خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تترقب منطقة الشرق الأوسط، ومعها العالم؛ تداعيات قتل “الولايات المتحدة”، قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، بغارة جوية استهدفته مع قادة عراقيين، بينهم نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” العراقي، “أبومهدي المهندس”، في “مطار بغداد الدولي”، فجر أمس الجمعة، بالتوقيت المحلي العراقي.
حيث سارعت “إيران”، على لسان كبار مسؤوليها، إلى التعهد بـ”ثأر قاسٍ” لمقتل قائدها العسكري البارز، قائلة إن الرد سيكون “في الوقت والمكان المناسبين”، فيما وضعت الغارة الأميركية، “العراق”، على فوهة بركان وسط تحركات لدفع “الولايات المتحدة” إلى سحب قواتها، سواء من خلال ضغط سياسي أو من خلال هجمات مسلحة قد تستهدف أماكن انتشار الجنود الأميركيين.
وهو الأمر الذي جعل “واشنطن” تتحسب للرد الإيراني المرتقب، فأعلن مسؤول في “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، أن “الولايات المتحدة” بصدد نشر ما يصل إلى 3500 جندي إضافي في الشرق الأوسط. وستأتي التعزيزات من قوة الاستجابة العالمية للفرقة 82 المحمولة جوًا، التي قدمت بالفعل عدة مئات من القوات الإضافية إلى المنطقة، قبل أيام، مع تزايد التوتر بسبب الهجوم على سفارة “أميركا” في “بغداد”.
ولم يتوقف الأمر فقط عند هذا الحد؛ وإنما غادر الأميركان العاملين في حقول “النفط” العراقية، كما أصدر وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، تحذيرًا لكل دول الخليج؛ وهو ما طلبه “ترامب” من مضاعفة تأمينهم إلى ثلاثة أضعاف القوة التأمينية الموجودة الحالية.
وتملك “إيران” خيارات عدة للرد على العلمية الأميركية، وتتراوح من تعبئة حلفائها في “العراق” إلى القيام بعمليات في “مضيق هرمز”؛ مرورًا بهجمات إلكترونية. ولا يتخيل أحد أن قتل “سليماني” سيمر دون عقاب.
العراق ساحة للحرب..
وفي تعليق لـ (WD)، يرى “هيكو ويمين”، مسؤول “منظمة الأزمات الدولية” للعراق وسوريا ولبنان، أن هناك خيارات ممكنة كثيرة؛ “لكن لا تنطوي جميعها على عمل عسكري أو عنيف”، معربًا عن إعتقاده بأن: “كلا المعسكرين لا يريدان الحرب، وكلاهما لا يرى فيها مكسبًا. الخطر يكمن في وجودهما في مواجهة مباشرة، وكل منهما يأمل تراجع الآخر. وإذا لم يتراجع أي منهما، يمكن أن يؤول الأمر إلى كارثة”.
ويتوقع أن يكون “العراق”، حيث تتمتع “إيران” بداعمين كُثر، ساحة لـ”إيران” لتصفية حساباتها مع “واشنطن”، وذلك من خلال المجموعات المسلحة التابعة لها أو المتعاطفة معها.
ويرى الخبير في الشأن الإيراني في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، “إليكس فاتانكا”، أن: “العراق سيصبح أول ميادين المعركة (..) وسيكون هناك ضغط كبير على الوجود العسكري في العراق”، مذكرًا بأن الأميركيين سيخسرون كثيرًا على المستوى الإستراتيجي إذا اضطروا للانسحاب من “العراق”.
يُذكر أن قادة الفصائل المؤيدة لـ”طهران”، في “بغداد”، دعت مقاتليها إلى: “أن يكونوا على أهبة الاستعداد”. وأعلن الزعيم العراقي الشيعي، “مقتدى الصدر”، عن إعادة تفعيل (جيش المهدي)، الذي حله قبل عقد من الزمن؛ بعد أن شكل صداعًا للوجود الأميركي في “العراق”.
كما يمكن تنفيذ عمليات ضد الأميركيين في “لبنان”؛ وربما “اليمن وسوريا”، حيث تنشط “إيران” عبر مجموعات مؤيدة لها مثل، “حزب الله” اللبناني و”الحوثيين”.
جبهة مواجهة إلكترونية..
ويرى خبراء أن “إيران” لاعب كبير في المشهد الإلكتروني العالمي. في هذا السياق؛ يقول “لويد غيزو”، الأمين العام لمجمع المهنيين الفرنسيين المختصين في الأمن والإعلام، إن الإيرانيين شكلوا “جيشًا إلكترونيًا” بايع مرشد الجمهورية، (علي خامنئي)، مع أنه ليس هيكلًا رسميًا. وأضاف: “تركز عملياتهم أكثر على البنى التحتية من النوع الصناعي، وهم يثيرون الخوف نسبيًا في هذا المستوى، (مع إمكانية مهاجمة)، سدود في الولايات المتحدة أو تسلل لأنظمة إنتاج الطاقة الأميركية وغيرها”.
خطوات إرتجالية على المدى القصير..
فيقول “رمزي مارديني”، الباحث في معهد “يونايتد ستايتس إنستيتيوت أوف بيس”؛ أنه: “لم يكن أحد يتصور أن ذلك ممكن. ستتخذ الأطراف كافة خطوات إرتجالية أقله على المدى القصير، وهذه الوصفة المثالية للحسابات الخاطئة”.
وفي مواجهة ما وصفه وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، بأنه: “تصعيد خطير للغاية”، يُطرح سؤال محوري عن الرد الذي ستقوم به “طهران”.
ويقول الخبير في الشؤون العراقية، “فنار حداد”: “من غير الممكن لإيران أن تسدد ضربة حقيقية للولايات المتحدة من دون أن تواجه خطر التدمير الذاتي. لكن في إمكانها أن تحوّل العراق إلى ساحة نار ودماء”.
ويصعب التكهن في شأن توقيت رد “طهران”، على اغتيال “واشنطن” أحد أبرز قادتها، والأسلوب الذي ستعتمده لهذه الغاية، في ظل عدم وجود سوابق في هذا المجال.
ستكون مواجهة مباشرة..
غير أن الأكيد، بحسب ما يقول “مارديني”، لوكالة (فرانس برس)، هو أن المواجهة ستكون مباشرة. وقد دعت “الولايات المتحدة”، رعاياها كافة، إلى مغادرة “العراق” فورًا. ويشير “مارديني” إلى أن: “إيران لم تُعد قادرة على استخدام قادتها العسكريين في العراق كستار لتهدد وتهاجم المصالح الأميركية من دون المجازفة بردود”.
ومنذ سنوات؛ تُحذر “بغداد” من إمكان أن يستخدم حليفاها الرئيسان أراضيها كساحة للقتال أو لتصفية الحسابات، في ظل إزدياد التوتر بينهما حول الملف النووي الإيراني.
ويوضح “حداد” أن: “الورقة الأقوى في يد إيران حاليًا موجودة في العراق”، مضيفًا: “إذا كانت إيران تحتاج للرد وفرض قوتها، وهو أمر يجب التنبه منه، فلن يقتصر ذلك على إطلاق صواريخ على سفارات، لكن الأمور قد تنحو في إتجاه نزاع كبير في العراق”.
في المقابل؛ يبدو أن “الولايات المتحدة”، التي أطاحت سنة 2003 بحكم “صدام حسين” لإقامة نظام سياسي أمني جديد؛ باتت “طهران” لاعبًا أساسيًا فيه، تسعى حاليًا إلى “إعادة توجيه السياسة العراقية”، بحسب “حداد”.
ويتابع الباحث: “عدم النجاح في ذلك؛ قد يقود العراق إلى طريق النزاعات الداخلية، وهو ما يمكن لإيران أن تدفع بسهولة في إتجاهه”.
ويشهد تصاعد نفوذ الموالين لـ”إيران” على الساحة العراقية والهجوم على “السفارة الأميركية”، في “بغداد”، على تعقيدات الموقف العراقي حيال أجهزة “بغداد” الأمنية وشركائها الدبلوماسيين.
عمليات تطهير فورية في العراق..
وتوقع الباحث في معهد “بروكينغز”، في “الدوحة”، “رانج علاء الدين”، حصول عمليات “تطهير” فورية في “العراق” إثر مقتل إثنين من أكثر الشخصيات نفوذًا في البلاد. ويبدو أن هذين الرجلين كانا يشعران بقدر كبير من الأمان لدرجة أنهما كانا يتنقلان في موكب واحد داخل مطار تقيم فيه قوات الأمن وشركات أمنية خاصة بانتظام.
ويقول “علاء الدين”: “ستطرح إيران أسئلة كثيرة على العراقيين: كيف علمت الولايات المتحدة بوصول سليماني إلى بغداد ؟.. من سرّب المعلومة ؟”.
حرب داخل الأراضي العراقية..
من جهته؛ أكد المحلل السياسي، “واثق الهاشمي”، أن الضربة التي وجهتها “أميركا” للقائدين، “أبومهدي المهندس” و”قاسم سليماني”، هو إعلان للحرب “الأميركية-الإيرانية”، لكن على الأرض العراقية.
وأضاف “الهاشمي” أن: “السيناريو القادم؛ نتوقع أن يكون حرب داخل الأراضي العراقية على اعتبار أن إيران لا تريد الحرب بشكل مباشر؛ بل من خلال أدواتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن”، مشددًا على أن: “الخطوة الأولى من السيناريو القادم ستكون من خلال جلسة البرلمان، اليوم، والتي نتوقع عدم حضور القوى الكُردية والسُنية لها في محاولة لكسر النصاب”.
وأكد “الهاشمي” أنه: “بشكل عام؛ فإن المشهد الأمني والاقتصادي في العراق سيزداد تعقيدًا، خاصة بعد سحب الشركات الأجنبية لموظفيها”.
قد يُشعل ردًا أكثر خطورة..
اعتبرت صحيفة (التليغراف) البريطانية، اغتيال قائد “الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، بضربة جوية أميركية، واحدًا من أكبر التطورات، منذ عقود، في الشرق الأوسط الذي يشبه “برميل بارود”.
وقالت إن: “هذا الاغتيال يتجاوز في خطره وأثره تصفية زعيم تنظيم (القاعدة)، أسامة بن لادن، وخليفة (داعش)، أبي بكر البغدادي، من حيث أهميته الإستراتيجية وتداعياته”.
وأوضحت الصحيفة أن: “الولايات المتحدة وإيران إنخرطتا في مواجهة خطيرة مستمرة منذ أشهر، إلا أن قتل سليماني يُعد خطوة كبيرة في تصعيد المواجهة”، مشيرًة إلى أن: “إسرائيل قد فوتت مرارًا فرص اغتيال سليماني خوفًا من تداعيات القضاء على أقوى ذراع لإيران في العالم، وهو شخص لا يفوقه قوة في إيران إلا المرشد الأعلى”.
وتابعت (التليغراف) أن: “اغتيال سليماني يمثل خسارة خطيرة للأجندة الإقليمية لإيران، إلا أنه قد يُشعل ردًا يكون أكثر خطورة من مقتله بحد ذاته”، لافتة إلى أن: “فكرة أن اغتيال، سليماني، كانت بتوجيه من الرئيس الأميركي؛ هو الأمر الأكثر إثارة للدهشة نظرًا لإدعاء الأخير الواضح بضرورة تجنب تورط أميركا في حروب مكلفة”.
وأكدت أنه: “مع مقتل سليماني، أصبحت الحرب قادمة، فهذا أمر شبه مؤكد؛ والسؤال هو أين ومتى وبأي شكل ؟”.
المنشآت العسكرية والدبلوماسية الأميركية ستتعرض لترهيب..
ومضت (التليغراف) في تحليلها قائلة إنه: “مع هيمنة واشنطن في العالم؛ من حيث القوة العسكرية التقليدية، فإن ميزة إيران هي المجال غير المتماثل، من خلال هجمات صاروخية وتفجيرات واغتيالات وحتى هجمات مثل تلك التي استهدفت منشآت نفطية سعودية في العام الماضي”.
وأضافت: “يبدو أن الوجود العسكري الأميركي، في سوريا، ضعيفًا للغاية بعد تقليص حجمه وإضعافه من حيث المصداقية وثقة الشركاء، وأي هجوم واحد على مواقع أميركية يمكن أن يحفز واشنطن على الانسحاب العسكري، ليكون التخلي الثاني عن الأكراد”، موضحة أنه: “في العراق، فإن المنشآت العسكرية والدبلوماسية الأميركية ستتعرض بشكل شبه مؤكد لهجوم وترهيب خفيين”.
عواقب وخيمة على السعودية..
حذرت مجلة (نيوزويك) الأميركية من أن اغتيال “الولايات المتحدة”، قائد (فيلق القدس) في “الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، في “العراق”، قد يجلب عواقب وخيمة على حليفتها “السعودية”.
ونقلت المجلة، في تقرير نشرته أمس؛ عن خبراء ومراقبين مختصين بأسواق “النفط” إبداءهم مخاوفهم من إمكانية أن تشن “إيران” هجمات جديدة على البنى التحتية النفطية في “السعودية” ردًا على اغتيال أحد أبرز جنرالاتها، محذرين من أن أي تصعيد جديد في الشرق الأوسط سيؤدي إلى ارتفاع أسعار “النفط”.
ووصف البروفيسور، “غيسون بوردوف”، المستشار السابق لشؤون الطاقة في إدارة “باراك أوباما”؛ ورئيس مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة “كولومبيا”، اغتيال “سليماني”، بأنه بمثابة هزة أرضية بالنسبة للشرق الأوسط، معتبرًا أن يخرج الصراع “الإيراني-الأميركي” عن السيطرة.
وتوقع “بوردوف” أن يكون الرد الإيراني على اغتيال “سليماني”، “قاسيًا وفتاكًا”، بما قد يشمل تصعيد الهجمات على البنى التحية النفطية، قائلًا إن استهداف معملين لشركة “آرامكو” السعودية، في أيلول/سبتمبر الماضي، “كان مجرد بداية”.
من جانبه؛ قال مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط بمعهد مركز الأمن الأميركي الجديد في “واشنطن”: “لا تفاجؤوا إذا أطلقت إيران حفنة من الصواريخ على السعودية والإمارات، ولا سيما على قواعد أميركية وعلى منشآت نفطية فيهما. هم فاجؤونا، في أيلول/سبتمبر، بدقة هجومهم، لكنهم حاولوا حينئذ عمدًا تقليص حجم الأضرار قدر الإمكان، لكن هذه المرة ربما لن يكتفون بذلك”.
بدوره؛ رجح “جون تيرمان”، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية بمعهد “ماساشوتس” للتكنولوجيا، أن تستهدف “إيران” ناقلات أو مواقع نفطية سعودية للانتقام لـ”سليماني” دون الإنجرار إلى نزاع مباشر مع “الولايات المتحدة”.
وتُعتبر شركة “Rapidan Energy” الأميركية؛ أن الأهداف الأكثر ترجيحًا لهجمات إيرانية جديدة محتملة؛ هي مصفاة “آرامكو” في مدينة “ينبع”، وحقل “السفانية” النفطي وحقل “خريص”، الذي قد استهدف في هجوم، أيلول/سبتمبر 2019، حسب وكالة (S&P Global Platts) الأميركية المختصة بأسعار “النفط”.