خاص : ترجمة – محمد بناية :
لطالما كان البرلمان طوال فترة “الجمهورية الإيرانية” المكان الرئيس للمناقشات والصراعات السياسية، حيث تستغل المعارضة الرسمية ونواب البرلمان، قاعة هذه المؤسسة الحكومية، في التعبير عن عقائدهم، ويُعبرون في الغالب عن استيائهم لأداء رئيس الجمهورية والحكومة.
والمؤكد أن البرلمان لا يلعب دورًا أساسيًا في إتخاذ القرارات السياسية الجادة، ولكن في العادة تُتخذ القرارات عبر المباحثات غير المباشرة بين النخب “السياسية-الدينية” الإيرانية المُقربة من المرشد، وتتم الموافقة في مكتبه ثم “المجلس الأعلى للأمن القومي”.
مع هذا؛ خلق “البرلمان الإيراني” أجواء مناسبة حتى يتسنى إتخاذ القرارات والتأسيس للحياة السياسية في “إيران”. وهو قادر على المساعدة في الفاعليات الحكومية العملية أو الحيلولة دون تنفيذ برامج الحكومة. ولطالما ترأس نواب “التيار الأصولي”، المعارض لـ”التيار الإصلاحي”، البرلمان وسعوا إلى تنفيذ أفكارهم. لكن الصراع السياسي المحتدم بين نواب التيارات المختلفة تحت إطار النظام الإيراني، يستهدف المحافظة على النظام وتقويته وإزدهاره. ولكن يمكن الاختلاف في استخدام الأساليب التكنيكية المختلفة. بحسب وكالة (أسبوتنيك) الروسية.
ملف “البرنامج النووي”..
ولقد استحال البرنامج النووي الإيراني، منذ الكشف عن أطرافه المختلفة عام 2003، عاملاً رئيسًا في السياسة الداخلية والخارجية للدولة. ولقد تسبب البرنامج النووي في إصدار “مجلس الأمن” عدد من العقوبات ضد “إيران”، فضلاً عن “العقوبات الدولية” و”الأحادية” ضد “إيران”، وهو ما تسبب في تأزم الوضع الاقتصادي الإيراني بشكل عميق، في الفترة 2012 – 2015.
من جهة أخرى، دفع البرنامج النووي، الليبراليين الإصلاحيين، للإصرار على المفاوضات النووية. وكان الليبرالي، طبقًا للمعايير الإيرانية، “حسن روحاني”، قد وصل إلى السلطة، في العام 2013، وشكل حكومة من أنصاره وقام بإجراء مفاوضات رائعة انتهت بالتوقيع على “الاتفاق النووي”، عام 2015، ورفع العقوبات عن “إيران”.
وقد كان هذا نصرًا كبيرًا وأساس لسياساته. فالرئيس “روحاني” يمتلك رؤى كبيرة للمساهمة في تقدم “إيران” والانفتاح على المشاركة الدولية. في حين لم يقبل المعارضون، للرئيس “روحاني” من القوى الراديكالية و”الحرس الثوري” في المقام الأول، بالأمر وبذلوا جهدهم للقضاء على مساعي حكومة “روحاني” للإصلاح.
في الوقت نفسه؛ قضى إستشراء الفساد وفشل الحكومة في بعض الملفات، (مثل العمليات المالية والاقتصادية)، على فرص “الصفقة النووية”.
في ظل هذه الأجواء المتردية؛ وجه الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، ضربة قاضية لـ”الاتفاق النووي”، بالإعلان عن انسحاب “الولايات المتحدة” من الاتفاق وفرض المزيد من العقوبات ضد “إيران”. لم تكن هذه ضربة دولية فقط؛ وإنما ضربة للاقتصاد الإيراني، وحياة الإيرانيين، والتيار “الإصلاحي-الليبرالي”، وأسس سياسات “روحاني” الداخلية والخارجية.
وبدأت معارضة المتشددين؛ واتهموا رئيس الجمهورية بالفشل في إدارة الدولة كما شرعوا في الاستعداد للسيطرة على أدوات السلطة.
تبعات انتخابات 2020..
ولقد كانت الانتخابات البرلمانية، في 2020، أهم حدث سياسي إيراني، استعد له المتشددون والمحافظون بشكل جيد. والآن دعونا نناقش الأرقام..
يحق لـ 57.9 مليون إيراني، من أصل 83 مليون تقريبًا، التصويت في الانتخابات. وتم قبول طلبات 7148 مرشح، من بين أكثر من 16 ألف متقدم للمنافسة على 290 مقعدًا، حيث رفض “مجلس صيانة الدستور” التصديق على صلاحية 60% من المتقدمين، وهي النسبة الأعلى منذ انتصار “الثورة”، عام 1979.
علاوة على ذلك، ينتمي معظم المرفوضين إلى التيار السياسي الإصلاحي والمعتدلين؛ بما في ذلك 90 من نواب البرلمان الحالي. وبالتالي إتخذ الكثير من أنصار “التيار الإصلاحي” قرار مقاطعة الانتخابات. ليس هذا فقط بل كان هناك الكثير من الإيرانيين الذين فقدوا الثقة في النظام والحكومة ورئيس الجمهورية والبرلمان، على خلفية فشل هذه المؤسسات في الحد من تدهور أوضاع المواطن العادي.
والحقيقة حطمت هذه الدورة الانتخابية؛ الأرقام القياسية، (في كل تاريخ الانتخابات البرلمانية بعد الثورة)، بنسبة مشاركة لم تتجاوز42.57%، من مجموع نسب المصوتين. وبحسب النتائج فقد حقق الراديكاليون المحافظون فوزًا مؤزرًا، حيث حصلوا على 223 مقعدًا، من أصل 290 مقعدًا برلمانيًا، مقابل 20 مقعدًا لتحالف الإصلاحيين والمعتدلين، فضلاً عن 36 مقعدًا للمستقلين.
وسوف يتم تحديد مصير الـ 11 مقعدًا المتبقية في الدورة الانتخابية الثانية، بتاريخ 17 نيسان/أبريل المقبل.
ويتوقع الخبراء فوز، “محمد باقر قاليباف”، بمنصب رئيس البرلمان؛ بدلاً من “علي لاريغاني”، بعد فوز تحالف الأصوليين في “طهران” بعدد 30 مقعدًا. لكن فوز الأصوليين يُهدد شرعية البرلمان المقبل.
وبحسب المراقبين؛ فقد صوت 77% للمحافظين، أي ما يُعادل 19 مليون من جملة من يحق لهم التصويت، وعددهم 57.9 مليون إيراني، أي الثُلث. وهذا الدعم المحدود لأنصار التيار المتشدد يُنذر النظام بعواقب حقيقية مستقبلاً. والأحداث الأخيرة داخل البلاد وخارجها، والتحديات السياسية والاقتصادية؛ تسببت في تراجع شعبية النظام.
ماذا بعد ؟
سوف تنطلق أعمال “البرلمان الإيراني”، الحادي عشر، في أيار/مايو المقبل، ويمكن تخمين أن الأشهر الأولى من عمل البرلمان لن تشهد أي تحرك سياسي متشدد، لاسيما على الصعيد الدولي.
وسوف ينصب الإهتمام على الشأن السياسي الداخلي، أي الاستعداد للانتخابات الرئاسية، والمقررة في أيار/مايو 2021، حيث سيكون العدو الرئيس؛ رئيس الجمهورية الراديكالي وحكومته.
ومن ثم سيكون استجواب رئيس الجمهورية واستقالة حكومته خيار النواب المثالي. لكن من المستبعد أن يسمح “الولي الفقيه” بمثل هذا الانفجار السياسي غير المأمون العواقب، لاسيما في ظل الأجواء الحالية.
ومن المحتمل أن يُدشن النواب الجدد لـ”حرب باردة” ضد رئيس الجمهورية وحكومته. وقد يقطع البرلمان جميع السُبل على الحكومة الحالية قبيل الانتخابات الرئاسية، بحيث لا تميل الكفة السياسية لصالح قوى الوسطية والإعتدال.
وسوف تزداد بلا شك الدعاية المناهضة لـ”الولايات المتحدة” و”إسرائيل”. وسوف تبدأ حرب شديدة ضد من ينتهكون المعايير الإسلامية.
على العموم؛ وفي كل الأحوال، سوف تنفصل “إيران” بشكل متزايد عن الإصلاحات الداخلية في السياسات الاجتماعية والاقتصادية. في الوقت نفسه، سوف تُشدد “طهران”، بقيادة الراديكاليين، من سياساتها الخارجية، ومن ثم قد تتحول إلى عامل تفجير وسوف توسع نطاق “حربها المركبة” ضد أعدائها في المنطقة والعالم.