خاص : كتبت – آية حسين علي :
من الأمور التي حظيت باهتمام الصحافة والقراء، خلال عام 2018، ما عُرف بـ”قوافل المهاجرين إلى أميركا”، ورغم مرور 3 أشهر على بداية خط سير هذه القوافل؛ ومرورها بالكثير من المشكلات وتلقيها آلاف التهديدات من قِبل الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أو من جانب السلطات المكسيكية، يضاف إليها مشقة السفر ومعاناة السير لمسافات طويلة على الأقدام، إلا أن مصير هؤلاء لا يزال مجهولاً بينما يصر كثير منهم على مواصلة السير بإتجاه الشمال، لأنه لم يعد أمامهم خيار ثالث.. إما نار “ترامب” أو جحيم العودة إلى بلدانهم، بينما يتجمعون في مدينة “تيخوانا”، في أقصى شمال غرب “المكسيك”.
بدأ الموضوع في التطور، منذ أوائل تشرين أول/أكتوبر الماضي، عندما قرر حوالي 1200 شخصًا، تجمعوا من “هندوراس” و”السلفادور” و”غواتيمالا”، السير في قوافل حتى يتمكنون من دخول “الولايات المتحدة” عبر حدودها مع “المكسيك”، وإزدادت الأعداد بسرعة رهيبة حتى وصلت إلى حوالي 7 آلاف شخص؛ بينهم أسر وأغلبهم من الأطفال والنساء.
الشدة والصرامة..
“الشدة والصرامة”.. كلمتان تصف تعامل الرئيس الأميركي مع قوافل المهاجرين منذ البداية، ومع إصرار القوافل على التقدم أصبح أسلوبه أكثر تشددًا وصرامة، حتى وصفهم بـ”غزو المهاجرين لأميركا”، وأعلن رفضه لهم وأصدر مجموعة من التصريحات والتغريدات هدد فيها بإطلاق النار عليهم إذا ما اقتربوا من الحدود الأميركية، كما حذر “المكسيك”، والدول القادمين منها، من قطع المساعدات عنهم إذا ما سمحوا لهؤلاء بالعبور والوصول إلى بلاده، وبعد شهر واحد من تدفق القوافل أعلن “البنتاغون” عن إرسال 5.2 ألف عسكري إلى الحدود مع “المكسيك” لإحتواء تدفق المهاجرين من دول “أميركا اللاتينية”.
وأمام ضغط “ترامب” وتهديداته؛ حاولت “المكسيك” التعامل مع القوافل من خلال استخدام القوة وإطلاق الغاز المسيل للدموع ضد المهاجرين، وفي النهاية تمكنت مجموعات صغيرة من العبور، بينما قدم عدد منهم طلبات لجوء لدى “المكسيك”؛ في حين يصر آخرون على استمرار السير حتى “الولايات المتحدة”.
لماذا نشأت هذه القوافل ؟
ترجع أسباب نشأة هذه القوافل إلى عدة عوامل، يتلخص أهمها في :
– سوء حالة الأمن في بلدانهم؛ خاصة “هندوراس” و”السلفادور”، رغم أنهما لا تشهدان حروبًا حالية، وتعتبران من بين أكثر 5 دول عنفًا حول العالم إلى جانب “فنزويلا وسوريا وأفغانستان”، بينما تأتي “غواتيمالا” في المركز الـ 17، متقدمة على “كولومبيا والمكسيك”، وتتعدد أشكال العنف لتتضمن قمع الشرطة وإساءة معاملة قوات الأمن للمواطنين.
– انتشار الفساد؛ خاصة وأن الطبقة السياسية في “أميركا الوسطى” تحمي وتدعم العصابات الإجرامية، وتنظيمات تهريب المخدرات، ويعتبر الإفلات من العقاب قاعدة في عدة دول في المنطقة، خاصة في جرائم العنف والقتل، ويرى كثير من المهاجرين أنه لا خيار آخر أمامهم سوى الفرار لأنهم لا يتمكنون من الحصول على حماية الشرطة والسلطات القضائية لهم من أي خطر يهددهم.
– المشكلات المتعلقة بالتغير المناخي؛ والتي تؤثر بشكل مباشر على “الزراعة”، ما يتسبب في قلة المعروض من المواد الغذائية، وخاصة في المناطق الريفية أو المهمشة، ورغم أن التغير المناخي يُعد من أهم العوامل التي قد تدفع الناس إلى الهجرة على المدى الطويل، إلا أن له آثاره على المدى القصير، وفي حالة “هندوراس”، مثلاُ، أُجبر كثير من السكان على ترك منازلهم، العام الماضي، بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة التي أغرقت أجزاء من البلاد، وخلال النصف الأول من العام الجاري أدت الأمطار إلى إنهيارات أرضية.
– العنف الأسري؛ إذ يُعتبر العنف الأسري في دول “أميركا اللاتينية” في أعلى مستوياته، وذكرت “الأمم المتحدة” أن العنف الأسري وعدم القدرة على الحصول على حماية السلطات من العوامل المهمة التي تدفع النساء إلى الهجرة.
– البطالة وضعف النمو الاقتصادي؛ يعاني كثير من الشباب في “أميركا الوسطى” من البطالة وعدم القدرة على الحصول على عمل، لذا يعتبرون الهجرة بديلاً مناسبًا.
نظرة على تهديدات “ترامب”..
كانت تهديدات الرئيس الأميركي الأكثر تكرارًا هي؛ إغلاق الحدود مع “المكسيك” نهائيًا ووقف المساعدات الأميركية لدول “أميركا الوسطى”، لكن في الواقع لن يستطيع “ترامب” تنفيذ تهديداته؛ لأنها من شأنها الإضرار بالاقتصاد الأميركي، فضلاً عن زيادة أعداد المهاجرين، ويرى محللون أنه حتى وإن أقبل “ترامب” على وقف المساعدات الأميركية لدول “أميركا الوسطى”، فمن المتوقع أن تتزايد أعداد المهاجرين؛ لأن قطع المعونات قد يزيد الأمور سوءًا، خاصة على المستوى الاقتصادي في دول تعاني أساسًا من أزمات اقتصادية.
أما إغلاق الحدود مع “المكسيك” نهائيًا؛ فإنه قد يؤذي الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر، ذلك لأن اقتصاد “الولايات المتحدة” بات مرتبطًا إرتباطًا وثيقًا باقتصاد “المكسيك”، والدليل على ذلك أن حجم التبادل التجاري اليومي بين البلدين، خلال العام الماضي، وصل إلى 1.7 مليار دولار.