خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في أول اشتباك من نوعه منذ أكثر من عام؛ قد يولد أزمة دولية جديدة، أعلنت “الهند” أن قواتها اشتبكت مع القوات الصينية في منطقة متنازع عليها على طول الحدود بين البلدين.
واتّهم وزير الدفاع الهندي؛ “راجنات سينغ”، “الصين”، الثلاثاء الماضي؛ بمحاولة: “تغيير الوضع القائم بشكلٍ أحادي” عند الحدود المتنازع عليها بين الطرفين في “الهيمالايا” عندما أسفرت اشتباكات؛ الأسبوع الماضي، عن سقوط جرحى من الجانبين.
وتُعد الحادثة الأكثر خطورة على الحدود بين الدولتين الآسيويتين النوويتين؛ منذ العام 2020، عندما قُتل 20 جنديًا هنديًا وأربعة جنود صينيين في مواجهات.
لكن الجيش الهندي قال؛ الإثنين، إن اشتباكًا وقع؛ الجمعة الماضي، في قطاع “توانغ” بولاية “أروناتشال براديش”، الواقعة على الطرف الشرقي لـ”الهند”.
الوضع الحدودي مستّقر..
وقال ناطق باسم “جيش التحرير الشعبي” إن القوات الصينية: “تعرّضت إلى عرقلة من الجيش الهندي الذي عبر بشكلٍ غير شرعي خط (السيطرة الفعلية)”. وأضاف: “كانت إجراءات الرد التي قمنا بها مهنية ووفق المعايير وقوية وتم تحقيق استقرار في الوضع على الأرض. حاليًا، فُضّ الاشتباك بين الصين والهند”.
وأضاف: “طلبنا من الجانب الهندي بأن يُسيّطر بشكلٍ مشّدد ويضبط الجنود على الخطوط الأمامية؛ وبأن يعمل مع الصين للمحافظة على السلام والهدوء على الحدود”.
وفي وقتٍ سابق، أكد الناطق باسم الخارجية الصينية؛ “وانغ وينبين”، للصحافيين: “على حد فهمنا، فإن الوضع الحدودي بين الصين والهند مسّتقر بالمجمل”، مضيفًا أن الطرفين: “حافظا على حوار من دون عراقيل بشأن المسألة الحدودية عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية”.
تعامل على المستوى الدبلوماسي..
وقال وزير الدفاع الهندي؛ “راجناث سينغ”، في كلمة أمام البرلمان؛ الثلاثاء، إنه لم يتعرض أي من الجنود الهنود: “للأذى أو أصيب بجراح خطيرة”، في الاشتباك؛ وإن الحادث: “تم التعامل معه على المستويات الدبلوماسية”.
وأضاف أنه بسبب: “تدخل قادة الجيش الهندي في الوقت المناسب، عاد جنود جيش التحرير الشعبي إلى مواقعهم”.
وتشترك “الصين” و”الهند” في حدود أمر واقع متنازع عليها؛ يبلغ طولها: 3.440 كيلومترًا – وتدعى خط السيطرة الفعلي – وهي حدود غير مرسمة بشكلٍ جيد. فوجود الأنهار والبحيرات والقمم الجليدية يعني أن الخطوط قد تتغّير. ويتواجه الجنود في الكثير من النقاط الحدودية على الجانبين، ويًمثّلون إثنين من أكبر الجيوش في العالم.
واندلعت حرب بين “الصين” و”الهند”؛ في العام 1962، حول مسألة الحدود الطويلة المتنازع عليها بينهما.
اشتباكات وتوترات سابقة..
وترى صحيفة الـ (فايننشال تايمز) في مقال شارك في كتابته؛ “جون ريد” و”كلوي كورنيش”، بعنوان: “هل تستطيع الهند بناء جيش قوي بما يكفي لردع الصين ؟”، أنه وحتى ربيع عام 2020، اتخذت الصين والهند احتياطات متقنة لتجنب التوترات على طول الحدود الشمالية المشتركة؛ حيث خاضتا حربًا قبل ستة عقود تقريبًا.
لكن في نيسان/إبريل، وآيار/مايو 2020، انتهكت القوات الصينية هذا الوضع الراهن عندما قطعت بعض طرق الدوريات التقليدية للهنود في شرق “لاداخ”.
وتصاعد الخلاف إلى صراع بالأيدي وهجوم بالهراوات والحجارة؛ ما أسفر عن مقتل: 20 جنديًا هنديًا وأربعة جنود صينيين.
ولا تزال أصّداء الاشتباكات تتردد في “نيودلهي”، وبحسب المقال، فإن حادثة وادي “غالوان”؛ تُعد بمثابة جرس إنذار للمؤسسة العسكرية والمدنية الهندية بشأن مخاطر المواجهة المستقبلية الأوسع مع “الصين” وقواتها المسلحة المُجّهزة تجهيزًا جيدًا – والحاجة إلى مواجهتها، إذ يقول محللون إن الصراع في المستقبل بين أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان لا يمكن استبعاده.
وينقل المقال عن “بيبين راوات”، رئيس أركان “الهند” السابق، قوله العام الماضي؛ إن “الصين” أكبر تهديد أمني لـ”الهند”. بينما قال “دروفا جايشانكار”، المدير التنفيذي لمؤسسة (أوبزرفر ريسيرش فاونديشن أميركا) الفكرية: “هناك إدراك أوسع بأن القوة العسكرية للصين لا يمكن إدارتها من خلال الاتفاقيات الدبلوماسية وحدها، وسيتطلب ذلك من الهند اتخاذ خطوات عسكرية واقتصادية خاصة بها”.
زيادة الانفاق الدفاعي لـ”الهند”..
ووفقًا لـ”معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”؛ (SIPRI)، فقد زاد الإنفاق الدفاعي لـ”الهند” بالفعل بنسبة: 50 في المئة على مدى عقد من الزمان، من: 49.6 مليار دولار في عام 2011؛ إلى: 76.6 مليار دولار العام الماضي. وخلال هذه الفترة، تجاوزت “روسيا والمملكة المتحدة” لتُصبح ثالث أكبر منفق عسكري في العالم، ولا يزال الإنفاق في تزايد، إذ زادت مخصصات الدفاع في ميزانية الحكومة للعام الجاري بنحو: 10 في المئة.
ويرى المقال أن أولويات “نيودلهي” كانت تحديث الجيش، وكذلك أيضًا ولضمان امتلاكها قدرة صناعية عسكرية مستدامة – جزء من الحملة الواسعة “صُنع في الهند” تهدف إلى بناء التصنيع الحربي المحلي.
ومن وجهة نظر المحللين الغربيين؛ فإن الحرب في “أوكرانيا” أعادت التساؤل في “الهند” حول نقطة ضعف رئيسة أخرى: اعتماد “الهند” المستمر على الأسلحة والذخائر الروسية.
وفي سبيل ذلك؛ يكشف المقال، أن “الهند” كثّفت تنويع اتفاقياتها تجاه دول أخرى، بما في ذلك “فرنسا وإسرائيل”. وبعد أشهر فقط من “غالوان” وقعّت “الهند” اتفاقية دفاع جديدة مع “الولايات المتحدة”.
ومع ذلك؛ يُجادل بعض المحللين بأن “الهند” لا تزال لا تفعل أو تُنفق ما يكفي لتحّضير نفسها لمواجهة محتملة مع “الصين”. وعلى وجه الخصوص، يُحذر بعض المراقبين من أن رئيس الوزراء الهندي؛ “ناريندرا مودي”، بحاجة إلى اختيار ما إذا كان يجب أن يكون تحديث القوات المسلحة الهندية أو التصّنيع الحربي هو الأولوية. ويقولون إن محاولة القيام بالأمرين في نفس الوقت يُخاطر بترك “الهند” مكشوفة أمام جيش “الصين” الأقوى بكثير.
حُجة يصعب القيام بها..
وحتى مع “وجود الصين الأكثر عدوانية”، يرى المقال أن الحُجة الداعية إلى زيادة الإنفاق على الدفاع؛ هي حُجة يصعب على “مودي”؛ على وجه الخصوص القيام بها، لأن الاختيار بين البنادق والزبدة يُمثل تحديًا بشكلٍ خاص لأن التنمية الاقتصادية والإرتقاء بفقراء “الهند” يُمثّلان جزءًا أساسيًا من برنامج حزبه؛ (بهاراتيا جاناتا)، للناخبين منذ أن تولى منصبه في عام 2014.
يقول “مانوج جوشي”؛ الزميل البارز في مؤسسة (أوبزرفر) للأبحاث ومؤلف كتاب عن النزاع الحدودي بين “الهند” و”الصين”: “لا يُريد مودي الدخول في صراع مع شي، وإذا كانت هناك بطاقة جامحة واحدة يمكن أن تزعج حكومته وتُقلل من مكانته بشدة، فهي الصينية”.
تهديدات أخرى..
ولا يقتصر التهديد على الحدود، يُضيف المقال؛ فصور الأقمار الصناعية تُظهر من “ميناء بكين” في “جيبوتي”، على بُعد حوالي: 2000 ميل بحري من “مومباي”، سفن البحرية الصينية راسية هناك، مما يُشّير إلى أن “الصين” يمكن أن تُظهر قوتها في “المحيط الهندي” في المستقبل أيضًا.
كما أن التدريبات العسكرية المشتركة بين “الهند” و”الولايات المتحدة”؛ هذا العام، في ولاية “أوتارانتشال” الشمالية، على بُعد حوالي: 100 كيلومتر من الحدود الصينية، أثارت حفيظة واعتراض “بكين” هذا الشهر، مما يؤكد الخطر المستمر لنشوب صراع بين الجانبين.
احتكاكات مرشّحة للتصاعد..
ويرى خبراء أن مثل هذه الاحتكاكات العسكرية مرشّحة للتصاعد، خصوصًا مع تزايد أعمال التطوير الصينية الجارية في المنطقة، والتي تُعارضها “الهند”، أو ترغب بمحاكاتها في الجانب الهندي، علمًا أن معظم مناطق الحدود متنازع عليه بين البلدين.
كذلك هناك من يرى أن “الصين” قد تقترح حلاً بإيجاد مناطق عازلة على الحدود، لكن مثل هذا المقترح سيُلاقي معارضة هندية على الأرجح.
كانت العلاقات “الهندية-الصينية” متطورة حتى وقت قريب، لكن اللقاءات بين زعيمي البلدين صارت شحيحة منذ الاحتكاك العسكري في منطقة “غالوان”؛ عام 2020، إذ لم يلتقيا منذ ثلاث سنوات، سوى في لقاء عابر على هامش “مؤتمر بالي”؛ لـ”مجموعة العشرين”.
ويقول “سوشانت سينغ”؛ أستاذ العلوم السياسية، ومؤلف كتاب: (المهمة الخارجية: العمليات الجريئة للجيش الهندي)، في مقال نشره “مركز الأبحاث السياسية في دلهي”؛ (CPR)، إن: “الغموض صار هيكليًا في العلاقة (الهندية-الصينية)”، أي أن هذه العلاقة، يمكن أن تتفاقم في ظل الأوضاع الحالية.
أما معهد (كارنيغي الدولي للسلام)؛ فيرى أن فرص تحسّن العلاقات “الهندية-الصينية” تبدو نادرة، إلا أن “الهند” تبدو مترددة في التحالف مع “واشنطن”، على الرغم من إزدياد التقارب بينهما في الآونة الأخيرة.
وتسعى “الولايات المتحدة” إلى تزويد “الهند” بأسلحة متطورة كي تتمكن من مواجهة “الصين”، علمًا أن معظم السلاح الهندي حاليًا روسي الصُنع، وقد أضعفت “العقوبات الأميركية” على “موسكو” مبيعات السلاح الروسي.
ورغم عدم اعتراف “الهند” بالعقوبات الأحادية، أي تلك التي لا تفرضها “الأمم المتحدة”، إلا أن قدرتها على المناورة ستكون محدودة أمام قدرة “الولايات المتحدة” على تطبيق تلك العقوبات ومعاقبة البلدان التي تبيع أو تشتري السلاح الروسي، فهناك قانون (كاتسا-CAATSA) الأميركي الذي يُعاقب أي دولة تتعامل بالسلاح مع كل من “روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا”.
مخالفة قانون “كاتسا”..
كما أن مخالفة “الهند” لقانون (كاتسا) قد يُصيّب الدفاعات الهندية بالشلل، لأنها ستّحرمها من النفاذ إلى أسواق الأسلحة العالمية.
وقد تكون الضحية الأولى لمخالفة القانون هي صناعة حاملات الطائرات الهندية؛ (آي. إن. إس فيكرانت)، حيث تعاقدت “الهند” مع شركة (نفسكوي) الروسية؛ المشمولة بـ”العقوبات الأميركية”، في هذا المشروع.
والمشكلة الأخرى التي تواجهها “الهند”؛ هي أن سلاحها سوف يُستَخدم على الأرجح ضد “الصين”، التي هي حليفة لـ”روسيا” حاليًا، وهذا قد يدفع “موسكو” للامتناع عن تزويدها بالسلاح في حال اندلاع حرب مع “الصين”، لذلك فإن مصلحتها الوطنية تقتضي الحصول على أسلحة من مصادر أخرى.
الحرب ستتّسبب في كارثة اقتصادية وبيئية وإنسانية خطيرة..
وتحرص “الولايات المتحدة” على تسليح “الهند” وفق سياسة معلنة، حيث قال “أريك غارسيتي”، مرشح الرئيس “بايدن” لمنصب السفير في “الهند”، في تصريح نقلته مجلة (يوروشيان تايمز): “إن الهند تقع في منطقة جغرافية قاسية، وإنه، في حال توليه منصبه، سوف يُضاعف الجهود لتعزيز قدرات الهند الدفاعية لحماية حدودها والدفاع عن سيادتها وصد أي عدوان تتعرض له”.
وتُعتبر “الهند” و”الصين” أكبر الدول الآسيوية، وهما البلدان الأكثر سكانًا في العالم، وحيويتان للاقتصاد العالمي، والتجارة والعلاقات الدولية، وانسجامهما وتعاونهما مع باقي الدول في مجال البيئة والصحة أساس لنجاح خطط مكافحة التلوث والتغير المناخي والأمراض المُعّدية، لذلك فإن أي حرب بينهما سوف تتسبب في كارثة اقتصادية وبيئية وإنسانية خطيرة.