خاص : كتبت – نشوى الحفني :
جاء خطاب رئيس الوزراء العراقي مخيبًا للآمال ومحطمًا لسقف التوقعات التي رسمها المتظاهرون في أذهانهم، وهو الأمر الذي جعلهم يطالبونه بالاستقالة واتهموه بالفساد.
في خطابه أمس، قال رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، إن بلاده تعيش في الوقت الراهن بين خياري الدولة أو اللادولة.
وأضاف “عبدالمهدي”، في خطاب تليفزيوني بثته قناة (السومرية) العراقية: “اليوم لا توجد حواجز تمنع الشعب من إيصال صوته، وسنقدم مشروعًا خلال الفترة القادمة إلى مجلس الوزراء لمنح راتب لكل عائلة لا تمتلك دخلًا كافيًا لتوفير حد أدنى للدخل يضمن لكل عائلة العيش بكرامة”.
وتابع: “يجب علينا أن نعيد الحياة لطبيعتها في كل المحافظات واحترام سلطة القانون، وحظر التجوال بشكل مؤقت كان خيارًا صعبًا ولكن لا غنى عنه، وهناك من يحاول استغلال التظاهرات السلمية وبعض الشعارات كشفت عن محاولة لركوبها وتسييسها”.
واستطرد قائلًا: “رفعنا مقترحات لمجلس النواب لإصلاح النظام الانتخابي بما يعزز شفافيته، واتفقنا على إطلاق سراح المحتجزين ممن لم يرتكبوا أعمالًا جنائية، فلا بد من مساعدة الحكومة على تأدية واجباتها تجاه الشعب العراقي”.
وقال: “حاسبونا عن كل ما نستطيع القيام به في الأجل المباشر، ولا توجد حلول سحرية ولا يمكن تحقيق كل الأحلام خلال سنة واحدة، لكني أتحمل مسؤولية قيادة الدفة في هذه المرحلة الحساسة، ونطالب مجلس النواب بإجراء تعديلات وزارية بعيدًا عن المحاصصة السياسية”.
تنحية 1000 موظف بتهمة الفساد..
وذكر أن “مجلس الوزراء” قرر، قبل أيام، بإجراء قانوني تنحية 1000 موظف حكومي اتهموا بالفساد ومنعهم من تولي أي وظيفة حكومية مستقبلًا.
وأكد على أن “العراق” يمتلك اليوم أفضل العلاقات الخارجية؛ والعالم ينظر باحترام وتقدير لسياستنا، معربًا عن شكره للمتظاهرين “الذين قدموا مطالبهم بسلمية كاملة؛ وكذلك في الأجهزة الأمنية لما تحملوه طيلة الأيام الماضية من أجل الدفاع عن العراق ونظامه الدستوري”.
الرحيل وتهم الفساد ردًا على الخطاب..
ولم تفلح وعود رئيس الحكومة العراقية في تهدئة غضب الشارع، حيث نقلت (رويترز)، عن مصادر عراقية؛ أن قوات الأمن العراقية أطلقت الرصاص على عشرات المتظاهرين وسط “بغداد”، في اليوم الرابع من التظاهرات، وسط دعوات مستمرة باستمرارها.
وشهد ليل الخميس-الجمعة استمرارًا للتظاهر في بعض أحياء العاصمة. كما أفادت وسائل إعلام محلية بوقوع اشتباكات ليلية في بعض النقاط بين قوات الأمن والمتظاهرين.
وفي رد على خطابه، طالب النشطاء، “عبدالمهدي”، بالرحيل عن منصبه كما طالبوا بمحاكمته، قائلين: “ارحل يا فاسد يا عميل إيران”.
وكالة (الأناضول) نقلت عن “ناصر المحمدي”، أحد المتظاهرين في “ساحة الخلاني”، إن: “موقف رئيس الوزراء بمثابة إعلان الحرب ضد المتظاهرين، كنا نتوقع منه الخروج بموقف يعلن فيه التحقيق العاجل بمقتل المتظاهرين على يد قوات الأمن”.
وأضاف: “ثبت لدينا أن خروجنا للاحتجاج ضد الحكومة في مكانه، ولا يمكن التراجع عنه في ظل وجود هكذا عقلية تدير البلاد”.
وأشار إلى أن مطالب المتظاهرين، بعد موقف رئيس الوزراء؛ “باتت تنحي الأخير عن منصبه فورًا”، مشددًا على أنه: “لا تراجع عن الاحتجاجات ولتتخذ الحكومة ما تريد”.
من جهته؛ قال “جمال محمد”، أحد المتظاهرين في محافظة “الديوانية”، (جنوب)، خلال اتصال هاتفي مع (الأناضول)، إن: “هناك خيبة أمل كبيرة بعد إعلان رئيس الوزراء أن بقاء الاحتجاجات يعني التحول من الدولة إلى اللادولة”.
وأضاف أن: “خروجنا في الاحتجاجات جاء على خلفية تحول البلاد إلى اللادولة على يد الأحزاب”.
وأوضح أن: “على رئيس الوزراء مغادرة منصبه، فهو لا يستطيع تقديم شيء ملموس أو تحقيق أدنى مطالب المتظاهرين”.
ولفت إلى أن: “تنسيقيات التظاهرات في محافظة الديوانية، قررت بعد كلمة، عبدالمهدي، تصعيد الاحتجاجات”.
بدوره، قال الناشط المدني في محافظة “ديالى”، شرقي البلاد، “عباس الياسري”: “كنا نتوقع أن يتخذ رئيس الوزراء حلولًا عاجلة لتلبية مطالب المتظاهرين، وليس منح الإذن لقوات الأمن لقتل مزيد من المتظاهرين السلميين”.
وتابع: “محتجو ديالى قرروا مواصلة الاحتجاجات على خلفية رفض الحكومة تلبية المطالب”، مضيفًا أنه: “كان الأولى لرئيس الوزراء إتخاذ جملة إجراءات عاجلة، أبرزها إيقاف قمع الاحتجاجات في جميع المدن”.
وأشار إلى أن: “الاحتجاجات كونها لأول مرة تكون شعبية ولا يوجد أي حزب سياسي مشارك فيها، فإنها لن تتوقف، وعلى عبدالمهدي ترك منصبه، لأنه ليس الشخص المناسب للمرحلة المقبلة”.
موجة احتجاجات بدأت الثلاثاء..
وبدأت الثلاثاء الماضي؛ موجة احتجاجات عنيفة للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، لكن كثيرًا من المحتجين يطالبون الآن بإسقاط الحكومة بعد وقوع 35 قتيلًا و2433 جريحًا حتى مساء الخميس، حسب مصدر طبي لـ (الأناضول).
وهذه أكبر موجة احتجاجات تواجه، “عبدالمهدي”، منذ توليه السلطة قبل نحو عام.
ويتحدى المتظاهرون الغاضبون حظر التجوال الذي فرضته الحكومة، الخميس، في “بغداد” وعدد من محافظات الجنوب.
ويحتج العراقيون، منذ سنوات طويلة، على سوء الخدمات العامة الأساسية من قبيل الكهرباء والصحة والماء، فضلًا عن البطالة والفساد.
ويُعد “العراق” واحدًا من بين أكثر دول العالم فسادًا، بموجب مؤشر “منظمة الشفافية الدولية”، على مدى السنوات الماضية.
ويُعتبر الفساد، إلى جانب التوترات الأمنية، سبب فشل الحكومات المتعاقبة في تحسين أوضاع البلاد، رغم الإيرادات المالية الكبيرة من بيع “النفط”.
لم يكون بالمستوى المطلوب..
تعليقًا على الخطاب، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، “باسل الكاظمي”، إن المتظاهرين عندما خرجوا إلى الشوارع كانوا يطالبون بأبسط المطالب والاحتياجات والمقومات المعيشية، ولكن الحكومة العراقية لا تحقق أو تلبي مطالب الشعب.
وأوضح “الكاظمي” إنه تبعًا لذلك خرجت مظاهرات يقودها الشعب العراقي بنفسه بدون تسييس ولا توجد أي جهة تقف وراء هذه المظاهرات، وكان الشعب العراقي يتوقع أن يخرج رئيس الوزراء بخطاب إلى الشعب العراقي ليضع النقاط على الحروف ويكون هناك تغيير حقيقي، ولكن الخطاب الذي ظهر به “عادل عبدالمهدي” لم يكن بالمستوى المطلوب.
مضيفًا أن هناك تصعيدًا من الجانب الحكومي؛ فكان من الأفضل أن يتم التعامل مع المتظاهرين بطريقة أفضل من الاعتقالات والسجن والغاز المسيل للدموع، كما أن المسؤول جملة وتفصيلا عن قتل واعتقال المحتجين في المقام الأول، رئيس الوزراء العراقي، كونه القائد العام للقوات المسلحة، وفي المرتبة الثانية تتحملها جميع القوى السياسية لأنها شاركت في الحكومات الفائتة وشاركت في الفساد المالي والإداري والمحسوبية.
هزلي وتجاهل تدخلات إيران !
ووصف المحلل السياسي السعودي، “خالد الزعتر”، الخطاب بالهزيل، مشيرًا إلى أن العقلية السياسية العراقية لم تفهم جيدًا حراك الشعب وتلجأ لأسلوب قديم بتلميع صورتها وتجاهل أساس المشكلة وهي تدخلات “إيران”.
وقال، في سلسلة تغريدات عبر (تويتر)؛ أن: “خطاب رئيس الحكومة العراقية، عادل عبدالمهدي، بالأمس، والذي قال فيه نحن اليوم بين خياري الدولة أو اللادولة، لم يحمل معه تشخيص واقعي لحالة العراق الذي يعيش منذ 2003 خيار اللادولة، وبالتالي هذه المظاهرات فرصة لتحقيق خيار الانتقال إلى الدولة”.
وأضاف: “خطاب رئيس حكومة العراق، عادل عبدالمهدي، لن يؤثر على الشارع العراقي الذي تخطى مسألة الوضع المعيشي إلى مرحلة المطالبة ببناء الدولة الجديدة عبر التركيز الشعبي على مسألة طرد إيران من العراق، تحقيق التهدئة في الشارع العراقي يجب أن يكون تعامل النظام يرقى لمطالب الشعب”.
وتابع: “خطاب رئيس الحكومة العراقية، عادل عبدالمهدي، بالأمس؛ والذي جاء هزيلاً يحاول في مجمله تعداد ما قدمته الحكومة لشعب العراق من خدمات يؤكد أن العقلية السياسية العراقية لم تفهم جيدًا ولم تقرأ جيدًا حراك الشعب وتلجأ لأسلوب قديم بتلميع صورتها وتجاهل أساس المشكلة وهي تدخلات إيران”.
خطاب انتخابي لا يلبي الطموحات..
من جانبه؛ اعتبر الباحث السياسي، “غانم العابد”، خطاب “عبدالمهدي”؛ بأنه “إنشائي” ولا يلبي طموحات المتظاهرين، وأقرب لأن يكون “خطابًا انتخابيًا”، مضيفًا أن رئيس الوزراء العراقي لا يدرك حتى الآن أن “العراق” يمر بأزمة خطيرة بعد سقوط هذا العدد من المتظاهرين.
واستغرب الاتهامات التي ساقها “عبدالمهدي” في خطابه، وغياب النواب عن دعم المتظاهرين في مطالبهم، وتهرب “الرئاسات الثلاث” والمؤسسة التشريعية من المسؤولية.
موضحًا أن: “الشارع يتجه إلى رفع سقف مطالبه، خصوصًا عقب صم الحكومة لأذنيها عن مطالب المتظاهرين، ولجوئها إلى العنف منذ البداية، حيث أصيب باليوم الأول من الاحتجاجات 280 شخصًا”.
الحكومة تراوغ..
وفيما يتعلق بغياب ممثلين رسميين عن المتظاهرين بمقدور الحكومة العراقية التحاور معهم، أوضح “العابد”، أن: “الحكومات المتعاقبة لعبت دورًا سلبيًا في هذا المجال من خلال شراء ذمم القيادات بغرض شراء الوقت وإسكات المحتجين”.
وتابع “العابد” قائلًا: “سيكون من الصعب تصديق فتح الحكومة حوارًا مع قادة المظاهرات، إذ سيكون من الصعوبة بمكان معرفة مدى مصداقية هؤلاء القادة، فقد يكونوا مجرد شخصيات اختارتهم الحكومة وصورتهم أمام وسائل الإعلام على أنهم قادة الاحتجاجات”.
وأختتم “العابد” حديثه بالقول إن: “الحكومة حتى الآن تراوغ وغير صادقة، وإنها لو كانت تريد حلًا للأزمة لكانت استقالت منذ اليوم الأول للمظاهرات”، وحذر من أن استمرار الوضع على حاله سينتهي “بانفجار يخرج عن سيطرة الجميع”.