28 مارس، 2024 3:49 م
Search
Close this search box.

صراع عقيدتين .. الجيش يتسلل للهيمنة علي إسرائيل وتأكل اليهودية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – سعد عبد العزيز :

تناول الكاتب والباحث الإسرائيلي “روجل ألفر”، في أحدث مقالاته التحليلية المنشورة مؤخراً بصحيفة “هاأرتس” العبرية، مسألة توغل المؤسسة العسكرية في إسرائيل وكيف استطاعت أن تبسط هيمنتها علي مقدرات الدولة بأكملها, لدرجة أن المؤسسات الدينية اليهودية باتت عاجزة عن مواجهة ذلك التحدي.

الجيش الإسرائيلي “فيروس” متوحش

يؤكد ألفر على إن الضجة القائمة حول معارضة الحاخام “يجآل لفينشتاين” – رئيس أحد المعاهد الدينية المُؤهلة للخدمة العسكري – لتجنيد الفتيات المتدينات في صفوف الجيش الإسرائيلي، تكشف مدي الصدام بين “العقيدتين” المهيمنتين في إسرائيل ألا وهما: “العقيدة اليهودية وعقيدة المؤسسة العسكرية”. فبحسب الشريعة اليهودية, يحرم على الفتيات المتدينات آداء الخدمة العسكرية. ولكن بحسب عقيدة الجيش الإسرائيلي, لابد للجيش أن يسعى دوماً دون كلل أو ملل لتوسيع دائرة المجندين المنضمين إلى صفوفه. وليس أمام الجيش الإسرائيلي أي عوائق أو محاذير تمنعه من تحقيق ذلك.. ويبدو الجيش الإسرائيلي في ظاهر الأمر كأنه مؤسسة تنتمي للدولة وتعمل على خدمتها, لكنه في واقع الأمر كـ”الفيروس” الذي يؤذي حامله. وهو فيروس فتاك ينهش في جسد الدولة العبرية.

مضيفاً الكاتب الإسرائيلي بقوله: “نعم.. إن الجيش الإسرائيلي كيان متوحش يلتهم جسد الدولة: فيبتلع الميزانيات وينهش الموارد ويفتك بالبشر, حيث يهدر طاقاتهم وأوقاتهم وزهرة شبابهم (فهو يسلب من حياتهم ثلاث سنوات في الخدمة النظامية, ثم ثلاث سنوات آخرى في الخدمة الاحتياطية), بل إنه أحياناً يُطفيئ شمعة حياتهم.. وبحسب عقيدة الجيش الإسرائيلي فإن الإلتحاق بالخدمة العسكرية وإبداء الاستعداد للتضحية بالنفس في القتال هي ذروة ما يمكن أن يبذله الفرد اليهودي كمواطن في دولة إسرائيل”.

الفرق بين العقيدتين

الحاخام ولفينشتاين

يشير ألفر إلى أن عقيدة الجيش الإسرائيلي تقوم على محو أوجه التمييز بين الرجل والمرأة, لأن أوجة التمييز تلك هي التي تحول دون اقتراب الأسلحة القتالية في الجيش من أحد أهم المورد البشرية, الذي يمثل نصف السكان اليهود. ولم تعد عقيدة الجيش الإسرائيلي تفرق بين الرجال والنساء, لأنها أكثر عملية ومرونة من الشريعة اليهودية, التي لا تزال تصر على وجود أوجه اختلاف بين الرجل والمرأة. لكن الجيش الإسرائيلي يعتبرهما “مادة خام” صالحة للقتال والتضحية والاستعداد للموت فداء للشعب والدولة. وعقيدة الجيش الإسرائيلي لا تخضع لأي قيود في هذا الشأن, لا فيما يتعلق بالاختلاف بين الرجل والمرأة ولا فيما يتعلق بأي أمور أخرى.

يُضيف الكاتب الإسرائيلي قائلاً: “انتبهوا إلى مدى تسلط عقيدة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, وكيف أنها استعبدت الديانة اليهودية وأخضعتها لإمرتها كما حدث مع الصهيونية الدينية.. فالتحمس القومي المتطرف للصهيونية الدينية, استنادًا إلى فكرة الخلاص الديني, هو أفضل وقود يستغله الجيش الإسرائيلي. والآن فإن عقيدة الجيش تستقطب أيضاً “الحركة النسوية” والفكر التنويري بكل ما يحمل من قيم ومبادئ مثل “قيمة تكافؤ الفرص”.. والآن أيضاً تبدو الخدمة العسكرية للنساء وكأنها ذروة سنام الحركة النسوية في إسرائيل, أما الخدمة العسكرية للشواذ جنسياً فقد أصبحت وكأنها ذروة سنام “الحركة الليبرالية”.

عقيدة الهيمنة

يرى روجل ألفر أن عقيدة الجيش الإسرائيلي لم تعد تترك شيئاً إلا وأتت عليه, فهي تبتلع كل ما يصادفها حتى الديمقراطية.. لذلك تتعالى الأصوات في المجتمع الإسرائيلي التي تنادي بجعل آداء الخدمة العسكرية شرطاً ضرورياً لنيل حق الانتخاب للكنيست. انظروا إلى الخطة السياسية التي يتقدم بها عضو الكنيست “ميكي زوهر”: إنه يقترح حرمان كل من لم يؤد الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي من حق الانتخاب للكنيست. والنتيجة المتوقعة هي بالطبع خلق التفرقة العنصرية, وسلب حق الانتخاب من الفلسطينيين الذين سيتم ضمهم مع المناطق الفلسطينية.

يحذر الكاتب من تداعيات ذلك لأنه “وفق المعايير المُقترحة فإن كل من العرب في مدينة أم الفحم وأيضاً الحريديم (الأصوليين اليهود)، الذين لا يخدمون في صفوف الجيش، لن يمكنهم الانتخاب للكنيست أو المشاركة في العملية الديمقراطية. ويأتي مُقترح زوهر متناغماً مع عقيدة الجيش الإسرائيلي الذي أصبح فوق الجميع. لأن المنطق أصبح يقول: من لا يخدم في الجيش  فإنه “لا يخدم الدولة” ومن لا يخدم الدولة لا يمكنه الانتخاب للكنيست”.

موضحاً في نهاية مقاله، أن الحاخام لفينشتاين, ممثل الشريعة اليهودية القديمة, يواجه صراع قوى ضد ديانة جديدة تعتبر أقوى وأشد, فهي تستغل اليهودية لخدمة مصالحها. ولا يقتصر الأمر في إسرائيل على عدم الفصل بين الديانة اليهودية والدولة, بل ليس هناك أيضاً فصل بين العقيدة العسكرية والدولة. حيث يستحيل الفصل بينهما لأنهما مرتبطان عضوياً, فلا يمكن لأي شأن أن يتم خارج إطار الجيش سواء كان ذلك الحركة النسوية أو الديمقراطية أو الديانة اليهودية أو الليبرالية. نفهم من ذلك أنه لا أمل في اعتراض الحاخام لفينشتاين.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب