وكالات – كتابات :
تجاوزت القيمة السوقية لشركة (آرامكو) السعودية، الإثنين 09 آيار/مايو 2022، شركة (آبل) الأميركية؛ لتُصبح بذلك أكبر شركة مدرجة في العالم بقيمة سوقية تُقدر: بـ 2.464 تريليون دولار، وذلك بعد ارتفاع سهم الشركة.
وتبلغ القيمة السوقية لشركة (آرامكو)؛ في 08 آيار/مايو الجاري، 2.46 تريليون دولار، وقد احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة (فوربس) لأقوى 100 شركة في الشرق الأوسط لعام 2021؛ حسب ما نشرته وسائل إعلام محلية.
يأتي هذا على وقع الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ إذ استفادت الشركة السعودية من ارتفاعات أسعار “النفط”؛ هذا العام، وتداولها أعلى من: 100 دولار للبرميل مؤخرًا، فيما تضررت شركة (آبل) من تصحيح الأسواق الأميركية، خاصة شركات التكنولوجيا التي كانت قد حققت طفرة كبيرة في أسعارها بالتزامن مع جائحة (كورونا).
منافسة شرسة بين النفط والتكنولوجيا..
وساهم ارتفاع أسعار “النفط”؛ بعد أن وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 2008، في تضييق فجوة القيمة السوقية بين شركة (آبل)؛ والشركة السعودية؛ (آرامكو)؛ حيث قفزت أسهم الأخيرة بنسبة: 15% في أقل من: 03 أسابيع فقط، مقابل تراجع أسهم (آبل) بنسبة: 9% منذ مطلع 2022، ما ساهم في تضييق فجوة القيمة السوقية بين الشركتين.
ووصلت القيمة السوقية لشركة (آرامكو) إلى أكثر من: 2.3 تريليون دولار، بينما انحدرت القيمة السوقية لـ (آبل) إلى نحو: 2.6 تريليون دولار، ما جعل الفجوة بين الشركتين تضيق إلى حدٍ كبير مقارنة مع الوضع السابق قبل بدء الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، وما تسبب به من ارتفاع حاد في أسعار “النفط” والطاقة عمومًا.
شركة (آرامكو) السعودية؛ العملاقة لـ”النفط”، كانت تسعى إلى تضييق الفجوة مع شركة (آبل) الأميركية للإلكترونيات؛ للحصول على لقب: “أعلى شركات العالم قيمةً سوقية”، مستفيدة من انعكاس التطورات على الساحة العالمية وزيادة أسعار “النفط” بشكلٍ حاد.
ورفعت شركة (آرامكو) رأس مالها إلى: 19.9 مليار دولار؛ في 19 نيسان/إبريل الماضي، بعد أن وافقت “هيئة السوق المالي” السعودية على قرارها، الذي ستمنح من خلاله سهمًا مجانيًا مقابل كل: 10 أسهم قائمة يملكها المساهمون.
وخلف الشركتين تأتي شركة (مايكروسوفت)؛ بقيمة سوقية: 1.979 تريليون دولار.
ويُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتفوق فيها (آرامكو) على (آبل)، ففي وقت سابق فقدت شركة التكنولوجيا؛ (آبل) لقب أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، حيث انخفض سعر أوراقها المالية بنحو: 15% في ثلاثة أيام.
فيما سجلت (آرامكو) السعودية؛ أعلى قيمة منذ الإدراج عام 2019، عندما أغلق السهم عند: 38 ريالاً، لتقفز قيمتها السوقية إلى: 2.027 تريليون دولار، بينما سجلت أدنى قيمة سوقية؛ في آذار/مارس 2020، مع تفشي فيروس (كورونا)، عندما أغلق السهم عند: 27.8 ريال، ما هبط بالقيمة السوقية للشركة إلى: 1.483 تريليون دولار.
أزمة “آرامكو”..
وفي وقت سابق لجأت الشركة السعودية إلى أسواق الديون، للمساعدة في تمويل إلتزاماتها تجاه الأفراد والجهات الذين اشتروا أسهم الشركة، فيما يُعد أكبر توزيع أرباح في العالم، في وقت تتراجع عوائد الشركة بشكل كبير.
كما أعلنت (آرامكو) السعودية، أكبر شركة “نفط” في العالم، الإنتهاء من إصدار سندات دولية متوسطة الأجل ذات أولوية، وغير مضمونة بأصول، بقيمة: 08 مليارات دولار، وقالت الشركة في بيان؛ إن مدد الاستحقاق: 03 سنوات بعائد: 1.25%، و05 سنوات بعائد: 1.625%، و10 سنوات بعائد: 2.25%، و30 سنة بعائد: 3.25%، و50 عامًا بعائد: 3.5%.
و(آرامكو)؛ كبرى شركات المملكة وثاني أكبر شركة مدرجة في العالم، ومملوكة للحكومة السعودية بأكثر من: 98%، وتُنتج في الظروف الطبيعية: 10 ملايين برميل يوميًا.
وطرحت الحكومة السعودية حصة من الشركة للاكتتاب في البورصة المحلية العام الماضي، في أكبر طرح أولي في العالم، بعدما تجنبت “الرياض” طرح الشركة في الأسواق الدولية، ووُصف الطرح بأنه أكبر اكتتاب في التاريخ، ولكنه جاء أقل من تقديرات ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”.
وتُعد (آرامكو) السعودية أكبر شركة “نفط” في العالم، وتُنتج برميلاً من كل ثمانية براميل يتم إنتاجها عالميًا، ويتوقع أن يصل الطلب على “النفط” إلى مستوى ما قبل جائحة (كورونا)؛ بنهاية 2022، مشيرًا إلى أن عام 2021؛ شهد ارتفاع أسعار “النفط الخام”.
المزيد من الخصخصة..
نشرت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية تقريرًا حول تكثيف العديد من الدول النفطية في المنطقة مبيعات أصول “النفط” لديها، وتقول الوكالة إن كل من: “المملكة السعودية والإمارات وقطر وعُمان”؛ باتت تُسرع في غضون أسابيع قليلة، من خططٍ بمليارات الدولارات لبيع أصول الطاقة أو إصدار سنداتٍ منها.
وفي ختام هذا الاتِّجاه؛ قال وليّ العهد السعودي؛ الأمير “محمد بن سلمان”، يوم الثلاثاء 27 نيسان/إبريل 2022، إن المملكة تُجري مباحثاتٍ مع “شركة طاقة عالمية”؛ مجهولة الهوية، لبيع حصة تبلغ قيمتها: 20 مليار دولار في شركة “النفط” السعودية الحكومية؛ (آرامكو).
ماذا يعني ذلك لاقتصادات هذه الدول النفطية ؟
يُسلِّط هذا التحوُّل الضوء على كيفية استفادة البلدان في منطقةٍ تضم ما يقرب من نصف احتياطيات “النفط” في العالم من الانتعاش في أسعار الطاقة بعد الإنهيار الناجم عن فيروس (كورونا) المُستجد العام الماضي، لتعزيز مواردها المالية المتعثِّرة.
والتحوُّل العالمي إلى الطاقة الصديقة للبيئة؛ يُضيف فقط إلى هذه الدفعة، حيث تطلب الحكومات أموالاً جديدة للاستثمار في قطاعاتٍ جديدة وتنويع اقتصاداتها. ويستغل المستثمرون، الذين تعثَّروا بسبب أسعار الفائدة المنخفضة القياسية، هذه الفرصة.
يقول “جوستين أليكساندر”، كبير الاقتصاديين في شركة (MENA Advisors) الاستشارية، ومقرها “المملكة المتحدة”، لوكالة (بلومبيرغ): “من المنطقي أن تبيع هذه الدول حصصًا عندما تكون التقييمات جيِّدة”. وأضاف: “بعض هذه الحصص حصص مالية، وبعضها اعترافٌ متزايد بسرعة انتقال الطاقة والحاجة إلى تحقيق قيمة من هذه الأصول”.
وشهد مصدِّرو “النفط”؛ في الشرق الأوسط، تضخُّمًا في عجز ميزانيتهم وصل إلى: 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، من: 3% في العام 2019، وفقًا لـ”صندوق النقد الدولي”. وتقلَّصَ الناتج المحلي الإجمالي في “المملكة السعودية والإمارات وقطر”؛ بأكبر قدرٍ في حوالي ثلاثة عقود.
“آرامكو” السعودية و”أدنوك” الإماراتية..
كانت (آرامكو) السعودية أكبر مُنتجٍ لـ”النفط الخام” في العالم، و(أدنوك)، التي تضخُّ تقريبًا كل “النفط والغاز” في دولة “الإمارات”، أكثر الشركات الحكومية نشاطًا في المنطقة. بدأت كلتا الشركتين الخصخصة قبل الجائحة، مع إدراك (آرامكو) في سوق الأوراق المالية في “الرياض”؛ عام 2019، وباعت (أدنوك) جزءًا من أعمال توزيع الوقود؛ في أواخر العام 2017، أيضًا من خلال طرحٍ عام أوَّلي.
ومنذ ذلك الحين؛ إزدادت الصفقات من حيث العدد والتعقيد، كما زاد التركيز على الأموال الأجنبية. وفي 10 نيسان/إبريل 2022، قالت (آرامكو) إن مجموعةً تقودها “الولايات المتحدة” ستستثمر: 12.4 مليار دولار في خطوط أنابيب “النفط”. ومن جانبها، تُخطِّط (أدنوك) للاكتتاب العام لوحدات الحفر. ويأتي ذلك بعد سلسلةٍ من المعاملات، اعتبارًا من حزيران/يونيو 2020، شهدت استثمار شركات مثل: (Brookfield Asset Management) و(Apollo Global Management)، حوالي: 15 مليار دولار في خطوط أنابيب “الغاز” والعقارات التابعة للشركة التي تتَّخِذ من “أبوظبي” مقرًا لها.
ويرى الأمير “محمد بن سلمان”، الحاكم الفعلي لـ”المملكة السعودية”، أن (آرامكو) جزءٌ رئيس من (رؤية 2030)، المشروع الكبير المُصمَّم لتعزيز كلِّ شيءٍ من السياحة إلى الاستثمار في حدائق الطاقة الشمسية والمستحضرات الصيدلانية. ولدى الشيخ “محمد بن زايد”؛ من “الإمارات”، أفكارٌ مماثلة لـ (أدنوك)، وفي آذار/مارس، مَنَحَ نفسه مزيدًا من السيطرة على الشركة لاستخلاص المزيد من الأموال منها.
البيع والخصخصة مع حفاظ السيطرة على الأصول..
وسط فورة النشاط، كانت الشركات حريصةً على هيكلة المعاملات؛ بحيث لا تفقد سيطرتها على الأصول البارزة. وعندما تُباع الشركات التابعة فإنها تحتفظ بالجزء الأكبر من الأسهم، ومن خلال صفقات خطوط الأنابيب، عرضت (آرامكو) و(أدنوك) حقوق التأجير لمدة عقود بدلاً من حقوق الملكية المباشرة. ويعمل بنك (Moelis & Co) مستشارًا لكلتا الشركتين.
وقال “بِن كاهيل”، الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في “واشنطن”: “أدركت شركات النفط الخليجية أنها تستطيع بيع أجزاء وأجزاء من إمبراطوريتها، وجميع الأموال دون التخلي عن السيطرة، بالنسبة للشركات والحكومات يُعَدُّ هذا نموذجًا جيِّدًا”.
وفي أماكن أخرى في الخليج تستغل شركة “قطر” للبترول، وشركة “النفط” العمانية؛ (OQ SAOC)، سوق السندات الدولارية لأول مرة. وتسعى “قطر” للبترول بما يصل إلى: 10 مليارات دولار لزيادة قدرتها على تصدير “الغاز الطبيعي المُسال”.
وتُعَدُّ “قطر” من بين أغنى دول العالم بالنسبة للفرد الواحد، وربما تكون الحكومة في الماضي قد موَّلَت المشروع؛ البالغة قيمته: 29 مليار دولار، باستخدام أموالها الخاصة. وقالت وكالة (فيتش) للتصنيف الائتماني في تقريرٍ لها؛ نهاية نيسان/إبريل، إنها تُحاول الآن تقليل عبء الديون الذي تضخم العام الماضي. وتسمح الاستفادة من الشركات المملوكة للدولة للحكومة بزيادة ميزانيتها العمومية.
“عُمان” تلتحق بركب خصخصة أصول النفط..
باعت شركة (OQ) العُمانية، الأربعاء 28 نيسان/إبريل، 750 مليون دولار من سندات “اليورو” لمدة سبع سنوات. وقد تحذو شركة تنمية الطاقة في “عُمان”، وهي شركة حكومية أخرى، حذوها في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، حيث تسعى لجمع ثلاثة مليارات دولار من الديون.
وهذه الخطط هي جزءٌ من هزَّةٍ واسعة النطاق لقطاع “النفط”؛ منذ وصول السلطان “هيثم بن طارق”؛ إلى السلطة قبل أكثر من عامٍ بقليل. وهو يسعى لجذب التمويل الأجنبي وإنعاش الاقتصاد المُنهَك.
في غضون ذلك؛ تدرس مؤسَّسة البترول الكويتية، المملوكة للدولة، أول سنداتٍ دولية لها. وسيكون هذا جزءًا من إستراتيجيةٍ لاقتراض ما يصل إلى: 20 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة؛ لتعويض النقص المُتوقَّع في الإيرادات.
المزيد من الخصخصة في قطاعات النفط..
من المُرجَّح أن تمثِّل مبيعات الأصول والديون نصيب الأسد من الصفقات المستقبلية، وفقًا لـ”حسنين مالك”، رئيس أبحاث الأسهم في شركة (Tellimer)، وهي شركة مقرها “لندن” وتقدِّم تحليلاتٍ للأسهم الناشئة.
وقال “مالك”، الذي غطَّى أسواق الشرق الأوسط لأكثر من 20 عامًا: “يبدو أن توريق التدفُّقات النقدية المستقبلية وإصدار السندات، وكذلك مبيعات الأسهم الخاصة، طريقةٌ أقل إرهاقًا بكثير لجمع التمويل من المستثمرين الدوليين من بيع الأسهم عبر الاكتتاب العام”. وأضاف: “إنهم يُدركون عن حقٍّ أن قاعدة المستثمرين ذوي الدخل الثابت والأسهم الخاصة أكبر من قاعدة الأسهم الإقليمية”.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن المستثمرين الأجانب، الذين نادرًا ما كانت لديهم مثل هذه المجموعة من الخيارات لوضع أموالهم في “نفط وغاز” الشرق الأوسط، سعداء بجمع الأموال. وقال “كاهيل”: “هناك بالتأكيد المزيد في المستقبل. شركات “النفط” الوطنية تُراقب بعضها البعض وتلتقط بعض الحيل الجديدة”.