وكالات- كتابات:
خلال الـ (03) أعوام الماضية؛ أصبح من المُّثير للانتباه جدًا مدى انتعاش السياحة في “العراق” من قبل السائحين الأجانب من الأوروبيين أو الأستراليين أو الأميركيين حتى، فيما أرجع هذا الانتعاش في الغالب إلى تحسّن الوضع الأمني في “العراق”؛ وكذلك إلى زيارة “بابا الفاتيكان” إلى “العراق” ومدينة “أور”، في 2021.
لكن ما يحدث في الحقيقة؛ وسر هذا القدوم المتزايد من السائحين الأجانب لـ”العراق”، له جانبٍ آخر لا يتعلق بتحسّن الوضع الأمني في “العراق” ولا بزيارة “بابا الفاتيكان”، بل هو سلوك جديد بدأ ينتشر لدى: “الأثرياء ومُحبي السفر في العالم”، يسُّمى: بـ (السياحة المظلمة)، ولا يقتّصر على “العراق” فحسّب، بل إلى “أفغانستان” وعددٍ من مناطق “إفريقيا”، التي شهدت نزاعات كثيرة، حيثُ بدأ ينتعش هذا التوجه مؤخرًا برغبة السائحين بزيارة البلدان التي شهدت نزاعات، ولا يُريد السائحون الشعور بالرفاهية من هذه الزيارات بل التعرف على الحياة الصعبة وطبيعة السكان فيها، وكذلك الشعور بالمخاطرة.
استثمارات سياحة “الأماكن الخطرة”..
وكيل السفر في “نيو ساوث ويلز”؛ (أستراليا)، “ديفيد سميث”، يقول إن من بين المتقاعدين الأثرياء الذين سافروا كثيرًا هناك كثيرون يرغبون في زيارة هذه الأماكن الخطرة، حسّبما ذكرت صحيفة (نيويورك بوست).
لطالما تخصصت شركة (سميث فوروارد ترافيل) في تقديم برامج سياحية مخصصة لوجهات فريدة بعيدة عن الطرق التقليدية، وقد عرضت الشركة رحلات استكشافية إلى “القطب الشمالي” ورحلات إلى مناطق نائية في “باتاغونيا”، ومع ذلك، منذ عام تقريبًا، أطلقت الشركة عروضًا في “أفغانستان والعراق وغرب إفريقيا”.
لاحظ “ديفيد سميث”؛ وكيل الشركة، الصور التي كان السياح يتشاركونها على وسائل التواصل الاجتماعي، مما ألهمه للقاء ممثلين من بلدان: “خطيرة”، في معرض “بورصة السياحة العالمية”، وهو معرض السفر التجاري الرائد في العالم؛ في “برلين”، “ألمانيا”، وقد تمت دعوته بعد ذلك لزيارة “العراق” ورؤية “العراق” بأم عينيه.
وقال السيد “سميث”: “لقد كان العراق بمثابة اكتشاف حقيقي بالنسبة ليّ، لقد زرت (100) دولة ويُمكننّي أن أقول بصدق إن شعب العراق كان من أكثر الشعوب ودًا وكرمًا، لقد كانوا سعداء للغاية عندما علموا أن الغربيين يريدون فقط زيارة بلادهم، وليس غزوها أو سرقة آثارها”.
وأضاف: “لقد أمضيت (14) يومًا في السفر من البصرة عبر العراق إلى كُردستان، ومن وجهة نظر الانغماس في التاريخ، كان الأمر مذهلاً بكل بساطة، يمكنني القول إنني زرت مهد الحضارة الإنسانية”.
نمو ملحوظ لـ”السياحة المظلمة”..
وقال “سميث”؛ إن سوق السياحة في “أفغانستان والعراق وغرب إفريقيا” تشهد نموًا ملحوظًا مع زيادة الطلب، لكنها لا تزال في بداياتها من حيث عدد السائحين القادمين.
ومن المثير للاهتمام أن مناطق الحرب السابقة هذه تحظى بشعبية كبيرة بين المتقاعدين العسكريين الأستراليين الأكبر سنًا، الذين تتراوح أعمارهم بين: (60 و70 عامًا).
وقال “سميث” إن هذه البلدان ليست رخيصة للزيارة؛ وليست مناسبة للمسافر عديم الخبرة، فالأشخاص الذين سافروا كثيرًا من قبل، وغالبًا ما حلموا برحلات متطرفة، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى البلدان التي كانوا مهتمين بها بسبب عدم الاستقرار السياسي هناك، غالبًا ما يهتمون بمثل هذه الطرق، والآن لديهم الوقت والمال والفرصة: “هؤلاء هم الأشخاص الذين لا يسألون أشياء مثل: لدينا (5000) دولار، ماذا يمكنني أن أحصل عليه ؟.. يقولون مباشرة: أريد أن أرى هذا، كم سيكلفني ؟، ومع ذلك، فإنهم لا يبحثون عن الرفاهية”.
يقول “سميث”: “يُريد هؤلاء المسافرون أن يروا كيف يعيش السكان المحليون، إنهم سعداء بالبقاء في منازل عادية، والعيش في أبسط الظروف، إذا قادهم ذلك إلى ذلك المعبد في وسط الغابة الذي قرأوا عنه في كتاب”.
وقال “سميث” إن هذه الوجهات تجتذب عشاق التاريخ والثقافة المتعلمين الذين يعرفون بالضبط ما يريدون، كما ينجذبون إلى الغموض.
تحذيرات رسمية..
أصدرت “وزارة الخارجية” الأسترالية تحذيرًا رسميًا بشأن السفر إلى “العراق وأفغانستان”، والتحذير من المستوى الرابع هو أعلى مستوى، وجاء في التحذير: “لا تسافر إلى العراق، بما في ذلك إقليم كُردستان العراق، بسبب الوضع الأمني المتقلب وتهديد الإرهاب والصراع المسلح والخطف والجرائم العنيفة”. وفيما يتعلق بـ”أفغانستان”، حذر الموقع: “لا تُسافر إلى أفغانستان بسبب الوضع الأمني الخطير للغاية والتهديد الشديد للإرهاب والخطف”.
وينصح “سميث”؛ المسافرين الراغبين في السفر إلى وجهات غريبة وخطيرة، بالبحث بعناية عن جميع العادات المحلية والمخاطر المحتملة، واستشارة الخبراء ومناقشة وجهتهم بالتفصيل، والتسجيل في قنصليتهم قبل المغادرة، واستخدام الحسّ السليم عند التنقل في مناطق غير مألوفة، وإتباع نصيحة المرشد المحلي دائمًا.
الخطر جذاب..
وقال الدكتور “ديفيد بيرمان”؛ الخبير في إدارة المخاطر في السياحة، إن هناك دائمًا سائحين يتطلعون إلى السفر إلى أماكن خطرة أو مواقع الصراع الأخيرة.
وقال الدكتور “بيرمان”: “لدينا حركة كاملة تسُّمى (السياحة المظلمة)؛ أو (سياحة الموت)، حيث يذهب الناس إلى الأماكن التي حدثت فيها أشياء مروعة، سواء كان ذلك موقع كارثة طبيعية أو معسكر اعتقال نازي قديم”.
عمل في مكتب السياحة الحكومي الإسرائيلي في “أستراليا ونيوزيلندا وجنوب غرب المحيط الهاديء” من عام 1994 إلى عام 2006، وقال إن السؤال الأول الذي طرح عليه كان: “هل المكان آمن ؟”
كان جزء كبير من عمله يتلخص في إبلاغ المسافرين بالمناطق الآمنة تمامًا والمناطق التي ينبغي لهم تجنبها بحكمة، ولكن كان هناك مسافرون لا يخشون أي شيء، يقول “بيرمان”: “كانت هناك دائمًا مجموعة صغيرة من الناس الذين أرادوا الذهاب إلى أكثر الأماكن خطورة، على سبيل المثال على الحدود مع سورية أو لبنان أو غزة، وكانوا متحمسين بطريقة أو بأخرى لهذا الاحتمال”.
ويعتقد أن نصيحة الحكومة بعدم السفر قد يكون لها أحيانًا تأثير معاكس على الناس، وقال: “سيظل هناك دائمًا أشخاص يفكرون، (أوه، الجميع يخبرونني أنني لا ينبغي أن أذهب إلى هناك، لذا ما المشكلة، سأذهب)”، مضيفًا أن هذا النوع من السفر غالبًا ما يكون متاحًا بشكلٍ أساس للهواة الأثرياء، نظرًا لأن التكاليف المالية لمثل هذا السفر كانت دائمًا مرتفعة.