خاص : كتبت – نشوى الحفني :
كان من بين أهم الاتفاقيات التي توصلت إليها الحكومة العراقية مع نظيرتها المصرية، في الزيارة الرسمية التي أجراها رئيس الوزراء المصري، “مصطفى مدبولي”، السبت الماضي، التوصل إلى توافق مبدئي مع العراق حول إنشاء آلية “النفط مقابل الإعمار”.
وهو ما أشاد به “مدبولي”، في كلمة ألقاها خلال الجلسة الرئيسية لاجتماعات اللجنة العليا “المصرية-العراقية” المشتركة في بغداد، “بما تم التوافق المبدئي حوله بشأن أهمية إنشاء آلية النفط مقابل الإعمار”.
وأوضح “مدبولي”، حسب بيان للحكومة المصرية، أن الآلية يجري عملها من خلال “قيام الشركات المصرية بتنفيذ مشروعات تنموية في العراق الشقيق، مقابل كميات النفط التي سوف تستوردها مصر من العراق”.
وأكد “مدبولي” على أن: “إنشاء هذا الصندوق سوف يسهم في مضاعفة التعاون ويعزز تنفيذ المشروعات التنموية على أرض بلاد الرافدين الحبيبة”.
وشهدت العلاقات “المصرية-العراقية” تطورًا كبيرًا، خلال الأشهر الماضية، وتوجت تلك العلاقات المشتركة بتوقيع 15 اتفاقية خلال زيارة “مدبولي” إلى بغداد، السبت الماضي، ولكن هل ينجح الجانبان في تخطي العقبات الإقليمية والدولية، خاصة في تنفيذ آلية “النفط مقابل الإعمار” ؟.
خفض الإنفاق على الواردات النفطية..
تعليقًا على تلك الآلية وأهميتها، قال الدكتور “كريم عادل”، رئيس مركز “العدل” للدراسات الاقتصادية، إن توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة بين مصر والعراق؛ خلال زيارة الدكتور “مصطفى مدبولي”، رئيس الوزراء، يعكس مدى حرص الدولة المصرية على تحقيق التعاون والترابط مع العراق بشكل خاص وفي المنطقة العربية بشكل عام بهدف تعزيز العمل العربي المشترك في ظل الأوضاع العصيبة التي يعيشها العالم العربي.
مضيفًا أن الدولة المصرية تحرص على تحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة والحد من آثار الحروب والاضطرابات داخل العراق والمنطقة العربية، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات والتعاون ستنعكس آثارها على الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وبالتالي فإن مشاركة مصر في إعادة إعمار العراق يأتي حرصًا منها على إعادة عجلة البناء والتنمية والاستقرار إليها وللمنطقة العربية.
وذكر رئيس مركز “العدل” للدراسات الاقتصادية، أن الاتفاق على إنشاء آلية “النفط مقابل الإعمار”، بين القاهرة وبغداد، سيساهم في خفض الإنفاق على الواردات من المواد البترولية، وهو ما سينعكس بدوره على خفض بند الإنفاق في الموازنة العامة للدولة والحفاظ على النقد الأجنبي، الذي كان يتم توفيره آو تخصيصه لسداد قيمته.
يحل جزء من الأزمة المالية بالاقتصاد العراقي..
كما أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية، “رعد تويج”، أن اتفاقية “النفط مقابل الإعمار” باستبدال المشاريع الإعمارية التي تقدمها الشركات المصرية، بالنفط العراقي، أي التمويل بالمقايضة؛ يحل جزءًا من الأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد العراقي، وهي خطوة صحيحة نحو إعمار البلد .
وقال “تويج”، تعتبر “مصر” من الدول الناشئة؛ وفيها شعب منتج بعد أن أجتازت مصر مراحل عديدة من الإصلاح الاقتصادي، وقد دفع المجتمع المصري ثمن مراحل الإصلاح بالمزيد من الحرمان والتضحيات الاقتصادية إلى أن تحول إلى مجتمع فعال، بالرغم من قلة الموارد الطبيعية، لكنه أسس رأسمالاً وطنيًا في العديد من الشركات الإنتاجية وفي صناعات استراتيجية، مبينًا أن معدلات النمو في مصر حاليًا بلغت 5% نتيجة انخفاض أسعار البترول، والذي كان السبب ذاته في زيادة معدل الإنكماش في العراق بحدود 12%، وفي هذه الحالة فإن الاقتصاد العراقي والمصري كل في حاجة إلى الآخر.
وأشار إلى أن: “استبدال المشاريع التي تقدمها الشركات المصرية بالنفط العراقي، أي التمويل بالمقايضة، يحل جزءًا من الأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد العراقي، وهي جزء من منافع الدبلوماسية الاقتصادية؛ وأن مثل هذا الأسلوب الناجح يمكن أن نتبعه مع دول أخرى لكسر الطوق الاقتصادي الذي فرضته جائحة كرونا”.
وقدم الخبير الاقتصادي مقترحًا أن يكون ذلك مع “كوريا والهند والصين واليابان” وغيرها؛ والتي هي في أمس الحاجة لـ”النفط العراقي”، و”العراق” بحاجة إلى شركاتها.
يتوقف على إقناع “أوبك” بالآلية..
من جهته؛ قال الدكتور “أمين بكر”، عضو اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان العراقي؛ إن: “ما يجري من تفاهمات وتطوير للعلاقات بين مصر والعراق؛ لا يجب أن يقرأ فقط من الناحية الاقتصادية فقط، بل يجب النظر إليها من جانب تقوية العلاقة بين البلدين وإرجاع العلاقات الطبيعية بين العراق ومصر وحتى الأردن”.
مضيفًا: “أما بالنسبة لآليات بيع النفط والاتفاق المصري العراقي على آلية النفط مقابل الإعمار، فالعراق منذ زمن وهو عضو في اتفاقية (أوبك) للدول المنتجة للنفط؛ وفي المقابل مصر من الدول المستوردة للنفط، لذلك فإن الاتفاق يتوقف على قدرة القاهرة وبغداد على إقناع منظمة (أوبك) بالآلية التي يريدها البلدين، بمعنى هل ما سيصدر من النفط العراقي سيكون خارج حصة الإنتاج المقررة للعراق من جانب المنظمة أو خارج طاقته السابقة والمعروضة في الأسواق العالمية ؟”.
وأوضح عضو النواب: “كما نعلم أن اتفاقية (أوبك) هى زمنية، أي ليس هناك سقف زمني محدد لإنتهائها، علاوة على أن الأزمة الاقتصادية العالمية، نتيجة تفشي جائحة كورونا، فاقمت من الأزمة بعد تأثيرها على الأسواق العالمية للنفط والقدرات البيعية والشرائية، وقد أثر هذا الأمر على العراق بصورة كبيرة؛ نظرًا للظروف التي يعاني منها قبل الأزمة، حيث تعتمد الميزانية على نسبة 95 بالمئة من صادرات النفط”.
وتابع “بكر” قائلاً إن: “انخفاض أسعار النفط، وأيضًا تخفيض كميات الإنتاج العراقية وفق اتفاق الدول المصدرة، هذا الأمر تأثر به العراق كثيرًا لدرجة أنه لم يستطع إلى الآن الانتظام في دفع رواتب الموظفين في مواعيدها المحددة، ومنذ فترة يحاول العراق إقناع دول (أوبك) بزيادة حصته في بيع النفط الخام، وأعتقد أن من حق العراق أن يزيد من إنتاجه لأنه متضرر خلال السنوات السابقة نتيجة الحروب، وبشكل خاص ضد تنظيم (داعش)، الذي استنزف الكثير من الطاقة الإنتاجية والمالية للعراق، فكان يجب على الدول المصدرة أن تأخذ بالاعتبار الوضع والإمكانيات العراقية”.
توجد ناحية سياسية للاتفاق..
وأكد أنه: “إذا لم يوفق العراق في إقناع الدول المنتجة بالعودة إلى وضعه السابق في الإنتاج النفطي، هذا الأمر سيؤثر على وضع العراقي المالي والاقتصادي والأمني؛ والذي يؤثر بدوره على أمن المنطق”، مشيرًا إلى: “أن اتفاق النفط بين مصر والعراق يجب أن يقرأ من الناحية السياسية أولاً قبل الاقتصادية، ولو عدنا إلى الاقتصاد، نجد أن مصر لديها إمكانيات في جانب الإعمار والبنية التحتية يمكن أن يستفيد منها العراق لإعادة الإعمار مقابل النفط”.
ترويج للشركات المصرية..
كما أوضح خبير النفط المصري، “رمضان أبوالعلا”، إن: “لدى مصر شركات إعمار كبرى، وحال تنفيذ اتفاقية النفط مقابل الإعمار مع العراق، سيكون هذا الأمر بمثابة ترويج للشركات المصرية، هذا بجانب العمالة المصرية التي سوف تذهب للعمل في تلك الشركات”.
مضيفًا أن: “النفط العراقي، الذي سيأتي إلى مصر، سوف تحصل منه على احتياجاتها الاستهلاكية؛ ثم يعاد تصنيع الباقي وتصديره مشتقات بترولية، ويأتي الاتفاق الأخير استكمالاً لاتفاق خط الأنابيب المصري العراقي الذي يمر بالأردن”.
مساندة العراق لتحرير قراره السياسي..
وحول العقبات التي يمكن أن تواجه تلك الاتفاقية، قال “أبوالعلا”: “ما أخشاه على تلك الاتفاقية؛ هو الضغوط السياسية، خصوصًا أن القرار السياسي العراقي مرهون بالأوضاع في الداخل، والتي تتنازعها عدة أطراف إقليمية ودولية، سواء من إيران أو الولايات المتحدة الأميركية، ويجب أن لا نخضع لتلك الضغوط وأن يتم الوقوف بجانب بغداد لكي يتحرر قرارها السياسي”.
وأضاف قائلاً: “هذا الأمر يتطلب الكثير من التضحيات الاقتصادية؛ لتشغيل الشركات المصرية بالعراق، حتى وإن لم نحقق مكاسب في الوقت الراهن، لكن ستكون هناك مكاسب كبرى على المدى الطويل، فمجرد إيجاد وظائف للمصريين هناك وخلق فرص عمل هو مكسب ليس بالقليل”.
لافتًا الخبير النفطي إلى أن: “توقيت توقيع الاتفاقيات في الوقت الراهن، وفي ظل الظروف الحالية التي يمر بها العراق، مناسب جدًا لمصر، أما بالنسبة للعراق فهو يحتاج مثل هذا التعاون للوقوف معه من أجل الخروج من تلك الأزمات المتفاقمة والمنعطف السياسي والأمني الخطير الذي ستمر به بغداد خلال الفترة القادمة”.