خاص : ترجمة – لميس السيد :
أعطى الرئيس، “دونالد ترامب”، الشهر المنصرم، الضوء الأخضر لـ”تركيا” للتحرك ضد “وحدات حماية الشعب” الكُردية؛ التي حاربت إلى جانب “الولايات المتحدة” في شمال شرق “سوريا” ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، وأثارت هذه الخطوة غضب الحزبين الرئيسيين في “واشنطن”، الديموقراطي والجمهوري.
يخشى كثير من النقاد أن تكون مصداقية “الولايات المتحدة”، كحليف، على المحك، لكن بحثًا لصحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ اكتشف أن تأثير التدخلات العسكرية على مصداقية التحالف بين الدول قد يقوي موقف الحلفاء إذا تم إدارة الانسحاب بشكل سليم.
وفي حالة إذا كان تم التعامل مع الانسحاب من “سوريا” بشكل صحيح، فإن مصداقية “أميركا”، كحليف، كان يمكن أن تتفوق وتظهر بقوة أكبر أمام حلفاءها، وفقًا لبحث الصحيفة الأميركية. ولكن “الولايات المتحدة” خسرت المصداقية بعد هذه الخطوة بشكل كبير.
المغالاة في المصداقية غالبًا ما يدمرها..
يعيش الحلفاء في خوف دائم من الهجر ويشعر الحلفاء الصغار في كثير من الأحيان بالقلق؛ أنه عندما يأتي وقت الحسم، فإن راعي القوة العظمى قد لا يساعدهم. كما إنهم يدركون أن الحلفاء يتقاسمون بعض المصالح، ولكن ليس كلها. ولذلك، لا يهتم الأكراد بتغريدات “ترامب” بقدر ما يهتمون بتصرفاته.
كيف يمكن ذلك أن يطمئن الحلفاء المتوترين ؟.. خلال الحرب الباردة، جادل العلماء وصُناع القرار بأن “الولايات المتحدة” يمكن أن تعزز مصداقيتها مع الخصوم والحلفاء من خلال تبني سياسات متشددة باستمرار وإظهار القوة. التدخلات العسكرية المحدودة، وخاصة في المناطق البعيدة للدفاع عن الأولويات الثانوية، ستكون فعالة بشكل خاص في طمأنة الحلفاء المصابين بالتوتر.
ويتخيل الحلفاء المتوترين أنه إذا كانت إحدى القوى الكبرى على استعداد لإنفاق موارد كبيرة في أماكن ذات قيمة ضئيلة، فمن المؤكد أنها ستفي بإلتزاماتها تجاه الحلفاء في مواقع ذات أهمية إستراتيجية أكبر. أدى هذا المنطق، من بين أمور أخرى، إلى تدخل “الولايات المتحدة” في “فيتنام” والحرب السوفياتية في “أفغانستان”، والتي يُنظر إليها الآن بشكل عام على أنها مآساة لجميع المعنيين.
مثل هذه الحجج لم تموت مع نهاية الحرب الباردة، في عهد الرئيس، “باراك أوباما”، تعرض للنقد اللاذع من قِبل النقاد في مختلف الأطياف السياسية، في عام 2013، عندما أبتعد عن شن غارة قصف ردًا على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية. واتهموه، بعد ذلك، بتشجيع الروس، في أوائل عام 2014، في ضم “روسيا” لـ”شبه جزيرة القرم” وتدخلها السري في “أوكرانيا”؛ في خريف عام 2015؛ إلى جانب تدخلها العلني في “سوريا”. وزعموا أن ذلك قد أخاف الحلفاء الإقليميين التقليديين، خاصة الإسرائيليين والسعوديين، الذين بدأوا في التفكير في رعاة وموردي أسلحة آخرين.
يقال إن إعلان “ترامب” المفاجيء، للمرة الثانية، بانسحاب القوات الأميركية من “سوريا” قد أثار قلق حلفاء “الولايات المتحدة” حتى خارج منطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك؛ فإن هذا المنطق يعتبر وصفة للتدخلات التي لا تنتهي أبدًا والإلتزامات المتزايدة دائمًا، والتي ستقوض في النهاية مصداقية التحالف عاجلًا أم آجلًا. وإذا لم تستطع الدول التراجع عن الإلتزامات القائمة، فستكون مرهقة بطريقة ستؤدي إلى شك الدول الأخرى في قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها الأساسية في التحالف. المصداقية تشبه السيد الجشع الذي يطالب دائمًا المزيد، لذلك أولئك الذين يبحثون عن المصداقية كوسيلة للأمن القومي، من خلال تبني سياسات لا هوادة فيها، والتمسك بثبات بجميع الإلتزامات، حتمًا يجدون أنفسهم دون أي مصداقية أو أمن قومي في النهاية.
التراجع لا يعني بالضرورة تقويض التحالفات..
كانت حرب “فيتنام” تدخلًا عسكريًا عالي التكلفة، ولكنه كان يبرهن على قدرة “الولايات المتحدة” في طمأنة حلفائها في جميع أنحاء العالم. ولكن في الواقع، جعلت الحرب حلفاء “أميركا”، خارج المنطقة، أكثر توترًا من أي وقت مضى. وعندما انسحبت “الولايات المتحدة” أخيرًا من “فيتنام”، بمكاسب محدودة جدًا، هتف حلفاؤها وقدموا التحية لـ”واشنطن” على قرارها.
تشير الأبحاث إلى أن عمليات انسحاب القوات يتطلب رسمًا واضحًا للتفريق بين المصالح الأساسية والمصالح الطرفية، وإجراء عملية إعادة دراسة للسياسة، والعمل على تقليل الآثار الخارجية للسياسة السلبية إلى الحد الأدنى، وهو ما لم يفعله “ترامب” في الإعلان المفاجيء، عبر تغريدة، 7 تشرين أول/أكتوبر 2019، التي قال فيها: “حان الوقت بالنسبة للخروج من هذه الحروب التي لا نهاية لها وإعادة جنودنا إلى الوطن …”.
وعندما تشك الدول في حلفائها، فإنها تستعد للتخلي عن حليفها الأقوى مباشرة، حيث يستكشفون سُبل أخرى للأمن عن طريق زيادة الإنفاق العسكري أو البحث عن شركاء جدد أو حتى اللجوء لحل السلام مع الخصوم السابقين.
إن الانسحاب من “سوريا” سوف يدعو حلفاء “أميركا” إلى التحوط؛ والدليل هو اتفاق الأكراد مع الحكومة السورية في تحالف بعد هجوم “تركيا”، وهو أمرًا لم يفاجيء أحدًا. ولنفس السبب يعيد الإسرائيليين التفكير مرتين في وضع ثقتهم في ترامب “أميرًا للقدس”. كما أعرب حلفاء آخرون، من “أوروبا” إلى “آسيا”، عن قلقهم منه أيضًا.
قرار “ترامب” الأخير بإعادة القوات الأميركية إلى سوريا “لتأمين النفط” لم يكن مطمئنًا. ومع ذلك، فإن الاستجابة غير المكتملة بين السياسيين والمثقفين في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية تعني ضمنًا أن أي انسحاب أميركي ليس مجرد “خيانة” لحلفائها، ولكنه قرار غير حكيم من الناحية الإستراتيجية.
الانسحاب من “الحروب التي لا نهاية لها” ليس، في حد ذاته من الناحية الإستراتيجية. لكن الانسحاب العشوائي والإندفاعي هو ما يؤدي إلى أزمات في مصداقية التحالف بين الدول.