وكالات – كتابات :
منذ عدة أشهر؛ ناقش سلاح الجو الأميركي علنًا خططًا لتقاعد واحدة من أقوى مقاتلات التفوق الجوي الشبحية، (F-22 Raptor)، وذلك من أجل إفساح المجال لمقاتلة شبحية جديدة قيد التطوير. وعلى الرغم من أن الجدول الزمني الدقيق لا يزال غامضًا إلى حدٍ ما، إلا أن حقيقة الأمر لا تزال قائمة: عهد (رابتور) يقترب من نهايته.. فلماذا تُريد “أميركا” سحب (إف-22 رابتور) الشبحية؛ التي توصف بأنها الأكثر سرية وقدرة في العالم ؟
لماذا تُعد “إف-22 رابتور” الشبحية الأكثر تفوقًا في العالم ؟
عندما إنطلقت طائرة “لوكهيد مارتن”؛ (F-22 Raptor)، لأول مرة في الجو عام 1997، كانت طائرة مختلفة تمامًا عن أي شيء في الخدمة، بحيث أصبحت الأساس الذي سيظهر منه جيل جديد من المقاتلات، نعرفه الآن بالجيل الخامس.
لكن الآن، بعد ربع قرن، وجدت ثلاث طائرات تكتيكية أخرى طريقها إلى الخدمة بقدرات متقدمة بما يكفي لتحل هذا المكان من طائرات الجيل الخامس الأميركية. وعلى الرغم من أن هذه الطائرات أحدث من (F-22 رابتور)، لا تزال هذه المقاتلة: “الموقرة”؛ لدى الجيش الأميركي، تُعتبر على نطاقٍ واسع أقوى مقاتلة (جو-جو) على هذا الكوكب، كما يقول تقرير لموقع (sandboxx) العسكري الأميركي.
وتحمل (إف-22) على متنها مجموعةً من التقنيات المذهلة داخل منصةٍ عالية المناورة بسرعات تفوق سرعة الصوت. وهي طائرةٌ عجيبةٌ للغاية في بعض الزوايا؛ إذ قررت (البنتاغون) شراء: 186 من أصل: 750 كانت تنتوي شراءها، رغم كونها الأفضل في مجالها. وعلاوةً على ذلك فقد أغلق “الكونغرس” الباب في وجه أي مشترٍ محتمل، وحظر على الشركة المصنعة؛ (لوكهيد مارتن)، بيع هذه الطائرة خارج البلاد لأي دولة كانت.
وجمعت هذه الطائرة حين تم تقديمها عام 2005، باعتبارها مقاتلة تفوّق جوي متعددة المهام، بين التقنيات المتقدمة، مثل التخفي ودمج المستشعرات لإنتاج وعيٍ متكامل بالظروف المحيطة، وبين هيكل طائرة شديد المناورة وقادر على الطواف الفائق؛ (أو التحليق بسرعات فوق صوتية دون الحاجة إلى وحدات الحارق اللاحق في المحرك النفاث).
وتُعتبر مقاتلات (إف-22) رائعةً في المعارك الجوية بفضل قدراتها على توجيه الدفع؛ حيث يتمتع محركاها بفوّهات دفع مصممة خصيصًا لتستطيع التحرك بشكلٍ عمودي، حتى تتمكن من توجيه دفع المقاتلة؛ التي يبلغ وزنها: 31.751 كغم في أي اتجاه، حتى وإن كانت تتحرّك في اتجاهٍ معاكس، ما يسمح للمقاتلة بتنفيذ ألعابٍ بهلوانية رائعة، علاوةً على استغلال زوايا الهجوم شديدة الارتفاع خلال الاشتباك من مسافةٍ قريبة.
كما تحظى مقاتلات (إف-22) بتسليح شديد التنوع، من الصواريخ إلى القنابل وحتى المدافع الرشاشة الضخمة. وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي قدرة هذه المقاتلات على حمل كل تلك الذخائر داخل مخازن الأسلحة الثلاثة الموجودة على متنها، ما يعني أنّها لن تُضحي بقدراتها على التخفي في سبيل حمل كل تلك القوة النارية.
ومع سقفٍ تشغيلي يبلغ: 15.240 مترًا ومدى يصل إلى نحو: 3.057 كيلومترًا؛ تستطيع مقاتلات (إف-22 رابتور) التحليق بسرعات تتجاوز: “ماخ-2”. ورغم مميزات المقاتلة الرائعة، لكن برنامج مقاتلات الـ (رابتور) لم يدُم طويلاً.
لماذا كانت مقاتلة “إف-22 رابتور” مهددة بالانقراض منذ البداية ؟
وُلدت الطائرة (F-22) من برنامج المقاتلات التكتيكية المتقدمة التابع لسلاح الجو، وهو جهد بدأ حقًا في عام 1981، عندما طور سلاح الجو لأول مرة قائمة متطلباته لجيل جديد من مقاتلات التفوق الجوي التي تهدف إلى استبدال مقاتلة (F-15) بالفعل، كما يقول تقرير لمجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية.
وفي عام 1981، كانت الحرب الباردة لا تزال حية، وبينما تم تصميم (F-15) كإجابة لما أعتقدت “أميركا” أن طائرة (MiG-25) السوفياتية قادرة على القيام به، أعتقد سلاح الجو أن الأمر سيكون مجرد مسألة وقت قبل أن يُرسل السوفيات مقاتلاتهم من الجيل التالي بهدف مواجهة مقاتلة (F-15).
لذلك؛ من أجل الحفاظ على الميزة التنافسية لـ”أميركا”، لم يكن هناك وقت للراحة والإتكاء على أمجاد طائرة (F-15). وبحلول عام 1985، كان سلاح الجو الأميركي يُرسل طلبات تقديم العروض، وبحلول عام 1991، كانت النسخة الأولية من (رابتور)، (YF-22)، تطير بالفعل، وفازت بالمنافسة للانتقال إلى الإنتاج.
وبعد ست سنوات، في عام 1997، تم إطلاق أول طائرة من طراز (F-22) في الجو، وبعد ثماني سنوات، كانت هذه الطائرة المدهشة في الخدمة.
لكن في نفس العام الذي فازت فيه شركة (لوكهيد مارتن) بعقد بناء طائرة (إف-22)، إنهار “الاتحاد السوفياتي”، وانتصرت “أميركا” في الحرب الباردة. بحلول الوقت الذي دخلت فيه الطائرة (F-22) الخدمة، لم تُعد “الولايات المتحدة” تُحاول ردع خصم قوي على مستوى الدول. وبدلاً من ذلك، كانت تُشن حربًا في مسارح متعددة ضد الجماعات المسلحة مثل: (القاعدة) وغيرها، التي ليست لديها دفاعات جوية أو مقاتلات يمكنها مواجهة طائرة (F-22).
وهكذا، في عام 2009، تم تخفيض طلب حاجة “أميركا” من هذه الـ (إف-22)، من: 750 طائرة إلى: 186 فقط، مع: 150 طائرة فقط أو ما يُقارب ذلك من الطائرات المشفرة. وأصبحت طائرات (F-22)، التي كان من المتوقع أن تحل محل طائرات (F-15) فجأة من الأنواع المهددة بالانقراض.
ومع تتابع تطوير طائرة (F-35) متعددة الأدوار عن كثب، تم تفكيك الكثير من خط إنتاج (F-22) لصالح الطائرة الجديدة؛ (إف-35). ويعني هذا القرار أن أي جهد لإعادة إنتاج (F-22) في المستقبل سيكون باهظ التكلفة بشكلٍ كبير.
المقاتلة الشبحية سيئة الحظ !
أدى تفكيك خط إنتاج (إف-22) وتطوير (إف-35)؛ إلى ارتفاع كبير في سعر الطائرة وصيانتها وخلق مخاوف فورية بشأن توافر هياكل الطائرات في معركة واسعة النطاق. كما أدى إلى ارتفاع تكلفة الأجزاء، فمع توقف خطوط إنتاج الطائرة، لا يمكن ببساطة استبدال بعض المكونات.
تُعد (F-22)، من نواحٍ كثيرة، جسرًا بين فلسفتين مختلفتين جدًا في القتال الجوي. فهي تمتلك درجة عالية من القدرة على المناورة، والتي ولدت في جزء كبير منها من التحكم في قوة الدفع، جنبًا إلى جنب مع نسبة الدفع إلى الوزن العالية ومدفع (Raptor M61A2 20mm Gatling) يجعلها مقاتلة ماهرة على قدم المساواة مع بعض مقاتلات الجيل الرابع الأكثر قدرة وتفوقًا في العالم.
كما أن (إف-22) تفتخر أيضًا بأصغر مقطع رادار من أي مقاتلة من الجيل الخامس، إلى جانب درجة عالية من اندماج أجهزة الاستشعار والوعي بالظروف، مما يسمح لطياريها برصد مقاتلي العدو من خارج النطاق البصري، غالبًا قبل أن يعرف الخصم أن طائرة (F-22) موجودة هناك.
لذلك؛ في عالم يميل فيه معظم المقاتلين إلى إعطاء الأولوية للملاكمة القريبة مثل طائرة (Su-35) أو القنص لمسافات طويلة مثل: (F-35)، تُقّدم طائرة (F-22) مزيجًا كفؤًا للغاية من الخيارين. ومن المؤكد أن هناك المزيد من المقاتلات البهلوانية في العالم، وقدرات اندماج المستشعر وإدارة البيانات في (F-35) هي تحسن كبير مقارنة بطائرات (F-22)، ولكن لا توجد طائرة في العالم تُدير كليهما إلى هذه الدرجة العالية مثل (إف-22).
مواجهة أسلحة القرن الحادي والعشرين..
ولكن مثل جميع أشكال التكنولوجيا، فإن طائرة (F-22) لها تاريخ إنتهاء صلاحية، وتعتقد القوات الجوية الأميركية أن هذا التاريخ يقترب بسرعة. ففي حين أن (رابتور) ربما تم تصميمها خصيصًا للسيطرة على القتال الجوي، فإن التهديد الأكثر قوة الذي يمكن أن يواجهها في صراع القرن الحادي والعشرين يأتي على الأرجح من الدفاعات الجوية المتطورة بسرعة، والتي تمتلك مجموعة متنوعة من أساليب الكشف والاستهداف الجديدة أو المُحسّنة.
بعبارة أخرى، ربما لا تزال الطائرة (F-22)؛ هي المفضلة في معركة (جو-جو) مع أي مقاتلة أخرى تقريبًا، لكن هذا لا يضمن البقاء على قيد الحياة ضد أحدث وأكبر صواريخ (أرض-جو) الدفاعية.
ويقول الجنرال “كلينتون هينوت”، نائب رئيس أركان القوات الجوية الأميركية للإستراتيجية والتكامل، لموقع (Defense News): “بحلول الإطار الزمني لعام 2030 تقريبًا، سنكون نتحدث عن مقاتلة عمرها: 40 عامًا، ولن تكون الأداة المناسبة للعصر الجديد من الأسلحة، خاصة عندما نتحدث عن الدفاع عن أصدقاء مثل: تايوان واليابان والفلبين ضد التهديد الصيني الذي يتنامى”.
وتخضع القوات الجوية الأميركية حاليًا لسلسلة من التحديثات بقيمة: 11 مليار دولار لأسطولها من طائرات (رابتور)، والتي تشمل خزانات وقود خارجية وأبراجًا جديدة أكثر شبحية، وأسلحة (جو-جو) جديدة بعيدة المدى مثل (AIM-260).
ولكن مع كل هذه الترقيات الرائعة، تظل مجموعة إلكترونيات الطيران في طائرات (إف-22 رابتور) قديمة، مما يُشير إلى وجود قيود شديدة عندما يتعلق الأمر بتحسين أنظمتها. ومما يُزيد المشكلة تعقيدًا أن هذه الأنظمة صُمّمت في وقتٍ توقعت فيه القوات الجوية إنتاج أسطول كبير من مقاتلات (رابتور) تُركز على التواصل فيما بينها، وليس مع الطائرات الأخرى التي سيتم إنتاجها لاحقًا.
لذلك، ستحتاج هذه الطائرة إلى استبدال عناصر من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها بالكامل من أجل تحديثها مع إلكترونيات الطيران الأكثر تقدمًا لمنصات مثل (F-35). في الواقع، لن تسمح أجهزة (F-22) المتقادمة حتى بالتواصل مباشرة مع المقاتلة الشقيقة عبر رابط البيانات المباشر، مما يتطلب منصة أخرى لتكون بمثابة وسيط ترجمة بين: (إف-22) و(إف-35).
لكن إلكترونيات الطيران القديمة ليست الشيء الوحيد الذي يحد من أداء (رابتور) في المستقبل. كما تظهر الصور التي تظهر على الإنترنت في كثير من الأحيان بشكلٍ متكرر، فإن طلاء (F-22) الماص للرادار مُعرّض بشكلٍ كبير للضرر الناجم عن الطيران عالي السرعة. كما أنها مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا طويلاً لإصلاحها.
وعلى الرغم من قدرات (إف-22) المذهلة، فإن فقدان بعض هياكل الطائرات في معركة مع نظير مثل: “الصين”؛ سيكون شبه مؤكد. وحقيقة الأمر هي أن امتلاك أفضل مقاتلة بهلوانية في العالم لا يُساعد كثيرًا إذا كنت لا تستطيع تحمل خسارة أي قتال.
طائرات الجيل السادس تستعد لأخذ التاج من “إف-22 رابتور”..
لكي نكون واضحين؛ من شبه المؤكد أن الطائرة (F-22) ستستمر في الطيران لفترة أطول مما تسمح به القوات الجوية حاليًا، وستظل على الأرجح جزءًا أساسيًا من إستراتيجية التفوق الجوي لـ”أميركا”؛ حتى عام 2030. ومع ذلك، فيما يتعلق بالجداول الزمنية الطويلة لتطوير المقاتلات، فإن فترة إنتهاء صلاحية (إف-22) كملك للسماء قد بدأت بالفعل، مع إغلاق برنامج الهيمنة الجوية للجيل القادم من الطائرات الشبحية (NGAD).
وبرنامج طائرة (NGAD) هو الجيل الجديد من: “طائرات الهيمنة”، وهي مبادرة من الجيل السادس التابعة لسلاح الجو الأميركي، التي تهدف إلى إقامة: “عائلة من الأنظمة” ستحل في نهاية المطاف محل طائرة (إف-22 رابتور). وستحصل (NGAD) على اسم وتسمية مختلفين مع اقترابها من الخدمة، ولكن ما الذي ستُحققه (NGAD) بالضبط لكسب هذا التمييز، لا يزال غير واضح إلى حدٍ ما.
تُشير التقارير إلى أن (NGAD) قد لا تكون خفية فقط ضد مصفوفات الاستهداف عالية التردد مثل (إف-22)، ولكنها قد تكون أيضًا أول مقاتلة شبحية تم تصميمها لهزيمة الاكتشاف ضد المصفوفات منخفضة التردد التي يُمكنها حاليًا اكتشاف معظم مقاتلات التخفي، إن لم يتم توفيرها بالفعل. كما أنه من المؤكد أيضًا أن المقاتلة الجديدة ستتباهى بزيادة كبيرة في النطاق على (F-22)، من أجل إدارة المساحات الشاسعة من “المحيط الهاديء” بشكلٍ أفضل.