خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
حاليًا يبدو أننا في “إيران” بحاجة من جهة طرح سياسة خارجية جديدة تستّند إلى مكانة “إيران” الجيوسياسية الجديدة وتوسيّع نطاق سياسة الجوار من التركيّز بشكلٍ أساس على منطقة “غرب آسيا”، للتواجد والتعاون في جميع المجالات الحضارية. بحسّب تحليل “ماندانا تیشه یار رامین فخاري”؛ المنشور بصحيفة (آرمان آمروز) الإيرانية.
والاستفادة من جهة أخرى؛ من الأدوات الدبلوماسية المتنوعة في توسيّع نطاق علاقاتنا الخارجية. ويبدو أن حصر السياسة الخارجية بيد الدبلوماسيين والعسكريين لم يُعد كافيًا الآن، ونحن بحاجة إلى رؤية أكثر تنويعًا الأطراف الفاعلية على صعيد العلاقات مع دول الجوار على وجه الخصوص.
الدبلوماسية الإيرانية..
في النظريات الجيوسياسية؛ من بين العوامل المختلفة التي تشّكل السياسة الخارجية للدول، يُعتبر العامل الجيوسياسي بالعادة عاملًا أكثر استمرارية؛ حيث يتطلب حدوث تغيّيرات ملحوظة سنوات طويلة، وهذا التأخير يتسبب في أن تلعب الخصوصيات الجيوسياسية لدولة ما ودول جوارها، دورًا هامًا في بلورة العلاقات الخارجية لتلك الدولة.
ومع ذلك؛ فقد بدأ القرن الخامس عشر الهجري الشمسي في وقتٍ أصبح فيه العالم الإيراني؛ (الذي يشمل مساحة واسعة تمتد من جبال الهيمالايا إلى سواحل البحر المتوسط، ومن جبال القوقاز وسهول آسيا الوسطى إلى السواحل الجنوبية للخليج)، عُرضة أكثر من أي وقت مضى على مدى العقود الأخيرة، للاضطرابات والتوترات واختبار تغييرات جيوسياسية كبيرة.
فقد ازدادت من جهة الانقسامات الداخلية بين المجتمعات المدنية والدولة عمقًا، وتنمو من جهة الفصائل المتشدَّدة ذات الأفكار والمعتقدات المختلفة، ومن جهة أخرى، تعمل القوى الدولية على تنفيذ مشروع جديد يهدف إلى صياغة نظام إقليمي جديد في المجال الحضاري.
ما بين إيران وأفغانستان..
وفي ذكرى مرور مئة عام على توقيع اتفاقية الأخوة والمودة بين “إيران” و”أفغانستان”، وبعد نشر أكثر من (60) جامعيًا ومثقفًا من البلدين كتابًا مشتركًا يضم مقالات قصيرة عن الروابط التاريخية والثقافية بين هاتين الجارتين للمرة الأولى، وبعد أقل من شهرين، على سقوط المدن الأفغانية الكبرى الواحدة تلو الأخرى وانتهاء عصر الجمهورية الذي استمر (20) عامًا في ذلك البلد، فقد تشكل مسّار جديد من انعدام الأمن الإقليمي على الحدود الشرقية.
ولم تكد تمر فترة كبيرة على التطورات الأفغانية، حتى اندلعت الحرب “الروسية-الأوكرانية”، وتطورت “إيران” برغبة أو بدون في تطورات “أوروبا الشرقية”، وما تزال حتى الآن تعتبر واحدة من الأطراف الفاعلة في هذه الساحة، وهذا الأمر أثر على أسلوب تعاملاتها على عدد من الدول.
ومرة أخرى؛ لم تكد تمر عدة أشهر على تطورات “شرق أوروبا”، حتى شكلت عمليات (طوفان الأقصى) بـ”فلسطين”، مرحلة جديدة من التطورات في منطقتنا وبدأت لعب جيوسياسية معقدة. وقد أدت هذه اللعبة في الأشهر التالية وتحديدًا بدخول “لبنان” على صعيد الحرب، إلى تغيّير هيكل القوة في الفصائل الجهادية بـ”فلسطين ولبنان”، وأخيرًا تغييّر النظام السياسي في “سورية”.
وتعزيز دور اللاعبين الإقليميين مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية في هذه الملفات والأحداث، وتغيير نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وبدء تفاعلات جديدة بين القوى العظمى في العالم، كلها أدت إلى تسريع كبير في التغييرات الجيوسياسية في منطقتنا. وعليه يمكن ملاحظة أن الظروف الإقليمية الراهنة قد سلبت جميع الدول إمكانية استمرار السياسات السابقة، وأن نظامًا جديدًا آخذ في التشكل. ومؤكد لا يمكن إدارة الأوضاع الجديدة بأدوات وطرق قديمة. والفائزون في هذه اللعبة الجيوسياسية الكبرى الجديدة، هم أولئك الذين يقبلون الحقائق الجديدة بسرعة ويتبنون مبادرات جديدة. وبغض النظر عن مدى صحة نهجنا وأهدافنا، فإن الأساليب والسياسات القديمة لن تقودنا إلى الغاية المنشودة.