خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بسبب اعتمادها سياسة التدخل في شؤون الغير، دخلت “تركيا” أزمة جديدة؛ بدأت هذه المرة بأبيات من الشعر ألقاها الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، وهو ما أثار حفيظة الإيرانيين، وفتحت الباب أمام أزمة دبلوماسية مع “طهران”، بدأت بتبادل البلدين استدعاء السفراء.
فخلال احتفال “بانتصار أذربيجان على أرمينيا”، بعد أسابيع من القتال في “ناغورني كاراباخ”، ألقى الرئيس التركي خطابًا تلا خلاله قصيدة للشاعر الأذري، “محمد إبراهيموف”.
القصيدة تتحدث عن تقسيم الحدود الأذربيجانية القديمة بالقوة، وتشير إلى فصل “أذربيجان” بين “روسيا” و”إيران”، بعد معاهدة وقعت عام 1828. وتشكو القصيدة من المسافات التي تفصل السكان الذين يتحدثون اللغة الأذرية على ضفتي “نهر أراس”، الذي تقع “أذربيجان” على ضفته الشمالية.
ويقطع “نهر أراس” الحدود بين “إيران” و”أذربيجان”، وتعيش على إحدى ضفتيه أقلية أذرية تركية في شمال إيران.
لكن صدى أبيات “إردوغان” سمع في “طهران”، التي عبرت عن الاستياء مما صدر عن الرئيس التركي.
استدعاء السفير التركي..
وعلى إثره، استدعت إيران السفير التركي لديها للاحتجاج على ما قالت إنه تدخل في شؤونها، مطالبة بتفسير فوري. وأبدت “طهران” مخاوفها من أن تعزز تصريحات “إردوغان” الميول الانفصالية بين أبناء الأقلية الأذرية في إيران.
كما قالت “الخارجية الإيرانية” إنها أبلغت السفير التركي بأن حقبة إدعاء السيادة على الأراضي والترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية قد ولت.
ومن جانبه، كتب وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، الجمعة، عبر حسابه في (تويتر): “لم يُخبر إردوغان أن القصيدة التي تلاها بشكل غير صحيح، في باكو، تتعلق بالفصل القسري لمناطق أراس الشمالية عن موطنها الأصلي إيران !”.
وتساءل “ظريف”: “ألم يفهم أنه تحدث ضد سيادة جمهورية أذربيجان ؟، لا أحد يستطيع أن يتحدث عن أذربيجاننا العزيزة”، حسبما أوردت وكالة أنباء (إرنا) الرسمية.
وفي سياق متصل، قال المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية، “حسين أمير عبداللهيان”، في تدوينة، إن: “تصريحات السيد، رجب طيب إردوغان، مدعاة للاستغراب والتعجب، فأعتقد أن الرئيس التركي نفسه لا يعرف ما قاله”.
وأضاف، بحسب وكالة أنباء (فارس) شبه الرسمية: “يا سيادة الرئيس إردوغان !؛ هناك فرق بين الجوار والأطماع التوسعية. فالرجاء أن تراجع بدقة تاريخ إيران، وخاصة تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
دعوى للإتعاظ من مصير “صدام”..
كما دعا رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، “مجتبى ذوالنوري”، أمس الرئيس التركي “للإتعاظ” من مصير الرئيس العراقي الراحل، “صدام حسين”، والاعتذار إلى الشعب الإيراني لتصریحاته الأخیرة.
وقال النائب “ذوالنوري”، عبر حسابه على (تويتر): “لو لم يرسب إردوغان في الأدب والجغرافيا والتاريخ لكان قد أدرك أن بيت الشعر الذي قرأه كان قد نظّم في رثاء فصل آذربيجان، (جمهورية آذربيجان الحالية)، عن الأرض الأم إيران. ليتعظ إردوغان من مصير صدام ويعتذر فورًا للشعب الإيراني الموحد والأبي”، وذلك حسب وكالة (فارس) الإيرانية.
الرد بالمثل.. استدعاء السفير الإيراني..
وبالمقابل، استدعت “وزارة الخارجية” التركية السفير الإيراني لدى أنقرة، “محمد فرازمند”، بسبب استيائها من إدعاءات وجهتها “طهران” بحق الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”.
وعبرت “الخارجية التركية” للسفير “فرازمند”، عن استيائها من استدعاء “الخارجية الإيرانية” سفير أنقرة، “دريا أورس”، بعد تغريدة لوزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”.
وأضافت وكالة (الأناضول) أن الخارجية أعربت عن استيائها أيضًا من إطلاق إدعاءات لا أساس لها بحق الرئيس “إردوغان”، والترويج لحملة تبث الكراهية ضد تركيا، على حد تعبير الوكالة.
وأفادت أن “الخارجية التركية” أكدت لسفير “طهران”، رفضها الكامل للإدعاءات الإيرانية.
وأكدت عدم قبولها استخدام الوزير “ظريف” منصة (تويتر) لاستهداف تركيا “عبر إدعاءات لا أساس لها”، عوضًا عن القنوات ذات الصلة التي يمكن للجانب الإيراني اللجوء إليها إذا كان يشعر بالانزعاج من قضية تتعلق بتركيا.
وأوضحت الخارجية أن هذا النهج لا يتوافق مع العلاقة الوثيقة بين “تركيا” و”إيران”، وأنه لن يخدم سوى الجهات التي تريد تقويضها.
عقوبات فردية..
ولم تتوقف المشكلات التي تواجهها تركيا عند ذلك، بل أعلنت تركيا، الجمعة، ردًا مزدوجًا، ومتزامنًا تقريبًا، على قرار “الاتحاد الأوروبي” بفرض عقوبات عليها، على خلفية تصرفاتها: “غير القانونية والعدوانية” في شرق المتوسط، وكذلك على التوجه الأميركي لاتخاذ الخطوة ذاتها وفرض عقوبات.
وكان قادة “الاتحاد الأوروبي” قد قرروا، خلال اجتماعهم في “بروكسل”، الخميس، فرض عقوبات على تصرفات تركيا: “غير القانونية والعدوانية” شرق البحر المتوسط؛ ضد “آثينا” و”نيقوسيا”، حسب ما قالت مصادر دبلوماسية وأوروبية عدة لوكالة (فرانس برس).
وقال دبلوماسي إن: “الإجراءات التي تم إقرارها ستكون عقوبات فردية، ويمكن اتخاذ إجراءات إضافية إذا واصلت تركيا أعمالها”.
وستوضَع لائحة بالأسماء في الأسابيع المقبلة؛ وستُعرض على الدول الأعضاء للموافقة عليها، بحسب التوصيات التي تبنتها قمة الدول الـ 27 في “بروكسل”.
وأعطى القادة الأوروبيون تفويضًا لوزير خارجية الاتحاد، “غوزيب بوريل”: “لكي يقدّم لهم تقريرًا في موعد أقصاه، آذار/مارس 2021، حول تطور الوضع”، وأن يقترح، إذا لزم الأمر، توسيعًا للعقوبات لتشمل أسماء شخصيات أو شركات جديدة، حسب ما قال الدبلوماسي الأوروبي. واضاف: “الفكرة هي تضييق الخناق تدريجيًا”.
توجهات متحيزة وغير قانونية..
والجمعة، أبدت “وزارة الخارجية” التركية رفضها لتوجهات القمة الأوروبية، واصفة إياها: بـ”المتحيزة وغير القانونية”.
وقالت “وزارة الخارجية” التركية؛ في بيان: “نرفض هذا الموقف المنحاز وغير القانوني الذي تم إدخاله في نتائج قمة الاتحاد الأوروبي؛ بتاريخ 10 كانون ثان/ديسمبر”.
من جانبه، وفي نفس التوقيت تقريبًا، هاجم الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، “الولايات المتحدة”، التي تتجه هي الأخرى لفرض عقوبات على تركيا.
وقال “إردوغان” إن: “التوجه الأميركي لفرض عقوبات على تركيا؛ باستخدام قانون (كاتسا)، يعبر عن عدم احترام لحليف في (حلف شمال الأطلسي)، الناتو”.
وقالت مصادر، الخميس، إن الولايات المتحدة بصدد فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس-400).
وكشفت المصادر أن الخطوة المتوقعة منذ فترة، والمُرجح أن تُثير غضب “أنقرة”، وتُعقد بشدة علاقاتها مع الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة الرئيس المنتخب، “جو بايدن”، قد تُعلن في أي يوم.
الأمر متروك للإدارة الأميركية الجديدة..
في هذا السياق؛ قال المحلل السياسي التركي، “مصطفى أوزغان”، إن: “بعض الدول الأوروبية غير متحمسة لفرض عقوبات على تركيا، وبعضهم مستعد لهذه الخطوة، مثل فرنسا واليونان، لذلك فالأمر متروك للإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية”، على حد قوله.
لكنه، أعرب عن إعتقاده أن إدارة “جو بايدن” الجديدة لن تُفرض عقوبات على تركيا، معتبرًا أن إحداث تغيير في الإدارة الأميركية، قد يُعطي مزيدًا من الوقت للتفكير في فرض عقوبات على تركيا من عدمه.
ضغوط مزدوجة ضد روسيا وتركيا..
الخبير بالشؤون الإقليمية، الدكتور “فراس رضوان اوغلو”، من جهته قال أنه: “يمكن إعتبار الضغوط الأميركية، عبر هذه العقوبات، مزدوجة ضد تركيا وروسيا؛ لأن واشنطن تظن أن التعاون الإستراتيجي والجيوإستراتيجي بين تركيا وروسيا يتوسع بشكل واضح وكبير حتى وصلنا إلى ليبيا وقره باغ وسوريا، هذا كان واضحًا أكثر من مسألة السلاح بحد ذاته”.
وأشار “أوغلو” إلى أنه: “من الأفضل أن ننتظر نتائج اللقاءات القادمة وإمكانية الجلوس على الطاولة؛ لأن الجميع متفق أن الحل السياسي هو الحل الوحيد ولا أحد يريد أن يُحدث فراغ في المجتمع الدولي. كما نعلم تركيا قوة فاعلة في حلف (الناتو)، ولها ثقلها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولديها أوراق كثيرة يمكن أن تستخدمها لصالحها”.