كتبت – نشوى الحفني :
قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية السوداني إلى القاهرة، والمقرر لها ان تكون في 31 آيار/مايو الحالي، والتي تستهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين، اتهم الرئيس السوداني “عمر البشير”، الثلاثاء 23 آيار/مايو 2017، مصر ودولة جنوب السودان بدعم قوات من حركات “دارفور” المسلحة حاولت التوغل في إقليم دارفور عبر محورين انطلقا من ليبيا ودولة الجنوب.
وذلك بعد أن بدأت تهدأ التوترات بعد زيارة وزير الخارجية المصري “محمود شكري”، الذي ذهب للخرطوم بعد أزمة اصدار السودان قراراً بمنع دخول المصريين إلى أراضيها بدون تأشيرة.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين السودان ومصر، لكن هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها الخرطوم، صراحة، القاهرة بدعم المتمردين السودانيين في دارفور.
وقد دارت معارك بين القوات الحكومية ومسلحين يتبعون حركات مسلحة بولايتي شمال وشرق دارفور في وقت متزامن يومي السبت والأحد 20 – 21 آيار/مايو 2017.

مدرعات مصرية استخدمها متمردو “دارفور”..
قال الرئيس “البشير”، أمام أحتفال لتكريم متقاعدي القوات المسلحة بوزارة الدفاع بالخرطوم، صباح الثلاثاء 23 آيار/مايو 2017، “إن قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية أستخدمها متمردو دارفور في هجومهم الأحد الماضي على الولايتين”.
موضحاً أن القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية.
المسلحين جاؤوا من جنوب السودان وليبيا..
جاء حديث البشير بعد ساعات من اتهام مبعوثه للتفاوض مع مسلحي دارفور “أمين حسن عمر”، مصر، تلميحاً، بدعم الهجوم الأخير للمتمردين على ولايتي شمال وشرق دارفور، لتعطيل رفع العقوبات الأميركية عن السودان وخلق إحداثيات جديدة.
وقال “عمر”، خلال مؤتمر صحافي عقده الأثنين، إن المسلحين الذين نفذوا الهجوم على مواقع في إقليم دارفور جاؤوا من جنوب السودان وليبيا.
وأضاف المسؤول السوداني: “نعرف أن مصر تدعم حليفها في ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما تدعم دولة جنوب السودان أيضاً بالسلاح”.
ووصف “عمر” الهجوم بأنه مغامرة غالية الثمن، موضحاً أن المسلحين قصدوا منه توجيه رسالة تهدف إلى عرقلة خطوات رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان.
وبثت حسابات للجيش وجهاز الأمن والمخابرات السودانية على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك”، صوراً لمدرعات شاركت في معارك دارفور الأخيرة، قالت إنها مصرية، فضلاً عن خرائط توضح محاور دخول مسلحي الحركات من ليبيا وجنوب السودان.
البشير: مصر أمتنعت عن دعم السودان..
مشيراً الرئيس السوداني إلى امتناع مصر عن دعم بلاده في قتالها الطويل ضد التمرد في جنوب السودان وفي دارفور، مقابل مساهمة السودان في الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل منذ عام 1967 وحتى حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، قائلاً: “حاربنا في جنوب السودان عشرين عاماً ولَم تدعمنا مصر بطلقة واحدة بحجة أن ما يجري في السودان شأن داخلي”.
وطالب “البشير” بتهكم داعمي الحركات المسلحة بإرسال المزيد من الدعم للمتمردين في دارفور، قائلاً: “نقول للجماعة الحولينا إن هذه ليست عمليات.. هذه مجرد تمارين لقواتنا”.
المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، العميد “خليفه الشامي”، قال، في بيان: إن “مجموعتين عبرتا الحدود من دولتي جنوب السودان وليبيا إلى شرق دارفور وشماله وتصدت لهم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ولا زال الاشتباك مستمراً”.
وكشف الجيش السوداني عن معارك دارت بينه وبين مسلحي دارفور بزعامة “مني أركو مناوي”، قدموا من ليبيا بنحو 140 سيارة ومن جنوب السودان بـ69 سيارة، مؤكداً على مقتل عدد من المسلحين، بينهم القائد العسكري لحركة “مناوي”، وإصابة آخرين وأسر العشرات وتدمير نحو 48 سيارة، معلناً أن “القوات المتمردة دخلت من دولتي جنوب السودان وليبيا، وهي تستخدم مركبات ومدرعات مصرية”.
الجيش الحكومى خرق وقف إطلاق النار..
بدوره، أكد “أحمد مصطفى”، المتحدث باسم “حركة تحرير السودان” جناح “مني مناوي”، وقوع القتال، متهماً الجيش الحكومي بخرق وقف إطلاق النار.
السودان أبلغت سفراء الدول الدائمة العضوية..
سرعان ما اتخذت السودان التدابير حيال ما حدث، فصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، “قريب الله خضر”، أن وزير الخارجية، “إبراهيم غندور”، أبلغ سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، بأمر الهجوم وطلب منهم إدانته.
وقال “خضر”، في تصريح مكتوب، “طالب السيد الوزير سفراء الدول المذكورين بنقل ذلك بصورة فورية لحكومات دولهم، داعياً تلك الدول والمجتمع الدولي لإدانة الهجوم”.
نكسة فادحة..
حذرت بعثة حفظ السلام المشتركة بدارفور “يوناميد”، الإثنين 22 آيار/مايو 2017، من “نكسة فادحة” للاستقرار بإقليم دارفور، في أعقاب المعارك التي اندلعت اليومين الماضيين بين قوات الحكومة السودانية والحركات المسلحة.
مصر تحترم سيادة السودان..
على الفور خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار “أحمد أبو زيد”، ليؤكد على أن مصر تحترم سيادة السودان على أراضيه، ولم ولن تتدخل يوماً في زعزعة دولة السودان الشقيقة أو الإضرار بشعبها.
مشدداً المتحدث باسم الخارجية، في بيان صحافي الثلاثاء 23 آيار/مايو 2017، على أن سياسة مصر الخارجية تتأسس على احترام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وعدم الاعتداء على الغير، لاسيما عند التعامل مع دول تربطها بمصر علاقات أخوية خاصة مثل السودان الشقيق.
مضيفاً، بأن القاصي والداني يعلم جيداً أن مصر كانت الداعم الرئيس لوحدة السودان شمالاً وجنوباً، وبذلت كل الجهود لجعل خيار الوحدة هو الخيار الجاذب لشعب جنوب السودان قبل الاستقلال.
وأعرب المتحدث باسم الخارجية عن الأسف لإطلاق مثل تلك الاتهامات، في الوقت الذي وظفت فيه مصر دبلوماسيتها على مدار قرابة الخمسة عشر عاماً للدفاع عن السودان ضد التدخلات الأجنبية ومحاولات فرض العقوبات على المسؤولين السودانيين وإدانة السودان في المنظمات والمحافل الدولية، كما شاركت مصر في جميع مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد الدارفورية، ولديها قوات على الأرض حالياً ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لدعم الاستقرار والسلام في دارفور.
السيسي: لا نتآمر ضد السودان..
لم تكتف الدولة المصرية برد وزير الخارجية على الاتهامات، فأكد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” على أن مصر لا تتآمر ضد السودان أو أي دولة أخرى، وسياستها ثابتة وهي عدم التدخل في شؤون الآخرين.
قائلاً عقب لقاء مع مستشار النمسا “كريستيان كيرن”، الأربعاء 24 آيار/مايو 2017، إن مصر لا تتآمر بل تتعاون فقط من أجل البناء ولا تقوم بأي إجراءات معادية تجاه الدول.
مشدداً “السيسي” على أن بلاده ملتزمة بسياسة “شريفة في زمن عز فيه الشرف”، وتحترم إلتزاماتها تجاه الآخرين، خاصة “أهالينا وأشقائنا” في السودان.
عدم جر مصر إلى حرب..
خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور “سعيد اللاوندي”، أوضح لـ(كتابات)، إن تعليق الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، على مزاعم الرئيس السوداني “عُمر البشير” يمتاز بالدبلوماسية المتزنة، نظرًا لأنه حاول عدم جر مصر في حرب هي في غني عنها، عقب تصريحات “رعناء” من قِبل البشير، على حد قوله.
مشيراً “اللاوندي”، إلى أن البعض يحاول إفشال العلاقات المصرية السودانية، ووضع عصا في عجلة التنمية والنهضة والتصالح بين الدولتين، وهو ما أكده خطاب “السيسي” الأخير، حين رفض تدخل أحد في العلاقات الإستراتيجية بين مصر والسودان.
أزمات البشير دفعته لإتهام مصر..
السفيرالمصري السابق لدى السودان “محمد الشاذلي”، يوضح لـ(كتابات)، إن السبب الرئيس في التصعيد من جانب النظام السوداني تجاه مصر هو أن “البشير” يواجه أزمات خارجية وداخلية حيث توجد اضطرابات في دارفور وعلى الحدود، وأخرها رفض الرئيس الأميركي حضوره لقمة الرياض الأخيرة، بسبب ملاحقته من المحكمة الدولية جراء ممارساته لجرائم الحرب في إقليم دارفور، والتي أدت إلى تأجيج النيران والأوضاع الداخلية وزيادة التمرد في مواجهته، وهو أمر ليس بجديد.
مؤكداً “الشاذلي” على أن كل تلك العوامل هي ما جعلت “البشير” يبحث عن بديل يلهي به شعبه، وهو نفس السيناريو المكرر كل فترة من قبله، حيث تارة يؤجج مسألة “حلايب وشلاتين” وتارة أخرى يتهم مصر بمساندة الحركات المتمردة في دارفور أو عدم رغبة مصر في حل الأزمة.
ويري “الشاذلي” أن مصر لن تعير هذا الكلام إلتفاتاً، لأنها في مرحلة تدرك فيها أن العرب في حالة أكثر تشرذماً فتحاول احتواء الموضوع بشكل جيد.
قطر هي المحرك..
المتخصص في الشؤون الإفريقية “د. زكي البحيري”، موضحاً لـ(كتابات)، أن ما نشر من صور على مواقع التواصل الإجتماعي لمدرعات مصرية ليس بدليل إدانة على مصر، حيث توجد أسلحة مصرية بالفعل في دارفور ضمن قوات حفظ السلام.
مؤكداً “البحيري” على أن قطر هي من حركت “البشير” لإطلاق هذه التصريحات ضد الدولة المصرية، فقام “البشير” بإرضائها من أجل الحصول على الأموال التي تسد أزمته الحالية.
لافتاً “البحيري” إلى إفلاس “البشير” في سياسته داخل السودان، وكونه أصبح مكروهاً من شعبه، فأراد أن ينقل قوى الصراع من جانب القوى الحكومية ودول خارجية مثل مصر.
كما أنه يمثل الإخوان المسلمين، وبالتالي فلابد أن يكون في الصف المعادي للسياسة المصرية.
إتهامات سابقة بدعم المتمردين..
اتهمت السودان، في وقت سابق، السلطات المصرية بتزويد الحركات المسلحة في جنوب السودان بالسلاح والطلعات الغريبة لطائرات عسكرية C130.
وأورد الخبراء معلومات مصدرها كبار جنرالات جيش جنوب السودان وعناصر مخابرات، أشارت إلى أن مصر قد تكون قدمت معدات عسكرية وأسلحة خفيفة وذخائر وعربات مدرعة لجنوب السودان العام الماضي.
كما اهتم الخبراء بطائرتين حربيتين من نوع “ال – 39” مصدرها أوكرانيا، تم بيعها لأوغندا لكنها وصلت إلى جنوب السودان، إضافة إلى عقد أبرمته “جوبا” مع شركة مقرها سيشل، بشأن كميات كبيرة من الأسلحة.
وتأتي المساعدات العسكرية المصرية لجنوب السودان، في وقت تغض فيه الإدارة الأميركية الطرف عن وصول الأسلحة لجنوب السودان.
ومنذ عام 2003، تقاتل 3 حركات مسلحة رئيسة في دارفور ضد الحكومة السودانية، هي: “العدل والمساواة” بزعامة “جبريل إبراهيم”، و”جيش تحرير السودان” بزعامة “مني مناوي” (أعلنتا في وقت سابق من آيار/مايو الجاري وقف العدائيات لمدة 6 أشهر)، و”تحرير السودان”، التي يقودها “عبد الواحد نور”.
وكان الرئيس السوداني “عمر البشير”، كان قد أعلن في تشرين أول/أكتوبر 2016، انتهاء الحرب في الإقليم الواقع غرب السودان، لكن منطقة جبل مرة شهدت اشتباكات بين الجيش السوداني وحركة تحرير السودان جناح “مني مناوي”، على إثرها قالت الولايات المتحدة أنها سترفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على السودان منذ فترة طويلة إذا أحرزت الخرطوم تقدماً لإنهاء هذه الصراعات الثلاثة وحددت فترة مراجعة مبدئية تنتهي في تموز/يوليو المقبل.