات يقودها تنظيم “داعش” لتوفير التمويل اللازم لعملياته وتجنيد عناصره من الذئاب المنفردة.
وكان من المقرر أن يباع القرص الواحد من عقار “الترامادول” نحو 2 يورو، أي أن الشحنة المصادرة كانت ستمد تنظيم “داعش” بحوالي 50 مليون يورو.
عصابات المافيا وعلاقتها بـ”داعش”..
ذكر موقع “The Local” الإيطالي باللغة الإنكليزية أن منظمة “ندرانغيتا” إحدى عصابات “المافيا” الإيطالية طالما مارست نشاطها في التهريب عبر ميناء “غويا تورو”، ما يوحي أن العصابة متواطئة مع مهربين على صلة بتنظيم “داعش”.
وأضاف الموقع أن خبراء مكافحة الإرهاب يعتقدون أن تنظيم “داعش” يستخدم المخدرات كمصدر للأموال اللازمة لتنفيذ عمليات إرهابية، فضلًا عن استغلاله في تخدير عناصره الإرهابية ومقاتليه على الأرض وهم يشنون هجمات وتفجيرات ضد المدنيين الأبرياء للتغلب على مشاعر الخوف والإحساس بالألم والجوع.
ونقلت صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية عن “غايتانو باتشي”، المحقق في إدارة مكافحة نشاط المافيا في مقاطعة “كالابريا”، أن ميناء “غويا تورو” يقع في منطقة تعتبر معقل لنشاط منظمة “ندرانغيتا”، لذا فليس من المستغرب العثور على هذه الشحنة المهربة في الميناء.
رحلة “مخدر الإرهابيين” من الهند لشمال إفريقيا..
كما أشار موقع “The Local” إلى أن “الترامادول” أصبح يطلق عليه “مخدر الإرهابيين”، ويعتبر من المخدرات الصناعية المركبة كيميائيًا وهو يشبه الأفيون في مفعوله، ونظرًا لانخفاض أسعاره ينتشر إدمانه في منطقة الشرق الأوسط كمسكن للألم ومنح شعور بالقوة والصمود أمام التعب والسهر، وتحظر عدة دول في العالم تداوله، وشاع تناوله بين متطرفي جماعة “بوكو حرام” الإرهابية في نيجيريا.
ويؤثر العقار على المراكز العصبية مثل الأفيون الطبيعي، بعد تحويله إلى “مورفين”، حيث يعمل على رفع نسبة هرمون “النورايبنفرين”، الذي تفرزه الغدة الكظرية لإستثارة الخلايا العصبية لتخفيف الآلام الرهيبة.
وتأتي عملية المصادرة الأخيرة بعد ستة أشهر على عملية مصادرة لشحنة مماثلة وقعت في آيار/مايو الماضي، حينما عثرت شرطة الجمارك الإيطالية في ميناء “جنوة” شمال البلاد على 37 مليون قرص “ترامادول” مخبأة في شحنة مواد تجميل ومفروشات، كانت في طريقها لمدينتي “طبرق” و”مصراته” في ليبيا أيضًا، يتوقع أنها كانت لحساب تنظيم “داعش”.
ويلفت موقع “The Local” إلى أن مصدر الشحنة المهربة في آيار/مايو الماضي، هو شركة أدوية هندية متخصصة في إنتاج أقراص “الترامادول”، حيث لا تعتبر القوانين الهندية العقار من المواد المخدرة.
خيوط الشبكة.. وفقاعات تختفي في البحار..
من جانبها أسهبت صحيفة “كورير ديلا سيرا” الإيطالية، في وصف مسار تجارة مخدرات الإرهاب، التي يديرها تنظيم “داعش”، فوفقًا للمحققين الإيطاليين والأميركيين تبدأ خيوط الشبكة في جنوب شرق قارة آسيا وتحديدًا في “الهند وسريلانكا”، حيث تنتج شركات (تحت السلم) عقاقير مقلدة للأصناف التي تنتجها شركات عالمية في أوروبا وأميركا، بتكلفة أقل بكثير من الأدوية الأصلية. إذ لا يتجاوز سعر الشحنة المكتشفة في آيار/مايو الماضي (250) ألف دولار، فيما يعتقد أن عائدات بيعها كانت ستتجاوز (100) مليون دولار.
وبسبب الثغرات القانونية والتنظيمية تسجل شحنات المخدرات المهربة في بلد المنشأ على أنها سلعة. وتنقل بحرًا في حاويات عبر “سريلانكا”؛ وفي هذه المرحلة تختفي مثل الفقاعات حيث يتم تهريبها من سفينة لأخرى طوال رحلة في المحيط الهندي حتى ميناء “دبي” في الخليج العربي ثم إلى أوروبا، حيث المرافيء اليونانية والإيطالية والإسبانية على شواطيء البحر المتوسط.
أسواق متعطشة لـ”الترامادول” في الشرق الأوسط..
يعتقد خبراء تهريب المخدرات أنه بمجرد وصول الشحنات المهربة لموانيء البضائع الأوروبية، مثل “جنوة” بإيطاليا و”كاستيلون دي لا بلانا” في إسبانيا، تواصل الرحلة لمحطتها النهائية في شمال إفريقيا، خاصة ليبيا، ليتم توزيعها على أسواق متعطشة للترامادول في الشرق الأوسط، ويذهب جزء منها إلى مقاتلي تنظيم “داعش”.
وأضافت الصحيفة الإيطالية أن استهلال أقراص “الترامادول” في العالم العربي تضاعف الأعوام الأخيرة لرخص سعرها، الذي لايتجاوز (2) يورو والسماح بتداولها وفقًا لتذكرة طبية.
وذكرت “كورير ديلا سيرا” أن ما يحير أجهزة المخابرات الغربية أن تنظيم “داعش” لا يعاني من شح موارده المالية، رغم هزائمه المتتالية في سوريا والعراق، حيث أعلن عام 2014 عن قيام خلافته في “الموصل” و”الرقة” بالبلدين.
ووفقًا لوكالة المخابرات الأميركية “CIA”، تدفقت مليارات الدولارات من تجارة المخدرات إلى عالم الإرهاب. وهي ظاهرة يصعب تتبع جذورها واستئصالها لتداخل دول عديدة في التهريب، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تتباين لديها نظم الحماية الجمركية والقضائية وحجم التهاون في تطبيقها.
ويؤكد أحدث تقرير لـ”المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان”، صدر في حزيران/يونيو الماضي، على أن “الأفيون” الصناعي أصبح يشكل تهديدًا متزايدًا في الولايات المتحدة وأوروبا منذ عام 2015، وتم ضبط شحنات مهربة من “الترامادول” في 12 دولة مختلفة.
مخدر الجهاديين وأثرياء العرب..
ليس “الترامادول” هو العقار الوحيد الذي ارتبط بتنظيم “داعش”، إذ انتشر عقار “الكبتاغون” بين مقتلي الجماعات الجهادية في سوريا مع إندلاع الثورة السورية عام 2011، ويعتقد أن تنظيم “داعش” إبان سيطرته على مناطق في سوريا والعراق اعتمد على تجارة حبوب “الكبتاغون” لجمع الأموال.
وعثرت السلطات الفرنسية على آثار للعقار لدى مخابيء منفذي “هجمات باريس” الإرهابية في كانون ثان/نوفمبر 2015، كما أثبت تشريح جثة الإرهابي “سيف الدين الرزقي” – منفذ هجوم “سوسة” بتونس عام 2015 – أنه تناول عقار “الكبتاغون” قبل ارتكابه المجزرة التي أسفرت عن مقتل 40 شخصًا أغلبهم من السياح البريطانيين.
وفي شهر حزيران/يونيو الماضي، أعلنت السلطات الفرنسية مصادرة 750 ألف قرص من مخدر “الكبتاغون” بمطار “شارل ديغول” بقيمة 6 ملايين يورو. يعتقد أنها كانت لحساب تنظيم “داعش” لتمويل صفقات السلاح ورواتب عناصره.
و”الكبتاغون” من العقاقير المخلقة كيميائيًا، مثل “الترامادول”، ويعتبر من المنبهات والاسم العلمي له هو “الفنيثيالين”. وحديثًا أطلق عليه اسم “مخدر الحرب السورية” و”مخدر الجهاديين”، ويصنف الخبراء “الكبتاغون” في فئة مخدرات الأثرياء، وبالفعل ينتشر بين الأثرياء في الخليج وتركيا ولبنان؛ بسبب أرتفاع سعره مقارنة بالترامادول، إذ يباع بنحو (8) يورو للقرص الواحد.
وذكرت صحيفة “كورير ديلا سيرا” أن شبكة تداول “الكبتاغون” في الشرق الأوسط تنطلق من سوريا ولبنان – وهما من أكبر الدول المستهلكة والموردة للعقار في آن واحد – ومنها ينطلق إلى الأردن وإيران ومنطقة الخليج وتركيا، التي تعتبر، وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المختص بالمخدرات والجريمة صدر عام 2016، بوابة تهريبه إلى دول أوروبا.