خاص : ترجمة – لميس السيد :
يبدو أن “الولايات المتحدة” قد تبنت إستراتيجية الإمبراطورية البريطانية في التعامل مع الشرق الأوسط، وخلق معارضة وتقديم المساعدة إلى الطرف الذي يعارض أعدائها. ولكن أظهر التاريخ أن هذا النهج غالبًا ما يأتي بنتائج عكسية.
كارثي على المدى الطويل..
على خلفية ذلك؛ أكد تقرير لمركز الأبحاث الأميركي (أجهزة المخابرات الجيوسياسية)؛ أنه تم إتخاذ قرارين مهمين بشأن المنطقة الكُردية في شمال “سوريا” تنطبق عليهم تلك الإستراتيجية.
أولاً؛ قرر الرئيس، “دونالد ترامب”، سحب قوات “الولايات المتحدة” التي كانت تحمي المتمردين الأكراد، ونتج هذا الوضع عن خيارات سابقة أستندت إلى مباديء معيبة أعتمدتها الإمبراطورية البريطانية قديمًا، مثل “عدو عدوي هو صديقي” أو “فرق تسد”، وفي معظم الحالات مزيج من الإثنين معًا.
يقول مركز الأبحاث الأميركي؛ من الممكن لهذا النهج أن يحقق تقدمًا وانتصارات قصيرة الأجل، كما يثبت التاريخ، لكنه يصبح كارثي على المدى الطويل.
ثانيًاً؛ شهد شمال “سوريا” غزوًا بناءًا على أمر من الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، بهدف إقامة “منطقة آمنة” تحمي “تركيا” من الهجمات الإرهابية المحتملة، التي يرعاها معقل كُردي في المنطقة.
وفي حقيقة الأمر أن “تركيا” ليست مهددة من قِبل المنطقة الكُردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال “العراق”، ولكن من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في “سوريا”، لذلك “أنقرة” لديها أسباب حقيقية للقلق، وهو ما دفعها لتنفيذ هجمات ضد شمال “سوريا”، بالرغم من أن “تركيا” تعارض النظام في “دمشق”، لكن أصبحت مصلحتها اليوم تقتضي الحفاظ على السلامة السورية لمنع قيام دولة كُردية.
“فرق تسد”.. إستراتيجية لها تاريخ..
بعد وقوع انقلاب دموي واغتيال العائلة المالكة في “العراق”؛ ووصول نخبة عسكرية إلى السلطة، شهد “العراق” إدارة البلاد، في عهد “صدام حسين”؛ بمفهوم القبضة الحديدية، بل لجأ إلى إرتكاب الإبادة الجماعية. ولكن في ذلك الوقت، دعمه الغرب في حربه مع “إيران”، التي كانت عدوًا مُعلنًا لـ”الولايات المتحدة”، حينها.
لقرون عديدة أتبعت الإمبراطورية البريطانية نهج المعارضة من أجل المعارضة فقط، حيث عززت “إنكلترا” الصراع بين “فرنسا” و”هابسبورغ”، في القارة الأوروبية، المتغيرة باستمرار، لتعزيز “توازن القوى”.
وتم غزو “الهند” بسهولة عن طريق خلق الخلاف بين الدول في شبه القارة الهندية، في القرنين الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر.
في الحقبة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، شعرت “المملكة المتحدة” بالتحدي من قِبل قوتين: “روسيا” و”ألمانيا”. كانت الحرب، في جزء كبير منها، بسبب محاولات “لندن” لتصعيد التوترات بينهما؛ وفي كل تلك الحالات، نجحت إستراتيجية “فرق تسد”، لكن نتج عنها عواقب تفكك الإمبراطورية البريطانية بعد 40 سنة.
وريثة السياسة.. والمصير..
عقب الحرب العالمية الثانية، تقمصت “الولايات المتحدة” دور الهيمنة الغربية. وبنمط غير ملحوظ، بدأت “واشنطن” في استنساخ النموذج البريطاني القديم، بمساعدة الأعداء المنافسين.
في هذا السياق؛ تلقى “صدام حسين” الدعم الأميركي ضد “إيران”. خلال الربيع العربي، دعم الغرب أولئك الذين تمردوا ضد نظام “الأسد”، بما في ذلك (داعش).
عندما تغلبت (داعش) على مناطق واسعة في “سوريا” و”العراق”، بحثت “الولايات المتحدة” عن حلفاء آخرين ضدهم. وفي ظل هذا النسق، استمرت لعبة تغيير التحالفات الغربية، التي تبنتها “الولايات المتحدة” أسوة بـ”بريطانيا”، مما زاد من تغلغل الصراع في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن تلك الإستراتيجية أدت في نهاية المطاف إلى نجاح “إيران” في تعزيز مصالحها الخاصة في “سوريا”، بينما القوة الأجنبية الوحيدة التي نجحت بسياسة ثابتة؛ هي “روسيا”، التي كان هدفها الأساس كبح جماح جماعات الإرهاب والإسلام الراديكالي، وأيضًا زيادة نفوذها في المنطقة، وقد نجحت في ذلك.