29 مارس، 2024 2:48 م
Search
Close this search box.

“أرامكو”.. مراهنة أمير وصراع الكبار

Facebook
Twitter
LinkedIn

عناوين كثيرة وحملات إعلامية لأضخم شركة نفط في العالم هنا وهناك بمجرد إعلان السعودية إنشاء مجلس أعلى لها يتولى إدارته شخصياً ولي ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” في العام 2015.. فما السبب الذي يجعل بن سلمان يتخذ أولى قراراته بعد طلب ذلك من والده الإشراف بنفسه على هذه الشركة؟

أرامكو.. تلك الأسطورة السعودية رائدة صناعات النفط في العالم التي رفعت عنها السرية في آيار/مايو 2016، عندما سمح لقناة “سي. إن. إن” الأميركية التجول عبر كاميراتها ومراسلها داخل منشآتها الضخمة في الظهران للمرة الأولى في تاريخ الشركة، والحديث عن طموحاتها لإنتاج مليون برميل في اليوم الواحد، ولما لا.. فهي شركة يقدر رأس مالها السوقي بـتريليونات الدولارات ووضعها بن سلمان كأحد أهم محاور برنامج السعودية الإقتصادي 2030.

إستكشافات لا تنتهي
يقول نائب رئيس أرامكو السعودية “محمد القحطاني”، إن تحت رمال الصحراء ومياه الخليج كمية كبيرة من النفط الخام الموجود الذي تحاول أرامكو من خلال مركز عمليات ضخم زيادة كميات الإنتاج من آبار النفط عبر إستكشافات وأبحاث لا تنتهي.

عودة لبيت الطاعة
وضع الأمير السعودي الشاب فور تنصيبه ولياً لولي العهد أرامكو على رأس إهتماماته وأولوياته ومن خلال الطرح العامّ الأولي، يأمل الأمير بأن يفتح للإستثمار شركة تعادل قيمتها ترليوني دولار. وهو أمل طموح بعد الإنحدار الشديد في أسعار النفط، ووفق ما هو معلن وإن سارت الأمور كما خُطط لها، فبحلول عام 2018 سيكون خمسة بالمئة من الشركة مدرجة في نيويورك ولندن وهونغ كونغ، وهي خطوة جديدة للشركة التي نجحت في التخلص من الشريك الأميركي والغربي بعد عقود من هيمنة أميركية على إداراتها.. فهل تعود مرغمة لبيت الطاعة الدولي مرة أخرى، وإن كانت ستوزع هذه المرة أسهمها في ثلاث بورصات مختلفة؟

ربما أدرك الأمير الشاب خطورة الخضوع للسيطرة الأميركية “المطلقة”، وترك عملاق الطاقة والنفط العالمي “أرامكو” بيد الغرب، فقرر في نهاية آب/أغسطس 2016، بعد زيارة لبكين، توقيع إتفاقية مذكرة تفاهم للتباحث مع حكومة الصين حول إمكانية تخزين النفط في الصين في الوقت الذي لا تزال “أرامكو السعودية” تبحث عن مصفاة جديدة تساعدها على تعزيز حصتها السوقية هناك وتقرب الشركة من تحقيق هدفها لمضاعفة طاقتها التكريرية.

إلى الصين والأسيويين
وعلق وقتها وزير الطاقة والصناعة ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية “خالد الفالح”، في تصريحات متلفزة، بالقول إن الشركة تجري مفاوضات في مراحل متقدمة مع شركة “سي. إن. بي. سي” الصينية لإنشاء مصفاة في إقليم “يونان” في الصين، مضيفاً أنه متفائل بشأن الطلب على الخام في الصين الذي لايزال ينمو بطريقة صحية وستكون إتفاقية تخزين النفط هي الأبرز على مستوى التعاون النفطي، فالمملكة لم يسبق لها تخزين النفط في الصين وستكون هذه هي المرة الأولى التي يتباحث فيها الجانبان حول هذا الأمر، بعدها وفي نهاية شباط/فبراير 2017 بدأ العاهل السعودي الملك سلمان جولة آسيوية بناء على نصيحة ولده ولي ولي العهد للنهوض بالإستثمار والتواصل مع المستثمرين الأسيويين بعيداً عن السيطرة الغربية، من أجل الطرح العام الأولي وشملت هذه الجولات “ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين”.

تهديدات أميركا
إستشعرت السعودية أهمية تنوع سوق الإستثمار، خاصة بعد القضية الشهيرة التي هددت بها أميركا الرياض بالكشف عن تفاصيلها، واتهمت خلالها بعض الشخصيات السعودية البارزة بالضلوع في تمويل إعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.

ويكفي ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في نيسان/أبريل 2016، من أن الحكومة السعودية هددت “ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار” في حال إقرار الكونغرس لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية معينة في إعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وأبلغ وقتها وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” مشرعين أميركيين، أن “السعودية ستجد نفسها مضطرة لبيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار خشية أن تتعرض للتجميد بأوامر قضائية أميركية”.

طمأنة الغرب
ورغم أن إدارة أوباما ضغطت على الكونغرس لمنع إقرار القانون، ورفض قاض أميركي دعاوى ضد السعودية أقامتها أسر ضحايا الهجمات، قائلاً إن المملكة لها حصانة سيادية من مطالبات بالتعويض من الأسر وشركات التأمين التي غطت الخسائر التي مُني بها مالكو المبنى والشركات، إلا أن السعودية أيقنت أن إستثماراتها وأموالها لم تعد بمأمن في أميركا، وعليه إتخذت خطوات سرية لفتح أسواق جديدة للإستثمار مع دول إسلامية أو أخرى لا تخضع للهيمنة الأميركية، مع تمرير فكرة طرح 5% من أسهم العملاق أرامكو في بورصات “نيويورك ولندن وهونج كونج” فقط لطمأنة الغرب وضمان عدم “الغدر والفتك” بنظام الملك سلمان ونجله.

الصين تناور
لكن رغم إتجاه السعودية بكل قوة للإستثمار في الصين.. هل يأمن الملك سلمان وولده ولي ولي العهد لبكين بكل سهولة؟.. أليس من الممكن إصدار قوانين هناك بين يوم وليلة تتحكم في الإستثمارات السعودية وتصبح وسيلة ضغط على الرياض تحت أي ذريعة بعد أن تكون وقتها بكين قد سحبت كميات كبيرة من الإحتياطات النفطية السعودية؟

فالصين بدورها تعتمد على نفط روسيا بشكل كبير وقادرة على مناورة السعودية به لتحقق أكبر قدر من مصالحها، فقد أظهرت الأرقام الرسمية أن الصين استوردت في الأشهر السبعة الأولى من 2016 نحو 30.5 مليون طن متري من النفط السعودي، بإنخفاض قدره 0.4 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي، فيما استوردت الصين من روسيا نحو 29.5 مليون طن متري خلال نفس الفترة بزيادة قدرها 27 في المئة عن العام الماضي، وهو ما أتى بنتيجة سريعة، إذ نجحت بكين في تحويل بوصلة الرياض تجاه قبلتها سريعاً خوفاً من إنخفاض جديد في الكميات المصدرة للصين من النفط العربي.

بلع الطُعم
وتحقق ما خططت له الصين جيداً.. إذ سارع ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بزيارة الصين ليشهد توقيع 15 إتفاقية، من بينها مذكرة تفاهم في قطاع الطاقة وأخرى في مجال تخزين النفط الخام، وقالت صحف السعودية وقتها إنه من المتوقع أن تسهم زيارة بن سلمان في دعم وجود أرامكو في سوق التكرير الصينية، فأرامكو السعودية لا تزال في مفاوضات منذ سبع سنوات تقريباً مع شركة “بتروتشاينا” المملوكة للحكومة الصينية من أجل الدخول كشريك في مصفاة يونان.

بدورها بينت صحيفة “الإقتصادية” السعودية في إفتتاحيتها، في بدايات آذار/مارس 2017، أهمية التسابق لدور في طرح “أرامكو”، وقالت إن الأسواق والمصارف والمؤسسات المالية العالمية الكبرى، تبدي رغبتها في الحصول على دور في عملية طرح جزء من شركة أرامكو في السوق المالية.

مقامرة بن سلمان
وأخذت تسوق للشركة السعودية بأنه مع إقتراب موعد الطرح، تحولت الرغبة إلى حراك لا يتوقف من أجل لفت إنتباه “أرامكو”، بما في ذلك بورصات عالمية مثل “لندن ونيويورك وهونج كونج وسنغافورة” وغيرها، وأن هذه الجهات تعرف أنها لو فازت بدور ما في هذا الطرح، فستضع في تاريخها نقطة فارقة.. فهل تأمن السعودية خوضها لسياسة التحرر الإقتصادي الذي تتجه إليه؟.. هل سيقودها بن سلمان لتحقيق مليارات الدولارات من الأرباح “المستمرة” أم يفقدها كلها ويتسبب في أكبر هزة إقتصادية للعملاق أرامكو بمرور الوقت وللمملكة التي تعتمد عليها بشكل كامل، فربما يقع بن سلمان في فخ المقامرين الذين يربحون في البدايات ثم تخطف منهم “الترابيزة” كل ما يملكون طالما أنهم لا يسيطرون على مجريات اللعبة – أسواق المال ليست ملكاً للسعودية أو ملعبها، رغم ما في جعبة أرامكو من إحتياطات نفطية هائلة؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب