يرى خبراء ومحللون سياسيون ان الجيش العراقي قد يواجه تحديا اشد خطورة من ذلك الذي تعرضت له القوات الاميركية اذا حاول استعادة مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها مسلحون منذ الاسبوع الماضي مع احتمال سقوط الكثير من الضحايا المدنيين.
وما زال مسلحون من ابناء العشائر وآخرون من تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) يسيطرون على مدينة الفلوجة، 60 كلم غرب بغداد.
وقالت جيسيكا لويس وهي ضابط سابق في استخبارات الجيش الاميركي وتعمل حاليا مديرة بحوث في معهد لدراسة الحرب ان “قوات المارينز واجهت صعوبات عند اقتحام الفلوجة في عام 2004، والجيش العراقي غير مهيأ لخوض مثل هذه المعركة”. واضافت ان “الجيش العراقي لا يملك حاليا الاسلحة الدقيقة التصويب، واجهزة الاستخبارات اللازمة لاستعادة الفلوجة دون التسبب في سقوط الكثير من الضحايا المدنيين”.
وهذه هي المرة الاولى التي يسيطر فيها مسلحون علنا على مدن عراقية منذ التمرد الذي اعقب الغزو الاميركي للعراق في العام 2003. وانتشر الجيش العراقي حول مدينة الفلوجة منذ الاسبوع الماضي ولم يقرر بعد اقتحامها.
وكانت القوات الاميركية شنت هجوما كبيرا على هذه المدينة في عام 2004، وخاضت معركة شرسة لم يشهدها الجيش الاميركي منذ حرب فيتنام، في حين ان التجربة العراقية السابقة في مهاجمة المسلحين في المدن لم تكن حاسمة.
فقد خاضت القوات العراقية في 2008 عملية عسكرية كبيرة ضد الميليشيات الشيعية، اطلق عليها “صولة الفرسان” في مدينة البصرة جنوب البصرة، لكن القوات الاميركية تدخلت انذاك لدعم القوات العراقية، وهو خيار غير متاح في الوقت الحاضر بعد انسحاب هذه القوات في عام 2011.
وتعثرت عملية صولة الفرسان قليلا في اليومين الاولين من انطلاقها، لكن القوات الاميركية سارعت للاسناد وانقذت الموقف، حيث يقول مايكل نايت وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط، “لا يوجد احد ينقذ الموقف الان”. فقد تواجه القوات العراقية عدوا مسلحا تسليحا جيدا وذا خبرة .
وقالت لويس في هذا الصدد ان “الميليشيات العشائرية والمدنيين لديهم اسلحة وفيرة من بينها قذائف هاون وصواريخ أرض جو، كما ان المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة لديهم خبرة كبيرة في صناعة القنابل”.
ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام الفيلي لفرانس برس ان “مجرد الدخول في عمليات عسكرية من دون تنسيق واضح مع سكان المنطقة سيؤدي الى كارثة كبيرة، حيث ان المقاتلين متمرسون على حرب المدن ويعلمون كل دهاليز وخبايا المدينة”.
ويضيف ان المالكي “قد يعمل على استثمار هذه القضية والحرب ضد القاعدة كما استثمر صولة الفرسان” عندما خاض في ربيع العام 2008 معارك قاسية ضد الميليشيات الشيعية في الوسط والجنوب، وخصوصا البصرة، ما ادى الى انخفاض حدة العنف.
ونظرا لاوجه القصور المختلفة التي تعاني منها القوات العراقية ، فإن الهجوم على الفلوجة سيؤدي بشكل مؤكد الى سقوط ضحايا من المدنيين.
بدوره يقول انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتجية والدولية “بصورة عامة ان مستوى تدريب وأداء الجيش غير كاف الى حد كبير”. واضاف “عندما يكون لديك مثل هذه القوات ، فإنها تميل إلى استخدام القوة العسكرية المفرطة، ما قد يتسبب في مقتل مدنيين”.
وحذرت لويس ايضا من خطورة سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. وقالت “من المحتمل أن يستخدم المدنيون السلاح في الدفاع عن منازلهم، ضد الجيش العراقي”.
من جهة اخرى فان الهجوم على المدينة يمكن ان يقضي على أي أمل في التوصل إلى حل سياسي للازمة.
وقالت لويس في هذا الصدد “اذا هاجم الجيش العراقي الفلوجة، فان الميليشيات العشائرية المنضوية تحت لواء المجالس العسكرية العشائرية ستنظم تمردا، ولن يكون هناك حل سياسي”.
ويرى مراقبون ان احد اسباب التريث حيال قضية الفلوجة تتعلق باللون الطائفي لهذه المدينة، حيث ان مهاجمتها قد تزيد سخط السنة على المالكي نفسه، وبشكل عام على السلطة التي يهيمن عليها الشيعة منذ الاجتياح الاميركي عام 2003.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع محمد العسكري استبعد الثلاثاء ان تقوم القوات العراقية باقتحام مدينة الفلوجة “الان”، وذلك “حفاظا على دماء” اهاليها. بدوره، توقع مسؤول اميركي كبير الا يتدخل الجيش العراقي في الفلوجة قريبا وقال “لا نتوقع تحركا وشيكا للقوات المسلحة لدخول المدينة”.